"تحذيرات من توسع الحرب لتكون حربا اقليمية"..

السعودية في مرمى نيران إيران وأذرعها.. هل أصبحت المصالحة الهشة على المحك؟

"يواجه الجنوب حروبا متعددة، ولا شك ان الرياض متورطة بشكل او بأخر في هذه الحروب الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعاني منها مدن الجنوب وفي طليعة ذلك العاصمة، فالسعودية لم تحترم الرغبة الجنوبية وفرضت على الجنوبيين مجلس قيادة رئاسي يمني شمالي"

المصالحة الإيرانية السعودية تحتاج الى المزيد من الوقت للصمود ولكن المسألة بيد طهران واذرعها- ارشيف

ناصر الخضر
ضابط عسكري متقاعد

لم تخف إيران، من الإفصاح عن أهداف العملية التي نفذها مسلحو حركة حماس فجر السابع من أكتوبر تشرين الأول، واستهدفت قواعد عسكرية إسرائيلية في غلاف غزة، تلتها حرب إسرائيلية، لا تزال مستمرة ويمكن ان تدخل يوم السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني، شهرها الثاني، وسط تزايد سقوط الضحايا من المدنيين الفلسطينيين الذين دمرت منازلهم بشكل وحشي، يقول فلسطينيون ان الصواريخ الإسرائيلية لا توال تلاحق نحو مليوني شخص إلى كل مكان وأوقعتهم بين قتيل وجريح ومفقود ومشرد.

على مدى الأيام الماضية، قال الإيرانيون إنهم نجحوا إلى حد كبير في افشال جهود أمريكية كانت تهدف الى اعلان التطبيع بين الرياض وتل ابيب، وقد بدأت زيارات علنية بين البلدين، ناهيك عن ان المملكة أرسلت سفيرا لأول مرة إلى القدس الشرقية، كسفير لدى الدولة الفلسطينية المرتقبة.

وعلى وقع القتل الوحشي الذي مارسه الإسرائيليون ضد المدنيين في القطاع، خرج المسؤولون الإيرانيون للتهديد بانه قد يتدخلوا فيما اذا تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء، وهو ما فعلته تل ابيب التي ارسل جيشها العديد من الصواريخ والمقذوفات على الجنوب اللبناني، موقعا قتلى وجرحى في مسلحي جماعة حسن نصر الله الموالية لإيران، الامر الذي دفع للتساؤل بشكل أكبر، ما هي الخطوط الحمراء التي على إسرائيل تجاوزها حتى تتدخل إيران في حرب هي في الأساس ستكون ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

تحذيرات إيرانية 

خلال الأيام الأولى من الحرب حذّر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من "خروج منطقة الشرق الأوسط عن السيطرة" إذا لم توقف إسرائيل هجماتها على قطاع غزة"، لكن إيران لم تعر هذه التحذيرات أي اهتمام ومضت في التوغل صوب القطاع في محاولة لاقتحامه وتصفية كتائب القسام الحمساوية.

ومع مرور أكثر من 23 يوما من القتال، برزت مخاوف من اتساع دائرة الحرب المشتعلة منذ اندلاعها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري بين إسرائيل وحماس، إذ حذّرت واشنطن من تبعات تهديد مصالحها في المنطقة، معلنة في الوقت ذاته عن نشرٍ جديد لدفاعات جوية متطورة.

الولايات المتحدة الأمريكية تستعد لأي تصعيد إيراني

ونوّه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى "احتمالية تصعيد" من جانب وكلاء إيران، مثل حزب الله أو حماس، قائلا إن الولايات المتحدة "تتخذ كافة التدابير" لضمان القدرة على الدفاع عن"الإسرائيليين والمواطنين الأمريكيين".

وبالفعل أرسلت الولايات المتحدة قوة بحرية كبيرة إلى منطقة الشرق الأوسط، تضمنت حاملتَي طائرات، وسُفنا للدعم، ونحو ألفَي جندي من المارينز (مشاة البحرية)، للمساعدة في ردع هجمات تشنها "قوات موالية لإيران".

وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن: "ما نشهده هو تصعيد خطير من الهجمات على قواتنا ومواطنينا في أنحاء المنطقة".

وأضاف أوستن لـشبكة أيه بي سي الأمريكية: "إذا كانت أي جماعة أو دولة تتطلع إلى توسيع نطاق الصراع والاستفادة من هذا الوضع المؤسف، فنصيحتنا لها: ألا تفعل".

وتتزايد الإشارات إلى أن إيران تدفع وكلاءها في المنطقة إلى توسيع دائرة الحرب، بحسب مجلة الإيكونوميست البريطانية.

وزير الخارجية الإيراني ألقى باللائمة على الولايات المتحدة في دعم إسرائيل عسكريا

الشرق الأوسط على شفير الحرب

ووصفت مجلة الإيكونوميست منطقة الشرق الأوسط بأنها "على شفير الحرب"، مشيرة إلى أن حدود إسرائيل الأربعة تشهد توتراً، حيث يشهد الشمال مع لبنان اشتباكات هي الأعنف منذ حرب 2006 بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية.

ومن الشرق، في سوريا، قصفت إسرائيل مطارَي دمشق وحلب الدوليين في وقت مبكر من يوم الأحد، ليخرج المطاران عن الخدمة، بحسب وسائل الإعلام الرسمية السورية.

ومن الغرب، في البحر المتوسط، تطفو حاملة طائرات أمريكية في انتظار أخرى في طريقها للمنطقة – في محاولة لردع إيران وحلفائها في كل من لبنان والعراق وسوريا واليمن - وتحذيرهم من الدخول في الحرب أو مهاجمة مصالح أمريكية في الخليج، فضلا عن تزويد إسرائيل بتقنية إضافية للتحذير من الهجمات الصاروخية.

ومن الجنوب، على حدود غزة، تُرابط قوات إسرائيلية ضخمة في انتظار صدور الأوامر ببدء اجتياح بري للقطاع المحاصَر.

ومن الجنوب أيضا، في البحر الأحمر، اعترضت المدمرة الأمريكية "يو إس إس كارني" ثلاثة صواريخ وعدداً من الطائرات المسيّرة، تم إطلاقها من اليمن عبر جماعة الحوثي المدعومة من إيران، والتي كانت في طريقها لإصابة أهداف في إسرائيل.

وتزامناً مع ذلك، نوّه رئيس وزراء الحوثيين عبد العزيز بن حبتور إلى أن المدمرة الأمريكية لم تتمكن من التصدّي لكل الصواريخ التي أطلقها الحوثيون باتجاه الأراضي الإسرائيلية في 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مشيراً إلى أن هناك صواريخ "تمكنت من الوصول إلى أهدافها".

وإلى ذلك، شهدت الأيام القليلة الماضية تعرُّض قواعد عسكرية عديدة تستخدمها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة للاستهداف بهجمات بطائرات مسيّرة وهجمات صاروخية، بحسب الإيكونوميست.

وجاءت صواريخ الحوثي باتجاه إسرائيل للتلويح بإمكانية انفلات وكلاء إيران - على الرغم من اختلافهم - في أنحاء المنطقة".

إيران تتخلى عن أذرعها في غزة

 

يبدو أن ايران التي كانت تهدد إسرائيلية من مغبة تجاوز الخطوط الحمراء، قد تراجعت وفضلت التخلي عن مسلحي كتائب القسام الحمساوية، التي تعد اذرع إيران في فلسطين، فطهران وعلى لسان وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ، نفى ان تكون بلاده متورطة في دعم مسلحي حماس في الهجوم على القواعد العسكرية الإسرائيلية يوم السابع من أكتوبر تشرين الأول الحالي.

وقال عبد اللهيان في تصريحات صحافية نقلتها قناة العربية السعودية "ان المزاعم بشأن تورط طهران في دعم هجوم حركة حماس لا أساس لها من الصحة"؛ في تراجع عن التهديدات التي سبق وأطلقها الوزير الإيراني بشأن تجاوز إيران للخطوط الحمراء، الأمر الذي يؤكد على التوجه صوب التهدئة وإيقاف الحرب في قطاع غزة، مع تمسك إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية على ضرورة تصفية حركة حماس.

التخلي عن حركة حماس من قبل إيران، يعني بشكل أكبر التخلي عن شعارات محور المقاومة التي سقطت شعبيا مع ارتفاع الدعوات الإسلامية بضرورة ان يكون لمحور المقاومة أي دور في دعم حركة حماس عسكريا، لكن اذرع ايران اكتفت بالتهديدات الإعلامية مع اطلاق بعض المقذوفات بالقرب من قواعد عسكرية وأخرى في عرض البحر الأحمر دون ان تخلف أي خسائر، وكأن تلك المحاولات بمثابة اسقاط واجب، خاصة بعد ان عززت الولايات المتحدة الأمريكية من تحركاتها العسكرية واستعدادها لتوجيه ضربات مركزة ضد إيران، التي تراجعت عن تهديداتها من خلال تصريحات عبداللهيان وزير الخارجية.

ادانت الامارات والسعودية، العملية العسكرية البرية الإسرائيلية ومحاولة التوغل في قطاع غزة، وحذرت الدولتان من تبعات هذا الهجوم البري على الاستقرار في المنطقة والعالم.

من يحتاج إلى "المصالحة الهشة" السعودية أم إيران؟

 

لم تمنع المصالحة السعودية الإيرانية الموقع في العاشر من مارس اذار الماضي برعاية صينية، في إيقاف الهجمات الحوثية على المدن الجنوبية في المملكة العربية السعودية وأخرها الهجمات التي استهدفت القوات البحرينية المرابطة على الحدود بين اليمن والسعودية، ناهيك عن استهداف الاذرع الإيرانية قوات محلية يمنية موالية للسعودية في محور حدودي داخل الأراضي اليمنية، ناهيك عن التصعيد الحوثي صوب مدن الجنوب خاصة في الضالع ومكيراس وحريب في الحدود مع شبوة، كل هذا التصعيد للأذرع الإيرانية، كان يفسر على وجود رغبة حوثية في التعجيل بصفقة سلام، يدفع الجنوب من موارده النفطية "ثمنها"، ولكن كل هذه الضغوط الحوثية لم تؤت أكلها، فالرياض التي رحبت بوفد حوثي يزور السعودية علنا، لم تلزم الا بدفع رواتب ستة اشهر للموظفين الواقعين تحت سلطة الحوثي، لكن الرياض في نفس الوقت تغض الطرف عن موجة النزوح صوب مدن الجنوب، في محاولة لخلق انفصال طائفي يرفضه الجنوبيون، الذين يريدون إقامة دولتهم بحدودها المتعارف عليها.

تحتاج الرياض اليوم أكثر من أي وقت مضى لموقف عدن، فهي ليست بحاجة الى المصالحة مع إيران، ولا يهم انهيارها المتوقع مستقبلا، فالمصالحة في الأساس هشة، لم تمنع ايران اذرعها من تهديد الأمن والاستقرار في المملكة العربية السعودية، خاصة وان أذرع طهران في صنعاء، أنشأت منظمة سياسية في صنعاء، تحت اسم "حركة تحرير الحرمين الشريفين"، يقول الصحافي السعودي حسين الغاوي ان الحركة تزعم ان نشاطها في المملكة العربية السعودية، ولكن الحقيقة هي في صنعاء وانشأها الحوثيون ويقع مكتبها في مبنى الخطوط الجوية اليمنية ويعمل بها شخص يدعى حمود أبو مسمار ويشرف عليها "أبو عقيل"، وهو شخصية لبنانية الجنسية موالية لإيران".

وخلال الأيام الماضية تزايدت الأصوات السعودية المعارضة لإدارة ولي العهد محمد بن سلمان، من شخصيات سعودية تقيم في المنفى، تشير بعض التقارير الى وجود شخص "سعد الجبري"، وهو إخواني سعودي هارب من سنوات.

تسعى إيران الى استخدام الورقة الطائفية في أكثر من بلد عربي، خاصة في المملكة العربية السعودية، من خلال استخدام الورقة الشيعية في مواجهة الرياض، ولهذا كانت المملكة قد ذهبت بعيدا استعدادا لحين انهيار المصالحة الهشة مع طهران، فقد كانت على بعد خطوة من توقيع اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية مقابل التطبيع مع إسرائيل، وعلى الرغم من ان طهران تعتقد انها بهجوم مسلحي حركة حماس قد افشلت جهود التطبيع، الا ان وضع إيران في تراجع كبير، لقد فقدت الكثير بفعل هذا الهجوم حتى وان تبرأت من حركة حماس، فهي اليوم تفكر جديا في التهدئة والتخفيف من حدة التوتر على امل تجاوز هذه المحنة، على عكس الرياض التي يبدو انها قد عادت الى تعزيز تحالفاتها مع جيرانها، ولا تفكر مطلقا في مستقبل المصالحة التي يتوقع انهيارها في أي وقت، وانهيار المصالحة يعني عودة الصراع المسلحة، ورهان السعودية سيكون على الجيران، فالورقة الرابحة التي كانت بيد الرياض خلال الحرب مع الحوثيين، يحتم اليوم استخدامها ولكن بمرحلة متقدمة اما الوعود وتأجيل البت في القضايا العالقة في اليمن يعني الانهيار الكبير، وبالتالي فالخيار اليوم، ترك المغامرات والعمل جديا على إقامة دولة جنوبية مستقلة على حدود الحادي والعشرين من مايو أيار 1994م، دون ذلك انهيار وشيك.

يرى المحلل السياسي الجنوبي محمد مظفر ان الاتفاق السعودي الايراني كان اتفاق ضرورة افشل كل الرهانات بمافيها الإسرائيلية لتفجير حرب اقليمية بين ايران والخليج والمستفيد منها كانت تل ابيب والحقيقة لم يكن لهذا الاتفاق ان يتم لولا ان قادة النظام الديني في طهران وصلوا لقناعة بمدى التصدع الداخلي للنظام خاصة بعد ان فقدوا الورقة الارمنية لصالح أذربيجان وتسوية الخلافات الخليجية التركية وبدء تعافي العلاقات العربية مع العراق.
ولكن يقول مظفر لصحيفة اليوم الثامن «هناك عقيدة التقية في الثقافة المذهبية لدى الإيرانيين في طهران وحالة الضعف التي تمر بها الدول لها ظروفها ولاشك ان تعافي النظام او حتي استبداله بتيار ليبرالي لن يسقط روح الانتقام في الذهنية العامة الفارسية التي تشبعت بها تلك الثقافة على مدي ١٤٠٠ عام
وأكد بن مظفر ان عامل الوقت مهم جداً لدى الرياض فالاستثمار الامثل لقضية غزة وسرعة اغلاق الملف اليمني وجعل الملف الجنوبي ركيزة الحل المستدام سيسهل التعامل مع باقي ملفات المنطقه للتحقيق قفزات حقيقة في بناء جسد نظام عربي جديد يشكل المشروع العربي الواعد او ستخسر كل ما بنته على مدى ١٥ عاما».

تواجه عدن حروبا متعددة، ولا شك ان الرياض متورطة بشكل او بأخر في هذه الحروب الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعاني منها مدن الجنوب وفي طليعة ذلك العاصمة عدن، فالسعودية لم تحترم الرغبة الجنوبية وفرضت على الجنوبيين مجلس قيادة رئاسي يمني شمالي، وتارة ما تدفع بالعليمي لزيارة محافظات الجنوب بهدف ابتزاز المجلس الانتقالي الجنوبي الشريك في المجلس والحكومة، لكن هذا المجلس بحسابات الجغرافيا، هو مشروع يمني شمالي في الجنوب، الامر الذي أعاد الى الاذهان سياسة الاتحاد السوفيتي الذي فرض على الجنوبيين قيادة يمنية شمالية، على انهار من الدماء الجنوبية، واليوم يتكرر المشهد في عدن مجددا، لكن الفاعل هذه المرة السعودية التي أظهرت مؤخرا موقفا معارضا لتطلعات الجنوبيين في إقامة دولتهم، وأكدت على دعم ما كان يسمى بالوحدة اليمنية، وحتى هذه الوحدة التي تريد الجارة الإقليمية دعمها ستكون الاذرع الإيرانية الفاعل الأبرز فيها الى جانب تنظيم الاخوان الذي عزز مؤخرا من تحالفاته مع الحوثيين بلقاءات مكثفة في صنعاء مع قيادة الجماعة الموالية لإيران.

وأهم خيارات مواجهة الانهيار الوشيك للمصالحة مع إيران، الذهاب نحو منح الجنوبيين قدرة على إدارة مواردهم بحكومة جنوبية مقابل حكومة يمنية شمالية تدير المناطق المحررة في اليمن، والعمل على معالجة ملف الهجرة الداخلية التي تستخدم لأهداف سياسية، خاصة وان وثائق حصلت عليها صحيفة اليوم الثامن تؤكد ذهاب جزء من الدعم الإقليمي والدولي، الى الاذرع الإيرانية في صنعاء، عن طريق حكومة معين عبدالملك المفروضة أيضا من قبل السعودية على الجنوبيين.

الخلاصة 

انهيار المصالحة أمر وشيك، وسيحدث لا محالة، لكن ما الذي على الرياض فعله لكي تتجاوز ذلك، فإيران قد لا تكتفي باستخدام أذرعها في اليمن، ولكن قد تفتح أكثر من جبهة خاصة من جهة العراق، فالاستعداد لانهيار المصالحة الهشة يجب على الإدارة السعودية المسؤولة عن الملف اليمني، ان تتخلى عن رؤية "الخروج بأقل الخسائر من الملف اليمني"، فالانهيار المتوقع يعني الدخول في متاهة أكبر وأكثر تعقيدا من الازمة التي بالإمكان تلافيها من خلال ورقة الحرب الرابحة في الجنوب، دون ذلك يعني الخروج مع تحمل تبعات كبيرة وكبيرة جدا.