انتقدت نخب الشمال اليمني..

دراسة: ما يجمع الجنوبيين روابط أعمق وحالة ثراء وطني رغم التباينات

الجنرال الإخواني علي محسن الأحمر يصافح قيادات عسكرية شمالية مناهضة للحوثيين في مأرب - أرشيف

زيورخ

قالت دراسة حديثة أنّ فهم واقع جنوب اليمن يشكّل أهمية ملحّة في الوقت الراهن، في ضوء الحراك السياسي والشعبوي المحلي، وتزامنا مع الجهود الدولية الساعية لإيجاد حل ينهي الأزمة اليمنية.
وقالت الدراسة الصادر عن مركز سوث24 للأخبار والدراسات، ومقره سويسرا، أنه "على الرغم من أوجه الاختلاف والتوافق بين الجنوبيين خلال مراحل تاريخية مختلفة، والتأثير السياسي الكبير الذي نجم عن العلاقة البينية، بيد أن هناك روابط أعمق وحالة ثراء وطني وجدت طريقها في مجتمع متنوع الخصائص ثقافياً واجتماعياً واقتصاديا"، مشددة على أهمية الحوار البيني للوصول لتوافق مشترك.
وخلصت الدراسة، التي أعدتها الباحثة، فريدة أحمد تحت عنوان "الواقع الجنوبي بين الاختلاف والتوافق.. رؤية في التاريخ والسياسية والمجتمع" إلى أنّ "المقاربة الأفضل التي تتمثل في الحالة الجنوبية، هو إيجاد رؤية حضارية جديدة تتعامل مع حقيقة التنوع على مختلف الأصعدة، وتوظيفها في سياق إثراء مفهوم التعايش والسلم المجتمعي والوحدة الوطنية بين كل منطقة وأخرى، ضمن إطار الكيان الكبير الجامع المتمثل بالدولة."
وانتقدت الدراسة "المنظومة النخبوية في شمال اليمن، من سياسيين وخبراء وباحثين ومحللين وغيرهم"، التي قالت أنهم سعوا دائما إلى "تصوير الجنوب على أنه بؤرة صراع لا منتهية، وأنّ أي توافق بين قواها السياسية لن يكون إلا توافقاً هشاً. ودائماً ما يتم اختزال الصورة اللاتوافقية في حرب يناير 1986، والاستشهاد بها في كل مناسبة وبدون مناسبة، بصورة مستهلكة ومبالغٌ فيها."

ووفقا للدراسة، فإنّ عدم التفات نفس النخبة في شمال اليمن، للحروب التي خاضها الشمال ابتداءً من الأحداث العسكرية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، إلى حروب المناطق الوسطى في السبعينات، وحرب 1994 التي شنها النظام اليمني السابق على الجنوب، أو حروب صعده الستة، وانتهاءً بالحرب الأخيرة، هو من قبيل المراوغة الدعائية التي تحاول تصوير مستقبل الجنوب في حال استعادة الدولة؛ في مشهد صراع متوالٍ للوصول إلى نتيجة أنّ استقرار الجنوب مرهون ببقائه في الوحدة مع الشمال.

وأضافت "إنّ تصوير الجنوبيين على أنهم في خلاف دائم وعدم وفاق، سياسة انتهجها النظام اليمني وغذى هذا الأسلوب الدعائي المستفيدين من تركته، خاصة الأحزاب اليمنية والقوى السياسية الأخرى المناهضة لمشروع استعادة الجنوبيين لدولتهم ونيلهم استقلالهم، وفي مقدمتها حزب الإصلاح اليمني - المنتمي أيديولوجياً لجماعة الإخوان المسلمين."

وعلى الرغم أنّ "التجربة الجنوبية بعد الاستقلال من الاستعمار البريطاني، كانت مريرة بلا شك، وتشوبها بعض الأخطاء، لكن من غير المنطقي أن تُقدّم أو تظهر هذه المرحلة بصورة مليئة بالمؤامرات والضغائن الشخصية، دون النظر للواجهة الإيجابية من المنجزات التي حققتها دولة الجنوب السابقة على مختلف المستويات."

ومع ذلك لا يمكن غض الطرف عن الحقائق التاريخية الناجمة عن صراعات عميقة تجذرت في الذاكرة الجنوبية، كما تقول الدراسة "غير أنّ ذلك ليس سبباً للاستشهاد بمساوئها في كل مناسبة، وتجاهل سياق أحداث توافقية قريبة، على سبيل المثال: الساحات الجماهيرية والالتحام الجنوبي الذي مثل مطالبهم الجامعة عبر "الحراك الجنوبي السلمي" في 2007، أو التوافق في رؤيتهم عن الخطورة التي يمكن أن تشكلها تنظيمات مثل القاعدة وداعش، أو التوافق الذي جمعهم بعد حرب 2015 الأخيرة للقتال في خندق واحد ضد الحوثيين."

واعتبرت الدراسة أنّ الحوار الجنوبي البيني راهناً، الذي يتولى إدارته المجلس الانتقالي الجنوبي، بادرة جيدة في سبيل فتح أفق نحو توافق أشمل وأوسع على نطاق محافظات الجنوب. مشيرة إلى أنّ قيام دولة جنوبية مستقلة على شكل "اتحاد فيدرالي"، من شأنه تشكيل احتواء قانوني ومنطقي ومتناسب مع أهمية ومكانة كل محافظة في الجنوب، بحيث يضمن خصوصيتها الاجتماعية والإدارية من جهة، ويحافظ على وحدة وتماسك الدولة من جهة أخرى.
وقدّمت الدراسة جملة توصيات وجهتها إلى الجهات الداخلية والخارج، أبرزها:

أولاً: للجهات الداخلية 

• إن الدخول في حوار (جنوبي بيني)، وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الجنوبيين، حتى مع الذين لا يؤمنون باستقلال الجنوب كحل، ملح وعاجل في هذه المرحلة المتأزمة من تاريخ اليمن والمفصلية من تاريخ الجنوب، في سبيل توحيد صفوفهم ونبذ الخلافات فيما بينهم، واستبدال لغة الحديث والحوار عوضاً عن لغة السلاح.

• إن الخروج بإقرار لرؤية جنوبية موحدة تتفق عليها كافة الأطراف السياسية، يشكل أهمية بالغة من أجل ترتيب وضع الجنوب السياسي واستقراره وتأمينه.

• إنّ الشكل الفيدرالي لدولة مستقبلية في الجنوب، من شأنه أن يشكّل احتواءً قانونياً ومنطقياً للحالة الجنوبية، ويضمن المحافظة على مكانة وتاريخ كل محافظة وخصوصيتها الاجتماعية والثقافية وغيرها.

• إنّ تشكيل قوة عسكرية موحدة ودمج القوات الجنوبية الحالية تحت إطار جيش جنوبي موحّد، عامل مهم لتقوية النفوذ العسكري الجنوبي على أراضيه.

• إن الاستمرار في مكافحة التنظيمات "الإرهابية" القاعدة وداعش، من قبل القوى العسكرية الجنوبية التي أثبتت موثوقية في محاربتها، سيحد من تنامي عملياتها ونشاطها في الجنوب.

• إن الإقرار بحق الشعب الجنوبي باستعادة دولته كضمانة رئيسية، ستساعد مستقبلاً في إعادة توحيد الشمال الممزق بين الجماعات المتحاربة فيه، أو على الأقل للمساعدة في توجيه الجهود لاستعادة الدولة في الشمال؛ وبدء حوار (شمالي - شمالي) بخصوص المظلوميات الجهوية هناك.

ثانياً: للجهات الخارجية

• إنّ استكمال عملية المفاوضات بشأن إنهاء الحرب في اليمن برعاية إقليمية ودولية، لإنضاج تسوية سياسية شاملة بين الأطراف المتنازعة، لهو أمر ملح وعاجل تجنباً للدخول في مرحلة أكثر خطورة وتعقيدا.

• إن المكانة الإقليمية والدولية التي يحتلها موقع الجنوب الجيوسياسي المرتبط بها مثل: القرن الأفريقي، والبحر الأحمر، والبحر العربي، والمحيط الهندي، تتطلب إدراكاً إقليمياً ودولياً أوسع من الحماية والاهتمام، تجنباً لأي تهديدات أو تحديات قد تواجه المنطقة مستقبلاً.

• إنّ دعم القوات العسكرية الجنوبية التي أثبتت موثوقيتها في تحرير مناطقها من الحوثيين، وكذا تخلصها من تنظيم القاعدة في مساحات جغرافية واسعة من الجنوب، عبر النخبتين في حضرموت وشبوة، والأحزمة الأمنية في لحج وعدن وأبين، يستوجب اهتماماً إقليمياً ودولياً ودعماً ملحاً لهذه القوات لاستكمال مهامها.

• على المتابعين أو المهتمين بالشأن اليمني سواء من العرب أو الأجانب، قراءة الأحداث وتقصي الحقائق بصورة مكتملة، غير متحيّزة أو منقوصة، واستقاء المعلومات من مصادرها الأصلية وشاهديها الحقيقيين؛ وتعزيز المعرفة التاريخية بالمنطقة وجذور الصراعات فيها ودوافعها وأبعادها؛ وأسباب عودة وتوالي دورات العنف فيها.

ومركز سوث24 هو مركز بحثي مستقل، مقره سويسرا، ويختص بشؤون التطورات المختلفة في جنوب اليمن، وما يتصل بها في اليمن والمنطقة والإقليم.

يمكن الإطلاع وتحميل الدراسة من الرابط التالي: