"حَدَثٌ مُدهشٌ في عبلين"..
"آمال رضوان" في لقاء الأجيال والشرائح العمرية والثقافية المتنوعة
يبحث الإنسان بشكل دائم عن وسيلة للتعبير عن مشاعره من فرح أو حزن، والغناء واحدة من هذه الوسائل التي تخدم الفرد والجماعة، والفنون الشعبية تعبر عن الآمال والأماني الخفية، وترافق المجتمع في مراحل دورة حياة الإنسان ودورة الحياة في الطبيعة؛ وحتى الحالات السياسية الثورية
حَدَثٌ مُدهشٌ حقّا في لقاء الأجيال والشرائح العمرية والثقافية المتنوعة، فقد تسربلت قاعة المركز الثقافي (الفانوس) في عبلين بحُلّة تراثية وأجواء تراثية بامتياز، وغصّت بحضور حافل وكبير من أدباء وأصدقاء من المثلث والناصرة وحيفا والكرمل والجليل وعبلين، ونخبة من الجمهور المثقف الراقي المُصغي، وذلك احتفاءً بتكريم عبلين الجَليليّة بابنتها الأديبة الشاعرة آمال عواد رضوان، وتوقيع كتبها التراثية الثلاثة بتاريخ 30.9.2022، بمبادرة وتنسيق وتنظيم جمعية عبلين في القلب، بالمشاركة مع قسم المعارف في مجلس عبلين المحلي، والنادي النسائي الارثوذكسي عبلين، وجوقة الكروان، ونادي الكنعانيات للإبداع، والكشاف الأرثوذكسي وجمعية فسيلة، وأطر وجمعيات عبلينيّة عديدة أخرى.
تولت إدارة الأمسية د. روزلاند دعيم الغالية رئيسة نادي الكنعانيات للإبداع، فقدّمت البرنامج بكل ثقة وبأسلوب وصوت وكلمات رائعة تليق بآمال، فهي فعلًا الجسر الذي يوصل بين القديم والحديث كما قيل عنها على المنصة.
ابتدأت د. روزلاند كلمتها بالترحيب بالحضور والضيوف، وقالت: يبحث الإنسان بشكل دائم عن وسيلة للتعبير عن مشاعره من فرح أو حزن، والغناء واحدة من هذه الوسائل التي تخدم الفرد والجماعة، والفنون الشعبية تعبر عن الآمال والأماني الخفية، وترافق المجتمع في مراحل دورة حياة الإنسان ودورة الحياة في الطبيعة؛ وحتى الحالات السياسية الثورية، فالفن الشعبي، إذًا، عمل فني شعبي له غرض اجتماعي ونفسي، وبالحالتين هو مخزون حضاري قيمي.
ولأن الفلاح الفلسطيني يبدأ سنته الزراعية مع موسم الخريف في عيد الصليب، ولا يكتفي بالتعبير عن تطلعاته وأمنياته الزراعية من خلال الأرض، وما تُغدق عليه فقط، بل من خلال كل المواسم الدينية والتراثية، فينتج أرشيفًا غنيًّا من المادة التراثية، وإن كنا نتحدث عن أمنا الأرض، فإننا نتقدم بجزيل الشكر للسيدات الرائعات من النادي النسائي الأرثوذكسي على الضيافة. وللتنويه، فإنّنا نتحدث عن منتجات أرضنا الصحيّة، وعن بوفيه أخضر داعم للبيئة.
كان من المفروض أن تتحدث المربية حنين عودة عن كتاب المهاهاة والملالاة في زغاريد الأفراح، لكنها تغيبت لظروف وفاة عمّها، فباسمي وباسم الجميع نقدّم تعازينا الحارة، ونلتقيها لاحقا على خير وإبداع.
وأثنت د. روزلاند على كلّ من ساهم في تنظيم وتخطيط هذه الأمسية التراثية بامتياز، إذ ازدانت القاعة بحُلّةٍ وأوانٍ وديكوراتٍ وأمثال وأطعمةٍ تراثية، وبفقرات تراثية وشرائح عمريّة متعددة، ومداخلات ثقافية: أدبية ودبكة وتمثيل وغناء.
تلاها د. خالد شيخ أحمد مدير قسم المعارف بكلمة ترحيبية وتكريمية باسم مجلس عبلين المحلي، وقد أشاد بدور ونشاط آمال عواد رضوان الأدبي اللافت، في عبلين وداخل البلاد والعالم العربي.
قدمت جوقة الكروان بقيادة المايسترو نبيه عوّاد الأغنية التراثية (ع اليادي) بصوت أليسار حاج، بمرافقة عازفين من جوقة الكروان: صافي دعيم- قانون، سيمون أبو شحادة- كمان، موران عواودة- إيقاع/ رق، وساهر جبور- إيقاع/ رق.
أمّا د. إلياس روحي زيدان؛ المحاضر لموضوع الإدارة التربوية في جامعة حيفا، والمستشار التنظيمي صاحب الخبرة الواسعة، فقد أتحفنا بمداخلته الشيقة عن التراث في (كتاب أناشيد المواسم - آمال عواد رضوان)، وضرورة إحياء هذا الجمال في الأجيال الصاعدة، وختم كلمته قائلًا: أمسية تليق بآمالنا - آمال الخوري عواد رضوان- وتليق بالتشكيلة متنوّعة النكهات من ثمارها الادبيّة، وبقيادتها وتمكينها للعديد من نساء عبلين، ومنحهنّ دورا وحيّزا يليق بهنّ وبقدراتهن، دمتِ آمالنا ودام عطاؤك وإنجازاتك، ودامت الأخوّة بين بنات وأبناء صفّنا.
ثم دعا أبناء صفها وزملاء الدراسة الرائعين الذين نسقوا فيما بينهم مؤامرة جميلة، ليفاجئوها ويكرّموها ويقدموا لها أروع تكريم في هذا الحفل.
تلتها وصلة فولكلورية لفرقة جفرا للدبكة والفنون الشعبية، وقام المدرب محمود خطيب بتقديم درع جفرا للأديبة آمال عواد رضوان.
أمّا الكنعانية المربية كفاية نجمي الشيخ أحمد، فقدّمت مشهدًا مسرحيًّا جميلًا بعنوان "بساط ستّي"، من تأليفها وإخراجها، وتمثيل الطالبتين :صهيل كامل عودة، وعرين أمير مواسي، للمَثل "رجعت حليمة لعادتها القديمة"، من وحي الكتاب "أمثال ترويها قصص وحكايا" لللأديبة آمال عوّاد رضوان"، ثمّ تحدثت الكنعانية كفاية عن هذا الكتاب بإسهاب، وعن القصة التي تقف وراء كلّ مَثل.
ولأنّ الراوي اعتاد أن يحمل تاريخ القبيلة، والحكواتي يحمل هموم الناس وأحلامهم، قدّمت السّيدة نيلي سعيد - أم إيليا عضوة النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين، حكاية المَثل "النصيحة بجَمَل"، من الكتاب "أمثال ترويها قصص وحكايا"، بسردٍ جميل مُشوّق.
أما الكنعانية د. روزلاند دعيم فقدّمت نبذة عن كتاب المهاهاة والملالاة في زغاريد الأفراح، ونوّهت إلى أنّها قدّمت الكتاب بمقدّمة مستفيضة جميلة.
وكان لونٌ آخر لنساء النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين المبدعات، فقد اعتليْنَ المنصة، وغنّيْن ألوانًا من الأغاني التراثية بتدريب الأديبة آمال، وقدّمن وصلةً غنائية من أهازيج ومواويل وعتابا وميجانا بصوت ميلادة أبو شحادة (أم ونس) وابنها ونس، برفقة المايسترو نبيه عواد وعازفين من فرقة الكروان، فأضفنَ للجوّ رونقًا وجَمالًا تراثيًّا مميّزًا أصيلًا، وحلّقت في أجواء القاعة أصواتُ الزغاريد والأوف والميجنا والمهاهاة بأصواتهنّ العذبة.
وفي نهاية اللقاء تحدّثت عروس الاحتفال آمال عواد رضوان؛ مديرة نادي الكنعانيات للإبداع، ورئيسة النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين، وشكرت كلّ الحضور والمنظمين والمتحدّثين والمشاركين، على ما بذلوه من جهود في إنجاح الأمسية الثراثية:
جمعية عبلين في القلب، مجلس عبلين المحلي، د. روزلاند دعيم ونادي الكنعانيات للإبداع، د. خالد الشيخ أحمد، د. إلياس روحي زيدان، جوقة الكروان والمايسترو نبيه عواد، جمعيّة جفرا للدّبكة بمدربها محمد خطيب، المربية كفاية نجمي الشيخ أحمد وفريقها، مصممة الديكور التراثي ياسمين غنايم سكران، نساء النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين بكل التشكيلات والمأكولات والأهازيج التراثية، وشكرت كل المؤسسات والأطر العبلينية، وشكرت د. محمد خليل مدير منتدى الفكر والإبداع مع أعضائه، وكل الحضور من أهالي عبلين الشمّاء، وكلّ الأدباء والأصدقاء من كافة أرجاء البلاد، كما ثمّنت عاليًا الدور الإعلامي وتغطية الأمسية، متمثلا بتلفزيون هلا وكادره، والمصور الإعلامي رائف حجازي.
نعم.. كانت أمسية تراثية بامتياز بكل ما فيها، من أجواء تراثية ازدانت بها القاعة، فالمسرح والمنصة فرشته ياسمين سكران بطراز بُسُط وألوان تراثية جميلة، الديوان، المقاعد، الشراشف، الأواني الفخارية والنحاسية القديمة، أدوات منزلية قديمة كالمهباج، وأطباق القش، الغربال، البريموس، المكوى، دلة القهوة، وكراسي القش القديمة.
أمّا موائد الضيافة الشهية والتنسيق الخلاب، فقد ضمت تشكيلة لذيذة من مأكولات وحلويات تراثية بيتية، ساهم بصنعها وتحضيرها نساء النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين الحبيبات، بإدارة آمال عوّاد رضوان: دقّة، زعتر، زيت زيتون، مناقيش، زيتون أخضر مرصوص، وزيتون أسود، خبز مقلي، رُبّ الخرّوب، مُربّى تين وعنب وخوخ ومشمش وتفاح من صنع نساء النادي، بليلة وقمح مسلوق، قريش بأنواعه المختلفة وسمسم لتزيين القمح المسلوق (بربارة)، حبوب ترمس وفول، وحلويات: الغريبة، كعكات ستي بالقالب، مبروشة، هريسة، فستق عبيد بقشره، عنب وأكواز رمان وخيار تشريني، ومجففات قطين ومشمش وتمر وزبيب، وزينت الموائد القهوة العربية بنكهتها التي لا تقاوم.
والجدير بالذكر، أنّ جدران قاعة الفانوس ازدانت بلوحات لأمثال شعبية وحزازير وأناشيد تراثية بقلم الشاعرة آمال عواد رضوان، والمدونة بكتابها (أناشيد المواسم)، وهذه الامثال تماثلت مع المعروضات للضيافة وتزيين القاعة، وكأني بآمال تريد أن تعيدنا بهذا اللقاء الحميم الى خيرات الأرض، وعفوية الناس، وتمسك الفلاح بأضه.
ولأن الطبيعة الخلابة والسهول الخضراء تتعانق فيها الاشجار الباسقة وارفة الظلال بشموخها ورائحتها، الأمر الذي يحتم على من يرافق آمال ويقرأ لها، أن يشعر بأنها ترى بعيون خضراء كل ما حولها، فهي الطفلة العبلينية الخضراء التي درجت وتربت في بيت دافئ، تحت كنف والدين مُحبّين روحانيّين مدا لها يد العون، وغرسا في نفسها عشق الأرض ومَحبّة الآخرين.
هكذا أنا عرفت آمال بتواضعها وعنفوانها، ببساطتها وتألقها، بدعمها كل من حولها، بتسامحها ومحبتها، وبتضحيتها من أجل الغير، ولا يسعني إلّا أن أشدّ على يديها، وأوجّه شكري الخاصّ لنساء النادي النسائي الأرثوذكسي عبلين الفعّال، واللواتي حملن جرار العمر، وعملن جاهدات للتمسك بالتراث من حكايات ومفاهيم تربوية، فتركن للأجيال القادمة إرثًا لا يُعوّض، فالشكر الجزيل لكلّ من شارك وحضر.
وكتب د. محمد خليل: العزيزة آمال عواد رضوان، تستحقين ذلك وأكثر. بصراحة كان الحفل يليق بك وأنت تليقين به. كان احتفالًا رائعًا ترتيبًا وتنظيمًا ومضمونًا. شكرًا للكلمة الطيبة والنابعة من القلب. تهانينا مرة أخرى، وإلى المزيد من الإبداع والتميز وقطف الثمار.
وكتب الفنان موسى إبراهيم: حضوركم في توقيع كتب الأخت امال عواد رضوان أضفى على المشهد رونقًا وزاده ألقًا ومحبة . أدام الله عطاءكم ومحبتكم، وألف وردة للأخت الأديبة آمال عوّاد رضوان، وشكرًا على ما قدّمته في احتفالية توقيع كتبها الثلاثة، وعلى البرنامج الأكثر من رائع، فقد عدنا تملؤنا الطاقة والأمل، وغُمِرنا بكرم ضيافة عَبَلّين وأهلها الكرام.