مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات..
ورقة بحثية: مسار تجربة المجلس الانتقالي الجنوبي.. رهان على مستقبل واعد للثقافة والعلم
تظهر خطط المجلس الانتقالي الجنوبي اهتمامًا كبيرًا بتطوير المجال الثقافي والعلمي، حيث يُمكن أن يساهم بشكل كبير في بناء نهضة ثقافية وعلمية حقيقية في الجنوب، وتهدف لتعزيز هوية شعب الجنوب العربي.
المقدمة: تتناول في هذه الورقة مسار عمل المجلس الانتقالي الجنوبي خلال السبع السنوات الماضية من خلال محورين في كل جانب، محور الأدبيات، بوصفها الأسس القانونية التي التزم بها المجلس أمام شعب الجنوب، ومحور الجانب العملي المنبثق أو المفترض أن يترتب على تلك الأدبيات، وإن كانت بحدها الأدنى لظروف الوضع الثوري الذي ما زلنا نعيشه، وكثرت الأعداء المتربصين داخليًا وخارجيًا، إلا أن هذا لا يعفي المجلس من عدم أداء ما التزم به كما وضعها في أدبياته، وأن تتم علمية التقييم بين حين وآخر، إذ بالتقييم تتبين الإيجابيات التي يفترض تعزيزها والسلبيات التي يفترض تلافيها، وهذا مبدأ عام ومتعارف عليه في أبسط عمل يتم تنفذه، عملية التقييم البعدية، والدراسة القبلية... وأن اختلفت المسميات كأن يقال: دراسة البيئة الداخلية والخارجية، الفرص والتحديات، السلبيات والإيجابيات، نقاط القوة ونقاط الضعف.... وإلى عملية التقييم لجانبي الثقافة والتعليم خلال المدة السابقة في عمل المجلس الانتقالي في هذين الجانبين.
أولًا: الجانب الثقافي:
إن الهوية الثقافية تعد إحدى المرتكزات الرئيسة لأي شعب من الشعوب، فقد حرصتْ الشعوبُ والأُمم منذُ بداية فجر البشريّة حتّى هذا اليوم المُحافظةِ على تميُّزها وتفرُّدها اجتماعيّاً وثقافياً، لذلك أنصب اهتمامها بأن يكون لها هويّةٌ تُساعدُ في الإعلاءِ من شأن الأفراد وربط بعضهم ببعض، كما ساهم وجود الهويّة في زيادةِ الوعي بالذّات الثقافيّة والاجتماعيَّة، ممّا ساهمَ في تميُّزِ الشّعوب عن بعضهم؛ فالهويّة جزءٌ لا يتجزّأ من نشأة الأفراد منذُ ولادتهم حتّى رحيلهم عن الحياة.
إن وجود فكرة الهويّة ستساهم- بدون شك- في التّعبيرِ عن مجموعةٍ من السّمات الخاصّة بشخصيّات الأفراد؛ لأنّ الهويّة تُضيفُ للفرد الخصوصيّة والذاتيّة، كما أنها سوف تجعله في إطار القالب الكلي للمجتمع، كما إنّها تعتبرُ الصّورة التي تعكسُ ثقافته، ولغته، وعقيدته، وحضارته، وتاريخه في دائرة الجماعة، كما تُساهمُ في بناءِ جسورٍ من التّواصل بين كافة الأفراد سواءً داخل مجتمعاتهم، أو مع المُجتمعات المُختلفة عنهم.
إنَّ الهوية الجنوبية ليست هويةً إشكالية تتعارض فيها مكونات الثقافة مع خصائص الهوية الوطنية، فالهوية الجنوبية المعاصرة المؤسَّسة على ثقافة إنسانية عريقة، والطالعة من معاناة القهر ومساعي التهميش والطمس والإلغاء، والتي أعادت إنتاج نفسها عبر مسيرة نضالٍ وطنيِّ تحرُّريٍّ شاق وعنيد، وقد حصَّنت نفسها، باستنهاض ما اختزنته جذورها الثقافية العريقة، من السقوط فيما نهضت لحماية نفسها منه ومقاومته.
إن المتأمل في عملية التحول في الإطار الثقافي الجنوبي يرى أن هناك تحولا ملموسا فقد أسهم المجلس الانتقالي الجنوبي في رسم عمق ثقافيِّ منفتحٍ على ثلاث جهات هي: تاريخ الجنوب العربي الموغل في القدم؛ معطيات الحاضر الموسوم بالنضال التَّحرُّري؛ وممكنات المستقبل المفتوح على استعادة القدرة على المشاركة في صنع الحضارة الإنسانية، وذلك في تواشجٍ متصل مع نهوض هذه الهوية، أولاً وقبل كلِّ شيء، على رؤى مستنيرة، وعلى مبادئ إنسانية متفتحة، وعلى قيمٍ ومعايير تحترم الإنسان، وتحمي حقوقه وحرياته جميعاً.
وعند النظر في أدبيات المجلس الانتقالي الجنوبي نجد أن هناك إدارة خاصة بالثقافة في الأمانة العامة، وكذلك في القيادات المحلية بالمحافظات والمديريات، ومنسقيات الجامعات، وإن كانت الإدارة الثقافية في الهيئة التنفيذية بمنسقية جامعة عدن قد تم إيقافها منذ مارس 2023م، هي وباقي الإدارات التي تتألف منها الهيئة التنفيذية بمنسقية الجامعة، ولم يتبق إلا رئيس المنسقية ونائبه فقط.
وبعد عملية الهيكلة التي جرت بعد اللقاء التشاوري الجنوبي، ومن خلال القرار رقم (3) لعام 2023م، الذي أصدره رئيس المجلس في تاريخ 8 مايو 2023م، الخاص بتعيين رؤساء الهيئات المساعدة، لا نجد مركزًا أو هيئةً مختصة بالثقافة بصورة مباشرة ضمن تلك الهيئات الإحدى عشرة، وهي:
1_ الهيئة السياسية ووحدة شؤون المفاوضات.
2_ الهيئة الاقتصادية والخدمية.
3_ الهيئة المجتمعية.
4_ الهيئة الشبابية.
5_ هيئة المرأة.
6_ الهيئة الوطنية للإعلام.
7_ هيئة التطوير المؤسسي.
8_ هيئة التدريب والتأهيل.
9_ هيئة الإغاثة والأعمال الإنسانية.
10_ مركز البحوث ودعم القرار.
11_ مستشار رئيس المجلس.
_ وكذلك الحال عند النظر في النظام الأساسي المعدل للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي صُدِر بقرار رقم (1) لعام 2023م في تاريخ 3 مايو 2023م، لا نجد ضمن تلك الهيئات المركزية الخاضعة للإشراف المباشر لرئيس المجلس، والبالغ عددها ستة عشر هيئة، أي هيئة مختصة بالثقافة بصورة مباشرة، وهي:
1_ القيادة التنفيذية بالمجلس.
2_ مكتب الرئيس.
3_ وحدة شؤون المفاوضات.
4_ الإدارة العامة لشؤون الخارجية.
5_ المتحدث الرسمي للمجلس.
6_ مكتب الشؤون المالية والإدارية.
7_ قطاع الإذاعة والتلفزيون بالمجلس.
8_ قطاع الإذاعة والإعلام الحديث بالمجلس.
9_ إدارة الرقابة والتفتيش الإداري والمالي.
10_ فريق الحوار الوطني الجنوبي.
11_ المركز الوطني للمعلومات.
12_ لجنة إدارة الأزمات.
13_ مكتب تنمية الموارد المالية.
14_ مكتب التجهيزات والأعمال الإنشائية.
15_ ممثل رئيس المجلس للشؤون الخارجية.
16_ مستشارو الرئيس ومعاونوه.
رغم أن في هذه التصنيفات بعض المهام المتقاربة التي ممكن دمجها كما يتبين فيما يختص بالإعلام، والشؤون المالية، والخارجية...
وإن كنا نجد في الجمعية الوطنية (لجنة الإعلام والثقافة)، وفي مجلس المستشارين نجد (اللجنة الاستشارية لشؤون الثقافة والإعلام) وفي الأمانة العامة نجد(دائرة الإعلام والثقافة)، ونجد في القيادة المحلية بالمحافظة والمديرية ضمن فرق العمل المساعدة (فريق عمل الإعلام والثقافة).
لكن على الواقع العملي نجد حضورًا ملموسًا للنشاط الثقافي، يتمثل في تلك الأنشطة التي عقدت في العاصمة عدن، كتلك المختصة بالشعراء، والشعراء الشباب، والصحافة، والثقافة بشكل عام، والمنتديات كالمنتدى الأسبوعي الذي دأب على إقامته اتحاد أدباء وكتاب الجنوب، وصدور ثلاث مجلات عن اتحاد أدباء وكتاب الجنوب، وهي: مجلة فنار الثقافية، ومجلة فن وتراث، ومجلة البطل الصغير، وصدور مجلة الجنوب الثقافي عن دائرة الإعلام والثقافة في الأمانة العامة، فضلًا عن الإصدارات المتمثلة في الإبداعات الشعرية والسردية والنقدية، التي يقوم اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بطبعها ونشرها بين حين وآخر، وقيامه مؤخرًا بعد توافر المطبعة الخاصة به بطبع كتب ملحقة ببعض أعداد المجلات التي يصدرها.
ونجد النشاطات التي يقوم بها مكتب الثقافة في العاصمة عدن، لاسيما تلك الموسمية في الأعياد الدينية وبعض المناسبات الوطنية، ونتمنى أن تعمم مثل هذه النشاطات في باقي المحافظات، ونلاحظ النشاط المسرحي الموسمي رغم عدم وجود بنية تحتية لهذا الجانب؛ لهذا يجب التفكير بشكل جدي في توفير البنى التحتية التي ستمكن الفرق الفنية والمسرحية والثقافية بشكل عام من أداء أعمالها وتطويرها.
التحديات
· رغم ما تبذله الدائرة الثقافية في المجلس والمؤسسات الجنوبية (الأدبية والفنية والتراثية) الأخرى يشكل الحلقة الأضعف أمام المواجهة مع الحملات والتوجهات الثقافية والتدميرية المسلطة لطمس الهوية الثقافية الجنوبية الفنية والأدبية والتاريخية والحضارية.
· إصرار العدو في استمرارية تجريف وطمس المعالم الأثرية والتاريخية المادية والمعنوية من متاحف وكنوز ومدافن ومدن تاريخية والعمل المستمر في نهبها دون أن يتشكل وعي وطني لحماية تلك المعالم التاريخية والحضارية الممتدة في كل بقاع جنوبنا الحبيب.
· تعطيل وشل الحركة الأدبية والثقافية والفنية الجنوبية مازال حتى اللحظة وهذا مؤشر خطير أمام الأجيال القادمة الذين يتلقون ثقافة مناهضة عبر وسائل متعددة في المناهج والقنوات ووسائل التواصل الاجتماعي مما يشكل عائقًا كبيرًا أمام تعزيز هوية الجنوب وتنمية الاتجاهات الوطنية الجنوبية في أجياله القادمة.
· ضعف الإمكانات والتشجيع للمنتديات والملتقيات الثقافية والأدبية والفنية الجنوبية المناصرة لقضية شعب الجنوب العادلة.
· المحاولات المتكررة لمسح هُـوِيَّة الجنوب يعني تدمير سماتها وانتمائها كلياً وجعلها في التبعية والإذلال الشمالي وبعثرة الانتماء الجنوبي وتفكيك النسيج الجمعي الواحد وتوطين حالة الانهزامية في الوسط الشعبي للجنوب، وتدمير مقوماته وأسس وجوده وتاريخه العريق.
التوصيات:
· تفعيل دور مؤسسات وهيئات ومكاتب الآثار والسياحة الوطنية الجنوبية في كآفة المحافظات الجنوبية والسرعة في العمل لحفظ ما تبقى من التراث الأثري والتاريخي والحضاري الجنوبي .
· تفعيل دور الأندية والملتقيات والمنتديات الفكرية والأدبية والثقافية الجنوبية وتوجيه المفكرين والأدباء والمثقفين الجنوبيين نحو الإنتاج الفكري والأدبي والثقافي المعبر عن قضيتهم العادلة وهويتهم ووجودهم.
· تفعيل دور الأندية والملتقيات والمؤسسات الفنية والسينمائية والإنتاجية الجنوبية وتوجيه الفنانين والمسرحيين والانتاجيين الجنوبيين في تجسيد قضية شعبهم من خلال الانتاجات الفنية والمسرحية والدرامية.
· نشر الأعمال الأدبية والفنية الجنوبية والثقافية والتاريخية والفكرية.
· نشر الوعي المجتمعي بأهمية الموروث الشعبي من خلال إقامة محاضرات توعوية ومعارض ومتاحف وطنية عن أهمية التراث الفكري والشعبي والفلكور الجنوبي، ودعم أنشطة المؤسسات الفكرية والشعبية لدراسة الإنتاج الفكري والشعبي
ثانيًا: الجانب العلمي:
عند النظر إلى أدبيات المجلس الانتقالي الجنوبي، فاللائحة الداخلية للقيادات المحلية وهيئاتها التنفيذية بالمحافظات والمديريات، المقرَّة من قبل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي برقم(11) لعام 2017م، ففي الباب الثاني، المادة(10) الفقرة(أ) تُحدد ثلاث عشرة إدارة تنفيذيةـ، وهي:
1_ الإدارة السياسية.
2_ الإدارة التنظيمية.
3_ الإدارة الاقتصادية.
4_ الإدارة الإعلامية.
5_ الإدارة الجماهيرية.
6_ إدارة الشؤون الإدارية والمالية.
7_ الإدارة الثقافية.
8_ إدارة حقوق الإنسان.
9_ إدارة الفكر والإرشاد الديني.
10_ إدارة الشهداء والجرحى.
11_ إدارة الشباب والطلاب.
12_ إدارة المرأة والطفل.
13_ الإدارة القانونية.
ويُطلَب من رؤساء القيادات التنفيذية تحديد أي من الإدارات يتطلب تأسيسها، ولا يوجد بينها أي إدارة تختص بالتعليم، وتقول الفقرة(ب) (يراعى أثناء التحديد للإدارات المطلوبة الاحتياج الفعلي الذي تمليه مصلحة العمل ولا يجوز استحداث أي إدارات أخرى خلافًا لأحكام هذه اللائحة). وبهذا لم نجد إدارة مختصة بالتعليم ضمن الإدارات التنفيذية بالهيئات المحلية، التي تتشكل منها الهيئة التنفيذية للقيادات المحلية على مستوى المحافظات والمديريات، وكذلك في الأمانة العامة للمجلس لا توجد دائرة مختصة بالتعليم، وحتى بعد عملية الهيكلة التي جرت بعد اللقاء التشاوري الجنوبي، ومن خلال القرار رقم(3) لعام 2023م، الذي أصدره رئيس المجلس الخاص بتعيين رؤساء الهيئات المساعدة، كما سبق الإشارة إليه، لا نجد مركز أو هيئة مختصة بالتعليم بصورة مباشرة، وكذلك الحال عند النظر في النظام الأساسي المعدل للمجلس الانتقالي الجنوبي 2023م، الذي سبق الإشارة إليه، لا نجد ضمن تلك الهيئات المركزية الخاضعة للإشراف المباشر لرئيس المجلس، والبالغ عددها ستة عشر هيئة، أي هيئة مختصة بالتعليم.
ونجد إدارة خاصة بالتعليم في الهيئات التنفيذية في منسقيات الجامعات ويقابلها إدارة خاصة بالتعليم في إدارات الهيئات التنفيذية للمنسقيات في الكليات، وقد عملت هذه الإدارات عدة ورش وندوات وحلقات نقاشية خاصة بالتعليم، وكانت تخرج بتوصيات مهمة إلا أنها وغيرها من الإدارات التي تشكل الهيئة التنفيذية لمنسقية جامعة عدن، قد تمَّ إيقاف نشاطها منذ مارس 2023م، كما سبق الإشارة.
وإن كنا نجد بعد الهيكلة في الجمعية الوطنية (لجنة التعليم العام والجامعي والمهني)، وفي مجلس المستشارين نجد(اللجنة الاستشارية لشؤون التعليم) وفي الأمانة العامة نجد(دائرة التعليم والإرشاد الديني)، ونجد في القيادة المحلية بالمحافظة والمديرية ضمن فرق العمل المساعدة(فريق عمل التعليم والإرشاد الديني).
وعدم وجود إطار خاص بالتعليم ضمن قوام الهيئات التي يتشكل منها المجلس الانتقالي خلال ست سنوات أدَّى إلى عدم وجود أي اهتمام بالعملية التعليمية بأي شكل من الأشكال، واقتصرت نشاطات القيادات المحلية بالزيارات لبعض المدارس في أثناء دعوتها إلى حضور أي فعالية أو احتفالية تقوم بها المدارس نفسها، ويتجلَّى ذلك من خلال تقارير الإنجاز الشهرية التي ترفع من القيادات المحلية. وحتى الإشكالات التي حدثت في بعض مدارس العاصمة عدن، مثلًا، فيما يتعلق برفع بعض التلاميذ العلم الجنوبي وما لاقوه من تعنيف من بعض المدرسين لم يكن للقيادات المحلية لتلك المجالس دورٌ ملحوظٌ، وكان الفاعل الأبرز فيها كما شاهد المتابعون ونقلته المواقع الإخبارية هي قيادات المقاومة الجنوبية، وهذه القيادات لا حظنا تدخلها بهذا الاتجاه في مبنى وزارة التربية والتعليم في مدينة الشعب، وكذلك في وزارة التعليم العالي والمهني في مدينة المنصورة؛ ولأن هذه القيادات عسكرية اقتصر دورها فيما تشاهده فوق مباني تلك الوزارات من رايات تناهض أهداف ثورة شعب الجنوب، أو أخبار بعمليات فساد وخروقات واضحة تتناولها قناة عدن المستقلة. أي أن هذه القيادات ربما يغيب عن مداركها متن العملية التعليمية المتمثلة في مواد المناهج الدراسية التي تناهض أهداف ثورة شعب الجنوب هذا من ناحية، وربما من ناحية أخرى أن تدخلها بهذا الجانب قد لا يعدُّ من مهامها أو ربما سيألب عليها وسائل الإعلام المعادية، وقد يثير الحاضنة الشعبية ضدها بوصفها تتدخل في غير اختصاصاتها؛ ولهذا كان يفترض في هذا الجانب أن يكون دور القيادات المحلية في المحافظات والمديريات حاضرًا؛ لكن ربما قصور أديبات المجلس في تشكيل الإدارات التي تتألف منها الهيئة التنفيذية في القيادات المحلية وتغييب التعليم عنها، كان السبب في عدم الحضور الرسمي للمجلس الانتقالي في العملية التعليمية، رغم أن هذه المهمة قامت بها نقابات التربويين الجنوبيين بنجاح لا بأس به منذ وقت مبكر في مسيرة الحراك الجنوبي السلمي، إلا أن هذه النقابات قد غابت فاعليتها في المشهد، ولم نسمع أو نرى عنها بعد تشكيل المجلس الانتقالي إلا الصراع على الإدارة بعد أن فشلت في المطالبة بحقوق المعلم وتحسين معيشته.
ومن هنا فإن النظر على الصعيد العملي الميداني في هذا الجانب نجد أن مقررات المواد الدراسية ما زالت تلك التي أعدها نظام الاحتلال اليمني وفيها استهداف مباشر لشعب الجنوب هويةً وتاريخًا، بل أكثر من ذلك فهناك مقررات جديدة يتم تأليفها في وزارة التربية والتعليم في عدن لا تراعي أهداف ثورة شعب الجنوب، ويتمُّ تأليفها امتدادًا لوثيقة المناهج التي وضعت أيام نظام الاحتلال في صنعاء، ككتاب(أقرأ وأتعلم) الجزء الأول، للصف الثاني، الذي تمَّ تأليفه في العام 2022م، وذُكِرَ فيه بأنه سيتبعه تأليف الجزء الثاني، وقد تمَّ ذلك بالفعل في العام 2023م.
وحتى كتاب(مشروع خطة تطوير التعليم في الجنوب) الصادر في طبعته الأولى عام 2019م عن مركز ومطابع الأديب بمدينة المنصورة في العاصمة عدن، الذي أعدته ثلاث لجان مختصة إحداها في التعليم العام، وأخرى في التعليم الفني والتدريب المهني، وثالثة في التعليم الجامعي، المكلفة من قبل رئيس المجلس الانتقالي: عيدروس ابن قاسم الزبيدي، وإشراف الدكتور: عبدالناصر الوالي رئيس القيادة المحلية في العاصمة عدن حينها، نجد أن تقرير اللجنة الخاصة بالتعليم العام هو التقرير الأضعف الذي لم يستطع أن يشير إلى أسباب تأخر التعليم وتهميشه بالجنوب، ولولا أنه ذكر مطابع الكتاب المدرسي في عدن وحضرموت، لما استطعنا أن نحدد أي مكان في الكرة الأرضية يتحدث عنه ذلك التقرير، ومن خلال النظر في فريق اللجنة تلك يُلاحظ أن بعض أعضائها هم أعضاء في فريق تأليف كتاب(أقرأ وأتعلم) الجزء الأول، للصف الثاني المشار إليه سابقًا، بل كان تأليف هذا الكتاب تحت إشراف أحدهم...
وهنا أسجل شكري وتقديري للجنة الخاصة بالتدريب الفني والتعليم المهني التي كان تقريرها واضحًا وبكل شجاعة يشخص ويتحدث عن أسباب تدهور ذلك النوع من التعليم في بلادنا(الجنوب).
وترتب على ذلك القصور في التشريعات، وعدم الجدية في تنفيذ الأعمال، وعدم المتابعة والتقييم لها، عدم الاهتمام بالمتعلمين والمبدعين، وكم أناس أقابلهم شخصيًا لديهم أفكار تحمل إبداعات يريدون أن نوصلهم إلى جهات اختصاص في المجلس الانتقالي؛ لتتبنى أفكارهم، فلا نستطيع، وأكثر من ذلك هناك من استطاع أن يحول تلك الأفكار إلى واقع ملموس نحن في أشد الاحتياج إليه في هذه المرحلة الثورية، لكن ظل هؤلاء بعيدين عن أي جهة رسمية تتبناهم، وتدعم أفكارهم لتحولها إلى مواد فعلية يستفاد منها.
وقد شهدنا مؤخرًا جائزة الرئيس للبحث العلمي، وإن اقتصرت فعليًا على العاصمة عدن، وطالب الدراسة الجامعية الأولى، لكن هي بادرة طيبة، ونتمنى أن توسع أفقيًا ورأسيًا، وهذه الجائزة وإن كانت على صلة مباشرة في التعليم إلا أن منفذها كان دائرة الشباب والرياضة في الأمانة العامة للمجلس الانتقالي، ربما لعدم وجود إدارة خاصة بالتعليم من قبل، وحداثة تشكيل تلك الدائرة بعد الهيكلة وبعد الإعلان عن تلك الجائزة، أدَّى إلى إسناد تنفيذها لدائرة الشباب والرياضة... .
ويظل الأمل بالتحسن في هذا الجانب بعد عملية الهيكلة التي لم نلمس عملها حتى الآن، ولا نستطيع أن نقيمها، لعل وعسى أن تقوم بدورها المنتظر منها على أكمل وجه. رغم أن هناك ملاحظات واضحة في تشكيل تلك الأطر في هيئات المجلس الانتقالي، إذ بينما يوجد التناظر فيما بين الأمانة العامة والهيئات التنفيذية في القيادات المحلية، لا نجد ذلك التناظر مع الجمعية الوطنية، وكذلك الحال في الاختلاف مع المجلس الاستشاري، وأكثر من ذلك خلو الهيئات المساعدة من الاهتمام بهذا الجانب(العلمي).
وفي الأخير بقي شيء أحب أن أشير إليه هنا، وهو أن التقرير الصادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، يقول إن مشاريع الحماية الاجتماعية المنفذة بوساطة المنظمات المحلية والدولية، نفذت من المشاريع المختصة بالتربية والتعليم خلال العامين 2022م _ 2023م فقط، بما يقارب 13 مليون دولار أمريكي، وحين نزلت هذه المعلومة في إحدى الجروبات المختصة بالباحثين التربويين الذي يوجد فيه كثير من المعلمين والقيادات المدرسية والتربوية، ومدراء عموم في وزارة التربية والتعليم، وأحد مستشاري وزير التربية والتعليم أبدوا استغرابهم كما استغربت أنا بوصفي أحد المنتميين إلى هذا الحقل، ولم نجد أي أثر يستحق الإشادة أو حتى الإشارة إلى أن هناك مبالغ بملايين الدولارات قد نفذت في هذا الحقل.
وربما الإخفاق في متابعة ومراقبة هذا الجانب يعود إلى عدم وجود إدارة مختصة بالتعليم قبل عملية الهيكلة، ونتمنى أن يكون التشكيل الجديد بعد الهيكلة قد سد القصور بهذا الجانب، وتقوم تلك الإدارة في الهيئات المتعددة والمختلفة، بمتابعة كل شارة وواردة تقوم بها الوزارات والمنظمات انطلاقًا من دخول المجلس الانتقالي في الشراكة مع الحكومة الذي لا شك أنه يتيح ذلك قانونًا قبل أن يكون أمرًا واقعًا الذي يبدو أننا لم نستطع أن نستغله في بعض الجوانب فيما مضى.
التوصيات:
1- استحداث هيئة مساعدة خاصة بالتعليم وأخرى للثقافة ضمن تلك الهيئات المساعدة والمركزية الخاضعة للإشراف المباشر لرئيس المجلس، بعدّ التعليم بصفة خاصة والثقافة بصفة عامة أساس نهضة الشعوب ورقيها.
2- العمل على تناظر الأطر المختصة بالتعليم على أقل تقدير حتى لا يحصل ازدواج أو تداخل أو تخلي عن مهام التعليم، وإلا فيفضل إفرادها في إدارات مختصة، حتى ينصب الجهد فيها، فهي عصب الحياة وأساس بناء الشعب. وكذلك الحال في الأطر المختصة بالثقافة.
3- تفعيل إدارات الهيئة التنفيذية بمنسقية جامعة عدن، لتمارس نشاطها.
4- العمل على توسعة مطبعة اتحاد أدباء وكتاب الجنوب أو السعي إلى إيجاد دار نشر جنوبية بحيث تتمكن من نشر مختلف الكتابات المتعلقة بهوية شعب الجنوب العربي وتاريخه ولا يقتصر الطبع والنشر على الإبداعات الشعرية والسردية والنقدية.
5- إيجاد مسرح _ بدايةً في العاصمة عدن _ بكامل التجهيزات، بحيث يمكن الفرق المسرحية من ممارسة نشاطها، ومواكبة كل جديد في عالم المسرح وتقنياته الفنية.
6- إن يشكل جهاز خاص بالمتابعة والتقييم من قبل كفاءات علمية نزيهة، تقوم بمتابعة أي عمل يقوم به المجلس الانتقالي الجنوبي وتقييمه بصورة موضوعية، وتقام ندوات أو ورش لمناقشة سير عملية المتابعة والتقييم يحضر فيها أهل الاختصاص العلمي بهذا العمل أو ذاك، فضلًا عن ممثلي هذه الأعمال التي تم تنفيذها.