بعد أقل من شهر على رفض تغيير الدستور الإيراني..

استمرار الهجمات الكيماوية على مدارس البنات والمرشد الإيراني يغلق الباب أمام الناخبين

لم يكن قادة التيار الإصلاحي والمعتدل وحدهم من طالب بإجراء استفتاء، ففي زاهدان، دعا إمام جمعة المدينة عبد الحميد إسماعيل زهي، الذي يعدّ أبرز رجال الدين السنة في البلاد، أكثر من مرة إلى إجراء استفتاء لاختيار طريقة الحكم التي تحظى بتأييد الأكثرية من أبناء الشعب. وقال إن «الاستفتاء هو المخرج من المشكلات الحالية في البلاد».

طلاب يهتفون دعماً للمرشد الإيراني (موقع خامنئي)

طهران

تواصلت عمليات تسميم الطالبات من قبل نظام الملالي وتعرضت طالبات مدارس للتسميم بالغازات السامة منها في طهران (ثانوية أمة للبنات ومدرسة يحيوي) وأورمية (ثانويتي ناصري وأبوذر للبنات) وهمدان (مدرسة جمران الفنية) ودزفول (ثانوية بيشتازان للبنات) وتم إرسال عدد كبير منهن إلى المراكز الطبية.

أكاذيب النظام الوقحة صارخة لدرجة أن أحمد حسين فلاحي، عضو لجنة التربية في برلمان النظام، قال: "بعد أكثر من خمسة أشهر، يبدو أن تركيز وزير الداخلية والمؤسسات العسكرية ينصب على تركيب الكاميرات والتعرف على النساء بلا حجاب وليس عوامل التسمم... يجب على المؤسسات الأمنية متابعة بعض الأعمال بجدية أكبر لأنه يبدو أنها تتعامل مع هذا الأمر بشكل سطحي للغاية وقد لا يكون له عواقب جيدة على النظام ... في أخبار وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الرسمية، قيل إن سلسلة من الأشخاص تم اعتقالهم لارتكابهم أفعال مثل رمي البخاخات، لكن في رأيي موضوع تسميم الطلاب يتجاوز العبث من قبل قلة من الطالبات"(خبر اونلاين - 19 أبريل). 

كما كتبت صحيفة اقتصاد 24 اليوم : "مرت خمسة أشهر على نشر أول خبر عن إصابة طلاب بالتسمم في المدارس، لكن لم ترد أنباء عن هوية الجناة. في هذه الحالة، تسمي السلطات تسميم الطلاب بأنه "وعكة صحية" والتمارض والعبث الصبياني".

إن حصانة نظام الملالي وقادتهم من المساءلة عن 44 عامًا من القتل والجرائم شجعتهم على ارتكاب المزيد من الجرائم، بما في ذلك تسميم فتيات المدارس. 
إن المقاومة الإيرانية تطالب مرة أخرى بإجراء تحقيق شامل ومستقل من قبل لجنة دولية لتقصي الحقائق حول هذه الجريمة الكبيرة والممنهجة.

من جانب آخر أغلق المرشد الإيراني، علي خامنئي، مرة أخرى الباب أمام إجراء استفتاءات شعبية حول سياسات الدولة، وذلك بعد أقل من شهر على رفضه تغيير الدستور الإيراني.

وتصاعدت المطالب بإجراء استفتاء على السياسات الداخلية والخارجية، بما في ذلك صيغة الحكم الحالي، أي «الجمهورية الإسلامية»، في أعقاب الاحتجاجات المناهضة للمؤسسة الحاكمة، التي أشعلت فتيلها وفاة الشابة الكردية مهسا أميني أثناء احتجازها لدى «شرطة الأخلاق» بدعوى سوء الحجاب.

ورفض خامنئي، صاحب كلمة الفصل في مثل هذه السياسات، إجراء أي استفتاء عندما سئل عنها خلال اجتماع مع حشد لأنصاره من طلبة بعض الجامعات الإيرانية.

وتساءل خامنئي: «وهل مختلف قضايا البلاد قابلة لاستفتاء... في أي مكان في العالم يجري هذا؟ هل الناس الذين تجب عليهم المشاركة في الاستفتاء يمكنهم تحليل هذه القضايا؟ ما هذا الكلام؟». وأضاف: «بالنسبة إلى أي قضية بمفردها، فستنخرط البلاد في نقاش وحجج واستقطاب لمدة 6 أشهر، حتى يمكن إجراء استفتاء حول هذه المسألة»، وفق ما أوردت «أسوشييتد برس».

وكان خامنئي (84 عاماً) يتحدث مساء الثلاثاء أمام حشد من طلبة الجامعات، في برنامج رمضاني.

وبدا أن خامنئي يشير إلى التصريحات الأخيرة للرئيس السابق حسن روحاني، وهو معتدل نسبياً، الذي اقترح إجراء استفتاءات حول السياسات الداخلية والخارجية والاقتصاد، وطالب أيضاً بإجراء انتخابات تشريعية «حرة ونزيهة» في فبراير (شباط) الماضي، عادّاً إياها اختباراً للمؤسسة الحاكمة، وتراقبها أنظار العالم.

ورهن روحاني «التحول» في البلاد بتنفيذ المادة «59» من الدستور الإيراني التي تنص على عرض القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للاستفتاء العام. وقال روحاني: «ما يطالب به الناس قد يكون عشرات الأسئلة، لكن في استفتاء عام يمكن أن نطلب من الناس الرد على 3 أسئلة في مجال السياسة الخارجية والسياسة الداخلية والاقتصاد».

وكانت دعوة روحاني لتفعيل بنود معطلة من الدستور الإيراني تكراراً ضمنياً لدعوة حليفه الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي في فبراير الماضي؛ إذ دعا إلى إجراء إصلاحات بالعودة إلى روح الدستور الإيراني، مشدداً على أن «طلب الإصلاحات بالطريقة والنهج اللذين جرت تجربتهما... وصل إلى طريق مسدودة». وقال إنه يأسف لأن «نظام الحكم لم يبدِ أي إشارة حيال الإصلاح وتفادي الأخطاء، ولأن الشعب يئس من النظام (السياسي) القائم».

ورأى خاتمي في دعوته، التي اقترنت بذكرى الثورة، أن «إصلاح الذات؛ سواء على صعيد الهيكل، والتوجهات، والسلوك، سيكون أقل تكلفة وأكثر ثمراً للخروج من الأزمات».

وبهذه الدعوة نأي خاتمي بنفسه عن بيان حليفه الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي الذي دعا، في بيان بمناسبة ذكرى الثورة، إلى صياغة دستور جديد وعرضه على الاستفتاء الشعبي في انتخابات «حرة ونزيهة» بهدف تغيير هيكل النظام، وتخطي صيغته الحالية التي وصفها بـ«أزمة الأزمات».

وقال موسوي، الذي تفرض عليه السلطات الإقامة الجبرية منذ فبراير 2011، إن شعاره حملته للانتخابات الرئاسية عام 2009، والذي تعهد فيه بتفعيل الدستور الحالي كاملاً، «لم يعد فاعلاً».

لم يكن قادة التيار الإصلاحي والمعتدل وحدهم من طالب بإجراء استفتاء، ففي زاهدان، دعا إمام جمعة المدينة عبد الحميد إسماعيل زهي، الذي يعدّ أبرز رجال الدين السنة في البلاد، أكثر من مرة إلى إجراء استفتاء لاختيار طريقة الحكم التي تحظى بتأييد الأكثرية من أبناء الشعب. وقال إن «الاستفتاء هو المخرج من المشكلات الحالية في البلاد».

هذه المرة الثانية التي يدخل فيها خامنئي على خط النقاش الدائر حول إجراء استفتاء في البلاد، ففي 21 مارس (آذار) الماضي، وفي أول خطاب سنوي له بمناسبة عيد النوروز، اتهم من يتحدثون في الداخل الإيراني عن ضرورة تغيير الدستور بأنهم «يكررون ما يقوله الأعداء». وقال: «غاية العدو هي تغيير الحكومة القائمة على السيادة الشعبية الدينية، إلى حكومة موالية لهم، على ما يبدو في شكل ديمقراطية غربية وهمية».

وتشترك غالبية دعوات الأحزاب السياسية الإيرانية التي لا تشارك في إدارة البلاد، في مطلب الاستفتاء حول أصل النظام وتخطى «ولاية الفقيه» وإقامة نظام علماني. وفي المقابل، يطالب التيار الإصلاحي والمعتدل بإجراء استفتاء حول الحريات العامة، وطريقة تنفيذ الانتخابات، والبت في أهلية المرشحين، بالإضافة إلى السياسة الخارجية، خصوصاً ما يتعلق بإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع الغرب. ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى الاستفتاء على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة. وكانت طريقة إدارة البرنامج النووي الإيراني، والدور الإيراني الإقليمي المتمثل في أنشطة «الحرس الثوري»، من بين محاور المطالبين بالاستفتاء.

وتعود هذه الدعوات إلى الواجهة عندما يبرز دور المرشد علي خامنئي والأجهزة الخاضعة له في الأوقات الحساسة، مثل الاحتجاجات الشعبية التي هزت البلاد خلال السنوات الأخيرة.

تجري إيران انتخابات رئاسية وبرلمانية منتظمة تحت إشراف «مجلس صيانة الدستور»، الذي يقوم بفحص طلبات المرشحين. وبموجب الدستور، لا يمكن إجراء استفتاء إلا إذا وافق عليه ثلثا أعضاء البرلمان، ووافقت عليه هذه الهيئة الدستورية المكونة من 12 عضواً (تتكون من 6 فقهاء يسميهم المرشد الإيراني مباشرة، و6 خبراء قانونيين يختارهم رئيس القضاء الذي بدوره يعينه المرشد الإيراني).

بعد ثورة فبراير 1979 التي أطاحت نظام الشاه، أجرت إيران في نهاية مارس من العام نفسه استفتاءً شعبياً على إنشاء «الجمهورية الإسلامية» وتبني دستور جديد. وفقاً للنتائج التي أعلنتها السلطات، فقد صوت 98.2 في المائة من المشاركين بالموافقة. وجرت المصادقة عليه في أواخر ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه رغم المقاطعة واحتجاج الأحزاب السياسية.

ولم تشهد إيران بعد ذلك أي استفتاء، باستثناء الاستفتاء على تعديلات الدستور في يوليو (تموز) 1989 بعد أشهر قليلة من تولي خامنئي منصب المرشد خلفاً للخميني الذي توفي في العام نفسه. وأتاح التعديل إلغاء شرط أن يكون المرشد مرجعاً دينياً، فضلاً عن توسيع صلاحياته وتحويل «ولاية الفقيه» إلى «ولاية الفقيه المطلقة» بإلغاء «شورى الفقهاء». وأنشئ بموجبه «المجلس الأعلى للأمن القومي»، وتحول «مجلس تشخيص مصلحة النظام» إلى هيئة دائمة، يسمي المرشد أعضاءها، وكذلك ألغي منصب رئيس الوزراء.