قصة قصيرة..
لقد دُعيت – (7)
في اليوم الثاني عشرَ من ذي الحجةِ من عام 1439،
وهو اليوم الثاني من ايام التشريق،
ذهبتُ ليلًا للمبيت في مِنى، كما فعلتُ في اليوم الأول.
رحتُ أبحثُ عن مكانٍ بين الجموعِ الهائلةِ من الحَجيج،
قادتني قدماي إلى مكانٍ ضيِّقٍ،
فدَسَسْتُ نفسي بين بعض الجالسين، بعد ان سلَّمتُ واسْتأْذنْت.
دار سؤالٌ كالعادة عن الاسمِ والبلدِ والأصلِ فأجبتهم،
وبدأت أشاركهم الحديثَ في مواضيعَ كانوا يتحدَّثونَ فيها،
وإذا بأحد الجالسين وكان شابًّا من الطائف،
يكرِّرُ الترحابَ حيث بدا مُسْتئْنِسًا لحديثي.
ما حدث اليومَ من مفارقة،
أن رجلًا كان بجانبي يجلس على كرسيٍّ لِعِلَّةٍ ما،
وإذا به ينهض من كرسيِّه طالبًا منّي أن أجلس محلَّه!
قلت سامحك الله، كيف يكون ذلك؟ قال لا عليك،
لا يمكن أن أجلس أنا على الكرسي، وانت تجلس على الارض!
ألَحَّ كثيرًا فلم اجدْ بُدًّا من الجلوس على كرسيِّه.
نعم تلك كانت مفارقةٌ لا تُنسى!
أما الشابُّ من الطائف فقد اعطاني عنوانَه، ورقمَ هاتفِه،
والزمني أن ازورَه في الطائف إذا ما قدمت مرة أخرى.
استمر الاتصال بيننا الى يومنا هذا،
وكلانا ممتنٌّ وذاكرٌ ذلك اللقاء.
عدت الى البيت كالعادة، بعد ان انهيت متطلَّبات اليوم الثاني من ايام التشريق،
ولما كنت متعجِّلًا، فلم يبقَ امامي الا طوافُ الإفاضةِ ثم السعي ثم الوداع.
كان عليَّ أن أذهبَ إلى مكتب المُطَوِّفِ لإكمالِ معاملة العودة.
كانت اغلبُ الطرق مغلقةً، بغيةَ تنظيم عودة الزخم الهائل من الحجاج.
لم استطعْ أن أحصلَ على سيارةِ اجرةٍ تُقِلُّني إلى ذلك المكتب.
كنت كلما أوقفتُ أحدَ السواق وأُخبرُه بعنوان المكتبَ،
أجاب بأنه لا يذهبُ إلى هناك أو لا يعرفُه.
لم أجدْ بُدًّا من أن أتَّصِلَ بالشاب اليمني، الذي تعرفت عليه سابقًا،
لأرى إذا كان يعرفُ سائقَ سيارةِ نقلٍ،
قال أمهلْني قليلًا سأتَّصلُ بك.
اتّصلَ بعد دقائقَ، ثم جاء هو وابْنُ عمِّه وذهبنا إلى المكتب.
كانت معاملةُ المكتبِ ذلك اليوم معاملةً فظَّةً،
خرجتُ وانا مُشْمَئِزٌّ لِتصرُّفاتِ بعض الموظفين.
بعد انْتظارٍ طويلٍ، أخبروني أن أعودَ ثانيةً إلى المكتب بعد 24 ساعة.
أرجَعَني صاحباي الى محلِّ سُكناي، حيث كانا ينتظراني خارج المكتب،
وكم كنتُ خَجِلًا منهما أنّي تأخرتُ عليهما مُجبَرا لا مُخيَّرا.
كرَّسْتُ آخرَ يومٍ لي في مكةَ لأُنْهيَ ما عليَّ من واجبات الحج،
جمعتُ طوافَ الإفاضةِ وطوافَ الوداع بطوافٍ واحدٍ،
ثم سعيتُ بين الصفا والمروةِ ثم عدت الى البيت.
كان عليَّ ان أُغادرَ ممتثلًا ما جاء بهذا الشأن،
من ان اجعلَ آخرَ عهدي بمكة، هو الطواف الذي أتْمَمْت.
سرتُ مسافةً طويلةً خارجَ المسجدِ الحرام،
استأجرتُ سيارةً نقلتني إلى منطقةٍ قريبةٍ من البيت.
وصلت فدخلتُ غرفتي، واسْترحتُ قليلًا، وتهيَّأتُ منتظرًا مكالمةً من المكتب.
هنا اتصل صاحبي المكيُّ من تركيا لأنه يعرف أَني أغادرُ مكة اليوم.
قلت له: انا انتظرُ مكالمةً من المكتب،
لكي يعطوني جوازي الذي أخذوه عند وصولي،
ولا ادري اِن تولَّوْا إيصالي الى مطار جَدَّة.
حين اخبرتُه بأني لا أدري إن استطعتُ أن اجِدَ سيارةً توصلني إلى المكتبِ،
قال سأتَّصلُ بابْنِ خالتي ليأتي اليك.
انا اعرف ابنَ خالته، فقد الْتقيتُه في مكةَ أثناءَ العمرةِ قبلَ أشهر.
اتّصلَ ثانيةً فقال إنه لم يرُدّ، وسأتصلُ بأُختي علَّها تُخبرُه.
في تمام الرابعة مساءً، اتصل بي المكتب، وقالوا عليك ان تأتي الساعةَ الخامسة.
وما هي إلاّ دقائق واذا بابْن خالة صاحبي يتصلُ بي، فقلتُ له:
جئتَ على قدرٍ يا رجل، عليَّ ان اكونَ في المكتب قبل الخامسة.
جاءني مشكورًا وأخذني إلى المكتب.
أذكر انه قال لي: إن أردتني أن أُوصِلَكَ إلى مطار جَدَّةَ، اوصلتُك.
قلت له: بوركت، هذا موقف يحسب لك،
عُدْ على بركة الله سأتدبّرُ الأمر.
بقيت منتظرًا إكمالَ المكتب معاملةَ الخروج، ثم ترتيب الذهاب الى المطار.