فرض اتفاقية حدودية تطلق أيدي الأتراك..

تقرير: خارطة تركية مسربة تكشف مناطق سيطرة الخلافة العثمانية

الخارطة المسربة

أنقرة

أثارت خارطة مسربة عن مناطق سيطرة تركيا في 2050، والتي تشمل مناطق سيطرة الخلافة العثمانية، مخاوف لدى دوائر إيرانية وروسية من النزعة الاستعمارية لدى الأتراك خاصة بعد تدخل أنقرة المباشر في ليبيا وفرض اتفاقية حدودية تطلق أيدي الأتراك، وكذلك التدخل في أذربيجان وتحقيق “نصر” زاد رغبتهم في التوسع.

وعرضت قناة تلفزيونية تركية تربطها علاقات وثيقة بالرئيس رجب طيب أردوغان خارطة عمرها 12 عاما تظهر مجال نفوذ تركيا في عام 2050 على أنه يمتد من جنوب شرق أوروبا إلى الساحل الشمالي للمتوسط (اليونان وقبرص) والساحل الجنوبي ليشمل ليبيا ودول المغرب العربي ومصر ودول الخليج، كما تتمدد من القوقاز إلى آسيا الوسطى وحدود الصين.

ويقول مراقبون إن أنقرة تريد استثمار “نصرها” في أذربيجان خلال الحرب مع أرمينيا، خاصة بعد انكفاء روسيا عن التدخل لدعم حليفتها وعدم وعي أميركا أثناء حكم الإدارة السابقة بمخاطر النفوذ التركي المتزايد، وتحويل هذا “النصر” إلى أرضية للتمدد في كل الاتجاهات لاستعادة أراضي الخلافة العثمانية.

لكنهم اعتبروا أن هذه الرؤية لا تستند إلى أي معطيات واقعية، وأن ما يحكمها هو الحنين إلى الماضي الذي يسيطر على أردوغان ويدفعه إلى تطويق تركيا بالخصوم والحذر من خططها المستقبلية، خاصة بالنسبة إلى دول مثل روسيا التي لجأ إليها الرئيس التركي أثناء الخلاف المستحكم مع الأميركيين.

وأطلقت العلاقة الجديدة بين أذربيجان وتركيا أجراس الإنذار بين المحللين الروس والإيرانيين الذين تربطهم علاقات وثيقة بالجهات الرسمية على الرغم من اقتناعهم بأن نشر الخارطة كان يهدف في المقام الأول إلى إثارة الحماسة القومية في الداخل، وخاصة محاولة تحسين صورة أردوغان المتراجعة بشكل كبير، فضلا عن اختبار الردود الإقليمية على رغبته في إحياء الأحلام الإمبراطورية القديمة.

وسبق أن توعد الرئيس التركي بجعل اقتصاد البلاد في مصاف الاقتصادات العشرة الأوائل على مستوى العالم.

وأخذ السياسيون والمحللون الروس والإيرانيون موضوع نشر الخارطة على أنه لعبة داخلية تركية أكثر من كونه خطرا يمكن أن يحدث في المستقبل القريب، ومع ذلك صرّحوا بأن هذه الخارطة التي تشمل دول شمال القوقاز وكذلك شبه جزيرة القرم تهدد المصالح الروسية. كما شعر الإيرانيون بأن مجال النفوذ التركي سيحاصر بلادهم من الشمال والجنوب والغرب ويهدد مصالحها الإستراتيجية القومية.

وقال أندريه كراسوف نائب رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الروسي “إذا أراد الأتراك اختبار قوة الروح الروسية وأسلحتنا فدعوهم يحاولوا ذلك”.

واعتبر فلاديمير جباروف العضو في مجلس الاتحاد الروسي أن “مثل هذه المعلومات يتم عرضها بشكل متعمد لرؤية ردود الأفعال، لكننا لن نولي ذلك اهتمامًا، ولدينا علاقات طبيعية مع تركيا، ونحن شريكان في العديد من المجالات”.

وفيما لم يعلق المسؤولون الإيرانيون على الخطط التركية سعت طهران في العام الماضي إلى تعزيز وجودها العسكري في بحر قزوين وإقامة علاقات بحرية وثيقة مع الدول المطلة على حوض قزوين (روسيا وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان).

من جهتهم يعتبر الإيرانيون أن بث المجموعة الإعلامية التركية خارطةَ نفوذ تركيا المحتمل هو الأحدث في سلسلة التحركات التركية الاستفزازية، وذلك بعد أن ردّد أردوغان قصيدة قومية تدعو إلى ضم مقاطعتين إيرانيتين من أصل أذري إلى أذربيجان. وشملت هذه التحركات كذلك نشر خدمة الإذاعة والتلفزيون التركية الحكومية خارطةً على إنستغرام تصور محافظة خوزستان الإيرانية الغنية بالنفط -والتي تضم عددًا كبيرًا من السكان العرب- منفصلة عن إيران.

ويقول خبراء إن أردوغان يلعب على التناقضات في السياسة الدولية، فهو يشعر بأن هناك غيابا أميركيا في المنطقة عليه استغلاله، وذلك بالتنسيق مع الروس ومحاولة استرضائهم مثلما جرى في حادثة إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015.

وأشار الخبراء إلى أن نجاح أردوغان في أذربيجان بالتنسيق مع الروس ليس هو السبب الوحيد الذي يجعله يوسع خطة التمدد، إذ أن الإيرانيين يتواطأون معه إذا كان ذلك يخدم مصالحهم، فضلا عن غياب التكتلات الوازنة القادرة على وقف خططه.

وتقوم خارطة 2050 على تنبؤات الكاتب الأميركي جورج فريدمان في كتابه “المئة عام المقبلة: توقعات للقرن الـ21″، المنشور عام 2009، وهو مؤسس مركز ستراتفور للأبحاث الاستخبارية.

وتضمن الكتاب عنصرا عن “مجال النفوذ التركي عام 2050″، وفيه تنبأ بتوسع النفوذ التركي وتمدده الجغرافي، وحوّل الأتراك هذه “النبوءة” إلى خطة للاستثمار السياسي بعيد المدى.

ويقول جيمس دورسي، الخبير في قضايا الشرق الأوسط والأدنى، إن “النصر العسكري جعل من أذربيجان طريق نقل بديلا للغاز باتجاه الغرب من شأنه أن يسمح لدول آسيا الوسطى بتجاوز الممرات التي تهيمن عليها روسيا أو إيران”.

وسارعت تركمانستان، مستفيدة من المتغيرات الجديدة، إلى إنهاء نزاع طويل الأمد مع أذربيجان والاتفاق على الاستغلال المشترك لمخزون النفط في بحر قزوين. وجاء الاتفاق في أعقاب صفقة عقدت في ديسمبر لشراء شركة النفط الحكومية الأذرية (سوكار) من شركة “إيني تركمانستان” ما يصل إلى أربعين ألف طن من النفط شهريا.

ويمكن أن تعزز الاتفاقية استكمال خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر لبحر قزوين، والذي سيغذي ممر الغاز الجنوبي الذي تم تشغيله مؤخرًا، ويتجاوز روسيا وإيران، ويزود اليونان وبلغاريا عبر ما كان يسمى الاتحاد السوفييتي.

وفي الشهر الماضي اتفقت أذربيجان مع تركمانستان وأفغانستان على تطوير “ممر نقل لازورد” الذي من شأنه أن يربط الدولة المنكوبة بتركيا. وفي نفس الوقت تقريبًا شرعت كازاخستان في تصدير النحاس إلى تركيا عبر أذربيجان في خطوة أولى تهدف إلى الاستفادة من موقع الدولة القوقازية كمركز عبور.

كما اتفقت تركيا وأوكرانيا في الأشهر الأخيرة على التعاون في مجال تطوير التقنيات ذات التطبيقات العسكرية المتعلقة بالمحركات وإلكترونيات الطيران والطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للسفن والصواريخ الجوالة وأنظمة الرادار والمراقبة والروبوتات والفضاء والأقمار الصناعية.

وتخلق هذه التطورات أرضية خصبة لخطط أردوغان، خاصة أن الأمر لا يتوقف عند بناء التحالفات على الجانب الاقتصادي المباشر؛ إذ تسعى تركيا إلى الاستنجاد بالتاريخ والثقافة لتقوية تحالفاتها، خصوصا في المناطق الإسلامية التي حكمتها الخلافة العثمانية من شمال أفريقيا مرورا بالخليج ووصولا إلى باكستان.