تطابق الموقف "الأمريكي- السعودي" إزاء الملف اليمني..

تقرير: "رؤية واشنطن".. إنهاء الحرب والبدء في وقف دائم لإطلاق النار

مصير العلاقات الأميركية الإيرانية وخلافات الاتفاق النووي عاملان حاسمان في بلورة رؤية واشنطن تجاه الي

صالح البيضاني
كاتب وباحث وسياسي يمني، عضو مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، عضو الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.

صعدت الميليشيات الحوثية في اليمن المدعومة من إيران هجماتها التي استهدفت مدينة مأرب والأراضي السعودية، بالتزامن مع تزايد الحراك الدولي لإنهاء الحرب وبلورة رؤية للبدء في وقف دائم وشامل لإطلاق النار والشروع في مشاورات جديدة للسلام. ويبدو أن تطابق الموقف السعودي إزاء الملف اليمني مع تصريحات مسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن سيضع الولايات المتحدة أمام تعقيدات كثيرة قبل التوصل إلى حل شامل.

انتقلت استفزازات الحوثيين للسعودية إلى نقطة تصعيدية أعلى في أعقاب رفع إدارة الرئيس جو بايدن اسم الجماعة من اللائحة الأميركية الإرهابية، والإعلان عن تجميد الدعم العسكري وبعض صفقات السلاح للتحالف العربي وتزايد الخطاب الأميركي المطالب بإغلاق ملف الحرب اليمنية تحت دواع إنسانية.

ويواصل الحوثيون شن هجمات عسكرية متصاعدة على محافظة مأرب الاستراتيجية، في محاولة لتحقيق مكاسب عسكرية خاطفة على الأرض قبيل تبلور الموقف الإقليمي والدولي الضاغط لوقف إطلاق النار وتحريك المسار السياسي للأزمة اليمنية.

وأعلنت السعودية الأربعاء عن تمكن دفاعاتها الجوية من إحباط هجوم بطائرة مسيرة أطلقها الحوثيون باتجاه خميس مشيط جنوب غرب البلاد، في الوقت الذي أعلن فيه الناطق باسم الحوثيين يحيى سريع استهداف 4 طائرات حوثية مسيرة لمطار أبها الدولي قالت الرياض إنه تسبب في اندلاع حريق وتضرر طائرة ركاب مدنية.

كما تزامن التصعيد الحوثي مع زيارة مزدوجة يقوم بها المبعوثان الأممي مارتن غريفيث والأميركي تيموثي ليندركينغ إلى الرياض، بهدف إنضاج رؤية غريفيث المعروفة بالإعلان المشترك التي تتضمن خطة دائمة لوقف إطلاق النار وترتيبات الشروع في المرحلة الانتقالية.

ارتباك أميركي

اعتبر مراقبون أن أبرز ما يميز الخطاب الأميركي، الذي تنتهجه إدارة بايدن تجاه الملف اليمني، هو حالة الارتباك والرسائل المتناقضة التي تكشف عن عدم تشكل استراتيجية أميركية واقعية ومتكاملة حتى الآن إزاء قضايا المنطقة.

ويرتكز موقف واشنطن الذي كشفت عنه التصريحات الخاطفة لبايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي جدد في أحدث تصريحاته على أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي بينما يهاجم الحوثيون السعودية، مشددا على ضرورة وقف الحرب إلى جانب حماية أمن حلفاء واشنطن في المنطقة.

وقال بلينكن في تغريدة له على تويتر الخميس “تحدثت مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان. السعودية شريك أمني مهم. لن نقف مكتوفي الأيدي بينما يهاجم الحوثيون السعودية. نظل ملتزمين بتعزيز دفاعات السعودية وإيجاد تسوية سياسية للصراع في اليمن”.

ويشير هذا الموقف إلى أن إدارة بايدن ربما بدأت تدرك كارثية التعاطي الناعم مع التصعيد الحوثي، والذي تسبب في إعطاء انطباع بضبابية موقف واشنطن الذي أحرجته الهجمات الحوثية الأخيرة.

وكان ليندركينغ الذي أدى أول زيارة له إلى الرياض قد التقى بنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، وقالت وسائل إعلام سعودية إن اللقاءات تطرقت إلى بحث المستجدات على الساحة اليمنية واستعراض الجهود المشتركة لدعم سبل الوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية.

ووفقا لمصادر دبلوماسية، ربما تكون الرياض قد نجحت سريعا في التوصل إلى مشتركات عديدة مع إدارة بايدن حول أساسيات الحل التي تقوم على أمرين أساسيين؛ الأول ضرورة وضع حد للحرب المستمرة منذ ست سنوات عن طريق الحل السياسي، والثاني ضمان الأمن الإقليمي لدول المنطقة بما في ذلك وضع حد للتهديدات الحوثية المستمرة التي تمثلها الصواريخ والطائرات الإيرانية المسيرة التي تستخدمها الميليشيات في مهاجمة الأراضي السعودية.

وتشير المصادر إلى أن الدبلوماسية السعودية استطاعت تفكيك حالة التحفز الأميركي الذي أبدته إدارة بايدن منذ الساعات الأولى لوصولها إلى البيت الأبيض، بعد أن باتت الكرة في ملعب فريق بايدن المكلف بإدارة ملف الشرق الأوسط والذي ظهر أكثر تعقيدا على الأرض مما هو في غرف المشاورات السياسية التي لا يبدو أن واشنطن قادرة على حشر كل تناقضات المنطقة بداخلها.

ويقول مراقبون إن مسؤولية إقناع الحوثيين ومن خلفهم النظام الإيراني بوقف التصعيد العسكري والذهاب لتسوية سياسية عادلة، باتت مسألة تقع على عاتق الأمم المتحدة والإدارة الأميركية التي وجدت أن الخطوط العريضة لرؤيتها لحل الصراع اليمني هي ذاتها المعلنة لدى قيادة التحالف العربي.

لكن الإشكالية تكمن في القدرة على دفع إيران للكف عن الاستمرار في سياستها العدوانية التي تجلت عبر وزارة الخارجية عقب زيارة غريفيث إلى طهران والتقى خلالها بمسؤولين لم يخفوا زهوهم بتحقيق انتصار إضافي في المنطقة، والرهان على سحب مكاسبهم المتناثرة في ملفات سوريا والعراق ولبنان واليمن إلى طاولة المفاوضات القادمة مع أوروبا والولايات المتحدة حول استئناف العمل بالاتفاق النووي.

وإزاء التصلب الإيراني، لم تتجاوز المواقف الأميركية والأممية عتبة الإدانات الصحافية للتصعيد الحوثي سواء في مأرب أو الهجوم على مطار أبها الذي عبرت وزارة الخارجية الأميركية عن إدانة واشنطن له، والإشارة إلى أن توقيت الهجوم الذي تزامن مع أول زيارة لليندركينغ إلى الشرق الأوسط لتحقيق سلام مستدام في اليمن من شأنه تخفيف معاناة الشعب اليمني.

وحول حالة الارتباك الأميركي أو رغبة واشنطن ربما في استثمار التصعيد الحوثي للضغط على التحالف العربي في اليمن لانتزاع مكاسب سريعة لصالح مشروعها لإعادة ترتيب الشرق الأوسط، أكد وكيل وزارة الإعلام اليمنية نجيب غلاب على غياب الرؤية الأميركية الخاصة حتى الآن تجاه الملف اليمني.

وأشار إلى أن واشنطن تلقي بثقلها السياسي خلف رؤية الحل الشامل التي وضعها غريفيث في الإعلان المشترك، فيما لم تضف الإدارة الأميركية أي جديد سوى الاكتفاء حتى الآن بتعيين مبعوث وجعل الملف اليمني ضمن أولوياتها وهذا لا يمثل ضغطا على السعودية.

ولم يخف غلاب حقيقة أن التصعيد الحوثي مرتبط بإيران ومتطلبات أمنها وتفاوضها حول ملفها النووي، كما أن جماعة الحوثي تتحدى الجميع في ظل مساع جادة للحل السياسي وإنجاز سلام مستدام بناء على المرجعيات، وهذا الأمر بالنسبة إليها يمثل كارثة عليها داخليا ويضعف وظيفتها الخارجية وما قناعتها بأنه سيتم تخفيف الضغط العسكري عليها فإنها تقامر بتحقيق أهدافها العسكرية وهي مطمئنة وهذا ربما يفسر خطأ السياسة الأميركية والتي قد يحدث تحول فيها ضد الحوثية وبشكل دراماتيكي.

ويعتقد غلاب أن وصول المبعوثين الأممي والأميركي في الوقت نفسه إلى الرياض يوضح أن دور الأمم المتحدة في الملف اليمني كان بحاجة إلى جهة تدعم دورها في ظل تراخيها لحل الأزمة، ويبدو أن ليندركينغ سيكون أكثر جرأة في الحديث وبوضوح عن الملف وتعقيداته.

نقطة ارتكاز حل الأزمة

يؤكد مراقبون أن نتائج ومآلات الحوار بين واشنطن وطهران حول الملف النووي هي التي ستحدد موقف الإدارة الأميركية في نهاية المطاف من كافة الملفات العالقة مع إيران، بما في ذلك الملفين العراقي واليمني، وهو الأمر الذي ألمحت إليه تصريحات المسؤولين الأميركيين.

ويظهر ذلك في كلام المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي التي أدانت الأربعاء الهجوم الحوثي على مطار أبها، في سياق حديثها عن إظهار ميليشيات الحوثي “رغبتها في إطالة أمد الصراع باليمن”، مشيرة إلى أن موقف بايدن تجاه إيران واضح ويتمثل في ضرورة عودتها للالتزام الكامل بالاتفاق النووي كشرط لحدوث أي تقدم في سياستنا تجاهها.

وجاءت تصريحات المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية صامويل ويلبرغ، التي أشار فيها إلى تلقي ميليشيات الحوثي “الدعم من إيران” وأوضح من خلالها إمكانية فرض عقوبات على قيادات الجماعة، في سياق ما وصفه باستمرار “حملة الضغط على ميليشيات الحوثي وإيران التي تدعمها”.

وتأكيدا على ارتباط الموقف الأميركي الأخير من الملف اليمني بالعلاقة المتوترة مع إيران وسياساتها في المنطقة، جدد ليندركينغ، خلال لقاء جمعه بالرئيس عبدربه منصور هادي في مقر إقامته بالرياض الخميس، على خطورة الدور السلبي الذي تلعبه طهران في اليمن ويساهم في إنتاج المزيد من التوتر والصراع وعدم الاستقرار.

ويرى الباحث السياسي رماح الجبري أن رؤية واشنطن للملف اليمني بدت واضحة في خطاب بايدن الأسبوع الماضي، لافتا إلى أنها لم تخل من التخبط والعجز عن فهم وقراءة حقيقة الحوثيين وسبل التعامل معهم، ناهيك عن أن شطب الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية كان دون أي مقابل أو التزام حوثي تجاه تحقيق السلام أو حماية حلفاء الولايات المتحدة من دول جوار اليمن.

وقال إن “التصعيد العسكري الحوثي تجاه مأرب والهجمات الحوثية على السعودية يضعان إدارة بايدن في موقف حرج قد يدفعها لإعادة التفكير في خيارات التعامل مع الميليشيا الحوثية كونها تريد التعامل معها كطرف سياسي فيما الحوثيون أنفسهم يصرون على تقديم أنفسهم كمنظمة إرهابية”.

ولفت الجبري إلى أن هجمات الحوثيين الأخيرة على السعودية تشير إلى سوء تقدير الجماعة للموقف الأميركي، ويبدو أن إيران مقبلة على مرحلة جديدة من التفاهم مع إدارة بايدن والحوثيون إحدى أوراق التفاوض وتصعيد الحوثيين عسكريا لإسقاط مأرب يبدو أنه فرصة أخيرة من إيران للحوثيين قبل إجبارهم على الدخول في اتفاق يكونون فيه طرفا مع الحكومة الشرعية.

ويعتقد الجبري أن كل الجهود الدولية لوقف الحرب في اليمن ستنجح في وقف العمليات العسكرية التي يقودها التحالف، لكنها لن تنجح في وقف الاقتتال اليمني ولن تنجح في إيجاد يمن مستقر لا يمثل خطرا على مستوى المنطقة والإقليم مادامت الميليشيات الحوثية تتمسك بسلاحها وتتلقى الدعم الإيراني بكل أنواعه.

وكانت طهران قد صعدت من خطابها المتعلق بالملف اليمني بعد إعلانها عن تعيين سفير لها في صنعاء، لكن مراقبين اعتبروا زيارة غريفيث لطهران بمثابة إخراج الدور الإيراني إلى العلن ووضع طهران على طاولة المفاوضات النهائية حول الملف اليمني، بعد أن كانت تكتفي بلعب دور غير معلن عبر دعم الميليشيات الحوثية بالمال والأسلحة.

وبدت نبرة القوة في بيان وزارة الخارجية الإيرانية عقب المباحثات التي أجراها غريفيث في طهران الاثنين الماضي مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.

وجاء في بيان الخارجية الايرانية “إذا أوقفت السعودية الحرب وأنهت الغارات العسكرية على اليمن يمكن إطلاق المباحثات اليمنية – اليمنية في اليوم التالي. السلام في اليمن مرتبط بإيقاف السعودية حربها عليه”، في تأكيد على أن طهران باتت تمسك بزمام القرار الحوثي وتربط إنهاء الحرب في اليمن والدخول في أي تسوية بتقديم تنازلات دولية لصالح ملفها النووي والاعتراف بها كقوة إقليمية في المنطقة.

------------------------

المصدر| العرب