«25 يومًا إلى عدن»..

معركة عدن وقصة الشراكة بين الجنوبيين والإماراتيين.. باحث أمريكي يكشف تفاصيل القصة

سيطرت المليشيات الانقلابية على مطار عدن الدولي ومناطق واسعة من المدينة الاستراتيجية المطلة على ساحل خليج عدن وبحر العرب في جنوب اليمن، وذلك في ظل مساعيها آنذاك لإحكام سيطرتها على اليمن بقوة السلاح، ومع تقهقر المقاومة اليمنية باتجاه الشريط الساحلي على البحر الأحمر، تدخل التحالف الخليجي، والقوات الخاصة الإماراتية، لإنقاذ درة الجنوب.

القوات المسلحة الجنوبية

القاهرة

 كان الانقلاب الحوثي في مارس 2015 على الحكومة الشرعية في اليمن، قاب قوسين أو أدنى من السيطرة بالكامل على جميع أنحاء اليمن، فبعد الاستيلاء على العاصمة «صنعاء»، بدأ زحف الميلشيات الحوثية تجاه عدن، ثان ـكبر المدن اليمنية، التي تحصنت فيها المقاومة الجنوبية.

وفي أواخر مارس 2015، سيطرت المليشيات الانقلابية على مطار عدن الدولي بالفعل ومناطق واسعة من المدينة الاستراتيجية المطلة على ساحل خليج عدن وبحر العرب في جنوب اليمن، وذلك في ظل مساعيها آنذاك لإحكام سيطرتها على اليمن بقوة السلاح، ومع تقهقر المقاومة اليمنية باتجاه الشريط الساحلي على البحر الأحمر، تدخل التحالف الخليجي، والقوات الخاصة الإماراتية، لإنقاذ درة الجنوب.
 

الباحث العسكري الأمريكي، الدكتور مايكل نايتس، كان شاهد عيان من على الخطوط الامامية لمعركة إنقاذ عدن، وقد وثّق أحداث معركة عدن في كتاب جديد من المنتظر أن يصدر قريبا باللغتين الإنجليزية والعربية بعنوان «25 يومًا إلى عدن» أو «Days to Aden 25»، حيث استغرق إعداده 5 سنوات كاملة، وسجل العديد من المقابلات خلال المعارك المحتدمة في عدن، وسيكشف النقاب للمرة الأولى عن احداث المعركة الحاسمة، التي كان من الممكن أن ينجح فيها الحوثيين في تهديد حركة التجارة العالمية في احد اهم الممرات الملاحية الدولية المتاخمة لمضيق باب المندب.


«نايتس»، زميل في برنامج الزمالة «ليفر» في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج، وعمل على نطاق واسع مع الوكالات العسكرية والأمنية المحلية في العراق ودول الخليج واليمن، وحصل على الدكتوراه من «قسم دراسات الحروب» بـ «الكلية الملكية في لندن»، كشف تفاصيل حصرية من العاصمة الأمريكية «واشنطن»- للمرّة الأولى عن معركة «إنقاذ عدن»، وكيف نجحت قوات النخبة الإمارتية في التصدي للميلشيات الحوثية ثم مطاردتها حتى 100 كيلومتر في جميع الاتجاهات حول عدن.


وقال «نايتس»، لمركز «المصري اليوم»، إن معركة إنقاذ عدن، كانت من الأهمية والخطورة التي يمكن أن تؤثر على سير العمليات العسكرية بين القوات الحكومية في اليمن أو ما تبقي منها وقتها وبين المليشيات الحوثية المدعومة من إيران؛ بل يمكن القول انها كانت يمكن أن تؤثر على المنطقة وحركة الملاحة الدولية في مضيق باب المندب المؤدي إلى قناة السويس، ومن هنا جاءت أهمية توثيق المعركة في كتاب «25 يوما إلى عدن».

وتابع الباحث الأمريكي: «عندما نجحت المليشيات الحوثية في الاستيلاء على العاصمة صنعاء، وبداية انقلابها على الشرعية، توجهت الحكومة اليمنية بطلب عاج للدعم الدولي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجامعة العربية، وعلى الفور تشكلت قوات خليجية لإنقاذ اليمن ومنع ميلشيات الحوثيين المدعومين من إيران من الهيمنة على الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية والاستيلاء على الممرات الملاحية الرئيسية التي تربط نصفي الكرة الشرقي والغربي عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وفي يوليو انطلقت المعارك الضارية لتحرير مدينة عدن، حتى نجحت المقاومة الجنوبية في 14 يوليو بمشاركة القوات المسلحة الإماراتية في تحرير درة الجنوب ، في معركة ملحمية وًصفت بانها الأهم في تاريخ الصراع في اليمن».

وأضاف «نايتس»، أن الكتاب يروي أحداث معركة تحرير مدينة عدن الساحلية قبل حلول عيد الفطر في يوليو 2015، وتكمن أهمية عدن في أنها موقع استراتيجي على المحيط الهندي كان أكثر الموانئ ازدحامًا في العالم قبل عقود فقط، وتم غزو عدن من قبل مزيج من مقاتلي الحوثيين الجبليين المدعومين من إيران والوحدات المدرعة التي كانت تابعة لعلي عبدالله صالح، الرئيس المخلوع، وإذا كان الحوثيين استولوا على عدن، فسيكون انقلابهم ضد الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة قد اكتمل، بسيطرتهم على ثاني أكبر مدينة في اليمن، بعد العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى سيطرتهم أيضًا على جانب نقطة اختناق بحرية تسيطر على 20٪ من حركة النفط العالمية، وسيكون لإيران وكيل جديد قادر على تعطيل معبر حيوي في البحر الأحمر.

واستكمل المؤرخ العسكري الأمريكي: «أهمية العملية العسكرية لإنقاذ عدن، تكمن في أنه لو سقطت عدن؛ لكان للحوثيين وإيران موقع قدم على المدخل الجنوبي لقناة السويس وخليج عمان، إذا كان الحوثيون قد انتصروا في معركة عدن، فكان من المحتمل أن يكون هناك سفنًا بحرية إيرانية راسية في شبه الجزيرة العربية، وليس بعيدًا عن مصر أيضًا.. هل يمكن أن تتخيل ذلك؟!».


وتابع «نايتس»: «لقد رأينا ما هو الاضطراب العالمي والأضرار الاقتصادية التي لحقت بمصر والعالم والتي حدثت نتيجة جنوح سفينة حاويات Ever Given في قناة السويس، وتعطيل حركة الملاحة في الشريان الملاحي الأهم للتجارة العالمية، وقدرت قائمة Lloyds لويدز التكلفة على العالم بـ 200 مليون جنيها مصريا عن كل دقيقة تغلق القناة.. تخيل معي هذا النوع من الضرر يلحق بالعالم من قبل إيران والحوثيين، إذا كانوا قد سيطروا على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر في باب المندب وخليج عمان».
 

وأوضح «نايتس»، أن تحرير عدن سمح بتحرير باب المندب بعد ذلك ثم البدء في تطهير ساحل البحر الأحمر من قوارب الحوثيين الملغومة والصواريخ المضادة للسفن، لافتا إلى أنه ربما يوما ما قد يتم تطهير البحر الأحمر بالكامل من هذه التهديدات الحوثية، ولن يكون ذلك ممكنًا؛ إلا لأن اللبنات الأساسية وُضعت في معركة عدن في عام 2015.

 
ومن بين كل قصص إنقاذ عدن، كشف «نايتس»، تفاصيل مهمة، يمكن أن تكون هي المرة الأولى التي يتم الكشف عنها عن تلك المعركة، وعن أول 8 جنود من القوات الخاصة الإماراتية الذين تم إدخالهم سرًا في عدن، خلف خطوط العدو الحوثي، وإسقاطهم في البحر في جوف الليل بواسطة طائرات الهليكوبتر وإحضارهم إلى الشاطئ من قبل عناصر من المقاومة اليمينة الجنوبية متنكرين في شكل صيادين، حيث كانت الدفاعات حول عدن توشك على الانهيار والدبابات الحوثية كانت تتقدم لقلب المدينة ولا سبيل لايقافها، وبمجرد وصول المحاربين الإماراتيين، قالت المقاومة اليمنية «عليكم الرحيل، لأن دبابات الحوثي تتقدم، ولا سبيل لايقافها، ودفاعاتنا في الطريق إلى الانهيار»، وعندئذ قال قائد الفريق الإماراتي، والذي كان بلا لحية في تلك المرحلة وبدأ صغيرا جدا في عيون اليمنيين: «لا تقلقوا... دعونا نتعامل مع الوضع».

وتابع الباحث الأمريكي المخضرم: «لم يعتقد أحد أن الإماراتيين يمكن أن يوقفوا الدبابات.. كما قال لي اليمنيون خلال شهاداتهم:»ماذا يمكنه أن يفعلوا؟ كانوا ثمانية رجال وجهاز راديو.. لكن في غضون ساعات قليلة، حطّم هؤلاء الإماراتيون 20 دبابة معادية بضربات جوية محكمة، وصدّوا الهجوم الأول للحوثيين تمامًا، وظهر على الفور للقوات الجنوبية ما يمكن أن يفعله هؤلاء الإماراتيون الشباب، لقد كانت معركة ‘نقاذ عدن، أول معركة يهزم فيها الحوثيين بهذا الشكل، لقد نجحت الحملة العسكرية الخليجية في إنقاذ ثان أكبر المدن اليمينة من السقوط، وإرسال رسالة إلى الإيرانيين وحلفائها بأنه يمكن هزيمتهم في الميدان أيضًا.

 

وفي مقابلة سابقة  كتبها الباحث الأمريكي مايكل نايتس في صحيفة "الناشونال" الإماراتية إن دول الخليج رسمت خطاً في الرمل لمنع القبائل الحوثية التي تدعمها إيران من السيطرة على الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، والتحكم بالخطوط الرئيسية للملاحة التي تربط نصفي الكرة الأرضية الشرقي والغربي عبر البحر الأحمر وقناة السويس.

وفي الأبام الأولى للحرب، هبّت الإمارات لمساعدة مقاتلي المقاومة الجنوبية للدفاع عن عدن الساحلية، والتي كانت المرفأ الأكثر ازدهاراً في العالم قبل عقود.

ويقول نايتس: "لو استطاع الحوثيون السيطرة على عدن، لما كانوا غزوا ثانية كبرى المدن الجنوبية فحسب (إضافة إلى سيطرتهم على العاصمة صنعاء)، بل كانوا أيضاً وضعوا نقطة اختناق بحرية تمر بها 20 في المئة من حركة النفط العالمية". وينقل عن جندي قوله إن حرب اليمن هي قصة قوات النخبة العربية تقاتل شبحاً من الجبال بالقرب من الممر البحري الأكثر أهمية في العالم.

وفي مقالته، يبرز نايتس أهمية المؤرخ العسكري "لأنه (أو لأنها) يبقي (أو تبقي) حياً ذكرى أولئك الذين ضحوا بحياتهم من أحل وطنهم ورفاقهم المحاربين". وفي الوقت نفسه يؤكد أن "التاريخ يجب أن يكون دقيقاً بأكثر قدر ممكن لأنه هديتنا للأجيال المقبلة، وهذا لا يعني فقط الاحتفال بالانتصارات والإنجازات، بل أيضاً مواجهة الحقائق القاسية واللحظات الحزينة، وتعلم الدروس التي يمكن أن تساعد أمة وجنودها وبحارتها وطياريها على مواجهة تحديات جديدة". 

لذلك، استغرق "25 يوماً إلى عدن" أكثر من خمس سنوات، انكبّ خلالها نايتس على الأبحاث والكتابة والتحقق من المعلومات بدقة. فمن أجل فهم حقيقي وصحيح لمعركة، يرى أن "على الشخص التحدث إلى مشاركين كثر لتحديد الحوادث التي لم تصل قط إلى السجلات الرسمية، كما على المرء أن يطلع على السجلات لإيجاد الأشياء التي ينساها البشر. وبالقدر نفسه من الأهمية، يحتاج المؤرخ أيضاً إلى إجراء أقرب دراسة خريطة الميدان ثم النزول على الأرض. وهذا ما فعله في عدن".

ويقول: "بالنزول على الأرض فقط يمكن المرء فهم التضاريس الشاقة للأجزاء القديمة من عدن... وبالتحرك ذهاباً وإياباً على الجسر المؤدي إلى المطار، يمكن تقدير أهمية المدرعات الإماراتية في التغلب على قوة النيران الحوثية التي دافعت عن المطار".

ويقول نايتس إن تحرير عدن بدأ، إذ كانت المقاومة الجنوبية على مسافة أيام من الهزيمة. وهنا التقى المقاتلون الجنوبيون والقوات الخاصة الإماراتية الذين أدخلوا سراً إلى جيب دفاعي في عدن. 

وهو يصف معركة عدن بأنها قصة هذه الشراكة بين الجنوبيين والإماراتيين الذين صمدوا أولاً ثم عززوا دفاعاتهم بجنود قواتهم الخاصة ومدفعية القوات البرية، قبل أن يشنوا هجوماً مفاجئاً سحق الحوثيين وأخرجوهم من عدن وطاردوهم مئات الكيلومترات في كل الاتجاهات.

وأضاف: "عملت القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي لدولة الإمارات  على مدار الساعة وفي ظل ظروف مروعة لإبقاء خطوط الإمداد مفتوحة ومواصلة القصف الدقيق والثقيل على العدو. لقد كان جهداً جماعياً حقيقياً: فالأمة بأكملها ركزت على هدف واحد، مساعدة الجنوبيين على تحرير عدن".

ولئن كان غير مألوف السماح لغرباء بالتحدث إلى العسكريين الإماراتيين حول خدمتهم، يؤكد نايتس أنه "أثناء البحث وصياغة هذا الكتاب، أمضيت مئات الساعات في المقابلات والعيش جنباً إلى جنب مع أفراد الجيش الإماراتي. وفي كثير من الحالات، جمعت قصصهم أثناء انتشارهم على جبهات القتال في اليمن، خلال زياراتي الخطوط الأمامية، وقد خصصوا أمسياتهم وأوقات فراغهم لإعادة سرد قصة عدن من وجهة نظرهم. وفي أوقات أخرى، قمت بزيارتهم مع عائلاتهم في الإمارات. يبدو أن إحياء الصراع يساعدهم على معالجة الأفكار والمشاعر التي دفنت منذ عام 2015، وآمل أن يستمروا في الحديث عن الحرب مع بعضهم البعض وعائلاتهم، إلى الحد الذي يسمح به الأمن".

ويبدو أن التجربة الفريدة لنايتس في لقاءاته مع الجنود الإماراتيين أتاحت له التعرف على تفكيرهم حيال الصراع. ويقول: "لا يبتهج رجال ونساء الإمارات العسكريون بالأعمال المدمرة للحرب. ومثل جميع المحاربين، هم معجبون بدقة وقوة الأسلحة الحديثة، لكنني وجدت مستوى خاصاً من الجدية والنضج في القوات الإماراتية التي كرهت حقاً الموت والبؤس بسبب الحرب. ومع ذلك، كانت القوات الإماراتية بلا شك جيدة أيضاً في الحرب الحديثة: فقد تدربت في صراعات حقيقية إلى جانب أفضل الجيوش الغربية، كما أن القوات الإماراتية تتمتع أيضاً بفهم أفضل للثقافة المحلية في اليمن وعلاقات ممتازة مع قوات المقاومة الجنوبية".

"25 يوماً إلى عدن" هي قصة رجال ونساء إماراتيين خاضوا المعركة إلى جانب شركائهم الجنوبيين. ويهدي نايتس الكتاب لخمسة جنود إماراتيين استشهدوا في الحرب، والكلمة الأخيرة في مقالته خصصها إلى أحد الشباب الاستثنائيين الذين قاتلوا (ونجا) في معركة عدن. ويقول: "عندما أجريت مقابلة معه، كان يتذكر سنوات من تجربته الحربية كجندي إماراتي يبلغ من العمر 27 عاماً مع تدريب جيد ويشارك في المعركة لأول مرة. قال لي: بعد هذه العملية، بعد حرب حقيقية، تغير تفكيري تماماً. لقد نشأت في هذا البلد، بمستويات معيشية جيدة وتعليم جيد، ثم أصبحت فجأة في منطقة حرب، بعيداً من أصدقائي وعائلتي، وأولادي. الوحدة تجعلك تقدر الحياة. رأيت الفقر والمعاناة في اليمن. لقد جعلني ذلك أكثر تقديراً لضرورة حماية وطننا".