" حسابات اقتصادية وليست سياسية"..
العلاقات السعودية الأمريكية تحت الأضواء.. " هل تتجه نحو توتر جديد"
تأتي المصالح الاقتصادية للسعودية قبل الشراكات والتحالفات الاستراتيجية مع القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، نظرا للظروف الأخيرة في علاقتهما.
في الآونة الأخيرة، كانت هناك العديد من التقارير الإعلامية تتحدث حول كيفية تأثير قرار المملكة العربية السعودية بتمديد إنتاج النفط وخفض الصادرات حتى نهاية هذا العام على علاقاتها مع الولايات المتحدة. وقد استأنف هذان البلدان مؤخرا الحوار والتواصل حول العديد من القضايا، وخاصة تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
تعتمد سياسة إنتاج وتصدير النفط في المملكة العربية السعودية على عوامل وحسابات مختلفة. يتعلق بعضها بالسوق العالمية وكيفية الحفاظ على حدود قصوى عادلة للأسعار من خلال تنظيم العرض والطلب. وتتعلق قضايا أخرى بالمصالح الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية واحتياجات الإيرادات لميزانيتها.
هذه حسابات اقتصادية وليست سياسية - وأعتقد أن هذه "الرسالة" قد وصلت إلى صناع القرار في الولايات المتحدة، إلى جانب تأكيدات على أنه لا يوجد تراجع عن السياسة.
تأتي المصالح الاقتصادية للسعودية قبل الشراكات والتحالفات الاستراتيجية مع القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، نظرا للظروف الأخيرة في علاقتهما.
فالبلدان المنتجة والمصدرة للنفط، ولا سيما اللاعبين الرئيسيين في السوق العالمية، ليس لديها مصلحة في زيادة معدلات التضخم العالمية بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة. وهذا يضر بالاقتصادات والتصنيع والطلب العالمي على هذه السلعة الاستراتيجية. ومع ذلك، على العكس من ذلك، تريد هذه البلدان تجنب انخفاض الأسعار إلى مستويات لا تلبي خططها وميزانياتها الإنمائية.
مخاوف الولايات المتحدة ليست فقط حول الزيادة في أسعار النفط. كما تشمل التعاون الاستراتيجي المتنامي بين المملكة العربية السعودية وروسيا، خاصة فيما يتعلق بتنسيق السياسات النفطية. على الرغم من ذلك، رفعت الولايات المتحدة سعر الغاز الذي تصدره إلى حلفائها الأوروبيين بدلا من الغاز الروسي المفضل لديهم، مما تسبب في اضطراب كبير في اقتصاداتهم.
في ضوء ذلك، من الصعب تجاهل المعضلة التي يواجهها البيت الأبيض والرئيس جو بايدن في سعيه للفوز بولاية رئاسية ثانية بينما يتزامن ارتفاع أسعار الطاقة مع عام الانتخابات المقبل. أصبح ارتفاع التضخم وأسعار الوقود هدفين رئيسيين لحملات الحزب الجمهوري ضد الديمقراطيين.
وتشير الأدلة إلى أن الرياض وواشنطن لم تستعيدا علاقاتهما بالكامل. وعلى الرغم من أنهما تغلبا على مرحلة التوتر الحرجة التي ميزت علاقاتهما في السنوات القليلة الماضية، إلا أنهما لا يزالان يخضعان لمرحلة إعادة الاصطفاف، أو يضعان قواعد جديدة لتحالفهما/شراكتهما، بما يتماشى مع الرؤية الاستراتيجية الجديدة للمملكة العربية السعودية. وتستند هذه الرؤية، خاصة كما ينادي بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى التنوع وتعظيم عوائد المملكة العربية السعودية من الشراكات والتحالفات الاستراتيجية المبنية على الديناميكية والمصلحة المتبادلة والمنفعة.
كان هذا واضحا في الاصطدام الشهير بين محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي خلال زيارة الأخير إلى المملكة العربية السعودية في يوليو 2022. وتجدر الإشارة إلى أنه كان هناك زخم كبير في اجتماعات وزيارات كبار المسؤولين من كلا البلدين في الأشهر الأخيرة، مما يشير إلى وجود قناعة مشتركة بالتوصل إلى اتفاق شامل حول جميع القضايا الأمنية والعسكرية والنووية والسياسية على جدول أعمال الحوار الاستراتيجي المشترك.
كل هذا لا ينفي أن الولايات المتحدة ربما تكون قد قبلت ما حدث في علاقاتها مع الحلفاء الخليجيين والشرق أوسطيين. وقد تميل إلى قبول الوضع الحالي، خاصة بالنظر إلى مواقف هؤلاء الحلفاء من حرب أوكرانيا والانقلابات في أفريقيا، والتي لها تداعيات استراتيجية لصالح روسيا والصين. وقد يعزز ذلك فكرة تبني الواقعية في التعامل مع حلفاء الشرق الأوسط وإبقائهم وسط اشتداد المنافسة والصراع بين القوى العالمية الكبرى على الهيمنة والنفوذ في مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية.
بشكل عام، من الصعب معرفة ما إذا كانت العلاقات السعودية الأمريكية تتجه نحو توتر جديد، بسبب أسعار الطاقة. ومن الصعب أيضا معرفة ما إذا كان بإمكان واشنطن تجاهل هذه القضية في إدارة علاقاتها مع الرياض. ومع ذلك، فإن السؤال الجديد هو كيف يمكن للجانبين التوصل إلى تفاهم مشترك يخدم مصلحتهما المتبادلة.
خلال كل هذا، يجب أن نتذكر دائما أن تغيير السكان في البيت الأبيض هو متغير مهم في هذه العلاقات التاريخية. العلاقات مع المملكة العربية السعودية هي نقطة خلاف في الصراعات الديمقراطية الجمهورية، سواء في الكونغرس أو على المستوى الرئاسي في الانتخابات والممارسة السياسية في العالم الحقيقي.
يجب أن نتذكر أيضا أن قضية أسعار الطاقة، على الرغم من أهميتها الاستراتيجية العالية لكلا الطرفين، ليست سوى جانب واحد من شراكتهما، وليس الجانب الأكثر أهمية. لذلك، بغض النظر عن الاختلافات التي تنشأ بسبب هذه القضية، تميل الأمور إلى العودة إلى حالتها الطبيعية تدريجيا، خاصة إذا توصلت إلى اتفاقيات وتفاهمات جديدة فيما يتعلق ببقية علاقاتها.
- المصدر| jpost - ترجمة خاصة لصحيفة اليوم الثامن