قصة قصيرة..

نهى

قالت صديقة لنهى بأنها قرأت في احدى الصحف عن اعلان مفاده وجود وظائف لعاملات في المنازل

سالم يحيى شجون

مسكينة نهي من الناحية الذهنية يجب أن نقر بأنها لم تكن ذو أهمية تذكر ، و لم تقل قط شيئاً ذكياً و كان مفهومها محدوداً جدا لا يتعدى التفكير في عملها كخادمة في المنازل ، لكنها كانت على قدراً كبيراً من الجمال فشعرها الاسود الناعم و شفتاها الصغيرتان ذو اللون الوردي و عيناها الواسعتان ذو اللون البني كانت تلفت الانتباه ، و كانت دائما تردد اذا لم يكن المرء غنياً فلا حاجة للحياة و ان الجمال و المشاعر الرومانسية انما هو امتياز الاغنياء و ان الفقير يجب ان يكون واقعياً وعمليا ً،  هذه هي حقائق الحياة التي كان يقف مفهوم نهى عندها و كانت نهى لها صيت واسع عند الاسر التي تعمل عندهم وذلك بسبب اتقانها الكبير لعملها و الامانة الشديدة التي تتسم بها . فهي انسانة كتومة و على خلق و هذا ما ازاد اعجاب الناس بها ، تعيش نهى في شقة صغيرة مع والدتها العجوز التي ورثت هذه المهنة عنها ، و كانت والدتها دائماً تحدثها عن الزواج ، لكن نهى كانت ترفض هذا الحديث و تقول من اين لنا المال لشراء جهاز العروسة و مصروفات الزواج فأمامنا وقت طويل لإدخار مثل هذه المبالغ  ، أرجوك يا امي ان تنسي هذا الموضوع .

و في يوم من الايام قالت صديقة لنهى بأنها قرأت في احدى الصحف عن اعلان مفاده وجود وظائف لعاملات في المنازل في احدى الدول فسارعت نهى بالاتصال بأصحاب الاعلان و قامت بعمل إجراءات السفر ، و عندما أخبرت والدتها بذلك عارضتها والدتها قائلة : يا ابنتي لقد سمعت بان المعاملة هناك قاسية و غير انسانية و انا خائفة عليك من الغربة ، لكن هذا الكلام لم يؤثر على نهى التي كانت اكثر اصراراً على السفر و بالفعل سافرت نهى لتلك الدولة ، أما والدتها و برغم تقدمها في السن فقد عادت للعمل كخادمة في المنازل كي تعيل نفسها و متطلبات البيت .

وصلت نهى لتلك الدولة ، و عند خروجها من المطار انبهرت نهى من الوهلة الاولى من ما رأته من نظافة الشوارع و المحلات و الالتزام الكبير بقواعد المرور و التنسيقات الرائعة في الحدائق العامة ، لكن كل ذلك الانبهار اخذ يتبخر من اول يوم عمل لنهى مع هذه الاسرة في تلك الدولة ، فقد كانت معاملة هذه الاسرة لنهى بمنتهى القسوة حتى ان أطفالهم كانوا ينادونها بالخادمة الغبية ، و في احد الايام تبول احد اطفالهم في صالة الضيوف ، و لم يكن يرتدى حفاظة فصاحة بها صاحبة المنزل التي كانت اكثر قسوة من زوجها قائلة : ايتها الغبية الحقيرة لماذا لم تلبسي الطفل الحفاظة ، عقابا لك هيا احضري شيئا من ملابسك و امسحي هذا مشيرة بذلك الى بول الطفل ثم استطردت و هذه الليلة ستنامي في الحديقة مثل الكلاب الضالة ايتها الغبية ، اسرعت نهى و فعلت ما طلبت منها صاحبة المنزل ثم دخلت الى االمطبخ و بكت بكاء شديداً و تذكرت والدتها و تذكرت بلدها التي أحبتها ، و حينها أدركت بأن الجنة الموعودة في تلك الدولة لم تكن سوى وهماً و دعايات من المتنفذين لاشباع غرورهم بالتكبر على المستضعفين ، و في تلك اللحظات فكرت نهى بالانتحار بعد ان انتابها موجة شديدة من اليأس و الاكتئاب و هي تبكي و تلتقط انفاسها بصعوبة فأخرجت سكيناً من احدى ادراج المطبخ في تلك اللحظة رن جرس هاتفها فرأت اسم والدتها المتصلة ، لم ترد عليها لكنها هدأت قليلاً ، و فكرت بالعودة الى بلدها بدلاً من الانتحار و لكن هذا ايضاً كان له ثمنه ‘ فعندما أخبرت نهى اصحاب المنزل بانها تريد العودة الى بلدها ، قالوا لها بأن عقد العمل لم ينتهي بعد ، و انها اذا اصرت على طلبها فأنها ستطرد بدون استلام مرتباتها الشهرية و مستحقاتها و ان القانون لا يحميها في هذه الحالة كما هو وارد في عقد العمل ، أخذت نهى تفكر و هي في حالة يأس و تقول : هذا ليس عقد عمل بل هي العبودية عينها بلباسها الحديث و انهم هم من صاغوها على أوراقاً و أسموها ( قانون عقد عمل ) يا إلهي ماذا افعل الان ؟.

لم يكن امام نهى سوى ان تستمر في العمل و بالتالي مزيد من القهر و الاهانات ، او انها تتخلى عن استلام حقوقها اذا ما ارادت العودة الى بلدها ، بعد حوالي يومين أخبرت نهى اصحاب المنزل بأنها مصرة على العودة الى بلدها و انها لا تريد سوى قيمة التذكرة لتعود الى بلدها فردو عليها بكلام جرح مشاعرها ، فإضطرت نهى ان تستلف قيمة التذكرة من زميلة لها في المهنة و هي فتاة من بلدها تعمل مع اسرة اخرى كانت نهى قد تعرفت عليها في احدى الحدائق العامة عند خروج الاسرتين للنزهة ، و عملت إجراءات السفر و عادت الى بلدها تحمل حزناً في قلبها و عند وصولها الى شقتها إستقبلتها والدتها و بكت نهى في حضن و الدتها و حكت لها مع حدث معها .

و بعد يومين اتصلوا بها اسرة لطلب العمل عندهم فذهبت نهى لتلك الاسرة ، فوجدت خادمتهم تلم أغراضها ، فسالتها نهى الى اين انت ذاهبة ، فردت الخادمة قائلة بأنها مسافرة للعمل في إحدى الدول ، و كانت الدولة هي نفسها الدولة التي عادت منها نهى .