مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات..

آثار وأبعاد التغلغل الإيراني في السودان.. "دراسة تحليلية"

عزز موقع السودان الجيوستراتيجي رغبة إيران وفتح شهيتها أمام محاولة فتح آفاق لها داخل القارة السمراء، ووقوعها كذلك بين أهم معبرين للتجارة العالمية هما قناة السويس ومضيق باب المندب، علاوة على ثروات السودان ومناجم الذهب واليورانيوم

الرئيس السوداني المعزول عمر البشير في حضرة المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي - أ ف ب

فريق الابحاث والدراسات
فريق البحوث والدراسات في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات
الخرطوم

المقدمة:  تنبع أهمية السودان الاستراتيجية من موقعها الجيواستراتيجي، فهي قريبة من (قلب) العالم العربي، وبخاصة مصر. فهناك اعتماد متبادل بين السودان ومصر، بمعنى أن ما يحدث لأي طرف يتأثَّر به الطرف الآخر، ووقوع السودان بين أهم معبرين للتجارة العالمية والنفط في المنطقة، وهما قناة السويس وباب المندب، حيث تعْبر يومياً نحو مائة سفينة و120 ألف برميل من نفط الخليج، وما يحتويه السودان من ثروات طبيعية كالذهب واليورانيوم، كما يمكن للسودان أن يكون البوابة الخلفية للقارة الإفريقية.

ويعد السودان من أكثر الدول مواءمة مع السياسة الإيرانية من حيث البعد الديني، لتوجه الدولة بالرغم من الاختلاف المذهبي، وزادت هذه الخصوصية في العلاقات بعد تحول السودان إلى دولة تستقطب الاستثمارات العربية والعالمية بعد اكتشاف النفط، ففي تسعينيات القرن الماضي وفي عهد الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني قدمت إيران دعمًا مالياً للسودان، وتواصل الدعم في عهد خلفه الرئيس محمد خاتمي، تبع ذلك دعم عسكري أقامت به إيران مصنعاً للأسلحة والذخيرة لتعزيز معاهدة التعاون العسكري الذي لم يغفل عن التركيز على استعداد إيران لعرض مشاريع للشراكة التكنولوجية النووية.

إشكالية الدراسة:

 عزز موقع السودان الجيوستراتيجي رغبة إيران وفتح شهيتها أمام محاولة فتح آفاق لها داخل القارة السمراء، ووقوعها كذلك بين أهم معبرين للتجارة العالمية هما قناة السويس ومضيق باب المندب، علاوة على ثروات السودان ومناجم الذهب واليورانيوم.

نوه إليه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والذي بالرغم من تركيزه في بعض تصريحاته على الأزمة السودانية، إلا أنه في معرض حديثه عن تلك الأزمة شدد على ضرورة حل ذلك الصراع، مع ضرورة حث الدول العربية على مراقبة ما أسماه “الأداء الإيراني” في المنطقة، وهو ما يفسر بأن رؤية أبو الغيظ تتمحور حول دور إيراني جديد في السودان بصفتها دولة أزمة طالما استثمرت إيران فيها، وقد فسرت تلك الرؤية الكثير من الوقائع التاريخية حول الرؤية الإيرانية للاستثمار في الأزمات

ويمتلك السودان إطلالة ساحلية استراتيجية على البحر الأحمر تقدر بنحو 800 كيلومتر، وتعد موانئه ساحة تنافس دولي من قوى عدة أبرزها: أميركا، والصين، وروسيا وكذلك تركيا، ومن شأن تنامي النفوذ الإيراني في السودان أن يثير قلقاً دولياً.

وقال آلان بوسويل، مدير مشروع القرن الأفريقي في «مجموعة الأزمات الدولية»، إن «استعادة حليف في السودان، خاصة على طول البحر الأحمر، سيكون بمثابة فوز كبير لإيران ولكنه سيثير قلق القوى الإقليمية والغربية الأخرى.

أسئلة الدراسة:

1- ماهي أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في السودان؟

2- ما هي مظاهر التغلغل الإيراني في السودان؟

3- هل الدعم الإيراني بالسلاح عزز الانقسام واطال من أمد الحرب؟  

4- هل تنجح محاولات إيران في السودان باحتضان التنظيمات الاخوانية؛ لتعزيز نفوذها في المنطقة؟

5- ماهي التحديات والمخاطر الناتجة من جراء تمدد النفوذ الإيراني في السودان؟

6- ما هي سبل المواجهة للحد من توسع النفوذ الإيراني في السودان؟

أهداف الدراسة:

1- الكشف عن الأهداف السياسية التي تسعى إيران لتحقيقها السودان.

2- تحديد مظاهر التواجد الإيراني في السودان.

3- معرفة التحديات والمخاطر المترتبة من توسع النفوذ الإيراني في السودان.

4- إيجاد سبل المواجهة للحد من التوسع الإيراني في السودان.

المطلب الأول:

التقارب الإيراني- مع التيارات الإسلامية السودانية:

لقد شكل التقاء الحامل السياسي في كلا البلدين منطلقاً لإنشاء علاقات وطيدة بين الدولتين، حيث أسهمت قوى الإسلام السياسي في السودان، والتي هيمنت على الحكم منذ ثمانينيات القرن الماضي، في بلورة رؤية راديكالية تجد في إيران مثالاً ثورياً تستند إليه في مشروع بناء دولة إسلامية عابرة للحدود، وخاصة عبر التقاء الحركات الصوفية السنية مع التوجه السياسي للمذهب الشيعي.

فكان أكثر من روّج لإيران داخل السودان هو الحركة الإسلامية السودانية بقيادة حسن الترابي الذي وصل بجماعته إلى الحكم في السودان عقب انقلاب عسكري عام 1989. فمنذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، أخذت الحركة الإسلامية السودانية ترى في ثورة خميني مصدر إلهام لها. وهذا أمر أكدّه المحبوب عبد السلام، إذ ذكر أنّ قيام دولة إسلامية هي الأولى في العالم على الإطلاق، أطلق في السودان مبادرات التظاهر المناصرة لإيران، مؤكِّداً أن تلك التظاهرات كانت الأولى في العالم العربي وإفريقيا. ويضيف عبد السلام أنّ تلك التظاهرات تلتها مبادرات بالزيارات إلى طهران قامت بها الحركة الإسلامية السودانية، وكانت هي الأولى، إذ التقت بخميني، ثم جرى تبني فكر الثورة ورموزها والدعوة له والتبشير به. [1]

ويرجع تطور العلاقات بين البلدين في عهد الإنقاذ لعدد من الأسباب منها: 

1-  تلاقي الخلفية الفكرية للنظامين، إذ يعتبر السودان من أكثر الدول مواءمة مع السياسة الإيرانية من حيث البعد الديني لتوجه الدولة علي الرغم من الاختلاف المذهبي.

2- العزلة الدولية التي واجهت كلاً من إيران والسودان، إذ يمثل التقارب الإيراني-السوداني نافذة تطلّ منها الدولتان خارج إطار العزلة الدولية التي فرضت عليهما.

3-   رغبة البلدين في تعزيز العلاقات بينهما في سبيل مواجهة تكهنات النظام العالمي الجديد.

4- ضعف النظام الداخلي لكل منهما ومواجهته للعديد من المشكلات، إذ تواجه إيران تحديات امتلاكها للطاقة النووية ويواجه السودان قضية انتهاك حقوق الإنسان.

5-  اهتمام إيران بالموقع الجيوسياسي لإفريقيا حيث المسطحات والمعابر المائية، واعتبار إفريقيا بمثابة عمق استراتيجي لها.

6- رغبة السودان في الاستفادة من الخبرات الإيرانية في شتى المجالات، والخروج من عزلتها وعزمها على مواصلة سياساتها الخارجية وذلك بخلق توازن جديد في المنطقة بعد تدهور علاقاته مع المملكة العربية السعودية ومصر، وتعزيز موقفه في حربه مع الجنوب من خلال الحصول على الأسلحة من إيران، وفتح مجالات للتعاون الاقتصادي معها بما يخفف من حدة الأزمة الاقتصادية في الداخل ويساعد على تنفيذ سياسة السودان تجاه الدول المحيطة بها والرامية إلى خلق حزام متعاون مع الاتجاهات الإسلامية في السودان، أو على الأقل غير مناوئ لها.[2].

 المطلب الثاني:

أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في السوان

لقد عملت إيران منذ ثورتها عام 1979، على إحداث قفزات نوعية في مشروعها الاستراتيجي في المجال العربي، عبر اعتماد نهج خارجي أكثر نشاطاً من سابقه أيام الشاه، وعدم الاكتفاء بجملة تحالفات خارجية، تعزّز قوة الدولة فحسب، بل تطور ذلك ضمن ما عرف بسياسة تصدير الثورة الإيرانية.

ولم تتوقف إيران عن محاولاتها تمديد نفوذها في السودان منذ زمن بعيد، حيث سمحت العلاقات السودانية ــ الإيرانية لطهران بأن تستعرض قدرتها على التغلغل والتأثير في مراكز صناعة واتخاذ القرار في السودان وبالتحديد بعد صعود عمر البشير إلى حكم السودان عام 1989، حيث رفعت الحركات الثورية السودانية شعارات ثورية تشبه نظيرتها في إيران من ناحية مواجهة أمريكا وتعزيز شعارات تطبيق الشريعة الإسلامية وما شابه.

واتخذت سياسة تصدير الثورة عدّة مناحٍ، منها الدبلوماسي والثقافي والإعلامي والديني والعسكري، بهدف إحداث شروخ بِنيَويَّة داخل المجتمعات العربية المستهدَفة، ساعية إلى إحداث طوق من النفوذ يحيط بالمشرق العربي والخليج العربي ومصر، والتي تعتبر أبرز البيئات التي تسعى إيران إلى فرض هيمنتها عليها، ضمن مشروع احتلالي يرمي إلى بناء قوة إقليمية كبرى.

ويعد السودان إحدى محطات إنشاء ذلك الطوق، إذ سعت إيران ومنذ قيام الجمهورية الإسلامية إلى الاستناد على المجال السوداني بغية الإحاطة بكل من مصر والسعودية واليمن، وتوظيف البيئة السودانية كمرتكز لمشروعها عربياً وإفريقياً[3].

ويرجع الانفتاح الإيراني على السودان إلى فترة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، الذي أَوْلى القارة السمراء اهتمامًا كبيرًا، وذلك بعد زيارته السُّودان عام 1991، أي بعد عامين من إطاحة عمر البشير بحكومة الصادق المهدي.

وقد مثَّلَت زيارة رفسنجاني للسُّودان، دعمًا كبيرًا لحكومة البشير التي كانت تعيش حالةً أشبه بالعزلة جرَّاء الحصار الذي يفرضه عليها المجتمع الدولي. وبالنسبة إلى إيران، فقد كانت هذه الزيارة إيذانًا بعصر جديد في عَلاقاتها مع إفريقيا، ونقطة انطلاق لتوسيع دائرة اهتمامها بهذه القارة، إذ تَمدَّد هذا التوسُّع ليشمل دولًا إفريقية أخرى مثل جنوب إفريقيا وكينيا وتنزانيا وزيمبابوي وأوغندا ونَيجِيريا والنيجر والكاميرون والسنغال وجزر القمر والصومال وجيبوتي وغانا.

وتلك السياسة انتهجتها القيادة الإيرانية، فبعد زيارة رفسنجاني للسُّودان، التي أردفها بزيارة أخرى في 1996، جاءت زيارات محمد خاتمي لعدد من الدُّوَل الإفريقية، التي أعطَت دفعة جديدة للعَلاقات مع هذه الدُّوَل من خلال تأسيس أُطُر ولجان مشتركة ألقى على عاتقها مَهَمَّة متابعة الاتفاقيات بين إيران وهذه الدول، وبعده محمود أحمدي نجاد الذي أجرى هو الآخر عدة زيارات لإفريقيا اتَّسَمَت بطابع آيديولوجي في أغلبها، مرورًا بالرئيس حسن روحاني الذي أوفد وزير خارجيته محمد جواد ظريف في عدد من الزيارات لشرق إفريقيا في شتاء 2014، وزيارة أخرى إلى دول شمال إفريقيا في صيف 2015، إضافة إلى جولته الأخيرة في دول غرب إفريقيا في شهر يوليو 2016، ولعلّ هذه الزيارات المتعاقبة تعكس رغبة النظام الإيراني في المضي قُدُمًا في توطيد عَلاقاته مع أكبر عدد من الدُّوَل الإفريقية.[4]

وكانت إيران -ولا تزال- ترى أن السُّودان يمثِّل مدخلًا إلى الدُّوَل والعربيَّة الإفريقية ، وكان المسؤولون الإيرانيون دائمًا ما يؤكدون في تصريحاتهم عن السُّودان أنه بوابة تصدير الثورة، إذ وصف وزير الدفاع الإيراني السابق مصطفى محمد نجار، السُّودان بأنه “حجر الزاوية في الاستراتيجية الإيرانية بالقارة الإفريقية[5]

ويعكس نفوذ إيران في السودان وهوسها في إعادة إنتاج العلاقات الدبلوماسية التي توقفت منذ عام 2016 وعادت في آواخر العام 2023 لتظهر للعلن من خلال صفقات تسليح وزيارات لوزراء خارجية البلدين ويعلل البعض وصول أسلحة إيرانية ضمن صفقات تبادل لدعم الجيش السوداني أنه يعود لرفع الحظر الأممي على الأسلحة الإيرانية.

  ومن الصعب فصل سياسة إيران تجاه دول الخليج عن مجمل رؤيتها الاستراتيجية للمنطقة العربية ودورها فيها، تلك الرؤية التي لم تختلف سواء في عهد “الشاه” أو عهد الجمهورية الإسلامية، وتقوم على اعتبار إيران قوة إقليمية مهيمنة، وأن منطقة الخليج ودولها تدخل في نطاق نفوذها، وترتبط ارتباطًاً مباشرًا بالأمن القومي الإيراني، وظهرت تجلياتها بوضوح من خلال تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، مستخدمة في ذلك أساليب ووسائل كثيرة، منها المال السياسي، والمتاجرة بآلام ومشكلات الشعوب، واللعب على وتر الشعارات البراقة مستغلة وضعاً اجتماعيّاً يتفاوت بين دولة وأخرى، ويحاول الخطاب الإيراني استغلال الاستقطاب السياسي باللعب على الوتر الديني، لتكريس تواجده في الدول العربية والخليجية بشكل خاص، معتمدة على وجود أقليات مذهبية، ومحاولتها إثارة مشاكل مع دول الخليج العربي والضغط عليها خاصة الإمارات، بهدف عدم التزامها بالعقوبات الأمريكية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي.

 ومما سبق تبين أن انعكاسات الدور الإيراني في السودان هو تأكيد النظام الإيراني على عدم تخليه عن أهدافه الاستراتيجية ضمن مشروعه القومي تحت لافتة التشيع في فرض وجوده كقطب أول في الشرق الأوسط والتعامل معه في مختلف القضايا وهذا يعني إصرار النظام الإيراني على استهداف الدول العربية وإسقاط الدولة الوطنية من خلال الطائفية الذي يعزز الهيمنة الإيرانية ويشيع مبدأ تصدير الثورة الإيرانية مستغلة الصراعات البينية والتباينات وعدم وجود تحالف عربي استراتيجي مع الولايات المتحدة وإسرائيل للعمل على بلورة رؤية استراتيجية تفضي لعمل عسكري مشترك يقضي على النظام الإيراني الإرهابي.

وتتحد معاً لتحقيق الهيمنة الإيرانية في المنطقة المطلة على باب المندب على النحو التالي:

1- يحظى السودان بأهمية كبرى في السياسة الخارجية الإيرانية ولقد وصف التقرير السنوي لوزارة الخارجية الإيرانية عام 1996 بأن السودان يمثل –أولى أوليات السياسة الخارجية الإيرانية، وأن إيران تنظر لشرق إفريقيا بوصفه تربة خصبة لنشاطاتها السياسية والفكرية والعسكرية والاقتصادية وتعتبر إيران السودان ذا أهمية خاصة بسبب موقعه الجيوسياسي، فهي قريبة من العالم العربي وبخاصة مصر ومقابلة لشواطئ المملكة، ويمكن أن تكون البوابة الخلفية لإفريقيا السوداء وشمال إفريقيا.

2- الخروج من العزلة السياسية الدولية المفروضة على النظام الإيراني بسبب العديد من الملفات المثارة، كالملف النووي والصاروخي ودعم الإرهاب والفوضى وخرق القانون الدولي.

3- وجود منافذ اقتصادية تجارية لإيران مع الدول الإفريقية.

4- استخدام بعض الدول الإفريقية كتهديد استراتيجي لبعض الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط كالمملكة العربية السعودية، فإيران تستخدم -على سبيل المثال- السواحل الإريترية والجيبوتية لتهريب الأسلحة وتقديم الدعم العسكري إلى الحوثيين في اليمن.

5- اتخذت ايران سياسة تصدير الثورة عدّة مناحٍ، منها الدبلوماسي والثقافي والإعلامي والديني والعسكري، بهدف إحداث شروخ بِنيَويَّة داخل المجتمعات العربية المستهدَفة، ساعية إلى إحداث طوق من النفوذ يحيط بالمشرق العربي والخليج العربي ومصر، والتي تعتبر أبرز البيئات التي تسعى إيران إلى فرض هيمنتها عليها، ضمن مشروع احتلالي يرمي إلى بناء قوة إقليمية كبرى.

المطلب الثاني:

الفرص التي ساهمت في تمدد النفوذ الإيراني في السودان

1- سعى النظام الإيراني إلى استغلال الأحداث الجارية في السودان لتحقيق مأربه ومحاولته الوصول لساحل البحر الأحمر وخليج عدن ومداخل قناة السويس المصرية.

2-  تنفيذ الأبعاد الاستراتيجية للمشروع السياسي الإيراني في التمدد والنفوذ عبر طرق المواصلات البحرية والسيطرة على المضائق والممرات المائية والتجارية القريبة من السعودية واليمن وإسرائيل عبر قناة السويس وهذا ما تسعى اليه في تنويع تدخلاتها الدولية والإقليمية لتعزيز مكاسبها وتحقيق ومنافعها في مناطق مهمة ولكي يكون لديها دوراً مفاعلاً في معالجة حالة الخلاف بين طرفي النزاع في السودان.

3- مبادئ عودة العلاقات بين طهران والخرطوم حددها بيان الحكومة السودانية في الأول من تشرين الأول 2023 والذي تم خلاله بدأ الدعم العسكري والنفوذ الإيراني، بعد الفشل الذي أصاب مبادرة ( الايجاد) التابعة للإتحاد الأفريقي لحل الخلاف بين عبد الفتاح البرهان الذي رأى أن هناك انحيازاً في التعامل مع الطرف الثاني محمد حمدان دقلو وعدم وجود مصداقية لحل الأزمة السودانية ثم جاءت عملية تعليق مفاوضات جدة بين الطرفين لتكون سبباً للتدخل الإيراني الذي رأي في هذه الأحداث فرصة ثمينة لتعميق دوره الميداني في التواجد على الأرض التي تشكل له تربة خصبة لتوسيع نفوذه اعتماداً على حالة التفكك التي يشهدها ويعيشها السودان[6]

4- تتحدد مجمل الغايات الإيرانية في أنها تنظر للسودان بشكل جيو سياسي استراتيجي من موقع اهتمامها لإيجاد موطئ قدم لها في البحر الأحمر واعتبره مدخلاً للقارة الأفريقية وتعزيز نفوذها في المنطقة عبر البوابة السودانية.

5-  ملاء الفراغ حيث رأى عبد الفتاح البرهان أن التعاون العسكري مع إيران سبيلاً لمواجهة قوات الردع السريع والتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على السودان منذ عقدين من الزمن وهذا ما يجعله يسارع في شراكات سياسية عسكرية مع إيران ويرى فيها مجالاً لتعزيز كفته في النزاع القائم مع قوات الردع السريع.

6- غياب الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الخليج العربي في ظل الغايات الإيرانية وطموحات القيادات العسكرية والاستخبارية التابعة للحرس الثوري في تنفيذ المشروع السياسي الإيراني التمدد والنفوذ، والخوف من أن يتحول الجيش السوداني لمليشيات شبيهة بالفصائل المسلحة في سوريا والعراق بعد أن دعت قياداته الميدانية لتسليح المواطنين واعدادهم ضمن تشكيلات خاصة في المقاومة الشعبية[7].

7- إن الاتفاق السعودي الإيراني قد فتح الباب أمام إيران لإعادة التموضع إقليميًا بصورة مختلفة عن العلاقات المتوترة التي سادت في السنوات الماضية.

8- السياق الإقليمي المعقد القائم في الوقت الراهن، فإن إيران سوف تحرص على استغلال كافة الفرص السانحة من أجل استعادة نفوذها في أفريقيا الذي فقدت بعضًا منه خلال السنوات الأخيرة.

المطلب الثالث:

مظاهر تجلي التواجد الإيراني في السودان[8]:

رصد الباحث حمدان الأشقر جملة من مظاهر التغلغل الإيراني في السودان، على عدة مستويات، ومن أبرزها:

أولاً: المظاهر الدينية والثقافية

ومن أجل تصدير الثورة الإيرانية من خلال المؤسسات أو المراكز الثقافية التي تنشر الفكر الشيعي وتوجد العديد منها في السودان، وتعزيز نفوذها من خلال نشر جهودها في البلدان العربية والمجتمعات الإسلامية التي تعيش في شرق إفريقيا، وخصوصاً السودان، وأن الاهتمام الإيراني بالسودان قد أتاح لها فرصة استراتيجية لا تعوض لإيجاد قاعدة حيوية لها في السودان تمارس من خلالها نشر مذهبها وسياستها وتفرض ضغوطها السياسية والأمنية عبر البحر الأحمر، ومنطقة القرن الإفريقي، بهذا الحضور القوي في السودان الذي تعتبره إيران  بوابتها على القارة الإفريقية والبحر الأحمر.

ورغبة إيران في زيادة أعداد المتشيعين من سكان منطقة الشرق الأوسط باعتبارها امتدادا جغرافياً واستراتيجيا مهما للغاية بالنسبة للمشروع الفارسي تحت راية التشيع السياسي المعبرة عنه الخمينية وما يعرف عنها بتصدير الثورة، وقد قام أحد المدونين على شبكة الإنترنت باختصار هذا الجانب بقوله: "المذهب في خدمة الأهداف الاستراتيجية، والأهداف السياسية والاقتصادية في خدمة نشر المذهب الشيعي.

إن الوجود العلني الحذر للشيعة في السودان بدأ منذ النصف الأخير للثمانينات من القرن الماضي بعد ما يُعرف بالثورة الخمينية وازدهرت أثناء تولي الرئيس السوداني السابق عمر البشير نتيجة لكونه منتميا لجماعة الإخوان المسلمين، وتركز تواجدها في الخرطوم وأم درمان وشرق النيل و حالياً في بورتسودان، كما أن هناك مؤشرات عديدة تؤكد وجود مد شيعي في السودان، برعاية إيرانية من بينها زيادة عدد معتنقي المذهب الشيعي وانتشار الحسينيات، ما يهدد بازدياد النزعات الطائفية ويمهد الطريق لعدم الاستقرار السیاسي والاجتماعي وتحويل السودان لدولة تابعة لمحور إيران.

وبينت بعض المصادر أن أول منظمة شيعية في السودان هي جمعية الرسالة والتضامن، التي تم تسجيلها بشكل رسمي في العام 1984م، وقامت بأنشطة كثيرة، منها معارض بالجامعات السودانية وخاصة في جامعة النيلين، وهذه الجمعية تعتبر أول نواة لعمل شيعي في السودان، وللشيعة في السودان ما يعرف بالحسينيات، وهي أماكن تجمع الحسينيات التي اُستبدلت مكان الجوامع والمساجد، وقد تعددت المصادر عن عددها وتوزيع هذه الحسينيات في السودان، حيث بلغ عددها في العام 2012م 114 حسينية في مقدتمها حسينية المرتضى بمنطقة الخرطوم شرق والتي أسست في العام 1990م.

لا توجد إحصائية دقيقة والتي دار حولها الكثير من النقاش وهو ما يشير إلى عدم وجود أرقام محددة يمكن أن يتم الاتفاق عليها. ولكننا هنا سوف نسرد معتمدين على عدد من المصادر حول أعداد الشيعة في السودان. حيث قدمت دائرة المعارف الحسينية، وهي جهة شيعية تختص في جدول اهتماماتها برصد الوجود الشيعي في العالم، في عام 2010 قدمت بعض مصادرها إحصائيات تشير إلى أن الشيعة في السودان عددهم حوالي 667 ألف شخص، أي ما نسبته (1.9%) من إجمالي السكان. ما يلفت الانتباه في هذا العدد أنه ليس برقم تقديري فهو رقم دقيق بشكل كبير خاصة في عرض النسبة المذكورة.

 أما صحيفة سودانيل الإلكترونية أشارت إلى إحصائيات غير رسمية في العام 2013 بأن نسبة الشيعة في السودان وصلت إلى ما يقارب (5%) من السكان، أي مليون و550 ألف شخص، وهو أكثر من ضعفي العدد الذي ذكرته دائرة المعارف الحسينية. ويظل هذا العدد تقديريا بشكل ملفت وقد يبدو منطقيا من ناحية بحكم وجود علاقات بين النظام السوداني السابق وطهران مما سهل مهمة إيران في نشر التشيع كونها تعتمد عليه في خلق أذرعة تابعة لها وهذا ضمن استراتيجية الحرس الثوري ومنهج إيراني يُسمى تصدير الثورة.

وممكن اجمال تلك المظاهر في الاتي:

1- تقديم المنح الدراسية للطلاب من السودان للدراسة في إيران وتشييعهم.

2- تشيع بعض الكتاب والصحافيين وتقديم الوظائف لهم سواء في السفارة أو في المراكز التابعة.

3- إنشاء جمعية الصداقة السودانية الإيرانية والتي تتبع السفارة الإيرانية مباشرة.

4- نشر المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم لكثير من مواد التشييع كتباً كانت أو ندوات وكفالة داعية التشييع.

5- إقامة مراسم العزاء والاحتفالات الدينية الشيعية ودعوة العشرات من مشايخ الطرق الصوفية لها وتقديم الهدايا والدعوات لزيارة إيران.

6- تغلغل التشيع في جامعة إفريقيا العالمية والتي كانت منبعاً لكثير من الدعوات السنية في القارة الإفريقية.

7- إنشاء المركز الثقافي الإيراني في أم درمان ودعم نشاطاته في الدعوة للتشيع.

8- إنشاء معهد الإمام جعفر الصادق الثانوي للعلوم القرآنية والدينية بحي العمارات : محافظة الخرطوم وهو يعتبر من أخطر مراكز التشييع في السودان.

9- توثيق العلاقة مع شيوخ الصوفية خصوصاً من يدعي منهم أنه من آل البيت والتظاهر بأنهم جميعاً مجتمعون على حب آل البيت والوصول إلى مريدي هؤلاء الشيوخ وإلقاء المحاضرات عليهم في مساجدهم وأماكن تجمعاتهم.

10- استيعاب أكبر عدد ممكن من الموظفين في مراكز الشيعة والمعاهد التابعة لهم والتأثير عليهم.

11- إنشاء مراكز ثقافية وعلمية واقتصادية مختلفة منها:

أ- المراكز الثقافية:

1- المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم.

2- المركز الثقافي الإيراني بمدينة أم درمان.

ب- المكتبات العامة:

1- مكتبة المركز الثقافي الإيراني بالخرطوم.

2- مكتبة المركز الثقافي بأم درمان.

3- مكتبة الكوثر بحي السجانة (وسط الخرطوم).

4- مكتبة مركز فاطمة الزهراء بحي العمارات (وسط الخرطوم).

5- مكتبة مدرسة الجيل الإسلامي بحي مايو.

6- مكتبة معهد الإمام جعفر الصادق بحي العمارات (وسط الخرطوم).

المؤسسات التعليمية:

1- مدرسة الإمام علي بن أبي طالب الثانوية للبنين بمنطقة الحاج يوسف في محافظة شرق النيل.

2- مدرسة الجيل الإسلامي لمرحلة الأساس بنين بمنطقة مايو في محافظة الخرطوم

3- مدرسة فاطمة الزهراء لمرحلة الأساس للبنات بمنطقة مايو في محافظة الخرطوم.

4- معهد الإمام علي العلمي الثانوي للقراءات بمنطقة الفتيحاب في محافظة أم درمان.

5- معهد الإمام جعفر الصادق الثانوي للعلوم القرآنية والدينية بحي العمارات ـ محافظة الخرطوم.

الجمعيات والروابط والمنظمات:

1- رابطة أصدقاء المركز الثقافي الإيراني.

2- رابطة الثقلين.

3- رابطة آل البيت.

4- رابطة المودة.

5- رابطة الظهير.

6- رابطة الزهراء.

7- جمعية الصداقة السودانية الإيرانية.

8- منظمة طيبة الإسلامية.

9- مؤسسات اقتصادية ومشاريع استثمارية:

التحالفات مع الأحزاب الإسلامية الاخوانية

مما أثار الاستغراب هو العلاقة التاريخية التي تربط مجموعة ( الكيزان) َوهي المفردة التي أطلقها الشعب السوداني على المنتمين للحركة الإسلامية التي تزعمها حسن الترابي زهاء نصف قرن من الزمن وكانت تحت مسميات عدة منها ( الجمعية الإسلامية القومية والمؤتمر الشعبي وجمعية الميثاق الإسلامية واخيراً المؤتمر الشعبي)، وهم المجموعة التي ارتبطت بعلاقات وثيقة مع إيران وحزب الله اللبناني وتنظيم القاعدة ثم تعاونت مع عمر البشير وبمباركة حسن الترابي وباقي قيادات الحركة الإسلامية في السيطرة على السودان عام 1989، حيث بقيت العلاقة مع قيادة الحركة الإسلامية وإيران مستمرة وظهر تأثيرها في عودة العلاقات بين الخرطوم وطهران.

ثانيا: مظاهر التواجد العسكري والأمني

تتعمد إيران اختراق الدول التي تنشب فيها صراعات سياسية أو عسكرية مسلحة، وقد برزت فرصة إيران لتحقيق هذا الهدف في عدة مناطق كالعراق وسوريا بعد ثورات الربيع العربي والحرب الأهلية هناك، فضلًا عن اليمن ودعمها الحوثيين، ولبنان ودعمها حزب الله، وكذلك السودان بعد أن دعمت في وقت سابق نظام البشير، ورأت في السودان مغنمًا كبيرًا لتحقيق هدفها بالتغلغل داخل القارة السمراء وإقامة مصانع أسلحة لها هناك، وهو ما سهل لها توريد تلك الأسلحة لوكلائها في المنطقة.

وفي الوقت الذي تزود إيران فيه الجيش السوداني بالأسلحة وأهمها الطائرات بدون طيار من طراز "مهاجر6". وهي طائرة بدون طيار ذات محرك واحد تم تصنيعها في إيران، بواسطة شركة القدس للصناعات الجوية، وتحمل ذخائر موجهة بدقة. أعقب ذلك اتفاق استخباري بين أجهزة البلدين سمحت الخرطوم من خلاله لطهران بإمدادها بمساعدات مالية بقيمة 17 مليون دولار وأسلحة صينية بقيمة 300 مليون دولار، فضلًا عن إرسال إيران 2000 فرد من الحرس الثوري الإيراني للسودان لإنشاء وتدريب “قوات الدفاع الشعبي” على غرار قوات الباسيج الإيرانية.

 كما أكد مراقبون إرسال نماذج من مسيرات إيرانية وصلت بشكل قانوني إلى الخرطوم بصفقة إيرانية سودانية، وتواصل عبد الفتاح البرهان مع القيادة الإيرانية وطلب المعونة العسكرية منهم مستنداً على عمق العلاقات السابقة التي كانت تربط النظام السوداني بإيران عبر العديد من الفعاليات والجهد الأمني والعسكري الذي قامت به إيران في تسعينيات القرن الماضي والذي شهد أولى مراحل التغلغل الإيراني في بناء مجمع مصانع اليرموك بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم، وهو مصنع لإنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والذي أقيم لخدمة إيران وتعزيز مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة إلا أن ذلك المصنع قصفه الطيران الإسرائيلي فجر الثالث والعشرين من شهر أكتوبر عام 2012م.

فضلًا عن إرسال إيران 2000 فرد من الحرس الثوري الإيراني للسودان لإنشاء وتدريب قوات الدفاع الشعبي على غرار قوات الباسيج الإيرانية، وهو الأمر الذي فتح آفاق لها داخل القارة السمراء ووقوعها كذلك بين أهم معبرين للتجارة العالمية هما قناة السويس ومضيق باب المندب علاوة على ثروات السودان ومناجم الذهب واليورانيوم[9].

وذكرت دراسة أن الأدلة تشير إلى أن إيران لعبت دوراً رئيسياً في دعم قطاع إنتاج الأسلحة في السودان، كما أنها ثاني أكبر مورد أسلحة للخرطوم. وجاء في الدراسة التي تستند إلى أكثر من عامين من التحقيقات أن بعض تلك الأسلحة المستوردة، إضافة إلى أسلحة أخرى مستوردة من الصين وصلت إلى الجماعات المتمردة في السودان وجنوب السودان.

وصدرت هذه الدراسة عن برنامج "مراقبة الأسلحة الخفيفة" المستقل للأبحاث ومقره في سويسرا. وأضافت الدراسة أن هناك "أدلة متزايدة على أن إيران لعبت دوراً مهماً في دعم قطاع تصنيع الأسلحة في السودان". وأشارت إلى أن الصين كذلك وفرت التدريب والدعم الفني لقطاع إنتاج الأسلحة السوداني.

واحتوت الدراسة على بيانات تظهر أن معظم الأسلحة السودانية الخفيفة المستوردة والأسلحة الصغيرة والذخيرة والصواريخ ومنصات إطلاق القذائف الصاروخية استوردت من الصين في السنوات الأخيرة. إلا أن الدراسة تحدثت كذلك عن حجم العلاقات العسكرية بين السودان وإيران، والتي كان محط تكهنات ومخاوف إقليمية.

وأكدت الدراسة أن "الروابط العسكرية بين إيران والسودان ازدادت قوة عبر السنين". وقد اعترضت إسرائيل سفينة في البحر الأحمر، قالت إنها كانت تحمل صواريخ أم-302 وغيرها من الأسلحة قادمة من إيران.

وزعمت إسرائيل أنه كان من المفترض تنزيل الأسلحة في بور سودان ومن ثم نقلها برا إلى مسلحين فلسطينيين في غزة. ونفت إيران أي ضلوع لها في شحنة الأسلحة، كما نفت السودان أية علاقة لها بالسفينة التي قالت إنها كانت في المياه الدولية. وفي أكتوبر 2011 اتهمت السودان إسرائيل بأنها وراء تفجير مصنع اليرموك العسكري في الخرطوم، ما قاد إلى تكهنات بأن أسلحة إيرانية كانت مخزنة فيه.[10]

واخذت العلاقات بين السودان وإيران تعود لمدياتها الواسعة وفي جميع الأصعدة، فكان التعاون العسكري الذي ابتدأ وحسب تقرير وكالة ( بلومبرغ) بتسليم طهران عدد من الطائرات المسيرة للجيش السوداني بعد عدة أشهر من استئناف العلاقة بين البلدين والتي أخذت انعطافاً هاماً في طبيعة النزاع القائم بين القوات المسلحة السودانية وقوات الردع السريع الذي أوقعت فيه خسائر كبيرة وتم استعادة عدد من المدن في وسط البلاد وغرب مدينة كردفان وتقدم الجيش في ولايات الجزيرة دارفور وأم درمان والخرطوم البحري وإيقاف الزحف الميداني الذي حققته قوات الردع في الأشهر الماضية، وتحققت هذه الإنجازات العسكرية بعد قيام النظام الإيراني بتزويد الخرطوم بالمعدات العسكرية المتطورة ومنها طائرة مهاجر (6) المسيرة ذات التقنية العالية والتي تم تصميمها عبر شركة القدس للصناعات الجوية الإيرانية بمواصفات متقدمة عبر حملها لذخائر موجهة، وهي نفس نوع الطائرة التي سلمتها إيران للجيش الروسي واستخدمها في حربه مع أوكرانيا وأثبت كفاءتها ميدانياً.

إذ وقّعت إيران والسودان عدة اتفاقيات في المجال العسكري بهدف ترسيخ التعاون بينهما، تتضمن مساعدة إيران للسودان عسكرياً والمساهمة في تحوّل الجيش السوداني من استخدام السلاح الروسي والصيني لاستخدام السلاح والذخيرة الإيرانية، وتمّ الاتفاق على أن تقوم إيران بمنح تخفيضات تصل إلى 50% على مبيعات السلاح الإيراني للسودان، وأن تقوم إيران بمساعدة السودان في بناء قاعدة صناعية عسكرية، لإنتاج السلاح الإيراني الذي تحتاجه الخرطوم [11].

كما اتفق الجانبان على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة لبحث النشاط الإيراني–السوداني في مجال الدفاع عن مصالحهما، وجرى الاتفاق على ألا تسمح أيّ منهما لأيّة أطراف خارجية بالاعتداء على الأخرى، وعلى تبادل الوفود العسكرية والتنسيق فيما بين مختلف أذرع جيش البلدين، ووفقاً لذلك ستقوم إيران بتقديم المساعدة للسودان من أجل التخطيط لبناء مواقع استراتيجية، مثل الحقول النفطية والموانئ والسدود على نهر النيل.

غير أنّ اتفاق الدفاع المشترك، لم يشهد تفعيلاً حقيقياً، خاصة إبان قصف إسرائيل لمواقع سودانية، أو في المواجهات التي تتم عبر الحدود، كما هو حاصل في الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، والتي لم تشهد رداً إيرانياً كانت قد تعهدت به، إنما تبقى وظيفة تلك الاتفاقيات مأطرة في جهد البروبوغاندا الإعلامية الموجهة للمجتمع العربي في الأساس.

والجدير بالذكر أنه وفقًا لقاعدة بيانات التجارة للأمم المتحدة لعام 2009، ارتفع حجم مبيعات الأسلحة إلى السودان خلال الفترة من 2001-2008 من نحو مليون دولار إلى نحو 23 مليون دولار عام 2008، مثّلت الذخيرة والمدفعية منها نحو 54%، فيما مثّلت الأسلحة الصغيرة والمعدات الخفيفة نحو 43%، وكانت الذخيرة الصغيرة منها نحو 3%  . [12]

ويعتبر الغرض الأساس من تلك الاتفاقيات العسكرية، نشر النفوذ الإيراني على الأرض السودانية، وإنشاء قواعد عسكرية، تستخدم لتعزيز مصالح إيران وحدها، مقابل حماية النظام الحاكم في الخرطوم واستمراريته، وهو ذات السيناريو المعتمد في كل من سورية والعراق.

إذ سبق وأن نشرت صحيفة “دايلي تليجراف” البريطانية في حزيران/يونيو 2012 معلومات مفادها أنّ الاتفاق العسكري الذي تمّ توقيعه بين السودان وإيران (يسمح لطهران باستخدام قاعدة “وادي سيدنا” السودانية، التي تبعد 10 كيلومترات شمال العاصمة الخرطوم، في نشر صواريخ باليستية يصل مداها 440 ميلاً، مشيرة إلى أن ذلك يعني أنها تصل إلى مدينة جدة السعودية). وقالت: إنّ هذا الاتفاق الذي تمّ التصديق عليه خلال زيارة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى السودان، يقضي بوجود عناصر من “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني في السودان بدعوى تدريب الجيش السوداني على أسلحة إيرانية سيتم منحه إياها .

وقد أتت زيارة سفينتين حربيتين إيرانيتين (مدمرة وحاملة طائرات) عام 2012، إلى ميناء السودان في ظلّ تعزز التقارب بين طهران والخرطوم، وعلى الرغم من تأكيد إيران على أن الزيارة البحرية هي لتبادل العلاقات الودية بين البلدين وهي مرتبطة بجهود مكافحة القرصنة، فإنّ الخطوة تمثل تصعيداً ممكناً في حرب بالوكالة بين إيران وإسرائيل والتي ألقت بظلالها في الصراع بين السودانيين، ودخول السودان في الصراع الإسرائيلي-الإيراني، حيث يعتبر وجود السفينتين إعلاناً للعلاقة العسكرية بين السودان وإيران، وإصراراً سودانياً على التحول لدولة مواجهة مع إسرائيل.[13]
أتخذ عبد الفتاح البرهان من مدينة بورسودان شرق البلاد المطلة على البحر الأحمر عاصمة له وأصبح من المتعاونين معه ( محمد الأمين ترك) وهو شخصية سياسية وعضو المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وقريب من إيران ويرأس حاليآ (المجلس الأعلى لنظارات البحا والعموديات) المستقل في شرق السودان وله طموح سياسي في إنشاء وتأسيس ( دولة البجا)، وهناك كتائب عسكرية تتكون من تشكيلات الصاعقة والقوات الخاصة وتكتلات إسلامية في منطقة (كسلا) ومدينة الخرطوم تدين بالولاء لعدد من التيارات الإسلامية، كما وان المقاومة الشعبية السودانية في ولاية البحر الأحمر لديها توجهات إسلامية، وأصبحت جميع هذه التشكيلات داعمة َومساندة للجيش السوداني بزعامة عبد الفتاح البرهان وهو ما يشكل عمقاً مهما التواجد الإيراني في السودان[14].

ثالثا: المظاهر الاقتصادية

يربط المراقبون توسع العلاقات الاقتصادية بين السودان وإيران منذ بزيارة الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني في ديسمبر 1991، وهي الزيارة الرسمية إلى الخرطوم الذي رافقه خلالها أكثر من 150 مسؤولاً إيرانياً، وفي تلك الزيارة تعهدت إيران بدفع مبلغ 17 مليون دولار على شكل مساعدات مالية للسودان، وأجرت ترتيبات للمساعدة في دفع مبلغ إضافي بقيمة 300 مليون دولار ثمن أسلحة صينية يتم إرسالها إلى الحكومة في الخرطوم، وتعهدت إيران كذلك بتقديم مليون طن من النفط سنوياً كمساعدات اقتصادية.

وسعت إيران للبحث عن موطئ قدم لها في دارفور، وقامت بمحاولة للعب أدوار اقتصادية فيها، حيث رصدت إيران – كما قيل حينها- مبلغ 30 مليون دولار لدعم وتنفيذ عدد من المشروعات التنموية في ولايات دارفور الثلاث، وتركزت المشروعات في مجالات الطاقة الشمسية والكهرباء وحصاد المياه والخزانات والسدود والصحة والتعليم والتدريب المهني، واتفق الجانبان السوداني والإيراني في مباحثات جرت بالنادي الدبلوماسي بالخرطوم في 2010م على تشكيل لجنة للتوقيع على اتفاقية التعاون المشترك بين الجانبين، وشارك في المباحثات من الجانب السوداني مفوضية تعويضات دارفور برئاسة المهندس أبو القاسم أحمد أبو القاسم، ومن الجانب الإيراني وكيل وزارة الطاقة الإيرانية جواد مبيدي، والسفير الإيراني بالخرطوم جواد تركبادي، وأوضح رئيس مفوضية تعويضات دارفور المهندس أبو القاسم أحمد أبو القاسم أن إقامة مشروعات التنمية بدارفور ستسهم في العودة الطوعية وتمثل بنيات تحتية لإقامة مشروعات أخرى، وقال إن إيران تسعى بجدية للمساهمة في إعمار دارفور بعد استقرار الأوضاع الأمنية هناك، مشيرا للعلاقات التي تربط المفوضية بالعديد من المؤسسات بدولة إيران.

ودعا أبو القاسم مسؤولي ولايات دارفور لتحديد أولوياتهم الخدمية وإجراء الدراسات اللازمة للمشروعات ذات الأهمية، ولفت إلى أن الدور الإيراني سيدفع بالعملية الإنسانية والاقتصادية بدارفور ويدعم خيار التعويض الجماعي الذي أمن عليه أهل الإقليم، وهو عين ما تسعى له إيران لبسط نفوذها وتعظيم وجودها في مثل هذه المناطق.

وقال إن من بين هذه المشروعات الإيرانية إنشاء مسلخ بنيالا لتصدير اللحوم إلى أوربا ودول الخليج وأفريقيا تنفذه إيران بجانب مصانع للألبان وتعبئة الفواكه وتدريب الفاقد التربوي في مدارس حرفية على معدات لإنتاج الزيوت ومنتجات الألبان.

وقال سفير إيران بالخرطوم آنذاك جواد تركبادي في تصريحات صحفية قبيل زيارة مساعد الرئيس الإيراني سعيد لو للسودان، إن الوفد الإيراني يتكون من 48 فردا من جميع القطاعات الاقتصادية بإيران «الشركات، البنك المركزي، الزراعة، الصناعة، سكة الحديد، النفط، التدريب المهني، الصحة، الأدوية وإيران خدرو للسيارات»، وأكد جواد أن زيارة مساعد الرئيس الإيراني للسودان تأتي في إطار تعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين وسبل تفعيلها، بجانب تحريك ملفات اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين، وإجراء مزيد من التشاور، والاتفاق في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وقال السفير إن إيران أبدت استعدادها لتنفيذ مشروعات خدمية بدارفور في مجالات حصاد المياه والطاقة الشمسية والتعليم يتم تمويلها بواسطة مفوضية التعويضات بالسلطة الانتقالية للإقليم، مشيرا إلى أن إنفاذ المشروعات يأتي لدعم الإقليم، وأكد سعي إيران للمشاركة في الإعمار، وأشاد بالسلام الذي تنعم به دارفور، واعتبر المشروعات تهدف لتجاوز محنة الإقليم، وأكد أن إيران تبحث عن تحقيق الاكتفاء من الإنتاج الزراعي بالسودان.

كما أعلنت مفوضية التعويضات بالسلطة الانتقالية لإقليم دارفور عن عزمها تنفيذ عدة مشاريع تنموية بولايات دارفور الثلاث في مجال المياه والكهرباء والصحة بتمويل من إيران بتكلفة قدرها ثلاثة ملايين دولار كدعم فوري. وقد وقف وفد وزارة الطاقة ومصادر المياه الإيراني الذي زار الإقليم على الأوضاع على أرض الواقع قبل أن يدخل الجانبان في مباحثات بالخرطوم برئاسة رئيس المفوضية وبحضور مدير إدارة الشؤون الآسيوية بوزارة الخارجية وممثل لوزارتي الكهرباء والسدود والتعاون الدولي بغية تحديد بدء التنفيذ ورسم خطة عملية، وتم تشكيل لجنة مشتركة للمتابعة على أن توقع في وقت لاحق اتفاقيات تعاون مشترك، وستخصص التمويل لاستصلاح مصادر المياه وإنشاء حفائر وسدود وتأهيل مستشفيي نيالا والجنينة ليصبحا مستشفيين تخصصيين.

وتعهد السفير الإيراني بنقل التجربة الإيرانية في المجال الزراعي لولاية جنوب دارفور بعد أن تفقد نموذجا لمزرعة إكثار البذور، ودعا والي الولاية آنذاك عبد الحميد موسى كاشا إلى دخول الاستثمارات الإيرانية، معلنا عن تسهيلات بمنح الأرض مجانا لقيام مصانع للسجاد الإيراني. وقال إن دارفور مفتوحة للاستثمارات الإيرانية، وقال أيضا إن الولاية تحتاج للدعم في قطاع الثروة الحيوانية وتطوير الزراعة وترقية الخدمات، ونوه وزير البنى التحتية بجنوب دارفور حسن اتيم إلى أن هناك اتجاها لتشغيل الطاقات البديلة (الرياح، الطاقة الشمسية) وقدر المتوفر من المياه بـ (40) مليون متر مكعب بينما الاستهلاك السنوي يتجاوز الـ 100 مليون متر مكعب[15].

توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية بقيمة 400 مليون دولار، وخاصة فيما يتعلق بتبادل الخبرات في مجالات الزراعة عن طريق إنشاء مزرعة نموذجية مشتركة وتصدير بعض المحاصيل والمنتجات الزراعية إلي إيران، والصناعة بإنشاء مصانع سكر وألبان ومصنع للسيارات والجرارات والمقطورات، إضافة إلى إبرام اتفاق للتعاون في كل من المجال العلمي والنفط والتعدين والعمل المصرفي.

سعي إيران إلى التحكم بمياه النيل في الأراضي السودانية بما يشكل عامل ضغط استراتيجي على السودان ومصر معاً، ومن خلال تستطيع تمرير أجندات سياسية، في ظل غياب تنسيق أمني وسياسي مصري-سوداني. 

المطلب الرابع:

التحركات العربية لمواجهة التمدد الإيراني في الصومال

أولا: توتر العلاقة بين السودان وإيران

وفي عام 2014، بدأت العلاقة بين البلدين في التراجع، خاصة بعد مواجهة السودان أزمة اقتصادية خطيرة ونأت طهران بنفسها عن الخرطوم، حيث فشل في توفير مكاسب اقتصادية كبيرة للسودان، وذلك قبل أن ينخرط السودان في العام التالي في دعم العملية العسكرية السعودية في اليمن، في الوقت الذي دعمت فيه إيران الحوثيين، الأمر الذي وضع كلًا من السودان وإيران في وضع مواجهة غير مباشرة في اليمن، مما أدى إلى توترات عميقة في العلاقات الثنائية، سرعان ما كشفت عن نفسها في عام 2016 باتخاذ السودان قرارًا بقطع كافة أشكال العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ولم يكن مصادفة أن تورد صحيفة “الانتقاد” التابعة لـ “حزب الله” اللبناني خبراً في الصفحة الأولى لها، أن مرشدهم علي خامنئي اجتمع بـ 300 شاب سوداني يدرسون في حوزة تحمل اسم الخميني في مدينة قُم الإيرانية، وهو ما عبر حقيقة عن نشاط علني لولاية الفقيه في السودان كان يسير بلا توقف قبل سنوات، قبل أن يقصم ظهره بإغلاق المستشارية الثقافية الإيرانية بالخرطوم وجميع المراكز الثقافية، ثم تبعه إغلاق السفارة الايرانية قبل أشهر ثم تنامى توتر الوضع بين البلدين والذي استمر في سياق إقليمي معزز ارتفعت فيه حدة الاستقطاب، وتنامت فيه مظاهر السياسات العدائية في المنطقة.

عودة العلاقات مجددا

ومثلما ساهمت المتغيرات الإقليمية في خلق حالة من التوتر التي انتهت بالقطيعة بين البلدين، ساهمت المتغيرات الإقليمية كذلك في استعادة العلاقات الثنائية فقد جاء الاتفاق السعودي الإيراني الذي وقع عليه في آذار 2023 عبر الوساطة الصينية ليمنح رؤية ميدانية وأفاق مستقبلية للأهداف السياسية للنظام الإيراني في علاقته مع دول الجوار المحيطة به وعواصم الخليج العربي والاقطار العربية بسعيه لإيجاد قواسم مشتركة في عودة العلاقات بإطارها السياسي والاقتصادي ودعم المشاريع الاستثمارية وتحقيق الغايات التي تساهم في تعزيز رؤية إيران في تنفيذ مشروعها عبر التمدد والنفوذ، ومنها السودان التي كانت ترتبط معه بعلاقات وثيقة حتى عام 2016 الذي تم فيه قطع العلاقات بين البلدين تضامناً مع المملكة العربية السعودية على خلفية التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية واعتدائها على سفارة وقنصلية السعودية في العاصمة طهران ومدينة مشهد الإيرانية، ثم اعتيدت العلاقة في الأول من تشرين الأول 2023 بعد تحسن العلاقات بين الرياض وطهران والذي انعكس على العديد من الأحداث في المنطقة[16].

هذا التقدم في العلاقات كان ثمرة اللقاء الذي تم بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في العاصمة السعودية ( الرياض) أثناء انعقاد القمة العربية الإسلامية في تشرين ثاني 2023 التي ناقشت تطور الأوضاع في قطاع غزة، والذي تحدد بموجبه الأبعاد الاستراتيجية للعلاقات القادمة وسبل تعزيز التعاون العسكري والأمني وانسيابية وصول الأسلحة والمعدات التي يحتاجها الجيش السوداني وتحقيق الغاليات والأهداف التي يسعى إليها البلدان في تعزيز مصالحهما وأفاق تعاونهما الثنائي، وهذا ما تحقق في الميدان بعودة سيطرة القوات المسلحة السودانية على مناطق مهمة حققت انعطافه كبيرة وأحدثت تغييراً استراتيجياً في المواجهة مع قوات الردع السريع.

ثانيا: موافق الدول العربية والافريقية والدولية  

 

المطلب الخامس

التحديات وسبل مواجهته.

إن قراءة الملف الإيراني-السوداني تعكس تبايناً واضحاً في الرؤى والتوجهات، فثمة من يقف عند حدود التبشير ونشر المذهب الشيعي، وهناك من يقف عند حدود التوجه الأمني والعسكري، ويتحدث عن مخاطر الوجود الإيراني بالنسبة لتنامي النزعات الراديكالية المناوئة للغرب في إفريقيا. ولا شك أن هناك أبعاداً ودلالات أخرى كثيرة تفسر لنا حقيقة التدافع الإيراني الكبير نحو السودان.

أولا: التحديات

تداعيات التقارب بين السودان وإيران له انعكاسات على الأزمة والمحيط الإقليمي وخاصة البحر الأحمر وأمنه والتقييم للتحركات الإيرانية في السودان، وليس ثمة شك في أن الوضع في السودان يقترب من مرحلة الخطر ليس فقط على سيادة السودان ووحدة أراضيه، ولكن كذلك بالنسبة لمصالح دول الجوار الجغرافي وفى مقدمتها مصالح مصر ودول الخليج[17].

1- تسعى إيران لاستعادة حضورها القوي في السودان والمنطقة التي تمتد بطول الساحل الشرقي لأفريقيا، حيث يساعد التقارب الأخير مع السودان طهران على إعادة تموضعها في منطقة شرق أفريقيا، التي تمتلك فيها إيران حضورًا عسكريًا عبر الحوثيين في اليمن، فضلًا عن تاريخ قريب من العلاقات القوية مع عدد من دول المنطقة مثل إريتريا وكينيا وجزر القمر، فضلًا عن بعض الأطراف الفاعلة في الصومال. بل وحتى يمكن أن يتحول السودان لمركز للنشاط الإيراني في وسط القارة حتى غربها، وفي منطقة البحيرات وصولًا إلى جنوب القارة، خصوصًا أن إيران تسعى جاهدة لتنشيط استراتيجيتها تجاه القارة في إطار مواجهة العزلة المفروضة عليها من الغرب .

2- استمرارية أطماع وأهداف إيران في السودان، يصنع تهديدا اخر للإذراع  الإيرانية في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب؛ يمنحهم موطئ قدم على الضفة الأخرى من الممر البحري الاستراتيجي للبحر الأحمر من خلال نفوذها في السودان عبر دعمها للجيش السوداني مما يثير قلق القوى الدولية مما يشكله ذلك من تهديد للمصالح الإقليمية والدولية.  

3- استمرارية نجاح إيران في إرسال خبراء من الحرس الثوري للسودان لتدريب الجيش السوداني مثلما تم في اليمن، يعد تحديا ماثلا حيث سيصبح امرا واقعا تسليح يعزز النفوذ العسكري لطهران في المنطقة؛ بالإضافة إلى برنامجها المتنامي للطائرات بدون طيار.

4- إن إعادة العلاقات في ظل انقسام السودان تعني الكثير بالنسبة لطهران وتنم عن خطورة وتهديد للأمن القومي العربي والدولي لما تشكله السودان من أهمية استراتيجية بحكم موقعها الجغرافي وكونها من أهم الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

5-  إعادة فتح السفارة السودانية في طهران، وبحسب وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية، فإن طهران ستنقل تجربتها في مجال الخدمات الصناعية والفنية والهندسية، وكذلك المنتجات الطبية والصيدلانية إلى السودان.

6-  توسع الوجود الإيراني العسكري في السودان لم يكن وليد اللحظة بل أن طهران تخطط لاستخدام علاقاتها- مع الجيش السوداني لتعزيز تحالفاتها الإقليمية لممارسة المزيد من القوة في الممرات المائية الاستراتيجية في البحر الأحمر- منذ عقود، فالحصول على النفوذ، والسيطرة، على الممرات المائية الاستراتيجية في الشرق الأوسط -بما في ذلك المياه الخليجية، وقناة السويس، ومضيق باب المندب- هي سمة أساسية لاستراتيجية إيران في المنطقة.

7- أن السودان أصبح أرض المعركة الجديدة بين إيران لفرض الهيمنة والسيطرة الإيرانية. وعن طريق السودان يتم بيع صفقات الأسلحة الإيرانية إلى المسلحين في القارة الإفريقية، كما أنه يتم تصنيع الأسلحة الإيرانية على الأراضي السودانية.

8- إن تقارب الخرطوم مع طهران سيكون له تأثير على مواقف القوى الإقليمية والدولية حيال الحرب الدائرة حاليًا في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. كما يبدو واضحًا أن الجيش السوداني يريد إيصال رسائل إلى العديد من الدول في المحيط الإقليمي والدولي، يبرهن فيها أنه لديه بدائل في الأزمة الحالية يمكن أن يعدل بها إلى حد ما في عملياته العسكرية ضد قوات الدعم السريع، وأن يحقق فيها مكاسب على مستوى العمليات العسكرية التي تدور في كل من الخرطوم وبعض ولايات دارفور، وذلك بانفتاحه على حليف إقليمي قوي يتمتع بخبرة ممتدة في دعم حلفائه الإقليميين عسكريًا بالعتاد العسكري والخبرات التي يمكن أن تشكل عاملًا لتغيير توازن القوى القائم في ساحات القتال في الوقت الراهن.

9- إن سقوط النظام السوداني الحالي مع احتمال عودة العلاقات الطبيعية مع مصر يشكل نكسة سياسية واستراتيجية كبرى لطهران، وبالتالي ترى إيران ضرورة استمرار دعم النظام السوداني بشتى الوسائل لمنع سقوطه، وذلك من خلال مواصلة تعزيز العلاقات الثنائية وتكريس الوجود الإيراني في السودان.

ثانيا: سبل المواجهة

1-  منع إيران من مد نفوذها في المنطقة ومحاصرة أنشطتها المريبة، وإجهاض محاولتها للتسلل إلى دولها ودول أخرى بعينها كما يحدث في مصر والسودان، فضلاً عن محاولة تقليص نفوذها في دوائر نفوذها التقليدية في لبنان والعراق وسورية واليمن وكشف خلاياها، وإضعاف حلفائها في المنطقة.

2-  محاولة استرجاع السودان وضمها إلى الصف العربي الموحد، ومساعدتها على تجاوز أزماتها الداخلية والخارجية في إطار تجميع الدول العربية ضمن مشروع واحد ضد المشروع الإيراني.

 

النتائج

1-    إن غياب استراتيجية عربية كلية ومتكاملة، وعدم وجود تنسيق أمني مشترك بين كافة الدول العربية، أدى إلى إحداث اختراقات خارجية إقليمية ودولية، في غير صالح الدول المخترقة، وفي غير صالح الأمن القومي العربي بالإجمال.

2-    تستفيد إيران من ذلك، عبر توسيع مجالات نفوذها بشكل دائم، بعد إطباق هيمنتها على بلاد المغرب الافريقي (السودان، الصومال، جيبوتي، ارتيريا). ونرى كيف أدت تلك التخلخلات إلى بروز القوة الحوثية المناهضة للدولة والمجتمع في اليمن، وإلى اضطرابات في أكثر من دولة خليجية عبر الأدوات الإيرانية فيها.

3-    لن يتوقف المشروع الإيراني عن توسيع البيئات المستهدفة، والتي كان من أحدثها إعادة العلاقات الدبلوماسية مع السودان، والتحضير لولوج المجتمع السوداني، بعد أن استطاعت تأسيس حاضن اجتماعي لها في بعض الدول الافريقية لاسيما تونس والجزائر. إذ تشكل الدول العربية في إفريقيا مرتكزاً إيرانياً يتم العمل عليه، ضمن غياب الرؤية الاستراتيجية العربية.

4-    وليس السودان سوى حلقة ضمن هذا الامتداد، حيث سيتم توظيفه في مواجهة المجتمع السوداني لاحقاً، والدول العربية المحيطة به، وقاعدة دعم لميليشياتها، وخاصة الميليشيات الحوثية في اليمن، وتهديد أمن كل من ( مصر والسعودية)

تسعى كل من إيران والسودان عبر تطوير العلاقات إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في استعادة توازن القوى العسكرية في الداخل، والبحث عن ظهير إقليمي جديد، وطيّ صفحة أزمة توتر العلاقات عام 2016، وتعزيز الحضور بمنطقة البحر الأحمر. لكنّ هذا التطور الجديد قد يُنتج في النهاية تداعيات عكسية تتمثل في تصعيد حدة التوتر في العلاقات بين الجيش السوداني والعديد من القوى الإقليمية والدولية مثل مصر والسعودية وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

تداعيات محتملة

 

بصرف النظر عن مدى مصداقية التقارير التي تُشير إلى تقديم إيران دعماً عسكرياً للجيش السوداني ممثلاً في الطائرة من دون طيار من طراز “مهاجر 6” التي لم تكشف تلك التقارير عن الأعداد التي سُلمت منها؛ فإن مجرد تطوير العلاقات بين السودان وإيران سوف يفرض تأثيرات إقليمية لا تبدو هينة، يتمثل أبرزها في:

 

1- تحرك مضاد من جانب إسرائيل: تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن السودان سبق أن وقع اتفاقية تأسيس علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وهو ما اعتُبر حينها نجاحاً للأخيرة في الوصول إلى دول ومناطق سبق أن خرجت منها إيران أو تعرض نفوذها فيها لضغوط شديدة.

 

ومن دون شك، فإنه في ظل التصعيد الحالي الذي أنتجته الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، خاصة بين إسرائيل وإيران، التي تتهمها الأولى بالضلوع في عملية “طوفان الأقصى” وتقديم دعم قوي للمليشيات التي تواصل الانخراط في تصعيد محسوب معها، فإن إسرائيل لن تستقبل هذا التطور الجديد الخاص بالعلاقات بين السودان وإيران بارتياح؛ بل إن هذا التطور قد يفرض تداعيات سلبية على العلاقات بين إسرائيل والسودان، وقد يدفع تل أبيب إلى محاولة تمرير رسائل تهديد استباقية للخرطوم، باعتبار أنها لا تستبعد في الوقت الحالي أن يكون هدف إيران هو السعي لتحويل السودان لنقطة انطلاق جديدة لتمرير الدعم العسكري لحلفائها المحيطين بإسرائيل، على غرار ما كان قائماً في السابق قبل أن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربات عسكرية داخل السودان نفسها، على غرار الهجوم على مصنع اليرموك في الخرطوم في 23 أكتوبر 2012.

2- تصعيد التوتر مع واشنطن والغرب: لا يبدو أن الدول الغربية سوف تتغاضى عن توسيع نطاق التعاون العسكري بين إيران والسودان، خاصةً في الفترة الحالية التي تشهد تصعيداً في حدة التوتر بالعلاقات بين الدول الغربية وإيران، سواء بسبب الدعم العسكري الإيراني لروسيا في الحرب الأوكرانية، أو بسبب تعثر المفاوضات حول الاتفاق النووي، أو بسبب النفوذ الإقليمي والدعم الإيراني المتواصل للمليشيات المسلحة في المنطقة.

ومن هنا، فإن تلك الدول قد تسعى خلال المرحلة القادمة إلى فرض مزيد من الضغوط والعقوبات على الجيش السوداني، على نحو قد يساهم في تضييق الخناق على الأخير، ويسمح بمساحة حركة أخرى أمام قوات الدعم السريع على المستويين الداخلي والخارجي.

3- تفاقم الخلافات مع السعودية ومصر: ولا سيما الدول المشاطئة للبحر الأحمر، على غرار السعودية ومصر. فمن دون شك، فإن الدولتين سوف تعتبران أن هذا التطور سوف يعزز حضور إيران في السودان وتلك المنطقة بشكل عام، على نحو لا يتوافق مع مصالحهما وحساباتهما خلال المرحلة الحالية، ولا سيما بعد المعطيات الجديدة التي فرضتها الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، والتصعيد المتواصل بين إسرائيل ووكلاء إيران في كل من العراق وسوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية واليمن.

ورغم التحسن الملحوظ في العلاقات بين إيران وكل من السعودية ومصر، فإن ذلك لن يكون له تأثير كبير على المقاربة التي سوف تتبناها الدولتان في التعامل مع التداعيات التي يمكن أن يفرضها أي تقارب محتمل بين إيران والجيش السوداني خلال المرحلة القادمة.

 سبل المواجهة للحد من توسع النفوذ الإيراني في السودان
 

تزايدت المخاوف في السنوات الأخيرة من توسع النفوذ الإيراني في السودان، خاصة بعد سقوط نظام عمر البشير عام 2019. وبينما تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها في المنطقة العربية، يواجه السودان تحديات كبيرة في مواجهة هذه التوسعات، ولكن قبل طرح سبل المواجهة يجب التأكيد على أسباب توسع النفوذ الإيراني، ومنها العلاقات التاريخية، حيث تربط السودان وإيران علاقات تاريخية وثقافية ودينية، بالإضافة إلى الدعم السياسي، فقد قدمت إيران دعمًا سياسيًا وماليًا للسودان بعد سقوط نظام البشير، ناهيك عن النفوذ الاقتصادي، حيث استثمرت إيران في قطاعات اقتصادية مختلفة في السودان، مثل الزراعة والصناعة.
وقدمت إيران دعمًا عسكريًا للسودان، بما في ذلك الأسلحة والتدريب، كما سعت طهران إلى نشر المذهب الشيعي في السودان.
اما التأثيرات السلبية للتوسع النفوذ الإيراني، فهي تكمن في عدم الاستقرار السياسي، فقد أدى توسع النفوذ الإيراني إلى زعزعة الاستقرار السياسي في السودان، اما التطرف الديني فقد لعبت إيران دورا في ذلك، ناهيك عن التوترات الإقليمية التي تسبب بها التوسع الإيراني، وجلع من الخرطوم عاصمة عربية تابعة لإيران، وهو ما أثر عليها سلبا خاصة في الملفات الاقتصادية.
إن سبل المواجهة التوسع الإيراني يبد من تعزيز العلاقات مع الدول العربية، حيث يجب على السودان تعزيز علاقاته مع الدول العربية الأخرى، خاصة الدول الخليجية وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أثبتت قدرتها على معالجة الكثير من الملفات في القرن الأفريقي، للحصول على الدعم السياسي والاقتصادي.
كما يجب على السودان مكافحة التطرف الديني من خلال نشر ثقافة التسامح والاعتدال، وتعزيز التعاون الأمني مع الدول المجاورة لمنع دخول الأسلحة والمقاتلين من إيران، احداث نوع من تنويع العلاقات الاقتصادية، حيث يجب على السودان تنويع علاقاته الاقتصادية مع دول أخرى غير إيران لتقليل تبعيته لها، ويجب على السودان نشر الوعي حول مخاطر توسع النفوذ الإيراني بين الشعب السوداني.
إن إطالة أمد الصراع في السودان، دون حسم قوات الدعم السريع للمعركة مع الجيش الموالي للإخوان والذي يدين بالولاء لإيران، سوف يعيق الخرطوم من استعادة مكانتها والتغلب على التحديات التي تواجه الوضع الأمني وإعادة الأمن والاستقرار ومكافحة الفساد، وتقوية المؤسسات في السودان نحو اعادة العلاقات مع الدول العربية الأخرى، والعمل على مواجهة التدخلات الخارجية من قبل إيران التي تشكل تحديا في إعاقة جهود السودان لمكافحة التطرف الديني، ومعالجة الوضع الاقتصادي بما يسهم في عودة السودان إلى مانته الطبيعية.
يواجه السودان تحديات كبيرة في مواجهة توسع النفوذ الإيراني. ولكن من خلال اتخاذ الخطوات اللازمة، مثل تعزيز العلاقات مع الدول العربية، ومكافحة التطرف الديني، وتعزيز التعاون الأمني، وتنويع العلاقات الاقتصادية، ونشر الوعي، يمكن للسودان الحد من توسع النفوذ الإيراني وتحقيق الاستقرار والازدهار.

 

 المصادر 

[1] السودان وإيران: رحلة التقارب والمشهد العربي الراهن”، سياسات عربية، النور حمد الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 1، مارس 2013)، ص 62.

[2] مصطفى فولي، “التغلغل الإيراني في السودان”، 27/2/2013، موقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان: http://ar.qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=8361

[3] إيران في إفريقيا: اختراقات وإخفاقات، بوزيدي يحيى،  5 يونيو 2014م:https://www.alburhan.com/Article/index/8186

[4] إيران في إفريقيا: اختراقات وإخفاقات، بوزيدي يحيى،  5 يونيو 2014م:https://www.alburhan.com/Article/index/8186

[5] المثنى عبد القادر، السودان وإيران: مرحلة إعادة ربطة العنق العربي:16/1/2016:https://www.alnilin.com/12742657.htm

[6] الغايات الإيرانية والأهداف السودانية في عودة العلاقات

https://rawabetcenter.com/archives/171190#:

[7] الغايات الإيرانية والأهداف السودانية في عودة العلاقات

https://rawabetcenter.com/archives/171190#:

[8] مظاهر تغلغل التشيع الإيراني في البلدان السنية: مصر، سورية، الأردن، السودان، وغيرها”، حمدان الأشقر، “ 27/10/2008، شبكة الدفاع عن السنة، في: http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=7514

[9] الغايات الإيرانية والأهداف السودانية في عودة العلاقات

https://rawabetcenter.com/archives/171190#:

[10] إيران لعبت دوراً رئيسياً في تصنيع الأسلحة السودانية https://www.alarabiya.net/iran

[11] التغلغل الإيراني في السودان”، مصطفى فولي، “ 27/2/2013، موقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان: http://ar.qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=8361

[12] التغلغل الإيراني في السودان”، مصطفى فولي، “ 27/2/2013، موقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان: http://ar.qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=8361

[13] صواريخ إيرانية بالسودان .. الخطر الفارسي يدق البوابة الجنوبية”، أحمد عز، “موقع الحقيقة: http://www.haqeeqa.net/Subject.aspx?id=467

[14] لغايات الإيرانية والأهداف السودانية في عودة العلاقات

https://rawabetcenter.com/archives/171190#

[15] تقاطعات الدور الإيراني والإسرائيلي في دارفور... قراءة في الواقع والمستقبل https://www.alrased.net/main/articles.aspx

[16] الغايات الإيرانية والأهداف السودانية في عودة العلاقات

https://rawabetcenter.com/archives/171190#:

[17] دبلوماسية المسيّرات: أبعاد الدور الإيراني في الصراع السودانيhttps://arabwall.com/