صعود نجم إيادغالي كمرشح لخلافة الظواهري..
تقرير: أسباب موضوعية تفوق فرع "القاعدة" في الساحل الإفريقي؟
بدأ نجم تنظيم القاعدة كتنظيم جهادي عالمي نفذ هجمات دموية في أكثر من بلد يخفت في السنوات الأخيرة بسبب عدة عوامل أبرزها مقتل زعيمه أسامة بن لادن في غارة أميركية على الحدود الباكستانية سنة 2011 إضافة الى اغتيال قيادات مؤثرة أخرى وصعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن الضربات التي تلقاها التنظيم مؤخرا بمقتل الذراع اليمني للزعيم الحالي للقاعدة أيمن الظواهري ومسؤول ملف الإعلام ومدير قناة السحاب المتخصصة في نشر بيانات ومرئيات القيادة المركزية، حسام عبدالرؤوف المكنى بأبي محسن المصري، في منطقة قريبة من غزني جنوب شرق أفغانستان، بالتزامن مع مقتل مساعد آخر للظواهري مقيم بإيران وهو عبدالله أحمد عبدالله المكنى بأبي محمد المصري، مع ابنته مريم وهي أرملة حمزة بن لادن دفع الى نقل مركز ثقل هذا التنظيم الى الفرع الأفريقي.
وفي مقابل هذا التراجع لفرع القاعدة في اسيا خاصة مع تعرض قيادات بارزة للاغتيال والتصفية سواء في افغانستان او ايران او اليمن او سوريا واضمحلاله في العراق بدا فرع التنظيم في الساحل الافريقي يبرز ويزداد قوة.
صعود نجم إيادغالي كمرشح لخلافة الظواهري
ومع ضبابية وضع زعيم التنظيم ايمن الظواهري والتي تحدثت مصادر اميركية انه توفي نتيجة مرضه على الحدود الافغانية الباكستانية تبرز جليا جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهي الفرع القاعدي في منطقة الساحل الأفريقي وزعيمها "إياد أغ غالي".
وتمكن هذا التنظيم من الاحتفاظ بقوته كاملة دون تعثر أو فقدان للقوة البشرية والتسليحية، وتحقق مكاسب سياسية لافتة.
واصبح "اغ غالي" اسما مرشحا لتولي قيادة القاعدة خلفا لايمن الظواهري بعد سقوط قادة بارزين من أصول عربية او اسياوية تباعا.
وحقق غالي انتصارات ميدانية وسياسية في إفريقيا ما ادى الى تقوية شوكة القاعدة خلال الحروب والمواجهات العسكرية التي قادها، فضلًا عن دوره في الترويج لفكر القاعدة ومزجه بالعصبية الإثنية والقبلية المحلية.
اما الانتصار السياسي لهذا القيادي هو تمكنه من عقد صفقة تبادل سجناء، حرر بموجبها مئة وثمانين من أعضاء تنظيمه في مقابل إطلاق سراح أربعة رهائن غربيين مختطفين لدى جماعة نصرة الإسلام.
هذه الانتصارات رفعت من أسهم "اياد اغ غالي" لدى أنصار القاعدة في مقابل تراجع شعبية التنظيم في دول عربية واسياوية خاصة الفرع السوري حيث ظهر أبومحمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام وكانه يتبرأ من التنظيم المركزي لأسباب جيوسياسية بل وتورط تنظيمه في قتل قادة تنظيم حراس الدين المحسوب على القاعدة المركزية.
وحاول غالي استغلال ضعف القاعدة المركزية وفروعها في الشرق الاوسط والمنطقة العربية ليظهر بمظهر القيادي القادر على الحفاظ على صورة التنظيم من الانهيار حيث عرض أنصار تنظيم القاعدة صورًا لأعداد من المُطلق سراحهم وتضم أبوالدرداء الموريتاني، كما نشروا صورًا لإياد غالي وهو يحيي هؤلاء ويقيم لهم الولائم، ما جعل جماعته التي تتمدد في عمق بعض الدول الأفريقية يُنظر إليها كأقوى جماعة جهادية في المنطقة.
في المقابل تعرض قادة عرب للتصفية فيما اختفى آخرون على الانظار وخسروا كثيرا من الساحات.
ويراهن أنصار التنظيم على قادة الأفرع في أفريقيا لاستعادة الهيبة في ظل تمتعهم بالقوة والحضور اللافت داخل المجتمعات المحلية، فضلًا عن النفوذ الكبير الذي تتمتع به أفرع القاعدة في أفريقيا، بالمقارنة بمثيلاتها في آسيا بعد ان اصبحت قيادة المركزية لتنظيم القاعدة سوى نسخة هزيلة عما كانت عليه في الماضي.
وعرض الأستاذ في جامعة هافيرفورد في بنسيلفانيا براك ميندلسون فرضية أن تلعب قيادة القاعدة في المستقبل دور "مجلس استشاري" فحسب، موضحا أن المجموعات الجهادية "ستستمع إلى الإدارة المركزية للقاعدة إن شاءت، وليس لأنها تعتقد أنها ملزمة باتباعها".
داعش منافس قوي للقاعدة في إفريقيا
وفي المقابل فإن تنظيم القاعدة على خلاف إيديولوجي وعسكري على أكثر من صعيد مع تنظيم الدولة الإسلامية الناشط بزخم على مواقع التواصل الاجتماعي والذي تخطى القاعدة ليتصدر التيار الجهادي في العالم، ولو أنه أضعف هو أيضا بعدما طردته قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من مناطق سيطرته حيث أعلن "دولة الخلافة"، عند الحدود بين العراق وسوريا.
ولداعش تواجد مهم في إفريقيا خاصة وان تنظيم بوكو حرام الذي قرر مبايعة الدولة الاسلامية في 2015 من التنظيمات النشطة في افريقيا وشن هجمات ضد عدد من جيوش دول افريقية كنيجيريا والتشاد والنيجر.
لكن رغم هذا الحضور لداعش لكن فرع القاعدة يظل هو المهيمن على العمل الجهادي في منطقة الساحل والصحراء.
محاولة التخلص من ارث بن لادن
وتكمن أهمية عمليات الاغتيال التي حدثت مؤخرا لقيادات بارزة سواء في افغانستان اوايران كونها كانت مقربة من القيادي المقيم في إيران سيف العدل، واسمه الحقيقي محمد صلاح الدين زيدان، والذين كانوا جميعا من المرشحين المحتملين لخلافة الظواهري في قيادة القاعدة.
كما ان المستهدفين بالاغتيال هم الأثر الوحيد المتبقي من برنامج حمزة بن لادن، الذي كان مؤملًا له ضخ الدماء في عروق القاعدة التقليدي وبعثه بعد أن شهد مرحلة كمون وتراجع خلال قيادة الظواهري.
ويظهر جليا محاولات واد آثار المدرسة التي تبنى منهجها بن لادن الابن، والمتعلقة بمحاولات إحياء منهج تعامل بن لادن الأب مع الغرب والثأر لمقتله عبر شن هجمات في عمق مجتمعاتهم، وبعض الدول العربية على نسق "الذئاب المنفردة".
ويبدو ان الولايات المتحدة تقوم بعمليات الاغتيال للصف الثاني والثالث في القاعدة في اطار مخطط كامل لضرب كل محاولة لظهور قيادة جديدة نشطة قادرة على إحياء إرث بن لادن الأب وإعادة تموضع التنظيم في قلب مسار الجهاد العالمي.
لكن عمليات الاغتيال صبت في النهاية لصالح الفرع الإفريقي لتنظيم القاعدة الذي تحول الى مركز ثقل حقيقي للتنظيم.
أسباب موضوعية لتفوق فرع القاعدة في إفريقيا
وهنالك أسباب موضوعية لتفوق فرع القاعدة في الساحل الإفريقي اولها ان قيادات القاعدة في الفروع داخل المنطقة العربية فقدوا فرص لعب أدوار على مستوى المنافسة في إدارة شؤون القاعدة المركزية نتيجة تحولهم إلى تمكين فروع القاعدة في المجتمعات والمكونات المحلية بدون روابط مع قيادة مركزية أو نشاطات تعتنق الجهاد العالمي مع الحرص على فك الارتباط التنظيمي مع القاعدة الأم في سياق نسخة جديدة تكف يدها عن الصراع مع الغرب والولايات المتحدة.
هذا الأمر حصل مع تنظيم الجولاني الذي حاول في فترة معينية قطع علاقاته بالتنظيم المركزي بعد ضغوط دولية فرضتها التحولات الجيوسياسية في سوريا.
واستغل الفرع الإفريقي مواقف قادة الفروع العربية للململة شتات التنظيم مع المحافظة على زخم المنطلقات وأولها العداء للغرب " الكافر" وهو في النهاية ما ميز التنظيم وخاصة مدرسة بن لادن.
حيث واصل تنظيم اياد اغ غالي علاقاته بالتنظيم الام ورفض الانفصال عنه ما سيمكنه من لعب دور مهم في القيادة المركزية ويتحول الى مرشح واعد لقيادة التنظيم.
كما يتمتع التنظيم الذي يقوده إياد غالي في الساحل الأفريقي بإسناد قوي من جماعات أخرى لا تزال فاعلة وناشطة كحركة الشباب الصومالية التي تنفذتى هجمات في كينيا والصومال.
واستطاع تنظيم "اغ غالي" ان يحافظ على بيعة الظواهري وأدبيات القاعدة التقليدية المتعلقة بقتال العدو البعيد بل وترجمة ذلك على الارض بتنفيذ هجمات ضد القوات الفرنسية والغربية في مالي وهو ما جعله بطلا بل ومحررا في اعين عدد من القبائل شمال مالي.
وما يميز تنظيم "غالي" عن بقية أفرع القاعدة في المنطقة العربية هو قدرته على اتباع سبل مرنة والتحول للمحلية وكسب السكان المحليين ورفضه منح الأولوية لفرض تفسيرات متشددة للشريعة والمقدرة الفعلية على تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المناطق التي يهيمنون عليها وهو ما فشلت فيه الفروع الاخرى في الشرق الاوسط واسيا.
ويتضح جليا ان شخصية "اياد غالي" اصبحت ترمز لأنصار القاعدة بقدرتها على الحفاظ على الافكار والمبادئ في ظل تراجع قيادات عربية عن تبني تلك الافكار بشكل واضح بل واتهامهم بالخذلان والتقصير.
ولان سيطر الجهاديون من شمال أفريقيا، خاصة في ليبيا وتونس والجزائر، على الساحة الجهادية وعلى تنظيم القاعدة في أفريقيا والمنطقة العربية لفترات طويلة، تبدلت الأوضاع بعد مقتل قائد القاعدة في المغرب الإسلامي عبدالملك دروكدال في يونيو/حزيران الماضي لتكون منطقة الساحل الافريقي مركز الثقل.
وظهر ضعف جماعة درودكال بعد مقتله حيث لم يتمكنوا من ايجاد بديل له طيلة 5 اشهر بل وقال قادة واعضاء تائبون من التنظيم ان هنالك صراع داخلي بين الأمراء لقيادة الفرع ما دفع السلطات الجزائرية لاستغلال الفرصة للقضاء عليه.
ودخل فرع التنظيم في تونس "جماعة عقبة" في صراع مع جنود الخلافة التابع لداعش ما ادى الى ضعف المشروع الجهادي في السنتين الاخيرتين داخل هذا البلد الذي تمكن من اعادة استقراره الامني.
كما يعيش فرع اليمن القريب من التنظيم المركزي تراجعا غير مسبوق مع تصاعد العمليات الغربية ضده ما كشف عن أزمة القيادة والانشقاقات الكبرى داخل التنظيم منذ مقتل زعيمه السابق قاسم الريمي وغموض مصير قائده الحالي خالد باطرفي.
وأمام كل هذه العوامل يظهر ان فروع الهامش خاصة الإفريقية منها ستكون القائدة للعمليات العسكرية لهذا التنظيم حيث ترتفع أسهم إياد غالي، وغيره من قادة القاعدة بأفريقيا، كقادة مرشحين لقيادة القاعدة في المرحلة المقبلة، مع تطلع أتباع التنظيم إلى ظهور قيادة جديدة قادرة على إعادة تموضع الجماعات الأخرى الموالية للتنظيم الأم عن طريق تقريبها إلى المركز.
ويظهر جليا ان ايمن الظواهري ان كان حيا غير قادر على مواجهة التطورات المتلاحقة في المنطقة وانه يظل حبيس مخاوف امنية على الحدود الافغانية الباكستانية ما سيؤدي في النهاية الى مزيد تمزيق وإضعاف التنظيم الجهادي.