العلاقات الدبلوماسية السعودية – الإيرانية..

"الرياضة العالمية".. هل تقود جهود التسوية في خفض التوترات الإقليمية بالشرق الأوسط؟

من غير المرجح أن تخاطر بريطانيا بتقويض العلاقات مع السعودية من خلال التراجع عن صفقة نيوكاسل يونايتد. لكن الضغط لمراجعة موافقة الدوري الإنجليزي الممتاز على الشراء يشير إلى ما يمكن أن يتوقعه السعوديون في إستراتيجياتهم الرياضية.

واشنطن

يشير الجدل المتجدد حول ملكية السعودية لنادي الدوري الإنجليزي الممتاز نيوكاسل يونايتد إلى نوع المعارضة التي قد تواجهها في مسعاها لنيل حقوق استضافة العديد من الأحداث الرياضية الكبرى على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

وقد يُبرِز الجدل كيفية تعامل المملكة مع انتقادات جهودها الهادفة إلى أن تكون جوهر الرياضة الدولية، وكيفية إدارة دول الشرق الأوسط لخلافاتها في عهد خفض التوترات الإقليمية. كما يشير إلى أن مقاومة دور السعودية المتنامي في الرياضات العالمية والآسيوية قد تكون أكثر تركيزا وجدلية مما شهدته قطر.

ومن غير المرجح أن تخاطر بريطانيا بتقويض العلاقات مع السعودية من خلال التراجع عن صفقة نيوكاسل يونايتد. لكن الضغط لمراجعة موافقة الدوري الإنجليزي الممتاز على الشراء يشير إلى ما يمكن أن يتوقعه السعوديون في إستراتيجياتهم الرياضية.

وتبرز تجربة قطر في بطولة كأس العالم 2022 أن المعارضة المحتملة من مجموعات حقوق الإنسان العالمية والنقابات العمالية وبعض اتحادات كرة القدم الغربية ومجموعات المشجعين من المرجح أن تركز على موقع المملكة في الرياضات الغربية وعرض سعودي – مصري – يوناني مشترك لاستضافة بطولة كأس العالم في كرة القدم لسنة 2030 بدلا من سلسلة البطولات الرياضية الآسيوية التي من المقرر أن تستضيفها السعودية أو تأمل في استضافتها.

وركّزت الحملات التي دامت 12 سنة قبل بطولة كأس العالم في قطر على تحسين حقوق العمال المهاجرين والمثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيا. ومن المرجح أن تكون هذه القضايا في مقدمة أجندة النشطاء مع تغيير صغير.

وتختلف السعودية عن قطر في العديد من مبادراتها. ويشمل ذلك الاستحواذ على نيوكاسل وبعث دوري ليف غولف الذي سيضم 14 بطولة بمحفظة إجمالية قدرها 405 ملايين دولار لينافس دورات “بي.جي.أي” الاحترافية.

وتؤكد المملكة العربية السعودية على أن الدولة لن تسيطر على نادي نيوكاسل رغم كون صندوق الاستثمارات العامة السيادي المساهم الأكبر فيه. وتناقض دور الدولة السعودية المعلن مع رسائل البريد الإلكتروني البريطانية التي حصلت عليها “ذا أتلانتيك” في طلبها المندرج ضمن حرية المعلومات وتبرير الحكومة البريطانية لتنقيحها الكبير للرسائل التي نشرتها.

وقالت الحكومة إن التنقيحات كانت ضرورية لأن “الكشف عن معلومات تفصيلية عن علاقتنا مع الحكومة السعودية يمكن أن يضر بالعلاقة الثنائية بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية”. وتظهر رسائل البريد الإلكتروني أن استحواذ السعودية على نيوكاسل كان جزءا من محادثات حول التعاون الإستراتيجي والاقتصادي بين أعلى مستويات الحكومتين البريطانية والسعودية.

ووافق الدوري الممتاز في النهاية على الاستحواذ بعد تلقي “تأكيدات ملزمة قانونا” بأن الدولة السعودية لن تسيطر على النادي. ولم يكشف عن فحوى تلك التأكيدات.

ويتعقّد تأكيد الرابطة برفض محكمة أميركية لإصرار المحامين الذين يمثلون ليف غولف على أن الصندوق السيادي السعودي ومحافظه ياسر الرميان الذي يشغل منصب الرئيس غير التنفيذي لمجلس إدارة نادي نيوكاسل يونايتد يجب أن يتمتعا بالحصانة السيادية لأنهما “أداة سيادية للمملكة العربية السعودية ووزير قائم في الحكومة”.

وصدر الحكم في الدعوى القضائية الفيدرالية في ولاية كاليفورنيا برفع الحصانة عن المسؤولين السعوديين والحكومة السعودية أمام المحاكم الأميركية ضمن المعارك القانونية بين “بي.جي.أي” وليف غولف.

ورفعت “بي.جي.أي” شكوى في كاليفورنيا ردا على دعوى ليف غولف المرفوعة ضدها بدعوى انتهاك قوانين مكافحة الاحتكار الفيدرالية في محاولتها لتقويض موسمها الافتتاحي في 2022. ويصعب أن نرى كيف يتوافق موقف محامي نادي ليف غولف مع تأكيد الدوري الإنجليزي الممتاز أن الدولة السعودية لا تسيطر على النادي الإنجليزي.

وقال محامو النادي، في ما اعتبر اعترافا ضمنيا بقدرة المملكة على السيطرة على نيوكاسل، إنه لن تكون هناك قضية ضد ملكية صندوق الاستثمارات العامة إلا إذا استخدمت الدولة السعودية سلطتها للتدخل في شؤونه.

وقد تكون موافقة الدوري على الاستحواذ السعودي موضع تساؤل إذا أحيت قطر الجهود القانونية لإجبار المملكة على دفع مليار دولار من التعويضات عن قرصنة كيان سعودي خاص لبث الدوري الإنجليزي الممتاز ومباريات أخرى عبر المنفذ القطري “بي إن سبورتس”.

وقرصن الكيان البث خلال المقاطعة الدبلوماسية لقطر التي قادتها السعودية والإمارات لمدة 3 سنوات ونصف قبل رفعها في 2021. وكانت المملكة قد حظرت “بي إن سبورتس” خلال المقاطعة.

ورفعت قطر في ردها على ذلك دعوى قضائية ضد المملكة العربية السعودية في لندن للمطالبة بتعويض. وأسقطت القضية بعد رفع المقاطعة. وكانت التسوية في قضية القرصنة شرطا أساسيا لموافقة الدوري الإنجليزي الممتاز على الاستحواذ على نيوكاسل.

وتحسنت العلاقات بين المنفذ الإعلامي القطري والمملكة في البداية بعد رفع المقاطعة وإسقاط قطر للإجراءات القانونية. وساد حديث حتى عن حصول المملكة العربية السعودية على حصة في “بي إن سبورتس”. لكن المحادثات توقفت منذ ذلك الحين، وقد تعيد “بي إن سبورتس”، وفقا لصحيفة “ذا أتلانتيك”، فتح ملف قضية التحكيم الاستثماري بعد أن حظرت وزارة الإعلام السعودية تطبيق تود التابع لها خلال الأسبوع الافتتاحي لبطولة كأس العالم 2022.

وقد يثير إحياء القضية القانونية تساؤلات متجددة حول الاستحواذ السعودي على نيوكاسل. كما سيكون مؤشرا على أن خفض التوترات الإقليمية لن يمنع الخلافات والنزاعات من التأثير على العلاقات.

لكن من المرجح أن يكون قرار قطر بمواصلة التبعات القانونية قرارا سياسيا وليس تجاريا في نهاية المطاف. وقد لا ترغب الدوحة في إلقاء ظلال على العلاقات الدافئة مع السعودية منذ رفع المقاطعة التي تختلف مع التقارب الأكثر برودة بينها وبين الإمارات والبحرين.

وعلى عكس المملكة، لم تتبادل البحرين والإمارات السفراء مع قطر بعد أكثر من عامين على رفع المقاطعة رغم تبادل الزيارات بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد. ومن غير المرجح أن تتجاهل الإمارات بث قناة “الجزيرة” القطرية هذا الشهر لفيلم وثائقي من أربعة أجزاء يحدد دبي كمركز لغسيل الأموال وتهريب الذهب.

وتؤكّد الإمارات على تواصل جهودها في معالجة أوجه قصور نظام مكافحة غسيل الأموال لضمان محوها من اللائحة الرمادية التي وضعها فريق العمل المالي، وهو هيئة رقابة دولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

كما من المرجح أن تكون الطريقة التي تتعامل بها البحرين ذات الأغلبية الشيعية (التي طالما كانت هدفا للتحريض الإيراني) مع الانفراج مع إيران إثر استعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية – الإيرانية مؤشرا على قدرة دول الشرق الأوسط على الحد من التوترات الإقليمية دون حل الاختلافات الأساسية.

ومن المحتمل أن تعيد البحرين العلاقات الدبلوماسية التي قطعتها في 2016 تضامنا مع المملكة بعد تعرض بعثاتها الدبلوماسية في إيران للهجوم. لكن إعادة بناء الثقة بين البلدين ستتطلب جهودا أكبر. ويعتبر تحرك قطر القانوني من المؤشرات على مدى تعطيل الخلافات التي لم يتم حلها.