قصة قصيرة..
الرجل ذو اليد الواحدة

رجل حزين (أرشيفية)

استيقظ مبكراً هذا الصباح ، لم يشأ ان يوقظ زوجته التي لم تنم إلا عند طلوع الفجر بسبب السعال الشديد لذي أصابها ، غسل أسنانه و وجهه بيده الوحيدة ووضع لنفسه بعض الخبز و الجبن و كوبا من الشاي ليفطر عليه ، و بعد انتهائه من الإفطار ارتدى ملابس عمله الملطخة بألوان الطلاء كونه يعمل دهانا و أخذ شنطته التي تحوي فرشاة طلاء و بعض ادوات عمله و عند خروجه اغلق باب بيته بهدوء حتى لا يوقظ زوجته التي لم تزل نائمة و توجه الى مكان عمله حيث الشقة التي بدأ بدهنها منذ ثلاثة ايام ، تأخرت الحافلة التي سيركبها قرابة النصف ساعة كان واقفاً خلالها على الرصيف حيث لا كراسي للجلوس عليها ، لكنها اخيراً أتت .عندما ركب الحافلة كانت الكراسي ممتلئة فأراد احد الركاب ان يقوم من كرسيه لأجله لكنه رفض و بشدة وفضل ان يبقى واقفاً على ان يأخذ مكان احد ، و لكون ذراعه اليمنى مبتورة فقد كان يرى الشفقة في كل العيون التي يلمحها لكنه لم يبالي فقد منحه الله تبارك و تعالى قوة إرادة لا يدركها الا من جعل الله فيه حكمته ، تأخر عن عمله كثيرا من الوقت بسبب الزحمة الشديدة في الشوارع النابضة بإلايقاع السريع للحياة و التي تؤدي في أحيان كثيرة الى إزدحام شديد و ربما فوضى مرورية و يجد المرء نفسه في محيط من الفوضى لا يملك لنفسه قرارا للخروج منها ، بعض الوجوه كان يملؤها الغضب ، لكن البعض الاخر كان يبدو غير مباليا لانه اعتبر هذا الزحام جزءاً من الحياة اليومية ، لكن الرجل ذو اليد الواحدة لم يكن من الغاضبين و لم يكن ايضا من اللامبالين فلطالما اعتبر هذه المعاناة جزءاً لا يذكر من معاناة النفس البشرية ذلك السر الالهي العظيم .
كانت الحافلة تسير ببطء شديد بسبب الازدحام لكنها تسير ، و اخيراً وصل الى مكان عمله إنه اليوم الرابع له في دهن هذه الشقة و أصرعلى ان ينجز كل العمل اليوم ، فتح باب الشقة بالمفتاح الذي أعطاه إياه صاحب الشقة كي يدهنها و بدأ بتحضير الدهان بيده الواحدة و ببعض المساعدة من رجليه لتثبيت علبة الدهان عند فتحها مثلا و خلطها ببعض المواد اللازمة و بدأ بدهن الجزء الذي لم يكتمل من الشقة ، ثم اتصل به صاحب الشقة ليطمئن عليه و على سير العمل فأخبره الرجل ذو اليد الوحيدة بأن كل شيء على ما يرام و بأنه سينجز كل العمل هذا اليوم ثم واصل عمله حتى نفذ كل الدهان الموجود عنده فاحتاج الى بعض الدهان لكي ينجز ما تبقى من العمل فاضطر للذهاب لشراء الدهان من محل بيع الدهان لا يبعد كثيرا عن الشقة و طلب من صاحب المحل ما يريده ثم سأل صاحب المحل عن سعر المواد التي اشتراها فاخرج الرجل ذو اليد الواحدة من جيب قميصه نقودا ووضعها في فمه حتى يستطيع ان يخرج قيمة المواد التي اشتراها و يعطيها لصاحب المحل ، و كان في المحل رجلا يشتري بعض الاشياء و كان يراقب ما يجري و عندما اخذ الرجل ذو اليد الواحدة الدهان و خرج من المحل لحق به الرجل الذي كان يراقبه فعرض عليه المساعدة ان يحمل عنه الدهان لكنه رفض ، ثم سأله : كيف تستطيع ان تقوم بهذا العمل الشاق بيد واحدة ؟ فأجابه الرجل بأن ذلك يتم بتوفيق الله ثم انصرف الرجل ، فكل تلك المواقف كانت تزيده اصرارا و عزيمة على تحدي قسوة الحياة و مرارتها ، عاد الى الشقة و بدأ العمل من جديد كان الليل قد خيم لكن اصراره على انجاز العمل كان اقوى من اي شيء و استمر في العمل حتى انجزه بالكامل بفضل الله.
عاد مرهقا الى منزله بعد يوم شاق و طويل ، كانت زوجته قد اعدت له بعض الطعام ثم سألها عن صحتها بعد ان سلم عليها فأجابته ( الحمد لله احسن من البارحة ) ثم سألته بدورها كيف كان يومه فحكى لها كل ما حدث معه ثم قال من المؤلم جدا ان يفقد المرء احدى يديه لان الحياة تصبح صعبة ، لكن الاشد الماً ان ترى الشفقة عليك في عيون الاخرين ،، سالت الدموع من عينيها لكنها اخفت دموعها و احتضنته بشدة حتى لا تزيده الما.