نقطة اتفاق وتحديات مشتركة..
"القمة العربية".. غياب الزعماء العرب يثير التساؤلات بشأن النتائج المرتقبة
تكرر السلطات الجزائرية في كل مرة تحتضن فيها الجزائر أي ملتقى ذي صبغة دولية أو إقليمية أو قارية، “تقليدا” يتمثل في منع الوفد الإعلامي المغربي من القيام بواجبه الإعلامي، ما أثار انتقادات حادة.
منع الصحافة المغربية من تغطية أعمال القمة العربية يثير انتقادات واسعة.
أثارت الخلافات المغربية الجزائرية قبيل القمة العربية في الجزائر، المخاوف بشأن اتساع نطاقها بين البلدين، ما طرح تساؤلات حول تداعيات ذلك على نتائج القمة في ظل غياب عدد من القادة البارزين عن المشاركة، وانقسام الآراء حول النتائج المرجوة منها.
ولم تقف مشكلة الجزائر في القمة العربية عند غياب زعماء وقادة من دول عربية مؤثرة ما أسقط فكرة “لمّ الشمل” التي رفعتها كشعار للقمة، بل واجهتها مشكلة أخرى تتعلق بمطالبات بإدانة التدخل التركي والإيراني في المنطقة، وإدانة إثيوبيا بسبب سياسة الأمر الواقع في ملء سد النهضة، ما حوّل وجهة القمة إلى إدانة أصدقاء الجزائر بدلا من خدمة أجندتها بالتركيز على الملفين الفلسطيني والسوري.
يضاف إلى ذلك قرار إبعاد الطيب البكوش الأمين العام لاتحاد المغرب العربي المنتهية ولايته من حضور القمة وهو قرار يظهر انزعاج الجزائر من الاتحاد خاصة بعد أن فشلت في احتوائه.
وقالت مصادر جزائرية مقرّبة من أعمال القمة إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي شارك في القمة بعد أن تخوف الجزائريون من غيابه، حمل معه شروطا منها أن تقر القمة في بيانها الختامي بندا يدين التدخلات التركية في المنطقة، وخاصة في ليبيا، وتعلن بشكل واضح معارضتها للاتفاقيات التي أبرمتها أنقرة مع حكومة الوحدة المنتهية ولايتها في طرابلس والتي تتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز، أو الاتفاقيات ذات البعد الأمني والعسكري.
ومن شأن الشروط المصرية أن تضع الجزائر في حرج، فهي من ناحية صديقة لتركيا وتريد أن تطور العلاقات معها إلى مرحلة التحالف الإستراتيجي، بالإضافة إلى أنها لا تمانع في أن تفتح الباب أمام أنقرة لدخول شمال أفريقيا ولو من بوابة تحالف يخدم سيطرة الإسلاميين، وتتفق معها على دعم حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس، الأمر الذي يتعارض مع موقف مصر المنزعجة من النفوذ التركي المتزايد في جارتها الغربية.
ولا تقدر الجزائر على تمرير موقف ضد إثيوبيا لحسابات خاصة بها تتعلق بالسعي لاستعادة تأثيرها في الاتحاد الأفريقي بكسب ود دولة المقرّ، وهو تأثير تراجع بشكل كبير في مقابل صعود التأثير المغربي الذي اتّخذ أبعادا متعددة اقتصادية ودبلوماسية وإنسانية ودينية، ما مكنه من الحصول على اعتراف واسع بمقاربته لحل قضية الصحراء من خلال الحكم الذاتي الموسع، فيما خسر الجزائريون الكثير من الحلفاء التقليديين في أفريقيا وباتت جبهة بوليساريو في عزلة.
ومنذ أشهر أعلنت الجزائر عن تشكل تكتل يضم إلى جانبها نيجيريا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا بهدف “التشاور والتنسيق من أجل حلول عملية وفعالة لمختلف القضايا التي تواجه القارة الأفريقية”، ما اعتبره مراقبون محاولة جزائرية يائسة لكسر عزلتها وعرقلة نجاحات المغرب.
ويقول المتابعون إن الجزائر وجدت نفسها في موقف صعب خلال القمة، فهي لا تريد إغضاب الرئيس المصري، الذي يبدو أن قراره بالمشاركة في آخر لحظة كان بهدف الترويج الإعلامي والدبلوماسي لقمة المناخ وضمان مشاركة عربية فيها. كما أن مصر لا تريد أن تمسّ شبكة علاقاتها، وأن تقدم أيّ تنازل يظهرها في حالة ضعف أو تراجع خاصة في كل ما له علاقة بالمغرب وقضية بوليساريو.
ويشير المتابعون إلى أن نجاح المغرب في إرباك الجزائر بعد نقل صورة ما يجري من استفزاز وتضييق على وفده الدبلوماسي والإعلامي، وإظهار أن عدم مشاركة العاهل المغربي الملك محمد السادس سببه رفض الجزائريين فتح صفحة جديدة ومصالح تحيي الآمال في تنشيط اتحاد المغرب العربي، يفسر ردة الفعل غير المبررة لمنع الأمين العام لاتحاد المغرب العربي من حضور القمة.
وتقول تقارير إن الجزائر لم تستدع البكوش للقمة بالرغم من استمراره في تسيير أعمال الاتحاد بانتظار الاتفاق على خلف له، وتعزو الموقف الجزائري إلى سعي الدبلوماسي التونسي السابق للحفاظ على حياد اتحاد المغرب العربي خلال السنوات التي أشرف فيها على المنظمة، وأنه قاوم ضغوطا جزائرية لدفعه إلى إطلاق تصريحات داعمة لموقفها بشأن الصحراء، وهو انحياز يتعارض مع طبيعة الاتحاد ودور أمينه العام، فضلا عن تقاليد الدبلوماسية التونسية التي سبق أن أشرف عليها البكوش، حيث شغل منصب وزير للخارجية في عهد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.
وشهدت القمة العربية في الجزائر غيابا بارزا يتعلق خاصة بالملك محمد السادس، ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ويقول مراقبون إنّ ما تريده الجزائر من القمة خاصة ما تعلق بدعم “إعلان الجزائر” بشأن المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية قد لا يتحقق في ظل معرفة مسبقة من القادة أن هذا الإعلان يهدف إلى الاستثمار السياسي أكثر منه مبادرة حقيقية، وأن الجزائر تعرف أن المصالحة بين الفلسطينيين أمر صعب مع فشل مصالحات سابقة ولقاءات في أكثر من عاصمة.
وفي نفس السياق قالت تقارير إعلامية إن الفلسطينيون لا يعولون كثيرا على القمة العربية المنعقدة في الجزائر لدعم قضيتهم، إذ أن أغلب قرارات القمم السابقة بقيت حبرا على ورق ولم يتم تفعيلها على أرض الواقع.
وانطلقت أعمال القمة العربية في الجزائر الثلاثاء وتستمر يومين، بمشاركة 15 زعيما، فيما يطالب الفلسطينيون باتخاذ قرارات ملزمة لكافة الدول بشأن العلاقة مع إسرائيل، بينما رأى آخرون أن القمة “مدعوة لاتخاذ قرارات يمكن تطبيقها على أرض الواقع بالفعل”.
والإثنين قالت الرئاسة الفلسطينية إن القمة العربية في الجزائر يومي الثلاثاء والأربعاء هي “قمة فلسطين والوحدة العربية”.
وذكر المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبوردينة في بيان أن “القمة ستبعث رسالة واضحة للعالم بأن فلسطين وقضيتها هي القضية المركزية للأمة العربية التي تقف دوما إلى جانب الحق الفلسطيني ودعمه بكل السبل”. وتابع “هذه القمة تمثل رسالة دعم قوية للشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه ومقدساته”.
وقال الفلسطيني سلامة جميل إن “القمة العربية هامة كونها تعقد في الجزائر التي تعتبر فلسطين قضيتها وشغلها الشاغل”.
وأضاف جميل “نعتقد أن القمة العربية ستخرج عنها حاضنة عربية لاتفاق المصالحة الفلسطيني الذي وقع في الجزائر أخيرا، وهذا يعطيها أهمية خاصة”.
وفي الثالث عشر من أكتوبر الماضي وقّعت الفصائل الفلسطينية وثيقة “إعلان الجزائر” للمصالحة، في ختام أعمال مؤتمر “لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية”.
ومنذ صيف 2007 تعاني الساحة الفلسطينية من انقسام سياسي وجغرافي، حيث تسيطر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على قطاع غزة، في حين تدار الضفة الغربية من جانب حكومة شكلتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بزعامة الرئيس محمود عباس.
ودعا الفلسطيني مصطفى كميل (55 عاما) القمة إلى “تجريم التطبيع مع إسرائيل، وتجديد دعمها للمبادرة العربية والقضية الفلسطينية”.
وأضاف كميل “مطلوب من القادة العرب دعم القضية الفلسطينية سياسيا وماديا، فنحن نعيش تحت حصار إسرائيلي يقتل ويهدم ويسرق”.
و”مبادرة السلام العربية” التي تُعرف أيضا بـ”المبادرة السعودية” هي مقترح اعتمدته جامعة الدول العربية في قمتها ببيروت عام 2002.
قمة الجزائر ستشهد إصدار سبعة قرارات رئيسية ترتبط بدعم القضية الفلسطينية والأزمات العربية في ليبيا واليمن وسوريا ولبنان والعراق والسودان
وتنص المبادرة على إقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وحلّ عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة ومن الأراضي التي مازالت محتلة في الجنوب اللبناني، مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها.
وفي المقابل قال الفلسطيني إبراهيم عماد (37 عاما) إن “الشارع الفلسطيني لا يعول كثيرا على القمة العربية، فالكثير من قرارات القمم السابقة لم تنفَّذ على الأرض”.
وأضاف “القضية الفلسطينية هي قضية كل عربي زعماء وشعوبا، والمطلوب منهم فعلا اتخاذ قرارات هامة، والأهم من ذلك تنفيذها على أرض الواقع”.
وبدوره قال إسماعيل جبر (48 عاما) إن العرب “يمكنهم لعب دور مهم في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، عبر امتلاكهم مقومات كثيرة”.
وأضاف جبر “لا نأمل الكثير منهم، لكن يبقى لدينا القليل من الأمل ونرجو ألا نفقده”.
ووفق مراقبين ستشهد قمة الجزائر إصدار سبعة قرارات رئيسية ترتبط بدعم القضية الفلسطينية والأزمات العربية في ليبيا واليمن وسوريا ولبنان والعراق والسودان وإصلاح جامعة الدول العربية ومكافحة الإرهاب والموقف من سد النهضة الإثيوبي ودعم تنظيم مصر لقمة المناخ المرتقبة ورفض التدخل الإيراني في الشؤون العربية الذي تنفيه طهران عادة.
وقد انتقدت هيئات مهنية مغربية “استفزازات ومضايقات” تضمّنت “مصادرة للمعدات وتحقيقات أمنية”، تعرّض لها الوفد الإعلامي المغربي المكلّف بتغطية فعاليات القمة العربية التي انطلقت الثلاثاء في العاصمة الجزائرية.
وأعلن الاثنين في المغرب عن عودة الفريق الصحافي للقناة المغربية الأولى الحكومية من الجزائر، بعد “منعه من تغطية أعمال القمة العربية في الجزائر وحجز معداته في مطار هواري بومدين”.
وأشار وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في تصريحات صحافية إلى أن “ثلثي الوفد الإعلامي وصلا إلى الجزائر ثم عادا دون تغطية القمة العربية”.


