بالتزامن مع التحسن الكبير الذي تشهده العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية..
تقرير: عودة حكومة المناصفة.. هل تنهي الوضع الخدمي في الجنوب؟
بعد عودة حكومة المناصفة بين الجنوب والشمال إلى العاصمة الجنوبية عدن هذا الأسبوع، ضمن التطبيق العملي لبنود اتفاق الرياض، التي تمخضت عنه هذه الحكومة، والمتضمّن تسمية محافظين ومدراء أمن لعدة محافظات جنوبية بالإضافة إلى عدن. وتأتي عودة الحكومة في مناخ من التفاؤل الحذر يسود الشارع العدني والجنوبي، بالتزامن مع التحسن الكبير الذي تشهده العملة اليمنية مقابل العملات الأجنبية بنسبة تصل 30%، وهو تحسن بدأ فور تسمية هذه الحكومة في 18 من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وتُثير عودة حكومة المناصفة إلى عدن التساؤلات الكثيرة، فبينما يؤكّد الجميع أنّها حكومة خدمات واقتصاد قبل أي شيء، لا يمكن- بأي حالٍ من الأحوال- إغفال حقيقة أنّها- أي الحكومة- تواجه ألغام كبيرة كفيلة بالقضاء عليها. فهي تواجه أزمة حقيقية في الاندماج مع الشارع العدني بشكل خاص والشارع الجنوبي بشكل عام، والذي ينظر لهذه الحكومة من خلال حصة المجلس الانتقالي الجنوبي فيها، بينما يُبدي توجسه من شخصيات في الحكومة محسوبة على الشمال، لها إرث سياسي ضد الجنوبيين.
من شأن أي استفزازات إعلامية أو سياسية حكومية مُسيئة لتضحيات الجنوبيين وقضيتهم، أن تهدد بإثارة الشارع الذي قدّم عشرات الآلاف من الشهداء في سبيل قضيته الوطنية التي يكافح من أجلها، كما يقول مراقبون. تكرار أساليب الحكومات السابقة، التي اتخذت نهجاً صداميا مع الشارع الجنوبي، قد يدمّر ثقة الناس بهذا الاستحقاق السياسي الذي رعته الرياض.
حكومة خدمات
وإضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال، أنّ من أهم أسباب اندلاع الأزمة في الجنوب- والتي أدت لإسقاط حكومتين يمنيتين سابقتين وطردهما من عدن- هو تردي بل انهيار الوضع الخدمي في عدن ومحافظات الجنوب، وانتشار الفساد العميق المستشري بأوصال وبنيان الحكومات السابقة، إذ أخذَ المجلس الانتقالي الجنوبي- بوصفه الكيان المفوّض شعبياً لتمثيل الجنوبيين - على عاتقه نصرة وحماية الناس في عدن والجنوب. وعندما تحوّلت الحكومات السابقة - أحدها كان برئاسة السياسي اليمني أحمد عبيد بن دغر - إلى حكومات مسيّسة، لاستهداف المشروع الجنوبي، أكثر منها حكومة خدمات وتسيير أمور الناس، كان ذلك إيذانا ببدء عهد من الأزمات المتوالية التي أسقطتها، وتسببت بنزاع عسكري وخيم.
واليوم يترقّب الشارع العدني والجنوبي نوعَ الدور الذي ستلعبه هذه الحكومة المكوّنة من معظم الأطياف والألوان السياسية والحزبية الجنوبية والشمالية، من بينها - ولأول مرة منذ الوحدة اليمنية - شخصيات جنوبية تنتمي لحركة التحرر والاستقلال الجنوبية، التي انبثق عنها المجلس الانتقالي الجنوبي في 2017.
وتغرق عدن ومحافظات الجنوب وجيوب الشرعية في مأرب وتعز - أجزاء من الشمال لا يسيطر عليها الحوثيون- في مستنقع الانهيار الاقتصادي الوخيم، وانهيار للخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى تدهور النظام الصحي بالتزامن مع التفشي العالمي لجائحة كورونا، وكذا أزمة انقطاع المرتبات- خصوصاً القطاع العسكري- والتي تحوّلت إلى كابوس يؤرق مئات الألاف من الأسر التي تعتمد بشكل مباشر على هذه المرتبات الضئيلة للبقاء على قيد الحياة، وغيرها من الأزمات والانهيارات الأخرى التي يتوقع أن تعمل عليها الحكومة الجديدة.
لكن، لا يزال الدور الحكومي المرتقب مُهدداً بالفشل والتحوّر عن مساره، إذ لا زالت القوى المتضررة من اتفاق الرياض- الحوثيون والإخوان المسلمون- تعمل جاهدة على تقويض كل جهود التوافق، وتبديد كل فرص نجاح هذه الحكومة، ولا تزال هذه القوى- خصوصاً الإخوان- تملك نفوذاً كبيراً وعميقاً في دوائر القرار والتأثير في الشرعية اليمنية التي يرأسها عبد ربه منصور هادي، ولديها وزراء ضمن حصتها في حكومة المناصفة الجديدة، والعديد من الأوراق الداخلية والخارجية الأخرى التي ستحاول من خلالها، وفقاً لمراقبين، إفشال هذه الحكومة، وإفشال تنفيذ اتفاق الرياض الذي رعت المملكة العربية السعودية.
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أكّد في تغريدة له على تويتر، أنّ من مهام الحكومة الجديدة هو مؤسسات تُبنى، واقتصاد يتعافى، وأمن يستتب، وانقلاب حوثي تتم مواجهته، وهذا هو المعيار الذي سينظر الشعب والقيادة من خلاله لهذه الحكومة.
لكن، غالباً ما تكون تصريحات الرئاسة اليمنية "رنانة" و"معزولة عن الواقع" و"مُستهلكة"، فالأجنحة العميقة التي قادت الحكومة السابقة، والتي ينتمي معظمها للإخوان، لا تزال تملك نفوذاً في حكومة المناصفة. ويبقى الرهان على نجاحها هو بتحييد أي نفوذ محتمل للجماعة، أو تلك الأطراف الموالية لها.
وردّاً على تغريدات الرئاسة اليمنية، قال عضو الجمعية الوطنية بالانتقالي الجنوبي، وضاح بن عطية، أنّ الرئيس اليمني لا يستطيع إقناع أحد بهذه التغريدات ما دام زعيم الإخوان المسلمين في اليمن، علي محسن الأحمر، نائباً له.
تهديدات الفشل
وتمثّل الميليشا التي لا تزال، تُسيطر على محافظة شبوة وأجزاء من محافظة أبين شرقي عدن، وهي القوات التي يقودها الضابط، الذي ينتمي لتنظيم الإخوان، "سعيد بن معيلي"، والمقرّب من نائب الرئيس اليمني، علي محسن الأحمر، أحد التهديدات التي قد تنذر بعودة الصراع. على الرغم من أنّ التحالف العربي وجه رسائل إنذار واضحة، لتلك القوات، حسب مصادر عسكرية مطلّعة.
وشكّلت قوات "بن معيلي" رأس حربة المعارك ضد الجنوب ومحاولات اجتياح عدن طيلة الأشهر الماضية، وكادت في مراحل كثيرة أن تقضي على اتفاق الرياض بخروقاتها المتكررة ومحاولاتها المستمرة التقدم صوب عدن، مُعززة بعناصر متطرفة وإرهابية، مدعومة من أطراف إقليمية عدة، كما يتهمها مسؤولو المجلس الانتقالي الجنوبي.
وكشفت وكالة أنباء الصين الاثنين، وفقاً لسكان ونازحين من مدينة شقرة بأبين، عن أعمال وصفتها بـ"الانتهاكات الإنسانية"، قالت أنها مارستها جماعات مسلحة شمالية، موالية للحكومة اليمنية في المدينة، بينها أعمال اختطاف ومصادرة أملاك.
ورغم أنّ هذه القوات قد شملها الشق العسكري من اتفاق الرياض، والذي ينص على عودتها لثكناتها وجبهات القتال ضد الحوثيين في الشمال، إلا أنّها لا تزال متواجدة في مدينة العرقوب، بحسب مصادر محلية، وهو ما يُهدّد ببقاء حالة التوتر العسكري والأمني، الأمر لذي سينعكس بشكل مباشر على أداء حكومة المناصفة الجديدة في عدن.
مؤشرات "النية في التصعيد وإفشال حكومة المناصفة" التي تظهرها قوى الإخوان والأطراف المتضررة من اتفاق الرياض كالحوثيين تتجلى بوضوح بجملة من الأحداث مؤخراً، أبرزها التصعيد الذي يتزعمه الشيخ القبلي "علي سالم الحريزي" في محافظة المهرة، المتهم بتلقي الدعم من الحوثيين ودولة قطر، بهدف إثارة الفوضى والانقسام وتمزيق النسيج المجتمع المهري، كما يقول الشيخ السلطان "عبدالله بن عيسى آل عفرار"، رئيس المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى، في فيديو مصور له على حسابه الشخصي في منصة تويتر.
وسبق وصول الحكومة إلى عدن عملية اغتيال طالت ضابط المشتروات في قوة حرّاس الجمهورية التابعة لنجل شقيق الرئيس اليمني السابق، العميد طارق محمد عبد الله صالح، في مدينة الشيخ عثمان بعدن، الرائد نادر عبد اللطيف الشرجبي، مساء الأحد الماضي.
وكتب رئيس مركز "أبعاد" للدراسات، عبد السلام محمد، وهو محلل سياسي ينتمي لجماعة الإخوان، تزامناً مع عملية اغتيال الضابط "الشرجبي"، على صفحته في فيسبوك، عن ما أسماها محاولة لإحلال قوات طارق صالح بدلاً عن قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، وهو ما سيتسبب في فوضى قادمة في العاصمة عدن.
وتعليقاً على حديث، عبد السلام محمد، قال رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات، إياد الشعيبي، أنَّ هذه التصريحات تكشف "ربما" خلفيات "اغتيال الشرجبي"، والتي تشكّل- بحسب الشعيبي- بداية لمشروع الإخوان، المدعوم من قطر وتركيا، لإفشال "مساع التحالف" و"إقلاق عدن" و"إفشال أي جهد حكومي مشترك، لا يتحكم به الإخوان".
عواقب عودة البرلمان
وتزامنا مع عودة الحكومة إلى عدن، اُثيرت مسألة عودة مجلس النواب اليمني إلى عدن، وعقد جلساته هناك، وهو ما يُنذر بتعكير الجو العام واستفزازٍ آخر للجنوبيين في الجنوب، الذين يتقبّلون- على مضض- تواجد حكومة المناصفة الجديدة، فكيف بالبرلمان اليمني الذي يراه السواد الأعظم منهم، هيئة عتيقة لمنظومة صنعاء، التي شرّعت اجتياح الجنوب في صيف يوليو 1994.
وتجنّباً لاستفزاز الجنوبيين، دعا عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، عمرو البيض، إلى عقد جلسات البرلمان اليمني "افتراضياً" عبر برنامج "زووم".
هذه المخاوف أشار لها الشيخ هاني بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في تغريدة له على منصة تويتر، حيث دعا الحكومة ووزرائها إلى "تقدير تضحيات الجنوبيين، واحترام الرأي العام في الجنوب"، وأن يكون تركيزها "على الخدمات وتوجيه الجهود العسكرية لمواجهة الحوثي".
ثلاثة تحديات رئيسية
وتتلخص تحديات حكومة المناصفة الجديدة- إذا ما عملت بعيداً عن الإملاءات والأجندة الحزبية والإقليمية المعادية - في ثلاث نقاط رئيسية هي: التجانس الوظيفي بين أفرادها المتوزعين على مناطق وتكتلات سياسية عدة، والوضع الاقتصادي المتدهور باطراد، والجماعة الحوثية في الشمال.
------------------------------
المصدر| سوث24