أقصوصة
الأندلس الفردوس المفقود.. الرحلة من روما إلى برشلونة
"جميع المحلات التجارية والبنوك تغلق بوابها يوميا من الساعة 2 ظهرا وحتى الخامسة مساءا تطبيقا لفترة القيلولة الشهيرة في اسبانيا وربما اخذ الاسبان هذه العادة من العرب"
أقلعت بنا طائرة الخطوط الجوية الايطالية من روما متجهة إلى برشلونة حيث وصلناها ظهرا انهينا إجراءات الدخول بيسر وسهولة واستأجرنا سيارة أقلتنا إلى فندق (دانتي هوتيل) وكنا في أوائل شهر أكتوبر والرطوبة متوسطة في مدينة ساحلية مثل برشلونه تطل على البحر الأبيض المتوسط وسعر الغرفة 7700 بيزتا بالعملة الاسبانية أي ما يعادل 70$ دولارا أمريكيا مجهزة بأثاث جميل وتكييف مركزي .
خرجنا للبحث عن مطعم لتناول طعام الغداء وأخذنا كرت الفندق تحسبا للعودة حيث كانت الشوارع والمباني متشابهة والإشارات الضوئية والتقاطعات كثيرة وبدأنا المشي في المنطقة المجاورة للفندق ثم دخلنا مطعما يقدم وجبات السمك
وبعد الغداء عدنا للفندق للقيلولة حيث أن جميع المحلات التجارية والبنوك تغلق بوابها يوميا من الساعة 2 ظهرا وحتى الخامسة مساءا تطبيقا لفترة القيلولة الشهيرة في اسبانيا وربما اخذ الاسبان هذه العادة من العرب.
مشكلة اللغة :
في اليوم التالي توجهنا إلى المنطقة التجارية وقمنا بتغيير جزء كبير من العملة التي معنا بالريال السعودي إلى الدولار والعملة المحلية وتجولنا في المحلات التجارية ثم طلبنا من سائق سيارة أجرة كبير في السن أن يذهب بنا إلى شاطئ البحر وقد واجهنا مشكلة في التفاهم معه حيث أن غالبية الأسبان لا يجيدون اللغة الانجليزية بما في ذلك بعض الموظفين في البنوك... وقد أنزلنا الرجل على شاطئ صخري قرب الميناء وعندما انصرف استطلعنا المكان وتبين لنا لاحقا أننا وصلنا إلى غير المكان المقصود ..وعدنا أدراجنا سيرا على الأقدام ولمسافة طويلة وكلما مررنا على مطعم نهم بالدخول ثم نتردد خوفا من عدم التفاهم حتى لا يقدموا لنا لحم الخنزير!!
في المساء قررنا الاستعانة بموظف الاستقبال في الفندق الشاب المهذب "فرناندو "وبعد أن شرحنا له معاناتنا في التفاهم مع الناس أول النهار اتصل فورا وحجز لنا في احد المطاعم الشهيرة وكان المطعم يقدم طعام العشاء مع فرقة اسبانية موسيقية غنائية تقدم رقصات الفلامنكو الاسبانية الشهيرة ثم طلب لنا سيارة أجرة أقلتنا إلى المطعم المقصود .
طبق الجمبري :
بعد جلوسنا على مائدة العشاء في المطعم قدموا لنا طبق العشاء الرئيسي المكون من الجمبري وقطع السمك و حيث لا خبرة لدينا بالمأكولات البحرية لأننا من سكان الجبال فقد حرصنا على استخدام الشوكة والسكين اعتقادا منا بان ذلك من تقاليد المطاعم الراقية وبدأنا نقطع ذيل الجمبري ثم حاولنا أكله بقشره ولم نستطع أدركنا أن هناك خطأ ما !! ثم آخذنا نتطلع ونتلفت حولنا للطاولات المجاورة فوجدنا الناس يستعملون أيديهم ويقشرون الجمبري بكل بساطة وضحكنا من بلاهتنا وسذاجتنا وانعدام خبرتنا وقررنا منذ ذلك اليوم أن نتصرف على سجيتنا ولا شأن لنا بالآخرين وتركنا السكاكين والشوك جانبا واستعملنا أيدينا مثلهم
ورغم أن اسبانيا ثاني دولة في العالم استهلاكا للأسماك بعد اليابان الا انها تستورد بعض احتياجاتها من الخارج ومن أشهر الأطباق الاسبانية طبق (البائيه) وتعني البقية ويتكون من الأرز والفاصوليا الخضراء والبصل والفلفل ولحم الدجاج وبعض الأسماك وعادة ما يأكله الأسبان في عطلة نهاية الأسبوع كما انه من الأطباق الرئيسية في اغلب المطاعم وقد حرصنا طوال زيارتنا آن نأكل السمك والدجاج وتجنبنا أكل اللحوم خشية خلطها بلحم الخنزير!!
جولة في برشلونه :
في الصباح الباكر ابلغنا موظف الاستقبال في الفندق برغبتنا بالقيام بجولة سياحية وقام فورا بالاتصال بمكتب سياحي وحجز لنا في رحلة ستنطلق غدا إلى مدن الأندلس وطلب منا الذهاب إلى المكتب الواقع في الحي التجاري لدفع تكاليف الرحلة كما احضر لنا سيارة أجرة إلى باب الفندق واستطيع القول أن السياحة بقدر ما هي فن الضيافة فإنها خدمة راقية بامتياز في اسبانيا حيث يقدم الفندق للنزيل كل الحجوزات وهو في غرفته أو يشرب الشاي في بهو الفندق !!
دفعنا رسوم الرحلة ما يعادل 1500 دولار أمريكي ثمن جولة سياحية لشخصين لمدة 12 يوما تشمل جميع مدن الأندلس التاريخية والنزول في فنادق 4 -5 نجوم حسب البرنامج المعد مع تقديم وجبة إفطار أو عشاء في الفندق مجانا !!
قضينا بقية النهار في جولة سياحية حرة في ميدان "كتالونيا" وزرنا المباني الأثرية القديمة ثم توجهنا إلى مركز تجاري وسط المدينة متعدد الطوابق وكل طابق فيه صنف واحد من البضائع هذا للملابس والآخر للأحذية وهكذا تجولنا فيه وصلنا الدور الثامن والأخير ثم دخلنا المطعم الذي يقدم وجبة الغداء عبارة عن بوفيه مفتوح ومن البرج يشاهد الزائر معالم برشلونه مثل الكنائس والأبراج والقلاع التاريخية والمباني الجميلة وهو على طاولة الطعام في منظر في غا ية الروعة والجمال .
دفعنا في وجبة الغداء ما يعادل "50" ريالا سعوديا للشخص الواحد وهذا السعر أعلى بكثير من الذي دفعناه لتناول العشاء في بوفيه مفتوح في فندق الشيراتون بدمشق والذي يعادل 35" ريالا للشخص الواحد وهذا يؤكد أن سوريا هي الأفضل في أسعارها !!
وقبل أن نودع برشلونة في طريقنا إلى الأندلس سنلقي نظرة تاريخية على هذه المدينة التي فتحها المسلمون في القرن الثامن الميلادي إلا أن لويس بن شارلمان استطاع أن يستولي عليها عام 801 م وبقيت تحت الحكم المسيحي حتى عام 985 م حتى استعادها منهم أبو عامر المنصور ودمرت المدينة كاملة بالحروب الاسبانية عام 1714م ثم نمت المدينة خلال القرن التاسع عشر في فترة الثورة الصناعية وأصبحت مركزا للعديد من الصناعات الهامة .
"سرقسطه "
غادرنا برشلونة في التاسعة صباحاً، على متن حافلة فاخرة وكانت تقل (45) سائحاً من جنسيات مختلفة أغلبهم من كبار السن من فرنسا، البرازيل، الأرجنتين، أمريكا وغيرها وكنا الوحيدين من العرب والأصغر سناً في المجموعة بكاملها .. وقد لاحظت أن معظم كبار السن ترافقهم زوجاتهم المسنات أيضاً .. ولا زال النشاط والحيوية والألفة تسود علاقاتهم ..
وصلنا "سرقسطة" أو "زارغوزا" عاصمة منطقة" أراغون " في شمال شرق إسبانيا وتقع على نهر "إبرو" وقد قال عنها أحد المؤرخين
(هي قاعدة من قواعد الأندلس، كبيرة القطر، آهلة، ممتدة الأطناب، واسعة الشوارع، حسنة الديار والمساكن، متصلة الجنات والبساتين، ولها سور حجارة حصين، وهي على ضفة نهر كبير، يأتي بعضه من بلاد الروم، وهي مدينة بيضاء لكثرة حصاها ومن خواصها أنها لا تدخلها حية البتة، وإن جلبت إليها ماتت، اسم المدينة مشتق من اسم قيصر وهو الذي بناها
وصلنا "سرقسطة" في الواحدة ظهراً ودخلنا كنيستها كأحد المعالم السياحية وتجولنا فيها وفي الساحة الخارجية ثم شاهدنا نهر "إبرو" الذي يخترق المدينة .. ثم نزلنا في فندق "راميرو" الغداء في الدور الأرضي .. وأبلغت المرشدة السياحية إدارة المطعم إننا مسلمون عرب ولا نأكل لحم الخنزير وأحضروا لنا وجبة سمك .. وكان معظم سكان هذه المدينة إبان الحكم العربي للأندلس من اليمنيين
إلى مدريد :
غادرنا إلى مدريد في السادسة مساء .. مناظر رائعة وخضرة دائمة تغطي سفوح الجبال والمنحدرات المكسوة بالخضرة والجمال
والطريق يرتفع بنا عبر الجبال .. صادفنا أمطاراً متوسطة أثناء الرحلة .. السماء ملبدة بالسحب السوداء الكثيفة .. ويبرز في الأفق قوس قزح بألوانه الجميلة ..
الطريق ضيقة جداً لا تليق ببلد سياحي كإسبانيا، حيث لا مقارنة مع الطرقات السريعة الواسعة في السعودية فهي الأحدث والأوسع
وصلنا "مدريد" عاصمة إسبانيا في التاسعة ليلاً، وقد شدتنا بأضوائها المتلألئة، ولم يمنعنا التعب من التجول في المنطقة المحيطة بالفندق
في الثامنة صباحاً خرجنا مع المجموعة السياحية المرافقة للتجول في معالم هذه المدينة التاريخية والتي تعد من أكبر المدن الإسبانية بعد لندن وبرلين، وفيها مقر الحكومة والعائلة الإسبانية المالكة.
تقع مدريد في وسط إسبانيا ويخترقها نهر صغير ويدعى "مازانارس " وإلى الشمال الغربي من مدريد تقع جبال" سييرا دي غوا دا راما" التي يصل ارتفاعها إلى 2429 متراً ويرجع تأسيس مدريد إلى ما بين (852-886م) حيث تم إنشاء قصر صغير من قبل المسلمين لأحد أمراء قرطبة مكان القصر الملكي الحالي، وقد سميت المنطقة المحيطة بـ " ماجريط" أي المجاري .. أو منبع المياه
وقد سكنها المسلمون والمسيحيون وقلة من اليهود إلى أن تم الاستيلاء عليها من قبل الملك " ألفونسو الرابع" وقد تم تحويل مسجدها إلى كنيسة عام 1801م
المتاحف والرسوم :
الزائر إلى مدريد يمكنه زيارة "قصر الشرق" ومتحفه الحربي، والذي يضم ملابس وأسلحة أبي عبدالله الصغير .. آخر ملوك الأندلس بغرناطة .. كما شملت جولتنا متحف "برادو" الذي يعد بحق من أهم المتاحف العالمية .. وسيعجب الزائر بالرسومات الرائعة لأشهر فناني إسبانيا مثال: رفائيل ..وروبينز، و موريلو، كما زرنا النصب التذكاري وكذلك الحي النمساوي والبوربوني، وكاتدرائية سان ايزيدرو التي تعود إلى القرن السابع عشر
وقد لاحظنا مدى اهتمام وعناية الشعب الاسباني وولعه بالرسم حيث ازدحمت قاعات القصور التي زرناها باللوحات الثمينة وخاصة المتحف
وقفت أتأمل وأقارن .. أين ذلك من حضارة مصر الفرعونية، واليمن، وسوريا، و العراق
أوابد خالدة وحضارات تحاكي القرون والأزمان وتتحدى الدهر شامخة سامقة رغم عوادي العصور!!
وفي معرض حديث المرشدة الإسبانية المرافقة لنا في الرحلة قالت : إن بلادها دفعت ثمناً خيالياً لاستعادة إحدى اللوحات من بريطانيا مقابل (990) مليون دولار
في المساء كانت جولة حرة للجميع .. خرجنا وحدنا نستطلع الأسواق والمراكز التجارية الفخمة وشاهدنا الملابس الراقية الصنع وقد اشترينا بعض منها بأسعار معقولة
وتتميز المراكز التجارية الكبرى في مدريد بطوابقها المتعددة حيث تصل أحياناً إلى عشرة طوابق .. ويختص كل طابق ببضاعة معينة مثل العطور، والأواني المنزلية، والأحذية، الملابس الخ .. والباعة خليط من الشباب والشابات الأنيقات والجميلات
عدنا إلى الفندق للعشاء .. وقدم لنا أحد الخدم السمك حسب طلبنا وحيانا بالانجليزية قائلاً :- صباح الخير..! فابتسمنا ..وقلت له: لا .. بل قل مساء الخير
قرطبة :
في الساعة الثامنة والربع صباحا انطلقنا إلى " بايلن "حيث وصلناها في الساعة الواحدة ظهرا ، وكان الطريق يمر عبر الجبال المكسوة بالأشجار الباسقة الخضراء وينحدر بنا الطريق عبر السهول الخضراء على مد البصر ..تتوزع فيه البيوت الريفية الجميلة ذات اللون الأبيض والقرميد الأحمر تتناثر وسط السهول كحبات اللؤلو البيضاء في تناغم يدهش العين والفؤاد وفي تناغم مع ألوان وسحر الطبيعة وينقلك إلى عالم من السحر والجمال حتى يخيل لك أنك تعيش خارج كوكب الأرض