صفقة الأضخم خلال عقدين..

أبرز التغيرات والتحولات المرتقبة في تطبيق تويتر تحت راية "إيلون ماسك"

تبدأ منصة “تويتر” العملاقة مرحلة جديدة في تاريخها بعد أن تحولت إلى شركة خاصة، ليُنهي استحواذ “ماسك” عليها مسيرتها كشركة عامة منذ طرحها في عام 2013. وقد وصفها “ماسك” بأنها “الساحة الرقمية العامة”.

إيلون ماسك

د. رغدة البهي
لندن

في صفقة وُصفت بأنها الأضخم خلال عقدين، استطاع الملياردير الشهير “إيلون ماسك” (صاحب شركتي “تسلا” و”سبيس إكس”) شراء موقع “تويتر” (أحد أكبر مواقع التواصل الاجتماعي في العالم) مقابل 44 مليار دولار، وهو ما أثار تساؤلات عن التغيرات المحتملة على “تويتر” على الرغم من غياب السياسة المعلنة التي توضح تلك التغيرات حتى الآن، وإن أمكن الاستدلال على ملامحها المرتقبة من خلال تغريدات “ماسك” وتصريحاته السابقة ومقابلاته الصحفية.

تغيرات مرتقبة

يمكن الوقوف على أبرز التغيرات والتحولات المرتقبة على “تويتر” بالنظر إلى النقاط التالية:

1– تغير ماهية “تويتر”: تبدأ منصة “تويتر” العملاقة مرحلة جديدة في تاريخها بعد أن تحولت إلى شركة خاصة، ليُنهي استحواذ “ماسك” عليها مسيرتها كشركة عامة منذ طرحها في عام 2013. وقد وصفها “ماسك” بأنها “الساحة الرقمية العامة”، حيث تناقش موضوعات حيوية تقع في صميم مستقبل الإنسانية. ومن الجدير بالذكر أن صفقة الاستحواذ تعد تحولاً جذرياً في موقف مجلس الإدارة الذي حاول في البداية عرقلة جهود “ماسك” لشراء المنصّة جراء عدة مخاوف، لا سيما وأن تصريحاته غير المتوقعة والاتهامات الموجهة له بالتنمر تتعارض مع أهدافها.

2– التطوير الشامل: قال “ماسك” -في أول تصريح له بعد إتمام صفقة الاستحواذ- إن الموقع لديه إمكانيات هائلة، وإنه سيعمل على توفيرها، بل وزيادة الثقة فيه، وجعله أفضل من أي وقت مضى من خلال العمل مع الشركة ومجتمع المستخدمين من ناحية، والقضاء على حسابات برامج روبوتات الإنترنت (Bots) من ناحية ثانية، والمصادقة على حسابات جميع البشر من ناحية ثالثة. وفي السياق نفسه، وفي أعقاب صفقة الاستحواذ، غرّد “ماسك” على “تويتر” قائلاً: “سأجعل من تويتر مكاناً أفضل بتطوير أدوات عمل المنصة”.

3– دعم حرية التعبير: انتقد “ماسك” سياسات “تويتر” على صعيد حرية التعبير لأنها لا تتعاطى معها على النحو المرغوب، وقد سبق له أن كتب في تغريدة له على “تويتر” في شهر مارس الماضي إن حرية التعبير ضرورية لديمقراطية فاعلة، وتساءل: “هل تعتقدون أن تويتر يلتزم بهذا المبدأ؟” كما يرى أن الرقابة عليه تتأثر بالاعتبارات السياسية، ولا تهيئ الفرصة لخطاب عام حقيقي يسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم بحرية. وبعبارة أخرى، يرغب “ماسك” في توقف “تويتر” عن تكميم الأفواه وخنق الأصوات والوقوف في وجه حرية التعبير، وهو ما تجلى -على سبيل المثال- لا الحصر في قرار “تويتر” بإيقاف حساب الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” لأن تصريحاته كانت تحرض على العنف.

4– فتح الخوارزميات: يرى “ماسك” أن “تويتر” يجب أن يفتح خوارزميته، لأن ذلك يُمكّن المستخدمين من معرفة كيف يقرر رفع أو ترويج بعض محتوياته، وربما تقديم اقتراحات بشأن هذا الأمر. وبعبارة أخرى، ينوي “ماسك” أن يوفر الخوارزميات الخاصة بعرض التغريدات أمام المستخدمين كي يفهموا السبب وراء ظهورها على صفحاتهم، وبخاصة أن توفير المعلومات للمستخدمين سيساهم في معرفتهم بأسباب ظهور تغريدات واختفاء أخرى. وبالتوازي مع ذلك، توعد “ماسك” -في وقت سابق- بالتخلص من الحسابات عشوائية التغريد التي تشرف عليها برامج روبوتية. كما انتقد سلفاً إبراز حسابات لبعض الأشخاص مثل الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” أو المغني “جاستن بيبر” على الرغم من أنها لا تغرد بشكل مكثّف.

5– سرعة طرح خاصية تعديل التغريدات: تعددت مطالبات المستخدمين بطرح خاصية التعديل للتخلص من الأخطاء الإملائية وتعديل تغريداتهم دون الحاجة إلى حذفها ثم نشرها من جديد. وقد سبق أن سأل “ماسك” متابعيه عبر “تويتر” في 4 أبريل الجاري عن تفضيلهم وجود زر للتعديل من عدمه، وقد فضل 73.6% منهم (أي 4 ملايين مستخدم) توافر تلك الخاصية. وبعد يوم فقط من استطلاع الرأي هذا، أكد فريق التواصل التابع لمنصة “تويتر” عبر تغريدة لهم أن العمل جارٍ على توفير خاصية التعديل.

6– إعادة النظر في سياسة الإعلانات: لا يُفضل “ماسك” الإعلانات على “تويتر” قائلاً: “إنها تمنح الشركات الإعلانية سلطة كبيرة على الموقع”. ومع هذا، من غير المحتمل أن تتوقف الإعلانات على منصة التواصل الاجتماعي بالنظر إلى أرباحها الاقتصادية وجدواها المالية. وقد سبق أن قال “ماسك” إنه مؤمن بتويتر قائم على الاشتراك بدلاً من نسخة مدعومة بالإعلانات، لكنه سرعان ما حذف تلك التغريدة.

7– مجابهة الاحتيال: سبق أنتضرر “ماسك” شخصياً من محتالين سبق أن انتحلوا صفته، مما كلف البعض أكثر من مليوني دولار في العملة المشفرة، ناهيك بالوقت الذي تعرض فيه للاختراق المباشر في عام 2020، مما تجلى في تعقب رسائله ونشر بعض معلوماته الخاصة علناً. كما قام أحد المراهقين بإنشاء حساب عبر “تويتر” لتتبع طائرة “ماسك” الخاصة، ليعرض عليه الأخير حذف الحساب مقابل خمسة آلاف دولار؛ إلا أن الشاب رفض. إذ يرغب “ماسك” في تنظيف الموقع وتخليصه من المحتالين والروبوتات لإنشاء مكان أكثر أماناً للمستخدمين، على الرغم من ضبابية الآليات المستخدمة لتحقيق تلك الغاية.

أبرز الدلالات

يمكن الوقوف على جملة من الدلالات التي تثيرها صفقة الاستحواذ والتغيرات المحتملة السابقة، وذلك على النحو التالي:

1– صفقة ضخمة: أتت صفقة الاستحواذ عقب أربعة أيام فقط من كشف “ماسك” النقاب عن حزمة تمويل لدعم عملية الاستحواذ، ليخوض غمار مناقشات غير مؤكدة إلى أن غازل مساهمي “تويتر” بالتفاصيل المالية لعرضه. وبموجب شروط الصفقة، سيحصل المساهمون الحاليون في المنصة على 52.2 دولاراً لكل سهم من أسهم “تويتر” التي يمتلكونها، مما يطابق عرض ماسك الأصلي، بل ويمثل علاوة بنسبة 38% على سعر السهم في اليوم السابق لكشف “ماسك” عن حصته في الشركة.

2– دوافع محركة: لقد أعرب “ماسك” مراراً عن قلقه من تمادي مسؤولي “تويتر” في التدخل بالمنصة. وفي الوثائق الرسمية التي أبدى فيها “ماسك” رغبته في شراء “تويتر”، كتب: “لقد استثمرت في تويتر لأنني أؤمن بإمكانية أن يكون منصة لحرية التعبير”. وأضاف، إنه لا يثق في القيادة الحالية لإجراء التغييرات التي رأى أنها ضرورية لحرية التعبير على المنصة. وقال: “منذ أن قمت باستثماري، أدرك الآن أن الشركة لن تزدهر ولن تخدم هذه الضرورة المجتمعية في شكلها الحالي”. وفي تغريدة له قبل إتمام صفقة الاستحواذ، قال “ماسك” إنه يأمل في أن يستخدم أسوأ منتقديه المنصة، لأن هذا هو ما تعنيه الحرية.

3– علامات استفهام: يترقب الجميع إفصاح “ماسك” عن سياساته الجديدة بشكل رسمي، وحتى حدوث ذلك لا يمكن الجزم بما سيصبح عليه “تويتر” على وجه اليقين، ولا يمكن الحكم على المرحلة المقبلة من عمر الشركة، وما إذا كانت للأفضل أم للأسوأ، وما إذا كان العاملون في الشركة سيفضلون الاستمرار فيها من عدمه، وهل ستغير مقرها الرئيسي أم لا؟ إذ لا تكفي سلسلة التغريدات والبيانات الموجزة للتوصل لاستنتاجات واسعة، ولا يمكن الجزم أيضاً بالوسيلة التي سيستخدمها “ماسك” للإعلان عن سياساته الجديدة، وهل سيلجأ إلى “تويتر في ذلك أم سيفضل عقد مؤتمر جماهيري؟.

4– حجم التأثير: لا شك أن صفقة الاستحواذ على “تويتر” تجعل من أغنى رجل في العالم مسؤولاً عن واحدة من أكثر الشبكات الاجتماعية نفوذاً. ومن المرجح أن تلقي عملية الاستحواذ بظلالها على وسائل التواصل الاجتماعي والشركات التكنولوجية الكبرى على اختلافها. فقد أثيرت تساؤلات عن الجدل المحتمل بين “ماسك” من ناحية و”جيف بيزوس” (مؤسس شركة “أمازون”) من ناحية ثانية. إذ يختبر الأخير بالفعل التزام الأول بحرية التعبير من خلال بعض التغريدات التي نشرها حول الصين. بيد أن تلك الآثار لن تتكشف على المدى القصير؛ ذلك أن تنفيذ الصفقة سوف يستغرق بطبيعة الحال عدة أشهر، مما يعني أن “ماسك” لن يُمسك بزمام “تويتر” قبل الخريف.

5– الأرباح المادية: تمثل صفقة الاستحواذ اعترافاً ضمنياً من “تويتر” بأن رئيسها التنفيذي الجديد “باراج أجروال” (Parag Agrawal) الذي تولى منصبه في شهر نوفمبر الماضي لا يحقق العوائد المادية التي تتوقعها الشركة، على الرغم من كونها على الطريق الصحيح لتحقيق الأهداف المالية الطموحة التي حددتها لنفسها في عام 2023. وفي المقابل، يمكن الدفع بأن “ماسك” يهدف إلى شركة تتجاوز دافع الربح، لذا مع نمو إمبراطوريته لتشمل منصة الوسائط الاجتماعية الرائدة عالمياً، قد يصلح نموذج “تويتر” الاقتصادي ليطرح الشركة للاكتتاب العام في غضون سنوات قليلة، أو قد يحولها إلى شركة عملاقة على شاكلة شركتي “سبيس إكس” و”تسلا”.

6– مواجهة المشروعات البديلة: أكد الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” أنه لن يعود إلى منصة التواصل الاجتماعي “تويتر” حتى حال عودة حسابه على تلك المنصة. وفي المقابل، سيُفعل حسابه الرسمي على منصة “تروث سوشيال” (TRUTH) الناشئة التي يمتلكها خلال الأيام المقبلة. يذكر أن تلك المنصة التابعة لمجموعة (Trump Media & Technology Group) قد انطلقت رسمياً الشهر الماضي، وتم تشغيلها في إطار خدمات سحابية جديدة لمدة أربعة أيام، ويعد النائب الجمهوري السابق عن ولاية كاليفورنيا “ديفين نونيس” هو الرئيس التنفيذي لها، بيد أن أسهم شركة (Digital World Acquisition Corp) التي تستعد لطرح مشروع “ترامب” الإعلامي للتداول العام قد شهدت تراجعاً حاداً عقب صفقة الاستحواذ على “تويتر”.

ختاماً، استغل “ماسك” ثروته الهائلة للاستحواذ على شركة “تويتر” بهدف جعلها أفضل من أي وقت مضى، وذلك من خلال الدفع بمنتجات جديدة ذات ميزات متعددة، بالتوازي مع جعل الخوارزميات مفتوحة المصدر بهدف تعزيز الثقة في المنصة، بجانب تعزيز قدرة المستخدمين على التحدث بحرية تامة في حدود القانون. وفي المقابل، يتخوف البعض من أن يسمح امتلاك “ماسك” للشركة بانتشار المحتوى المتشدد الذي تواجه شركات التواصل الاجتماعي صعوبات جمة في التخلص منه.