حكومةَ المناصفة الجديدة..

تقرير: "جوهر اتفاق الرياض".. هل يحتوي الصراع بين الشمال والجنوب؟

«جوهرُ» اتفاق الرياض.. ماذا يقصد معين عبد الملك؟

إياد الشعيبي
في تصريحات حمّالة للأوجه، من شأنها أن تُثير المزيد من الجدل، اعتبر رئيس الوزراء اليمني الجديد حكومةَ المناصفة بين الشمال والجنوب، بأنّها حكومة «وحدة وطنية»، رافضاً اعتبارها حكومة محاصصة.
عبد الملك قال، أمس الاثنين، في حديث لقناة العربية سيبث الجمعة أنّ «الحكومة الجديدة هي حكومة وحدة وطنية وليست محاصصة، وجاءت لإنهاء الانقسامات الكبيرة التي عطلت مؤسسات الدولة، وهو ما يمثل جوهر اتفاق الرياض.»
الحديث عن «الوحدة الوطنية»، بمعناه السياسي والجغرافي العام، أمرٌ مكروه بشدّة بين أهالي الجنوب ، فذلك لا يتفق مع أهدافهم السياسية والاستراتيجية على المدى البعيد، في العلاقة مع الشمال. يكفي أنّ ذلك من شأنه أن يفتح جروحاً غائرة في ذاكرتهم الجمعية والوطنية، نتيجة ما تعرضوا له عقب الوحدة "الفاشلة" التي خاضتها دولتهم الجنوبية مع الدولة الشمالية في العام 1990.
وفقاً لـ «جوهر» ومضمون اتفاق الرياض الموقّع بين طرفيه، الجنوب (المجلس الانتقالي الجنوبي) والشمال (حكومة الرئيس هادي)، فإنّ تشكيل الحكومة يتم بالمناصفة بين الشمال والجنوب، لاحتواء الصراع داخل الجنوب واللجوء للسياسة لاستكمال القضايا العالقة، وهو ما تم إنجازه خلال الأيام الماضية، وتمخّض بإعلان الحكومة في 18 ديسمبر كانون الأول 2020.
لا يُمكن التأكّد حالياً، أنّ حديث عبد الملك استفزاز متعمّد للجنوبيين وللمجلس الانتقالي الجنوبي، كما فسّره بعض الناشطين، أو أنّ ذلك محاولة لإثارة مواقف سياسية في وقت حساس كهذا، والحكومة الجديدة لم تؤدِ حتى القسم الدستوري بعد. فربما بلغ تفاؤل الرجل مرحلةً استثنائيةً بعد هذا الاحتفاء الجنوبي «الحذر»، لأول مرة، والترحيب العربي والدولي الواسع الذي ضرب أطناب الأرض خلال اليومين الماضيين، بتشكيل حكومة المناصفة، التي يرأسها.
ومن ناحية أخرى، إنّ تعاطي المجلس الانتقالي الجنوبي بصورة جادة وحاسمة في تنفيذ اتفاق الرياض، وتقديم تنازلات متكررة لإنجاح مساعي الوسيط السعودي خلال الأشهر الماضية، لا يُمكن أن تفهمه النخبة السياسية اليمنية، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، على أنه حسنُ نية مفروشاً بالورود، أو صك تسليم لقضية الجنوبيين الوطنية، كما يقول مسؤولو المجلس.
يتمسّكُ المجلس الانتقالي الجنوبي بوضع المسمّيات الصحيحة للمرحلة السياسية الراهنة ومنتجاتها المختلفة. فالحكومة مع الشمال هي «حكومة مناصفة» مع الجنوب أيضاً، وما كان أوله شرطٌ كان آخره نور.
قد يرى آخرون، أنّ الغوص في هذه التفاصيل، سابق لأوانه، ولا يستدعِ التحليل، خصوصاً وأنّ بناء الثقة وتعزيز فريق العمل الحكومي، يتطلّب حنكة في القيادة، وذكاء في التعاطي، ومسؤولية في خلق التوازنات.
ساهم رئيس الوزراء الحالي مع المجلس الانتقالي الجنوبي في خوض صراع سياسي غير عادي في مواجهة ما يسمّى «جناح الصقور» داخل حكومة هادي السابقة، المتهمّ بولاءه لقطر وتركيا وتنظيم الإخوان المسلمين، والذي كان منصب رئيس الوزراء موضوعاً نصب أعينه.
هناك «تحالف الضرورة» تشكّل بإسناد سعودي، وأنتج واقعاً مهّد لخلق «خليط سياسي متناقض» داخل بوتقة الحكومة الجديدة. ليست ذلك سابقة. فكثير من حكومات الدول ذات الأنظمة الديمقراطية، تنتهج مبدأ المحاصصة السياسية، الذي لا يمثّل عيباَ سياسياً يُمكن تحاشيه.
إنجاح جهود حكومة المناصفة، والمضي في تعزيز الثقة بين أطرافها السياسية «الفاعلة»، يتطلّب مواقف شجاعة تحدد مفاهيم يمكن البناء عليها لحل قضايا جذرية كقضية شعب الجنوب، ومساعيه الوطنية في استعادة دولته الجنوبية، والتمسّك بجوهر الحلول لا بقشورها أو صبّ المزيد من الزيت على النار.