قراءة في رواية..

تجليات البعد النفسي في رواية "غابة آدم"

القارئ لغابة آدم يلاحظ غياب عنصري الزمان والمكان للرواية وهذه نقطة تحسب للكاتبة وليس عليها لإنها رواية نفسيةعميقة الدلالة تصلح لكل زمان ومكان.

رند علي الأسود
صحافية عراقية حاصلة على البكالوريوس من قسم التاريخ في كلية المأمون الجامعة وتعمل حالياً في مؤسسة المدى للثقافة والفنون .. تكتب لدى صحيفة اليوم الثامن
بغداد

لاتكتفي الرواية النفسية بسرد أحداث واقعة في مكان ما بإطار زمني وصولاً إلى حلٍ لعقدة ما؛ بل تجعل من الشخصيات العنصر الأهم في الرواية: مشاعرها، صراعاتها، تخبطاتها، وتساؤلاتها، وكثيرًا ما تتابع هذه التساؤلات بقدرٍ من الفلسفة من قبل شخوصها، وكذلك تترك بعض الروايات والأعمال ذات الطابع النفسي أثراً كبيراً على القارئ، لكونها تأتي مختلفة من حيث أسلوبية السرد والرؤى والأفكار التي يحتشد بها النص، مثل رواية (غابة آدم) للكاتبة والمترجمة شيماء عقيل هادي  التي نحن اليوم بصدد ذكرها.
في هذه الرواية تفتح شيماء ملف ( السيطرة على العقول) من خلال بطلها آدم وهو شاب في مقتبل العمر متزوج وعدد الأشخاص في حياته محدود جداً بحيث يتضح للقارئ من خلال السطور الأولى للرواية انه شخص يسهل السيطرة عليه نفسياً والتحكم به لكن هل سيثبت آدم صحة هذه الفرضية !

واحد من الناس ! 
عدد صفحات الرواية لا تتجاوز ال ٨٠ صفحة لكن بمجرد قراءة السطور الأولى يجد القارئ نفسه يتابع شريط حياة إنسان مثل كل الناس البسيطة، متزوج ويعمل في مكتبة.
في بداية الرواية  لايجذب انتباه القارئ عن حياة هذا الإنسان غير ثلاثة اشياء هي انه قارئ نهم للكتب وشخص منعزل لايملك اصدقاء وعاشق للعصفور الذي يزقزق يومياً قرب احدى نوافذ منزله.
لكن سرعان ما تتسارع الأحداث عندما يستيقظ آدم في احدى الايام ليجد امرأة في البيت غير زوجته ! تشبهها في الصفات لكنها ليست هي..
عزيزي القارئ هل فكرت يوماً في كمية الأشياء التي كنت تراها بوجهة نظر معينة بينما يحاول كل العالم من حولك تفنيد وجهة نظرك ! 
من ستصدق ؟ حدسك وافكارك ام الآخرين من حولك ممن تثق بهم ؟ .. 
هذا ماتطرحه الكاتبة في الرواية البسيطة في ظاهرها والعميقة في باطنها حتى ليشعر القارئ انها توجه سؤال مباشر له عقلك وافكارك أو مايقنعك به الآخرون ؟ 
" فليس هناك ابشع من ان يطعن المرء من اقرب الناس له " 
يحتار آدم بين عقله وعيناه التي ترى ان زوجته ليست زوجته بل امرأة أخرى ووالده ووالدته ليسوا نفس الاشخاص والوجوه بل حل محلهم أشخاص آخرين حتى طبيبته النفسية اختفت وحلت محلها امرأة أخرى.
يثور آدم ويصرخ ويبحث عن والديه وزوجته ، عن الاشخاص الحقيقين في حياته عن آثارهم ووجوههم إلا أن طبيبته النفسية تحاول اقناعه بأنهم نفس الأشخاص ولم يتغير اي شيء سوى انه مريض !  ، مجرد مريض يعاني من ضغط نفسي يجعله يراهم اشخاص آخرين! فهل يؤثر المرض النفسي على العيون ! وإن خانته عيناه فهل سيخونه إحساسه ! ..
وهنا آدم يتسائل اذا كان هو مريض نفسي وتتبدل الأشياء باستمرار من حوله ( زوجته ووالديه والطبيبة واثاث المنزل وقطة المنزل) فلماذا العصفور الذي يزقزق يومياً قرب نافذته مازال هو نفس العصفور لم يتغير شكله ولا لونه مثلما تغيرت وجوه من حوله ! من قام بخيانة آدم عقله أم زوجته ؟ 
" إن اصعب الأزمات التي قد تواجه المرء أن يكون بكامل صحته وعافيته وقواه البدنية والنفسية والعقلية ثم يعبر في حياته إنسان يدمره تدميراً ، ويخلفه ضائعاً تائهاً فاقداً لكل قوته وقدرته ، تخبط في الظلام لوحده . قوة تأثير البشر في بعضهم البعض هائلة جداً ، لكن السؤال المطروح ، هل كلنا نتشابه في استجاباتنا لمحاولة الآخرين التأثير فينا وغسل ادمغتنا والإطاحة بقلوبنا ؟ " 
(رواية لكل زمان ومكان ) 
القارئ لغابة آدم يلاحظ غياب عنصري الزمان والمكان للرواية وهذه نقطة تحسب للكاتبة وليس عليها لإنها رواية نفسيةعميقة الدلالة تصلح لكل زمان ومكان.
ففي آخر قرنين من الزمان احتلت فكرة إمكانية التحكم بالعقل البشري مركز الصدارة من اهتمام  السياسيين والعلماء؛ بل والعامة ايضاً وانعكس ذلك في دراسات وكتب واختبارات لبعض الحالات قيل إنه قد جرى التحكم بعقول أهلها والتلاعب بهم، وامتد هذا الأثر -حتى الآن- حاملا معه دلالات ومفاهيم كثيرة. ويظل الإنسان في حيرة مستمرة مابين مايراه وما بين ماتريده الانظمة والآيدلوجيات ان يراه .. 
شيماء عقيل هادي من مواليد 1976 خريجة قسم الترجمة تعمل في ترجمة البحوث والأطاريح، صدرَ لها رواية ( سجن القاصرات) و ( غابة آدم) و حالياً تعمل على ترجمة مجموعة قصصية للكاتب الأميركي مارك توين.