لا أحد يعرف الأسباب الحقيقية..

كاظم الساهر.. العودة بعد ثلاثة عشر عاما إلى المسرح المصري.. تغييب أم غياب

تناثرت روايات عديدة حول أساب الغياب، من بينها رواية انتشرت واستقرت في وجدان الكثيرين تتعلق بأن كاظم الساهر اعتذر قبل أيام قليلة عن المشاركة في مهرجان الموسيقى العربية بدار الأوبرا المصرية عام 2009، وقيل وقتها إنه شارك في اليوم نفسه في حفل أقامه ثري عربي بمنزله.

عودة المطرب العراقي إلى دار الأوبرا تغلق صفحة قاتمة خيّمت على علاقته بالقاهرة.

القاهرة

عاد المطرب العراقي كاظم الساهر للغناء في مسارح مصر بعد غياب دام لأكثر من عقد. ولم يمنع احتفاء الجمهور بعودته وإقباله الكبير على مواكبة حفلتيه، وانتظاره ظهوره الإعلامي المقرر في إحدى القنوات المصرية، من التساؤل عن سر الغياب وسر عودته أيضا دون تقديم تفسيرات تذكر، حتى أن الكثير من النقاد انحازوا للقول إنه تعرض لحملة تغييب ممنهجة بعضهم يرى أنها من جهات رسمية فيما ينسبها آخرون لفنانين منافسين في الساحة العربية.

تمثل الحفلة التي أحياها المطرب العراقي كاظم الساهر بدار الأوبرا المصرية مساء الثلاثاء عودة جديدة إلى حفلاته المتعددة على أرض المحروسة التي اختفى عنها حوالي ثلاثة عشر عاما كاملة من دون توضيح الأسباب التي أدت إلى غيابه فنيا بعد أن ملأ الدنيا طربا وانتشرت حفلاته في دول كثيرة.

وكما غاب فجأة عن مصر عاد فجأة أيضا، وكشف الحفل الذي أقامه المطرب العراقي في منطقة الساحل الشمالي الخميس الماضي عمق العلاقة بينه وبين الجمهور المصري، حيث تغزّل كلاهما في الآخر وكأن الغياب الذي طال لم يكن موجودا، بما يعني طي صفحة من الجفاء لا أحد يعرف الأسباب الحقيقية التي أدت إليها، والتي حرمت المصريين من مطرب كبير عشقوه وحرمته من جمهور رفعه إلى عنان السماء.

تناثرت روايات عديدة حول أساب الغياب، من بينها رواية انتشرت واستقرت في وجدان الكثيرين تتعلق بأن كاظم الساهر اعتذر قبل أيام قليلة عن المشاركة في مهرجان الموسيقى العربية بدار الأوبرا المصرية عام 2009، وقيل وقتها إنه شارك في اليوم نفسه في حفل أقامه ثري عربي بمنزله.

ونفى المطرب العراقي هذه الرواية وتمسك بأن الغياب كان لأسباب صحية وأسرية وقتها، كما نفى لاحقا غيابه عن مصر وأن عدم زيارته القاهرة وإقامة حفلات يعود إلى عدم الاستقرار السياسي الذي حصل بعد ثورة يناير 2011.

لم تنطل هذه رواية على الكثيرين، لأن مصر تجاوزت تداعيات ثورة يناير وتنفست الصعداء، ثم تخطت نتائج ثورة يونيو 2013، وتحقق قدر كبير من الأمن وعادت الحفلات الفنية الصاخبة والهادئة التي شارك فيها عدد كبير من المطربين العرب، وهو ما يؤكد أن هناك أسبابا أخرى لا أحد يريد الحديث عنها صراحة. لا كاظم ولا دار الأوبرا المصرية التي كانت طرفا في آخر دعوة وجهتها له منذ ثلاثة عشر عاما.

أيد الناقد المصري طارق الشناوي حكاية وجود ما يشبه “الفيتو” المصري أو الاعتراض ولا أحد يعلم من أصدره بالضبط، ومن يتحمل مسؤولية خسارة مطرب كبير مثل كاظم بلا مبررات مقنعة. ورجّح الشناوي أن يكون هناك مطربون في مصر لا يحبذون وجود “القيصر”، وهو اللقب الذي يعرف به كاظم واشتهر به في القاهرة، بينهم بعد أن اكتسب المزيد من الشهرة من خلال حفلاته الجماهيرية.

وجه الإعلامي المصري محمد الباز أخيرا في برنامجه “آخر النهار” على قناة النهار أصابع الاتهام مباشرة إلى نقيب الموسيقيين المستقيل هاني شاكر، وأنه يتحمل ضمنيا مسؤولية منع المطرب العراقي، نافيا فكرة المنع الرسمي من أي جهة مصرية.

يبدو أن غياب كاظم مثّل ارتياحا للبعض دفعهم إلى عدم البحث كثيرا عن أسباب اختفاء كاظم من خارطة الطرب في مصر أو التفتيش في العوامل التي أدت إلى غيابه، وتصور آخرون من المسؤولين عن إدارة المشهد الموسيقي أن هناك “فيتو” رسمي لم يجرؤ أحدهم على معرفة جذوره وحل عقدته إذا كانت هناك عقدة فعلا.

يكشف غياب المطرب العراقي ثم عودته بعد هذه السنوات حالة رمادية في الواقع الفني بمصر، تعتمد على المنع السماعي أو الشفاهي، والذي ربما يطلق في لحظة غضب معينة، ولوجود مستفيدين أو متراخين ومتقاعسين لا أحد يحرص على معرفة الحقيقة. فمطرب مثل كاظم بشهرته الواسعة التي حصل عليها قبل أن تطأ قدماه القاهرة في منتصف التسعينات من القرن الماضي، لن يكون معنيا بالبحث عن الأسباب.

تقود الضبابية إلى حذر من الطرفين، ويتصور كلاهما أن هناك موقفا سلبيا يتخذه من الآخر، فتتحول المشكلة البسيطة إلى أزمة، والأزمة إلى اتهام بالمنع أو تعمّد الغياب، وفي كل الأحوال يخسر الجمهور المصري المحب لكاظم، ويخسر هو لأن البعض قد يتعمّد الإساءة إليه في ظل تضخم معنوي يضفيه البعض من المصريين على فنهم.

يتحمل غياب كاظم كل من علم ولم يتحرك من أهل الطرب في مصر، لأن المنع بدا كأنه رسميا أو شبه رسمي، مع أن وجوده لا يمثل تهديدا للفن المصري أو لأي من المطربين، فالمنافسة مفتوحة، وعلى العكس يعدّ إضافة وتنوعا، لأن مشاركته في الكثير من الحفلات تعني أن القاهرة لا تزال قادرة على استقطاب المطربين العرب.

تتعزز نظرية المؤامرة الفنية هنا وتنتفي الدواعي الرسمية مع قيام المطرب العراقي بزيارة القاهرة أكثر من مرة طوال السنوات الماضية من دون إحياء حفلات فنية، وأن ثمة قبولا بهذا الوضع وإن لم يصطحب معه قرارا محددا من أي جهة بما فيها دار الأوبرا، وقد يخشى من ارتاحوا للغياب أو صب في مصلحتهم الحديث عنه خوفا من إدانتهم، فالطريقة التي أديرت بها أزمة كاظم حولتها إلى كرة ثلج على الساحة الفنية.

اشتهر المطرب العراقي بإجادة الغناء والتلحين على كلمات الشاعر السوري الراحل نزار قباني في الحب والغزل والعواطف وتحويلها إلى لحم ودم أمام محبيه، وهو ما أكسبه شهرة فائقة، خاصة أنه يتمتع بكاريزما فنية وحيوية لغوية مكنته من القبض على ناصيتي الكلمة واللحن والأداء الجذاب أمام الجمهور.

زادت قيمته في مصر مع تقديره لكبار المطربين والمطربات فيها وحرصه على أن يشدو بأغنيات عدد منهم في بعض حفلاته التي أقامها قبل غيابه عنها، للدرجة التي تفوّق بها على مطربين مصريين اعتقدوا أنهم بلا منافسين.

لم تقدم تفسيرات واضحة لعودة كاظم ومشاركته في حفل حاشد بالساحل الشمالي، ثم حفل آخر بدار الأوبرا، ربما تقدم العشوائية مبررا كافيا لفهم أسباب الغياب ثم العودة، ويمكن أن تفضي إلى خسارة بعض الفنانين العرب حال تكرارها بهذه الطريقة، وتترك انطباعا بأن القاهرة غير قادرة على استيعابهم في الوقت الذي تُفتح أمامهم العديد من الأبواب في دول عربية كثيرة بزغ نجمها في المهرجانات الفنية بأنواعها المختلفة.