المناورات أنتقلت من السياسة إلى الرياضة..
هل يصل نظام الملالي إلى طريق مسدود بعد الانتفاضة الايرانية؟
تعد النساء والشباب وقود تلك الانتفاضة، لكنها تفتقر إلى القيادة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن البلد اعتقل أو نفى أو همش معظم الشخصيات المعارضة.
تواصل الانتفاضة التي تشهدها إيران، ودخلت شهرها الثالث، تحدي التوقعات، وتظل مشتعلة رغم التشديدات الأمنية على نحو متزايد.
وجاءت الحركة الاحتجاجية بعدما اعتقلت الشرطة الشابة مهسا أميني (22 عاما) بمحطة لقطار الأنفاق في طهران بسبب انتهاكها قواعد اللباس الإيراني للنساء.
وعثر على الشابة لاحقا جثة، وسط تقارير عن ضربها حتى الموت في مقر شرطة الأخلاق ومحاولة الأخيرة التستر على الأمر، بحسب تحليل لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وما بدأ في مسقط رأس أميني بمحافظة كردية تحول ليصبح تحديا مستداما على مستوى البلاد للنظام، ولا يمكن هزيمته بسهولة، وفق المصدر ذاته.
وصعدت الحكومة بمرور الأسابيع من حملتها القمعية الدموية، لا سيما بالمناطق الكردية، لكن الاحتجاجات استمرت وتركت قيادة إيران أمام ما يبدو أنه طريق مسدود، غير متيقين من المدى الذي يجب أن يذهبوا إليه لاستعادة السيطرة.
ويمكن أن يطلق النظام الحرس الثوري بشكل كاملا لسحق الحركة، لكنه قد يخاطر بتأجيج مزيد من الغضب من المعارضين بالداخل وإطلاق حملة أخرى من الإدانات الدولية، بحسب الصحيفة.
وقالت الطالبة الجامعية في مدينة آزاد نازانين، التي فضلت ذكر اسمها الأول فقط خوفا على سلامتها، لـ"واشنطن بوست": "شعرت أن الأوان لم يفت بعد لإنقاذ نفسي والآخرين من جيلي".
ولم تتمكن الفتاة من رؤية مستقبلها في إيران، حتى غيرتها الاحتجاجات "كما غيرت العديد من الناس"، بحسب قولها.
ويوما تلو الآخر، يهتف المتظاهرون "امرأة، حياة، حرية" و"الموت للديكتاتور"، ويحرقون صورا للمرشد الأعلى علي خامنئي. فيما خلعت نسوة حجابهن، ووقفن جنبا إلى جنب مع المتظاهرات اللاتي اخترن ارتداءه.
وأوضحت الصحيفة أنه في أول مؤشر على الاضطرابات، اتبعت السلطات نهجا مألوفا، حيث قطعت الإنترنت والشبكات الخلوية، وواجهت الاحتجاجات بالعنف، وأطلقت حملات تخويف واعتقال جماعي، شملت حتى استهداف الأطباء والمدارس.
وقتل أكثر من 400 شخص، بينهم أكثر من 60 قاصرا، واعتقل أكثر من 18 ألفا، بحسب منظمة "هرانا" الحقوقية.
ونظرًا لصعوبة التغطية الميدانية، من المستحيل تحديد الأرقام الدقيقة للقتلى والمصابين والمعتقلين.
وبحسب "واشنطن بوست"، فإن جزءًا مما تغير نتيجة هذه الاحتجاجات هو تخلي العديد من الإيرانيين عن فكرة الإصلاح، والتمسك بالتغيير.
وحتى إذا سحقت إيران الاحتجاجات أو قدمت تنازلات، ونادرا ما تفعل الأخيرة ذلك، فقد أصبح العديد من الإيرانيين يرفضون قيما أساسية للنظام الحاكم في إيران، وفق الصحيفة.
وقالت الأستاذ المساعد بكلية برنارد الأمريكية منيجة مراديان إن الشباب الإيراني تحديدا "شهدوا تدهورا في مستويات المعيشة، وتوقف كل جهد للإصلاح" و"نشأوا دون ارتباط أيديولوجي يذكر بالنظام".
وتعد النساء والشباب وقود تلك الانتفاضة، لكنها تفتقر إلى القيادة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن البلد اعتقل أو نفى أو همش معظم الشخصيات المعارضة.
ففي عام 2009، احتج ملايين الإيرانيين على تزوير الانتخابات، وتم قمع تلك المظاهرات بعنف.
وأشارت إلى أنه في عامي 2017 و2019 ثار الآلاف على المظالم الاقتصادية وسوء إدارة الحكومة، وقتلت السلطات المئات في الحملة القمعية التي جاءت ردا على ذلك.
ويعلم الإيرانيون أنه يمكن أن تحدث حملة قمع أسوأ، كما حدث من قتل الآلاف خلال حملات تطهير في العقد الذي أعقب تأسيس النظام في 1979.
ولم تترك الولايات المتحدة وأوروبا سوى عدد قليل من الخيارات الجيدة للرد. فقبل الانتفاضة، كانت إيران تتعرض بالفعل للعقوبات واسعة النطاق. وتسببت عقود من العزلة الاقتصادية – مقترنة بالفساد الداخلي وسوء الإدارة، في تدمير الاقتصاد.
وخلال الأسابيع الأخيرة، ردت واشنطن وبروكسل بفرض عقوبات على المزيد من الأفراد والمؤسسات المشاركين في العنف. لكن في المقابل، تأتي العقوبات بمثابة عقاب جماعي للإيرانيين عن قصد أو دونه، كما ساهمت في تمكين الحرس الثوري"، الذي يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد الرسمي الإيراني والسوق السوداء.
وخلال السنوات الأخيرة، ركز التعامل الدبلوماسي الغربي مع إيران على تأمين (والآن إعادة تأمين) الاتفاق النووي، والذي سيتضمن رفعا للعقوبات.
ويتواصل العديد من الإيرانيين هذه الأيام مع العالم الأوسع عبر الإنترنت ويتوقون لإنهاء العزلة الدولية.
وخلال الأسابيع الأخيرة، أظهر رياضيون مؤشرات صغيرة على التضامن مع الانتفاضة خلال الأحداث الرياضية الكبرى.
ووصلت الاضطرابات إلى كأس العالم، حيث اشتبك معارضو النظام الإيراني وأنصاره، وواجه المنتخب الوطني الإيراني صعوبة في تحقيق التوازن بين إشارات الدعم الضمني للمحتجين والحاجة لضمان سلامة أفراده.
وقالت تقارير إخبارية إن إيران لجأت لصد الهجوم الأميركي عليها في الأمور السياسية والأمنية والاقتصادية على مدار العقود العقود الماضية إلى الدفاع، والذي قد تتزايد حدته أو تتراجع وفقا لتطورات الأحداث، وفي غالبية الأحوال تتبدل ثنائية الهجوم والدفاع بين البلدين، والتي يتوقع أن تنتقل اليوم الثلاثاء إلى كرة القدم، حيث يلتقي منتخبا الولايات المتحدة وإيران في منافسات الجولة الثالثة لنهائيات كأس العالم المقامة حاليا في قطر.
أصبح مطلوبا من الفريق الأميركي أن يهاجم بشراسة في الرياضة كما اعتاد أن يهاجم دوما في مجالات أخرى عند المواجهة مع إيران ليتأهل إلى الدور التالي.
ومطلوب من الفريق الإيراني أن يدافع أيضا بكل قوة ويمنع هزيمته بكل الطرق كي يضمن التأهل إلى الدور التالي، فالتعادل يكفيه لإقصاء المنتخب الأميركي بجدارة، أما الفوز فقد يضعه على رأس مجموعته الثانية التي تضم أيضا ويلز وإنجلترا.
تعد المباراة في كرة القدم، غير أن الكثير من المراقبين يتعاملون معها في ظل أجواء توتر بالغة بين البلدين على أنها تحمل الكثير من المعاني التي تجعلها سياسية بامتياز.
وأكد مدرب المنتخب الأميركي غريغ بيرهالتر في تصريحات إعلامية له أن السياسة لن تتدخل في مباراة بلاده المصيرية مع إيران، لكن المتابعين استعدوا لمشاهدة جولة جديدة من الجولات الساخنة بين البلدين في الدوحة.
بدأت شرارة التسييس عندما وضع الاتحاد الأميركي لكرة القدم علم إيران بألوانه الحمراء والبيضاء والخضراء من دون لفظ الجلالة (الله) على حسابي منتخب بلده على تويتر وإنستغرام، بعدها مباشرة طالبت طهران الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بمعاقبة الفريق الأميركي بحرمانه من عشر مباريات بسبب انتهاكه ميثاقه.
اضطر اتحاد الكرة الأميركي إلى تصحيح صورة العلم الإيراني على الفور، لكنه أمعن في التسييس عندما قال المتحدث باسمه “ما نزال ندعم نساء إيران”، في إشارة إلى رفض تصرفات النظام الحاكم في طهران والإصرار على مساندة الاحتجاجات التي شهدتها بعض المدن عقب مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني.
قادت الصدفة أن تكون المواجهة على أرض قطر التي تستضيف المونديال، وتحتفظ في الوقت نفسه بعلاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة وإيران، ومن مصلحتها أن تخرج المباراة في هدوء وسلام، وتتمنى ألا يكون هناك فائز أو مهزوم، حيث تنشد الخروج بنتيجة التعادل في الرياضة والسياسة.
يصب التعادل في صالح الفريق الإيراني ويبعد تماما نظيره الأميركي عن الاستمرار في المنافسة، ويعكس ذلك حقيقة انحيازات الدوحة التي تبدو غير بعيدة عن طهران.
قد تكون للرياضة طقوسها فيما يتعلق بالمحبة والتسامح والوئام، إلا أن بطولة كأس العالم في قطر كشفت بوضوح عن وجه سياسي ظل الكثيرون في الفيفا يتجاهلونه أو يحاولون التغطية عليه حتى جاءت الأزمة الأوكرانية وتم إقصاء المنتخب الروسي عمدا من تصفيات كأس العالم احتجاجا على تدخل روسيا العسكري في الأراضي الأوكرانية.
جاء الجدل حول المثلية الجنسية على هامش المونديال ليؤكد أن الرياضة ليست بعيدة عن السياسة، ففي الوقت الذي ذاعت فيه صورة شهيرة للمنتخب الألماني في مباراته أمام منتخب اليابان ووضع أعضاء الفريق أياديهم على أفواههم كدلالة على تكميم حريتهم في قطر، رفض أعضاء المنتخب وحكومتهم القبول بالاختلاف الذي ينادون باحترامه عندما لم يستجيبوا لمنع قطر حمل إشارة دعم لمجتمع الميم أو المثليين.
يريد المنتخب الإيراني تكرار انتصاره السابق على نظيره الأميركي عام 1998، حيث فاز عليه بهدفين مقابل هدف واحد في كأس العالم التي أقيمت في فرنسا، ووصفت وقتها بـ”أم مباريات كرة القدم” وكانت التجاذبات بين الطرفين في أوجها، واليوم ازدادت المناوشات وكادت تخرج عن السيطرة العسكرية في بعض الأحيان.
تحمل المواجهة التي تقام مساء الثلاثاء الكثير من المعاني التي تجعلها أكبر من مجرد مباراة في كرة القدم، فلا يزال التاريخ يذكر الفوز الذي حققته إيران على الولايات المتحدة في فرنسا منذ حوالي 26 عاما، وتتمنى إعادة تكراره، ومحاولة تحويله إلى نصر معنوي كطوق نجاة من المأزق الذي تواجهه طهران عقب اشتداد حدة التظاهرات في عدد من مدنها حاليا.
قال رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية بالقاهرة الدكتور محمد محسن أبوالنور إن المواجهات الرياضية بين البلدين تكسب أهمية سياسية، وتأتي الرياضة والأمور التكتيكية في مراحل تالية في عقل النظام الإيراني.
وأوضح أبوالنور لصحيفة العرب الدولية أن إيران تسيّس الأحداث الرياضية أكثر من أي دولة في العالم، وتعتبر أنها ستواجه “فريق الاستكبار” أو “الشيطان الأكبر”.
تكتسب مواجهة الثلاثاء في الدوحة أهمية كبيرة لأن كل طرف يستخدم المباراة ليضغط بها على الطرف المقابل، وستسعى طهران إلى استغلال الثغرات في الدفاع الأميركي في مجال الكرة كما فعلت بعد الغزو الأميركي للعراق في مجالي السياسة والأمن.
ويمكن أن يتعامل المنتخب الأميركي مع المباراة بحساسية أقل، ويراها اللاعبون لا تستحق تحويلها إلى قتال على العشب، لكن الفريق الإيراني مضطر إلى النظر إليها بما يشبه المعركة، لأن الفوز سيتم استثماره سياسيا من قبل النظام الحاكم في طهران، وتوظيفه على أنه انتصار رمزي على “قوى الاستكبار”.
كما أن مشهد لاعبي المنتخب الإيراني في مباراته الأولى أمام نظيره الإنجليزي وهم صامتون وقت عزف النشيد الوطني ترك انطباعا سيئا على أعضاء الفريق ولم يفلح في محوه ترديدهم لكلماته في المباراة الثانية أمام منتخب ويلز التي فاز فيها منتخب إيران بهدفين مقابل لا شيء وحفظت حظوظه في المنافسة بعد هزيمة قاسية أمام المنتخب الإنجليزي 6 – 2، وبقي في الذاكرة أن اللاعبين امتنعوا عن ترديد النشيد الوطني لبلدهم.
حمل الموقف عبئا كبيرا على لاعبي إيران، فقد تؤدي هزيمتهم إلى ترك معان سياسية وقد يوصف هؤلاء بـ”التخاذل” لأن عدم ترديد النشيد الوطني في المباراة الأولى كانت له دوافع تتعلق بتعاطف مع المتظاهرين، ما حمل رفضا للنظام الإيراني.
وإذا أصر اللاعبون أو بعضهم على موقفهم المؤيد للتظاهرات سيصبح دفاعهم عن مرمى منتخب بلدهم منهارا أو ضعيفا أمام الهجوم الأميركي المتوقع منذ اللحظة الأولى، وتتحول الهزيمة في مباراة لكرة القدم إلى هزيمة سياسية منكرة، وتؤكد أن الهجوم الذي تتنصل منه طهران هو خير وسيلة للدفاع عن مصالحها في الرياضة والسياسة.