قصة قصيرة..
العنقاء
كان طائرا كبيرا يحلق في الفضاء ، يبسط جناحيه مظللا السماء ، يحجب النور و ضياء الشمس ، وكأن المدينه اغروقت في الظلام . كان يطير على ارتفاع شاهق ، يحلق فوق الجبل الذي تعلوه القلعة ، رفع عينيه ليرى هيئة الطائر الكبير.


كان طائرا كبيرا يحلق في الفضاء ، يبسط جناحيه مظللا السماء ، يحجب النور و ضياء الشمس ، وكأن المدينه اغروقت في الظلام . كان يطير على ارتفاع شاهق ، يحلق فوق الجبل الذي تعلوه القلعة ، رفع عينيه ليرى هيئة الطائر الكبير ، فكان يقترب ويقترب ، حتى حط حواف مخالبه على الساحل فوق بحر صيرا ، واطلق صيحتة الكبيره مخترق سمعه ، مثل ذوي حاد وصوت صفير إنذار . فصحى من نومه ، مذعورا فزعا مبلل جسده بالعرق ، كان الخوف قد اعتراه من رويئة هذا الكابوس . نهض من فراشه واعتدل في جلسته . ومضى يفكر ويتأمل . ماذا يعني هذا الطائر الكبير . هل هي طائر العنقاء الأسطورة الذي اختفى قديما . ولاوجود له الا في الكتب والروايات . هل هي من تحلق فوق القلعة . وتغرق المدينة في الظلام . وصوتها الذي يشبه صوت ذوي صفير الانذار . حاول ان يجد تفسير او معنى لهذا الكابوس . لم يجد اي علامه او اشارة قد تدله الى فهم هذا الكابوس.
، في وسط المدينه حاولت ان أشرع قليلا في المشى ، دون ان أرى الى الخلف ، كنت أظن بأن هناك أشخاص يتتبعون خطواتي و يراقبوني . كنت احسستهم ، وأشتممت ريحتهم ، وكنت أسمع وقع خطواتهم خلفي . كان ذلك حدس مني ينتابني ، ولم تكن لدي الرغبة . للوقوف والتأكد من ذلك . كنت قد خرجت من البيت ، في هذا اليوم ، الشديد الحر الذي بدأ الصيف فيه بموسم حار ، مع سطوع للشمس و زرقة في السماء الصافيه ، الا اني واصلت المشى راجلا ، كل تلك المسافة في وسط السوق ، لا لشئ الا للجلوس في المقهى ، هي بلوى كنت قد ادمنتها ، او قدر محتوم كتب علي ، هي عادة وادمان ، السيجارة وكوب الشاى العدني ، التي اتلذذ به وأستنشق رحيق ذلك التبغ ، الذي الفته منذ دخولي الثانويه العامه ، فكان يستهويني نفث الدخان الاسود ، و هو يخترق الفضاء الخالى من اي شئ ، بعد كل رشفة شاى ، مع مجموعة اصحاب زملاء الدراسة ، نلتقي كل يوم للددرشه ، والحديث في كل شئ، السياسه والكرة ، والفن وكل شئ ، طالما هناك ، كوب من الشاي العدني وسيجارة تعدل الرأس ، تلك لحظات المتعة والتلذذ . كان ذلك نوع من التسليه والراحه من ضغط العمل . ومن بعض القلق والخوف ، التي كانت تنتابني في الاونة الأخيرة ، كان ذلك بعد صلاة العصر حتى اذان العشاء ، نمط الحياة كل يوم الذي لم يتغير ، قد تكون حياة مملة وعاديه . دائما ما كنت أسئل نفسي ، هل أنا من اختار عملي . ام هو من اختارني ؟ ، ربما يكون عملي هو من اختارني ، لطالما كان عملي ، جزء من شخصيتي ، او قد تكون هويتنا مرتبطة بعملنا . وقد يكون هذا من ثأثير العمل على الشخصيه . فتصبغ المهنه تاثيرها على الشخصيه ، وذلك يسمى التاثير المهني في الشخصيه . وقلت في نفسي . ليس غريبا ان يكون عملك . أن تكتشف الغموض وتزوير المستندات ، والغش والتلاعب ، وكشف الحقيقة ، تلك مسؤوليه كبيرة . ومسؤولية خطرة ، في بلد يتنازعه المليشيات والساسه ، ووجهاء القبائل ، وقادة كبار ، وتجار ومسؤولين في الدوله . فهي ايضا مخاطرة ، امام هذا الغول من الفساد ، مثل اخطبوط هائم في محيط واسع ، يتسم بالمرونة والتملص من كل شئ ، جسم لزج يصيبك بالغثيان والتقيؤ ، وذراعات طويلة تمدد و كثيرة ، قادرة على امتصاص و اجتذاب الفريسه اليها ، وجذبها وابتلاعها بسهوله . ربما يكون القدر من رسم لي ذلك . وهو من اختارني لهذا العمل ، فأنا لا زلت اتذكر الماضي ، حين كنا صبيان صغار ، كانت تستهويني حل الالغاز وفك الرموز . وكثيرا ما كنا نمارس مثل هذه الألعاب. وفي الدراسة كانت مادة الرياضيات مادة محببه لي ، كنت أستطيع حل المسائل الرياضيه بسهولة ويسر ، وحين بدأت امارس عملي ، في هذا الجهاز الحساس ، اردت أن اثبت لنفسي اولا ، أني امتلك الخبرة والموهبه . كنت قد واجهة في عملي مشاكل كثيرة ، وايام صعبة وقاسية . لكني كنت قادرا على السير في هذا العمل ، فهي مثل ارض رخوة و محفوفة بالمخاطر ، فعليك ان تكون حذرا من كل خطوة تخطوها ، قد تزل قدمك في هاوية لا قرار لها . عندما كنت اصوغ هذا التقرير عن هذه المنشأة الفاسدة . شغلتني الكثير من الهواجس والكوابيس خاصة ذلك الكابوس طائر العنقاء المرعب . الذي يراودني كل ليله في المنام ، فأثار في نفسي شئ من الخوف والقلق . واحسست اني مقبل على شئ ، لم تتضح ملامحه بعد ، او اشارة كان علي ترجمتها وقرائتها . كانت هناك اسماء كثيرة وشخصيات كبيره ، كانت متورطة في هذا الاحتيال . وكلها قضايا فساد و نصب اراضي الدوله وتزوير عقود ملكيه . حين تتفحص الاوراق تجد كلها مجموعة اسماء لشركات وهميه . ليس لديها مكاتب ، مجرد اسماء فقط على الورق ، ومرتبطة بشركات اخرى وهميه . بغض النظر عمن يكونون . فهم يجيدون التخفي وراء تلك الشركات الوهميه . ولا تقدر تمسك عليهم شئ . اذا واصلت التعقب ستجد متاهة خلفها متاهة ، ومن شركة وهمية الى شركة وهمية اخرى ، ولكن في الاخير تنتهي كلها ، عند مجموعة من الاسماء النافذة والمسؤولة ، تتخفى وراء هذه الشركات الوهميه . شبكة عويصة من الغموض ، يتم التلاعب بالكثير من الأشياء . أدركت انني امام قضيه فساد كبيرة .
في التاسعة مساءا ، رن جرس الباب مرتين ، فتحت الباب وجدت شخصان غريبان، اول مرة اشاهدهما ، كانت تعابير وجوهما صارمه . كأنهم جاوا لتادية مهمه ، طلب الدخول لحديث معي ، ترددت قليلا ، قال احدهما لدينا امانه لك ، ثم سحب حقيبه كبيرة من خلفة ، مثل حقائب السفر الكبيرة ، دخلا وجلسا ، قال هذه الحقيبه لك من .. قال اسم .. لم اعرفه اول مرة اسمع به ، اعتذرت وقلت ، لم أعرف من هو ، ولا استطيع ان اخذها ، بدأ عليهما الارتباك قال احدهم . بعد ابتسامه خبيثة وماكره . ليس الموضوع كما تظن ، انها هديه من شخص يقدر عملك ، ثم فتح الحقيبه ، كانت مملوئه عملات نقديه ، مبلغ كبير جدا من المال ، فهمت انها رشوة .. لاجل وقف التقرير ، لم اقبلها طبعا الا اني ، فكرت كثيرا بعد خروجهم .. لم أكن مرتاح لما يحدث ، وجدت نفسي اخيرا شخص اخر ومشوش التفكير .. وكأن عقلي افرغ من التفكير . ولم اجد جواب مقنع لما افعله . وقلت في نفسي ، هل سيأتي يوم وتخرج التقارير من درج المكتب . وتذهب يوما الى القضاء .. لااعرف ولم اجد جواب لكل اسئلتي . ولكني اشفقت على نفسي . و بعد خروج الرجلين اليوم . كنت قد تيقنت انهم هما من كانو يراقبوني .
في صباح هذا اليوم . تاخرت في الخروج على الغير العادة . كنت متعبا . لازال الكابوس الطائر يطاردني كل ليلة . شاهدته يقف فوق راسي . وهو يغرس مخالبه في صدري . ويطير بي الى السماء . كنت في هذا اليوم قد قررت عدم الذهاب الى العمل ، كان عقلي مشوشا .. ولم استطع النوم جيدا ، كنت طول الليل وانا افكر في كابوس العنقاء . ربما كان الامر اكبر مما ظننت .كنت عاجز عن فهم الأشياء وهي ترسم نفسها امامي . ، كنت قد انهيت التقرير. ولم اقرر بعد ، هل اتجه الى العمل واسلم التقرير . او اذهب الى النيابه واعمل بلاغ . واسلمهم التقرير . كنت محتار ولم اقرر بعد . كان في الماضي اذا اشرت باصبعك ، على فلان من الناس انه سارق اوفاسد ، كان يخاف ويختبئ من أعين الناس ، حتى قبل ان يقبض عليه ويدان ويحاكم . كان للدولة هيبه . وللقانون قوة في هذه الارض . وضعت نفسي في حيرة . حتى بعد اول خطوة اخطوها ، وانا خارج من البيت ، وقفت أمام الباب ، اتأمل الشارع الذي امامي ، وكأني ابحث سبب او عذر للرجوع . اول مرة اكون فيها متردد . ولا اعرف اين اتجه ، بينما السماء كانت ملبدة بالغيوم . وركام من السحب الرماديه . تحجب ضياء الشمس . وبدا الشارع خاليا من المارة . كنت امشى بخطوات متأنيه . عدا شخص وحيد يقف امام الكشك . قبالة الشارع ، أحسست بنظرات عينيه تخترق جسدي ، وقبل ان يشيح بوجه . كانت العنقاء تحلق في السماء ، رفعت رأسي ارى العنقاء وهي تقترب . وفي لحظة خاطفة كأنها ومضة برق . كان هناك من يطلق النار نحو صدري . لمحت رأسه كان رأس طائر العنقاء . وصوته الذي يدوي مثل صوت صفير انذار قوي . طلقات اخرى في صدري . وغرس مخالبه في صدري . ورفع جثتي طائرا محلق يرف رف جناحيه ، ويبتعد ويبتعد بعيدا في اعالي السماء .