قصة قصيرة..
لقد دُعيت – (8)
بعد أن أديتُ صلاةَ المغربِ والعشاء في مسجد المطار، ذهبت ُ الى مقهى (Starbucks) في مطار جدة، كان المكان مُكْتَظًّا بالزَّبائن، لكني طلبتُ السماحَ من شابٍّ كان جالسًا ، أن أجلسَ معه فرحَّب.
اليومِ هو الرابع عشر من ذي الحجة عام 1439،
الموافق لليوم الخامس والعشرين من شهر آب عام 2018.
اكملَ مكتبُ المطوِّفِ معاملةَ الخروجِ،
ثم أحضروا سيارةً للنقلِ، كان سائقُها مؤدَّبًا جدًّا، أحاطني باحترامٍ،
حيث تولّى اخذَ حقائبي، ووضَعها في السيارة،
ثم انطلق إلى موقفٍ موحَّدٍ لتجمٌّع الحجّاج المغادرين.
دخلتُ مكتبَ الموقف، فتولّى هو إنهاءَ بعض الترتيبات،
ثم ركبتُ في حافلة الى المطار.
كان سائقُ الحافلة من جنوب أفريقيا،
كان يتحدثُ الانكليزية، وفرحَ أني كلمته بها، وانطلقنا إلى المطار.
قلت له، فيما قلت، اريد ان اشتريَ تمرًا، قال:
ساۤخذك إلى أحدِ أسواقِ جَدّة قبل أن نتوجهَ إلى المطار.
لكنّه لم يتمكن من الذهاب،
لشدةِ ازدحام الطرق ذلك اليوم.
وصلنا المطارَ، وتولّى الدخول معي إلى مكتب الحجاج،
وسلمَّهم الجوازَ الذي لمْ أرَهُ منذ اسبوعين،
فحصوهُ ثم اعطوني ايّاه.
هنا كان عليَّ ان انتظرَ ساعاتٍ طويلةً في المطار،
فطائرتي تُقلعُ الخامسةَ صباحًا من اليوم التالي،
وكان الوقتُ حينها السابعة مساءً.
بعد أن أديتُ صلاةَ المغربِ والعشاء في مسجد المطار،
ذهبت ُ الى مقهى (Starbucks) في مطار جدة،
كان المكان مُكْتَظًّا بالزَّبائن،
لكني طلبتُ السماحَ من شابٍّ كان جالسًا ،
أن أجلسَ معه فرحَّب.
وبينما انا جالسٌ اذ جاء شابٌّ اخر،
على كرسيٍّ متحرِّكٍ،
كانت الابتسامةُ تملأُ وجهَه،
ربما كان صديقًا للشاب الذي جلستُ معه.
بدأ كلامَه بصوتٍ لطيفٍ جدًّا قائلًا:
انا فلانٌ الفلاني، أرجو ان تقبل ضيافتي فلا تردَّني.
قلت له في غاية السعادة، اقبل ضيافتك دون سابقِ معرفةٍ بيننا،
فانا مأخوذٌ بالابْتسامةِ التي تعلو وجهك،
وهي على ما يبدو تُخفي وراءها مشاعرَ صادقةً استطيع ان اقرأها.
واصلَ ابتسامتَه وقال: قلْ لي بربِّكَ ماذا تريدُ؟
أخبرْني وانا ساۤتي لك به. أتريدُ قهوةً ام عصيرًا،
قبل أن أُجيبَ، أردفَ قائلًا: عصيرَ برتقالٍ ام ليمون؟
قلت له ما تختارُ انت، فذهبَ مسرعًا على كرسيِّه المتحركَ،
ليجلب لي كأسًا من عصيرِ الليمون، فكنتُ له من الشاكرين.
قال لي من أينَ أنتَ؟ قلتُ انا من العراق، قال يا اهلًا بالعراق،
انتم وانتم وبدأ يمدح. قلت وممَّن يكونُ الأخ؟
قال: انا من جازان ومن أسرة الكاملي،
قلت اهلاً، فأنت إذن كاملي، قال وهذا لقبي.
راح يخبرني أنه حاصلٌ على البكالوريوس في علم الاجتماع،
وأنه موظفٌ، لا أذكر في اي مكان.
تشعَّبَ الحديثُ وكان حديثًا ذا شجونٍ،
قطعهُ إعلانُ رقمِ بوابةِ مغادرتي، فودَّعتُهُ شاكرًا وغادرت.
ذهبتُ إلى موظفِ الخطوطِ لأشحنَ حقيبَتي.
هنا عرفتُ أَنهم يسمحونَ بشحنِ وعاءٍ واحدٍ من ماءِ زمزم.
خرجتُ واشتريتُ وعاءينِ،
شحنتُ أحدَهُما مع الحقيبة الكبيرةِ،
ووضعت الثاني مجازفةً في الحقيبةِ الصغيرةِ التي احمِلُها معي،
عَلَّهم يسمحونَ لي بأخذه.
حينَ فُتِّشت الحقيبةَ، أخذ الموظف الوعاءَ ورماهُ جانبًا،
لم احاولْ إقناعَه بالسماحِ،
احترمتُ ما تُمليهِ عليهِ التعليماتُ،
ولو أني كنتُ اتمنّى لو أخذتُ الوعاءينِ،
فلي اصدقاءٌ كثرٌ حريصون على شرب ماء زمزم.
ركبتُ الطائرةَ وكانَ الطفَ ما فيها كما قلت سابقًا وجود مصلّى.
لاحظت شيئا آخر أنّ كابينةَ الطعامِ والشرابِ مفتوحةٌ دائمًا،
ويُسمحُ للركاب أن يأخذوا مما يتوافرُ فيها متى شاءوا.
وإن نسيت فلن أنسى حسن تعاملِ الطاقم الخدمي طوال الرحلة.
حطّتْ بنا الطائرةُ في مطارِ لوس أنجلس بعد ستِّ عشرةَ ساعةً.
انتظرتُ حقيبتي مدةً طويلةً حتى مرت على الحزام الناقل فأخذتها،
إلاّ أَن وعاءَ ماءِ زمزمَ لم يمرَّ امامي.
طال الإنتظارُ حتى كادَ اليأسُ يستولي عليَّ ألاّ أراهُ،
فأغلبُ الحجاجِ قد اسْتَلموا ما جلبوا.
اتصلتُ بالموظفِ المراقبِ، فقلتُ له هناك احتمالٌ
أنَّ أحدَ الحجاجِ توهَّمَ بالاسمِ، فأخذَ الوعاءَ الذي جلبتُ،
فقال غادرْ انت، واِن عثرتُ على أيِّ وعاءٍ اضافي
فسأُرسلُه متى ما أجدُه الى مطارِ يوجين محطتي الأخيرة،
وبينما كنت اتكلَّمُ معهُ،
وإذا بوعاءي بين حقائب المسافرين على نفسِ الطائرةِ،
فتركتُه مع الحقيبة لكي يشحنوهما إلى يوجين.
كنتُ متعبًا جدًّا وكانَ عليَّ أن أنتظرَ ثلاثَ ساعاتٍ حتى تحينَ رحلتي الاخيرة،
نمتُ قليلًا وخلالَ وقتً قصيرٍ انتبهتُ،
ولكني لتعبي ولقصرِ الوقت الذي نمت خلاله، لم أدركْ حالًا أين انا.
كل ما كان في فكري عنذئذ أنني لا زلت في مكة.
رأيتُ امْراةً مرتْ أمامي سافرةً فقلتُ يا لَلْغرابةِ،
لماذا تكونُ على هذه الحال،
ولماذا لم تلبسْ ملابسَ محتشمة في هذا المكان المقدس!
ثم نظرتُ إلى يساري وإذا بشابٍّ يرتدي بنطالًا،
فقلت والحَيْرةُ تستولي عليَّ!
لماذا خلع هذا ملابسَ الأِحرام؟
التفتُّ إلى نفسي وإذا بي في ملابسَ عاديَّةٍ ايضًا!
ما القضية يا ربي أين أنا،
أين الإحرام الذي كنت البسُهُ؟
ثم بدأت أسائلُ نفسي،
اليومَ هو السادسُ والعشرون من آب 2018 فأنا بالتأكيد في جدَّة،
لماذا انا هنا ولماذا ولماذا،
إلى أن عدت إلى رشدي، وأدركتُ أني في لوس انجلس،
وانا انتظر الطيارة إلى محطتي الاخيرة،
وان فرق الوقت بين البلدين يزيد على عشر ساعات،
ولذا لا غرابة في ان يوم جدَّة هو ذات اليوم هنا،
وان التعب قد نال حظَّهُ مني.
الحقيقة كانت لحظات عشتها مخيفة حيث اختلطت عليَّ الأمور.
ذهبت وغسلت وجهي وذهبتُ الى محلٍّ للقهوة،
فرأيتُ امرأةً اسيويةً تعمل فيه قلت لها:
هلاّ اعطيتني ماءً مغليًّا لأني اريدُ ان اعمل شايًا خاصًّا جلبتُه معي،
فأعطتني الماء دون مقابل،
وهنا استرجعتُ الموقفَ مع صاحبنا في عرفات،
فابتسمت ابتسامةً لا يعرفها إلّاي!
قبل أن تُقلعَ بي الطائرةُ الى يوجين، اتصلتُ بالأخ الناصر،
وأبلغته بموعدِ الوصولِ فاسْتجابَ مشكورًا،
وقالَ سأنتظرُكَ في الوقتِ المحدد.
وصلتُ فرأيتُهُ خارجَ المطارِ ينتظرُني مع أولادهِ المحروسين،
فكان لذلك في نفسي وقعٌ بالغٌ، حيث قام بنقلي،
في ذهابي وأيابي جزاهُ الله عني خيرا.
في النهاية ترسَّخ في ذهني،
بعد كل الذي لقيت،
أنّي حقًّا " قد دُعيت "