"بلاد بونت"..

الصومال: موقع استراتيجي وثروات طبيعية في قلب الصراعات الدولية

وصف الرحالون العرب مدينة مقديشو؛ أنها لؤلؤة المحيط الهندي، لجمال مبانيها المبنيِّة على الطراز الإسلامي البديع، ووصف ابن سعيد المغربي، بأنها مدينة الإسلام المشهورة في ذلك الصقع، والمتردد ذكره على ألسن المسافرين

مزارعان صوماليان

د. سالم الحنشي
مدير تحرير مجلة بريم الصادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات
مقديشو

 الصومال، عروبتها وحضارتها الإسلامية، عبدالرحمن شيخ محمود الزيلعي، قنديل للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، ديسمبر 2018م، 1440هـ. كتاب في بابين، ويشتمل كل باب على أربعة فصول، جاء في 145 صفحة، كتاب يتناول ملامح تاريخية لنشأة الحضارة الإسلامية، وعملية التعريب في المجتمع الصومالي، وطور التنشئة الاجتماعية؛ من خلال التحولات الاجتماعية التي أسهمت في بناء الحضارة في تلك البلاد، يمكن عرضه على النحو الآتي:

الباب الأول: الحضارة الإسلامية في الصومال.

الفصل الأول: لمحة عن الصومال.

ويبين فيه أن الصومال دولة عربية إسلامية أفريقية، تقع في القرن الأفريقي، يحدها من الشمال خليج عدن، والشمال الغربي جيبوتي، ومن الشرق المحيط الهندي، ومن الغرب إثيوبيا، وكينيا من الجنوب الغربي، ويُعدُّ موقعها مهمًا حيث يطل على المحيط الهندي وخليج عدن، نقطة الاتصال بين الشرق والغرب، وأهم ممرات البترول في العالم، والملاحة الدولية، وتشرف على البوابة الجنوبية للوطن العربي، وهو ما يدلُّ على عمقها الاستراتيجي للأمن العربي. وهي من أغنى مناطق العالم بالثروة الحيوانية والطبيعية، وهذا ما جعلها عرضة للصراعات والأطماع الدولية على مر التاريخ، وسبق أن قُسم الصومال إلى خمسة أجزاء أثناء الاستعمار الأوربي...

وقد عُرفت تاريخيًا بأسماء عدة، منها: (بلاد بونت)، وهذا الاسم أطلقه الفراعنة عنها، وقد أثبت الشعب الصومالي جدارته في التجارة عبر البحار بسفنهم التي كانوا يطلقون عليها(بيدن)، فبلغت بلاد الهند، وبلاد سومر في الرافدين، ومصر، حاملين بضائعهم المحلية كالذهب والعاج والأخشاب، والبخور والعطور..

وقد ذكرهم(هيرودوت) في بعض ما ورد بشأنهم في الألف الأول قبل الميلاد، فقال: هم أطول الناس قامة، وأوسم أهل الأرض، كما أنهم أكثرهم طولًا في العمر، ويتحدث عن مراسلات حدثت بين ملكهم وملك فارس، وفيها يتحدى ملكهم ملك فارس بغزو أرضه، ويحضهم بنوع من السخرية بأن يحمدوا آلهتهم، أن شعبه لم يقرر غزوهم، ويتحدث(هيرودوت) عن رفاهية ذلك الشعب الذي يسكن في شبه الجزيرة الصومالية، فيقول إنهم كانوا يقيدون المساجين بسلاسل من الذهب، وكانوا يجيدون التحنيط، وبلغوا درجة عالية في الطب والكيمياء.

الفصل الثاني: وصول الإسلام إلى الصومال

ويبين فيه المؤلف أن الإسلام قد وصل إلى بلاد الصومال في مطلع القرن الهجري الأول، وكانت أول بعثة إسلامية قد وصلت إلى تلك البلاد في السنة الخامسة للبعثة النبوية عندما هاجروا إلى الحبشة، ومن الشواهد على ذلك وجود مقابر ومساجد للمسلمين تعود إلى تلك الحقبة من تاريخ الإسلام، فمن المساجد التاريخية، مسجد القبلتين في زيلع: قبلة نحو المسجد الأقصى، قبل تحويلها، والأخرى نحو الكعبة في مكة المكرمة، بعد تحويلها شطر البيت الحرام. ويرجح أن الإسلام قد وصل إلى الصومال قبل هجرة الرسول(صلى الله عليه وسلم)، عن طريق المهاجرين والصحابة، وأوضح دليل على أقدمية الإسلام في الصومال، فضلًا عما سبق، تلك المخطوطات العربية التي عُثر عليها في بعض مقابر مقديشو، والتي يعود تاريخها إلى بداية العصر الإسلامي، وقد كان وصول الإسلام إلى هذه البلاد عن طريق التجار والدعاة المرتحلين إليها من الجزيرة العربية. وتذكر بعض المراجع وصول أربعين من الدعاة من حضرموت إلى الصومال لا غرض لهم سوى الدعوة، نزلوا في بربرة، وتشاوروا قرب جبل الأولياء، واتفقوا على أن يمضي كل منهم لوجهته، فوصل بعضهم إلى كينيا، وبعضهم إلى عروشا، ووصل بعضهم إلى مقديشو، وتؤكد الشواهد على أن أهل تلك البلاد فتحوا صدورهم للإيمان بالإسلام قبل بلدانهم، فدخل الدين الإسلامي إليهم عن طريق الدعوة والإرشاد، لا الغزو والفتوحات. ويذكر بعض رواد الدعوة والحضارة الإسلامية من الدعاة والعلماء في شرق إفريقيا، منهم:

1_ الشيخ عمر الرضى(شيخ أبادر)، مؤسس مدينة هرر التي وصل إليها في القرن السابع الهجري(612هـ)، وكانت قرية تعرف باسم(دكن كي)، ومعه مجموعة من الدعاة الذين انتشروا في الأرض للدعوة، ومزار أضرحتهم في شتى البقاع، وعاش الشيخ عمر الرضى ما يناهز 135 عامًا في الدعوة ومزار ضريحه في هرر التي دفن فيها، وممن كان معه الشيخ يوسف الأكوان أوبر خدلي في بر سعد الدين(ضواحي هرجيسا)، والشيخ قطب الدين(أوقطب)، وأخوه الشيخ أحمد في مدينة(الشيخ)؛ بين برعو وبربرة، والشيخ أبدال بين هرجيسا وبربرة، والشيخ أبي يزيد البسطامي في جمهورية جيبوتي.

2_ الشيخ إسحاق بن أحمد(ت727هـ)، وهو من الدعاة الأوائل الذين وصلوا إلى الصومال في مطلع عصور انتشار الإسلام وقيام الممالك الإسلامية في شرقي إفريقيا، فكان من الدعاة السباقين لنشر الدعوة الإسلامية، ويُعدُّ مجدًا من أمجاد العصر الذهبي للشعوب شرقي إفريقيا.

3_ الشيخ يوسف الكونين أو الأكوان المعروف بأوبرخدلي. وقد وصل في المدة نفسها التي وصل فيها الشيخ عمر الرضى، ويُعدُّ من أكبر الدعاة الذين تركوا بصمات واضحة في الشعب الصومالي، فهذا الشيخ هو الذي وضع قاعدة هجائية صومالية لتعلم الحروف الهجائية العربية، تمهيدًا لتعلم القرآن وعلومه. وقد دفن في أوبرخدلي ومزار ضريحه فيها. ويأتي الناس في موسم زيارته من كل حدب وصوب، وعبر عن مزار ضريحه الشيخ يوسف البكري(شيخ يوسف بحر)، في إحدى قصائده، قائلًا:

له موسم لو حضرت به                              تراه كحج أو كعيد ضحى

4_ الإمام جمال الدين أبو محمد عبدالله بن يوسف بن محمد الزيلعي الحنفي (ت762هـ)، صاحب كتاب(نصب الراية)، وهو فقيه، محدث، أصولي، تفقه وبرع، وأدام النظر والاشتغال، وطلب الحديث، وألف وجمع، لازم مطالعة كتب الحديث، إلى أن خرَّج أحاديث، كتاب الهداية للمرغيناني، وأحاديث كتاب الكشاف للزمخشري، قال عنه الحافظ ابن حجر: ذكر لي شيخنا العراقي أنه كان يرافقه في مطالعة الكتب الحديثية.

5_ الإمام الزيلعي فخر الدين عثمان بن علي، فقيه حنفي، كان مشهورًا بمعرفة النحو والفقه والفرائض، من تصانيفه(تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق) في الفقه، والشرح على الجامع الكبير.

ويذكر المؤلف أنه بهؤلاء، تكونت الحركة الثقافية والعلمية في المنطقة، وتأسست مراكز علمية وحضارية، أصبحت نموذجًا للحضارة الإسلامية، ومراكز دخلت في التاريخ بصفحات خالدة، تذكرها الشعوب في كل زمان ومكان، ومن أهم هذه المراكز: مدينة زيلع، ومدينة هرر، ومدينة بربرة، ومدينة مقديشو، ومدينة مركا، ومدينة براوة، ومدينة ولله، ومدينة دكر، ومدينة بلحادر.

الفصل الثالث: الطرق الصوفية

يقول المؤلف في هذا الفصل إن التصوف الإسلامي في الصومال، أول مدرسة للفكر الإسلامي، عاش فيها المجتمع الصومالي بروائعها منذ التاريخ، ويتميز التصوف الإسلامي الصومالي؛ بتقديم نموذج من رواد وعلماء أجلاء، اشتهروا بالعلم والمعرفة ونشر الدعوة الإسلامية، وشملت حركاتهم العلمية أمصارًا عديدة من العالم الإسلامي؛ من أفريقيا والجزيرة العربية ووادي النيل.

ويبين أنه كان في الصومال زعماء تقليديون ودينيون، والزعيم الديني من أكبر المؤثرات الاجتماعية للشعب. وتُعَدّ الطريقة القادرية؛ الطريقة الأكثر اتِّباعًا ورواجًا بين أهل الصومال الكبير - والعفر- والجالا؛ حيث تصادفك مراكزها أينما ذهبت، ويتردد اسم عبد القادر الجيلاني أينما حللت.

والمدرسة هي النقطة الأساسية لترسيخ نور الإسلام وتحفيظ الطالب القرآن الكريم، وأماكن تحفيظ القرآن الكريم في الصومال تسمى(الدكس)؛ بمعنى المكان الآمن الذي يتحصن به الإنسان. وتُعَدُّ هذه الخلاوي أهمّ أكاديمية يتعلم فيها الأطفال الصوماليون منذ زمن بعيد، وهناك بعض الدروس التي يتلقاها الطالب الصومالي من المدرسة؛ مثل النحو والصرف والفقه والأحاديث، تدرس لطبقة الأكابر من طلاب التحفيظ، ولكن مهمة تعليم الشريعة الكبرى، تأتي بعد حفظ القرآن، والطالب يتوجه حينها إلى أماكن التعليم.

وهناك نظم وآداب يتوارثها الصوماليون من جيل إلى جيل، والشرف يرجع إلى علماء الصوفية؛ الذين كلما خطوا خطوة إلى الأمام، تخطو أقدام الطلبة والمعلمين معهم حذوًا بحذو، ومنها دور مدرسة القرآن الكريم في الترابط بين أبناء الشعب الواحد.

ويذكر بعض الطقوس التي يرى أنها تدخل في التكافل الاجتماعي بوساطة تحفيظ القرآن في الصومال، نحو إذا اشتد الظمأ وانقطعت الأمطار؛ فإن الأهالي يفزعون إلى طلاب الدكسي طلبًا للاستسقاء؛ مع الوعد بالعطاء إذا نزل المطر وانكشف القحط؛ فيخرج الطلاب وعلى رؤوسهم اللوح المكتوب بقوله تعالى: ((فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا))، وفي يوم الخميس يجتمع المعلم والطلاب في المدرسة، وهم فرحون لما سيقبلهم بعد الدقائق من عطلة يوم الجمعة، ومعًا ينفِّذون أيضًا تكافلًا اجتماعيًا، ومن هذا التكافل:

1. الدعاء لوالدي الذين ماتوا ويقرؤون 11 مرة من سورة الإخلاص.

2. قراءة المدائح النبوية وإنشاد القصائد النبوية في مدح الرسول(صلى الله عليه وسلم).

3. وإذا كان هناك مريض يقرؤون عليه الفاتحة أو سورة(يس) لطلب الشفاء.

4. وبعض كبار الطلبة يتولون شؤون المعلم؛ إذا كانت له مزرعة يحرثونها، أو بئرًا يحفرونها.

5. إذا كانت هناك ضالة منشودة يقرؤون الفاتحة ليردها الله لصاحبها.

6. والدعاء للمعلم؛ المعروف بدعاء(الشفاء)؛ مثل اللهم أجر معلمنا ومعلمه. والمعلم في الصومال هو الحافظ للقرآن الكريم.

وتُعَدُّ مراكز الطرق الصوفية في الصومال؛ محل العلم والتعليم، ومشايخها أساتذة ومعلمون بهذه المراكز، والعلوم الدينية والعربية مواد التدريس، وطلاب الحلقات يتلقَّون كل ما تلقي الطرق من تربية وتنشئة، ولم تجد الصومال أي مؤسسة تربوية؛ إلا المؤسسة الدينية الصوفية قبل المدارس الحديثة.

الفصل الرابع: نشأة الممالك الإسلامية في بلاد زيلع

ويعرض في هذا الفصل بعض المدن والإمارات إسلامية الصومالية؛ عُرِفت بدول الطراز الإسلامي، وهي عبارة عن سلطنات إسلامية، امتد حكمها على شريط ساحل البحر الأحمر الجنوبي، وساحل المحيط الهندي إلى داخل الحبشة، ومن أبرز هذه الدول أو السلطنات:

_ سلطنة شوا الإسلامية (283 – 684) هجرية/ (896 - 1285م).

ظهرت هذه السلطنة في إقليم شوا، الذي تقع فيه حاليًا مدينة أديس أبابا عاصمة إثيوبيا، وهذه المنطقة كانت أرضًا سهلة وخصبة، يشتغل أهلها بالزراعة والرعي، وانتشر الإسلام فيها في وقت مبكر، ونشأت فيها سلطنة شوا الإسلامية، واتخذت عاصمتها مدينة كانت تُسَمَّى(ولله)، وأسس هذه السلطنة أسرة عربية قريشية من بني مخزوم، هاجرت إلى هذه المنطقة، ويرأسها رجل اسمه ود بن هشام المخزومي، ومن سلاطينها نساء مثل السلطانة(ماديت بنت مايا ت455هـ)، و(فاطمة بنت إيدراجن) التي تزوجت السلطان مالزرة سنة 642هـ.

_ سلطنة أوفات(684 _ 805هـ)، قامت هذه السلطنة في بلاد الزيلع، الصومال الكبير، وتُعَدُّ أقوى وأوسع السلطنات الإسلامية التي تُعرَف بممالك الطراز الإسلامي؛ أو ممالك زيلع، وكانت هذه الممالك تمتد من مصوع شمالًا حتى مقديشو جنوبًا وما وراءها، وكان طول بلاد زيلع برًا وبحرًا؛ مسيرة شهرين، وعرضًا أكثر من شهرين، ويتكون سكانها من أجناس مختلفة؛ من عرب وسكان أصليين في المنطقة، وتولى حكم هذه السلطنة سلاطين من أسرة تنتمي إلى عقيل بن أبي طالب(رضي الله عنه).

وكانت هذه السلطنة تسيطر على مدخل البحر الأحمر من ناحية الجنوب الغربي، وقد جعلها موقعها أقوى الممالك الإسلامية؛ لسيطرتها على المراكز التجارية والموانئ، وسهَّل اتصالها بالعالم الإسلامي. بلغت هذه السلطنة نهضة وازدهارًا؛ حيث كانت السلع رخيصة، والعملة التي كانت تستعملها كانت الدرهم والدينار، ويشير المؤرخ العربي(المقريزي) أن هذه السلطنة كانت عامرة كلها بالقرى والمدن، ومن أهم المدن التي كانت تابعة لهذه السلطنة:

1. مدينة زيلع، وكانت مدينة مشهورة، ولها سوق كبيرة، وتقع على ساحل البحر الأحمر، وتُعَدُّ من أشهر المدن التاريخية.

2. ميناء عدل، ويقع على رأس خليج تاجورة.

3. هرر، وهى مدينة تاريخية، تقع في المناطق الداخلية. ومدن أخرى مثل: بقلزرة، وكلجورة، وسيق، وشوا، وأنطوكية وجندبلة، وغيرها من المدن القديمة التي لم يَعُد لها أثر.

ومن المشاهِد التي تدل على ازدهار حضارة سلطنة أوفات وتقدُّمها، أن سلاطين أوفات لا تقِلّ الفخامة والمظهر عن غيرهم من سلاطين العالم الإسلامي؛ حيث كان للسلطان بساط عامر ممدود، واتصف سلاطينها بالبذل والسخاء، وكان الوزراء والقضاة والفقهاء والشيوخ يجتمعون في مجلس السلطان الذي يجلس على كرسي من حديد مزخرف بالذهب، ويقف خلفه رجلان يحملان السلاح. وفي موكب خروجه، كان يحمل مظلة من حرير، ويتقدم أمامه فرقة تضرب الدفوف وأبواقًا من خشب على رأسها قرون، ويلبس السلطان عصابة من حرير حول رأسه، والفقهاء يلبسون العمائم، وعامة الناس يلبسون أكواف بيضاء، وركائبهم كانت الخيول. وكان السلاطين يحترمون العلماء والفقهاء، وكان لهم إلمام بالعلم، وعندهم قدر من الفقه، وخاصة الفقه الشافعي.

_ سلطنة عدل 817 - 980 هجرية 1577 - 1414م، قامت هذه السلطنة في عام 817 هجرية، وجعلت عاصمتها مدينة(دكر)، وأخذت من اسمها ميناء عدل الذي يقع على خليج تاجورة، وكانت لها عدة موانئ؛ منها ميناء عدل وميناء زيلع وبررة، وكذلك مدن داخلية مثل: هرر، وزيقة، وكداد، وزعكة، وهوبت، زشمنجود، وسيم.

_ مملكة فطجار، كانت هذه المملكة تقع حول الجزء الأوسط من نهر هواش في شماله وجنوبه، وكانت ممتدة حتى مدينة لالبيا شمالًا، وفي هذه المملكة عدة مدن وقرى، منها: مثل مدينة أماجة وجان زلق ومسين وبادقى وبرارة وشمبر كورى، كانت هذه المملكة تقع في أرض خصبة؛ حيث كان نهر شبيلى يحيط أرضها، وفيها روافد كثيرة، وهذا ما جعل لها فرصة لزراعة الأرض الصالحة، وفرصة الدفاع والمقاومة ضد أي هجوم خارجي يقع عليها، بسبب موقعها الاستراتيجي، والطبيعة الجغرافية لأرضها، لما فيها من أنهار عديدة.

_ مملكة دوارو، كانت هذه المملكة تقع جنوب سلطنة أوفات، وفي الجنوب الشرقي لمملكة فطجار، وتتشابه ظروف الحياة فيها مثل ممالك زيلع الإسلامية، وكانت مساحتها تبلغ مسيرة خمسة أيام طولًا، ومسيرة يومين عرضًا، وكان فيها عدد كبير من المدن؛ مثل مدينة ونباريه، وكحل برى، وزميت، وباب سرى وغيرها من المدن.

_ مملكة بالي، تقع مملكة بالي جنوب مملكة فطجار، ويفصلها عن مملكة دوارو نهر شبيلى، وفيها منابع وروافد نهر جوبا، الذي ينحدر جنوبًا ويصب في المحيط الهندي في جنوبي الصومال، وتشمل هذه المملكة أرضًا واسعة بين نهر شبيلي وجوبا، ولها مساحة واسعة، تبلغ مسيرة عشرين يومًا طولًا، ومسيرة ستة أيام عرضًا، وتمتعت بغناها ووفرة خيراتها وطيب هوائها وخصب أرضها، وسكانها كثير، وكانت عاصمتها مدينة بالي، كما كان لها مدن أخرى، مثل ميزا وقماقمة ومالو وأدل جات ودل باد، وغيرها من المدن.

_ مملكة دارة، تقع مملكة دارة جنوب مملكة بالي، وربما كانت جزءًا مما يُعرَف حاليًا بإقليم بوران، أو لعلها هي مدينة درر، التي تقع غربي إقليم بالي، وتقل مساحة هذه المملكة عن مساحة ممالك زيلع، حيث تصل مساحتها مسيرة ثلاثة أيام طولًا، وعرضها مثل ذلك..

_ مملكة هدية، تقع مملكة هدية جنوب إقليم شوا وإقليم الداموت، وشمال إقليم كمباتا، وغرب البحيرة التي تُسمَّى حاليًا بحيرة زواي، وتصل مساحتها مسيرة ثمانية أيام طولًا، وتسعة أيام عرضًا.

_ مملكة شرخة، تقع مملكة شرخة جنوب مملكة هدية، ومساحتها صغيرة، إذ تصل مسيرة ثلاثة أيام طولًا، ومسيرة أربعة أيام عرضًا، وكانت تشبه حياتها نمط الحياة في ممالك زيلع الأخرى، مثل زراعة الحبوب والفواكه والبقول.

_ سلطنة مقديشو 296 - 905 ه/ 907 - 1500م، ظهرت مقديشو بعد هجرة قوم من بني الحارث العربية؛ الذين أتوا من منطقة الأحساء، وجاؤوا بثلاث سفن مع أولادهم ونسائهم وأتباعهم، واستقروا على ساحل بنادر، وبنوا مدينة مقديشو عام 296هجرية، وسبقهم في المنطقة هجرات أخرى؛ مثل الهجرة الزيدية التي وصلت إلى ساحل بنادر سنة 122هـ، ويشير الشريف عيدروس في كتابه(بُغية الآمال في تاريخ الصومال)، إلى أن نحو 39 قبيلة وصلت إلى ساحل بنادر من اليمن والعراق، وعرف العرب هذا الساحل، واعتنق أهلها الإسلام على أيديهم، وهناك نقوش تاريخية تدل على انتشار الإسلام في هذه المنطقة في وقت مبكر، منها نقش عربي يعلوه(بسم الله الرحمن الرحيم)، مكتوب على قبر سيدة تدعى(فاطمة بنت عبد الصمد يعقوب)؛ المتوفاة عصر يوم السبت 22 جمادى الأولى سنة101هـ، ونقوش أخرى على قبر سيدة تُسمَّى(حاجة بنت مقدام محمد)؛ المتوفاة في 5 من ذي الحجة 138هـ. وهذه النقوش دليل واضح على سبق الإسلام في بلاد الصومال، وانتشاره في وقت مبكر.

وانتشر بأيدي الدعاة والعلماء، وهجرات الأسر العربية التي وصلت إلى هذه المنطقة في مطلع القرن الأول الهجري. وأكثر الهجرات تأثيرًا؛ هي هجرة بني الحارث؛ الذين بنوا مدينة مقديشو ومدنًا أخرى؛ مثل برواة ومركا وكندرشي وورشيخ، وغيرها من القرى والمدن المطلة على ساحل بنادر. وتطورت مقديشو في عهد بني الحارث، وقاموا ببناء سور لحمايتها، وكان لهم حركة تجارية واسعة، كانت لها علاقة مع المدن الساحلية حتى موزمبيق، ونظرًا لتجارتها الرابحة؛ ازدهرت مقديشو، وتعدَّد بناؤها؛ حتى بلغت الطوابق إلى أربعة طوابق وخمسة في سنة 837هـ، وتم بناء مساجد وجوامع ومقابر، وتوسعت المدينة حتى أصبحت حيين؛ وهما حي حمر وين وحي شنغاني، وحي حمر وين كان حيًا عربيًا؛ حيث يسكنه العرب، وأخذت مبانيه النمط العربي والطراز المعماري الإسلامي، وأما حي شنغاني فكان حيًا فارسيًا، حيث استقرت فيه أُسَر من نيسابورا في بلاد فارس، وانتشرت الثقافة العربية حتى أصبحت مقديشو مدينة عربية، ولم تتأثر بالثقافات الأخرى الفارسية والهندية.

ووصف الرحالون العرب مدينة مقديشو؛ أنها لؤلؤة المحيط الهندي، لجمال مبانيها المبنيِّة على الطراز الإسلامي البديع، ووصف ابن سعيد المغربي، بأنها مدينة الإسلام المشهورة في ذلك الصقع، والمتردد ذكره على ألسن المسافرين.

وفى أواخر القرن الخامس الهجري؛ حوالي 495 هجرية، قامت في مقديشو سلطنة إسلامية، تأسست على أيدي بني الحارث، وظلت حتى نهاية العصور الوسطى، وكانت سلطنة مقديشو تشمل معظم المدن الواقعة على ساحل بنادر؛ مثل مركا وبراوة وورشيخ وكندرشي، حتى كسمايو وما بين نهري شبيلي وجوبا، وتولى حكم هذه السلطنة سلاطين من بني الحارث حتى القرن الثامن الهجري، ثم تولى حكمها سلطان من قبيلة أبجال، وهو السلطان الشيخ أبو بكر بن شيخ عمر، وكان حكمه في الزمن الذي وصل ابن بطوطة إلى مقديشو، ثم عاد الحكم إلى بني الحارث، واستمر حتى ظهور البرتغاليين في بداية القرن السادس عشر الميلادي.

معالم الحضارة الإسلامية في بلاد زيلع

تركت هذه الممالك والسلطنات تراثًا حضاريًا إسلاميًا؛ من معالم عمرانية ومدن تاريخية ومخطوطات نادرة وثقافة زاهرة، انبعثت من مراكز حضارية، ومنها:

_ مدينة هرر، التي تأسست في القرن الهجري الأول، ويوجد فيها 114 مسجدًا، وأكثر من 90 قبة من قباب أضرحة العلماء والأولياء. وهذه المدينة مسورة، ولها خمسة أبواب، ولكل باب اسم ونافورة مياه، ومن أسماء أبوابها؛ باب النصر وباب الحكيم وباب الفتح وباب الرحمن، وهذه المدينة المسورة، سماها بهرر؛ العلامة الجليل المؤسس الثاني؛ الشيخ عمر الرضى(أبا در)، وهذه المدينة(هرر) وحضارتها في طريقها حاليًا إلى الانقراض، ولم تجد حماية...

 _ زيلع، ويوجد فيها المسجد ذو القبلتين، وقد أنجبت هذه المدينة الكثير من العلماء الأفذاذ. وكانت الأراضي الصومالية تُعرَف ببلاد زيلع؛ نسبة إلى مدينة زيلع الواقعة على الساحل الجنوبي للبحر الأحمر، وكانت مركزًا حضاريًا وميناء تجاريًا، وعاصمة لكبرى السلطنات الإسلامية في العصور الوسطى، وفيها قامت الحضارة الإسلامية.

_ مقديشو- لؤلؤة المحيط الهندي

_ براوة، أسَّسها العرب في عام 365هـ، ويذكر بعض المؤرخين أن جماعات عربية سكنت برواة حوالى 287هـ، وكانت منطقة ذات غابات كثيفة، وتوالت الهجرات العربية؛ حتى وصلت قبيلة بني حاتم الطائي الذين وصلوها سنة 900هـ، وازداد مبانيها وعمرانها، وأقاموا المساجد والجوامع، وانتشر الإسلام في المناطق المجاورة؛ حتى أصبحت براوة مركزًا مشهورًا بالعلم والعلماء وتفقُّه الناس بالدين الإسلامي، وانتشرت الثقافة العربية الإسلامية، واشتهرت مبانيها بالزخارف والنقوش والكتابة العربية، وفيها مساجد قديمة ونقوش تظهر على مقابر للمسلمين؛ يعود تاريخهم إلى سنة 498هـ. وانتشرت الطرق الصوفية، وخاصة الطريقة القادرية، وهي أقدم وأوسع انتشارًا للطرق الصوفية.

_ مدينة مركا، أسَّسها العرب من بني الحارث، وسكنتها الأُسَر العربية المهاجرة، ونزلها في 672هـ، أمير من أمراء العباسيين، كان اسمه أمير عمر، وأمه؛ وكان اسمها عائشة، واستقرا في مركا بعد هجرتهما إلى بلاد الصومال..

_ بربرة، مدينة تاريخية، ومركز حضاري وميناء تجاري من أشهر موانئ المنطقة، ذاع اسمها في العصور الوسطى؛ حيث كانت منبعًا اقتصاديًا لتجارة بلاد زيلع، وسوقًا كبيرة لمسلمي القرن الأفريقي، كانت لها علاقة مع المراكز التجارية والحضارية في العالم الإسلامي، وزارها معظم المؤرخين والرحالة المسلمين..

وكان يعرف سكان المنطقة بـ«برابرة»؛ نسبة إلى بربرة، وكانت محور اهتمام القوى الدولية التي كانت تطمع في المنطقة، فقد أحرقها البرتغاليون في القرن السادس عشر الميلادي، ونزل فيها الاستعمار البريطاني في نهاية القرن العشرين، كما كانت مركزًا تابعًا للدولة العثمانية والحامية المصرية قبل وصول الأوروبيين، ويُعَدُّ أهم ميناء في القرن الأفريقي لموقعه الاستراتيجي؛ الذي يفصل بين خليج عدن والمحيط الهندي، إضافة إلى تاريخ مدينة بربرة العريقة؛ وبربرة مركز من مراكز الدين الإسلامي، وفيها مبانٍ قديمة، يعود تاريخها إلى القرون الوسطى، وهي مبانٍ مبنية على الطراز الإسلامي العريق، وعلى النمط المعماري للحضارة الإسلامية البديعة، وفيها أضرحة لعلماء ودعاة كان لهم تاريخ خالد في الإسلام. وهناك مدن تاريخية كانت يومًا من الأيام مركزًا للشعاع الحضاري الإسلامي في المنطقة، ومعظم المدن التاريخية في المنطقة اندثرت آثارها، ولم يبقَ منها شيء إلا مزار العلماء وقباب أضرحتهم؛ مثل مدينة أوبرخدلي...

الرحالون العرب في بلاد الصومال

كثر الرحالون والمؤرخون العرب المسلمون الذين زاروا وتحدثوا عن بلاد الصومال، وقدَّموا أهم المعلومات التاريخية في ما يُعرَف ببلاد زيلع في العصور الوسطى، في عهد الممالك والسلطنات الإسلامية؛ منهم:

1. المسعودي أبو الحسن على بن الحسن (957 - 915 هجرية).

2. اليعقوبي أحمد بن إسحاق اليعقوبي؛ المتوفى 905م.

3. ياقوت الحموي.

4. الإدريسي أبو عبد الله بن إدريس الصقلي.

5. ابن سعيد.

6. ابن الحوقل

7. ابن بطوطة.

الباب الثاني: العروبة في الصومال

الفصل الأول: الحياة الاجتماعية

الحياة الاجتماعية في الصومال، تعتمد على النظام القبلي؛ القائم على التكافل والتعاون بين أفراد القبيلة، وتتعامل القبائل بأعراف وأحكام اجتماعية، تتحاكم بينها في قضاياها المتعددة. ويشبه هذا النظام إلى حد ما؛ النظام القبلي العربي، ولعله مأخوذ منه، وخاصة من حيث تقسيم الجماعات؛ فالوحدة القبلية الكبرى عند العرب هي القبيلة، تتفرع منها وحدات أصغر؛ هي البطن والفخذ والفصيلة، وكذلك النظام القبلي في الصومال.

الأسرة الصومالية تنتسب إلى الأبوية، والمرأة تأخذ دورًا فعالًا في حياة الأسرة بحرية تامة، وتعتمد حقوقها على الشريعة الإسلامية، وهنا عادات كانت قبل الإسلام وما زالت قائمة حتى الآن؛ مثل أن يتزوج الأخ زوجة أخيه بعد وفاته، ويُعرَف في الصومالية(دومال)، والختان الفرعوني، والزواج في الصومال قائم على أساس الشريعة الإسلامية من ناحية النكاح، وأما الخطبة وما يُقدَّم لعائلة العروس؛ فأخذوه من العادات الصومالية القديمة. والصوماليون قومية واحدة، ولغة وثقافة وتقاليد واحدة، مسلمون 100٪، ومذهبهم المذهب الشافعي.

وتمثل شريحة أهل البادية القسم الأكبر من الشعب الصومالي؛ حيث يمثل عدد سكان البادية نسبة 60% من جملة سكان الدولة، وتقيم في عدد من الأراضي ذات المساحات الشاسعة، وتزاول مهنة الرعي ذات الدخل الجيد؛ كونها تحتل مكانة مرموقة في الاقتصاد الصومالي، وأهم ما يميز سكان البادية؛ نزعتهم للتنقل والترحال وعدم الاستقرار في مكان واحد، وتبلغ المساحة الصالحة للرعي في البلاد حوالي 57% من مساحة جمهورية الصومال، وتمثل هذه المساحة نحو 13.4% من جملة مساحة مراعي الوطن العربي؛ البالغ قدره نحو 267.72 مليون هكتار. ويقوم نمط معيشة البداوة الأساس على تربية المواشي والرعي والترحال؛ تلاؤمًا مع البيئة الصحراوية، وتكوَّن تاريخيًا؛ نتيجة لتفاعل دائم وطويل مع هذه البيئة، استجابة لحدودها وقسوتها ومتطلباتها.

والأسرة الصومالية أسرة ممتدة؛ مكونة من الأب والأم والأولاد وأقارب الوالد وأقارب الوالدة. فيعرف الفرد أخواله وأعمامه، فيكون الفرد منتميًا إلى جانبين؛ جانب والده وجانب والدته، ويتلقى الابن تقديرًا واحترامًا من جانب الأخوال، ومسألة المصاهرة من أهم القضايا التي تتحكم في الزواج في الصومال، وهذه المسألة لها أهمية في المجتمعات التي فيها تركيب قبلي، وفيها نزاعات؛ أو ممكن أن يحدث فيها نزاع. وإن كان المثير للعجب أن أكثر القبائل نزاعًا في الصومال هي القبائل التي بينها مصاهرة.

الزواج بين الصوماليين ليس بعقد بين الرجل والمرأة؛ أي مسألة فردية فحسب، بل هو اتفاق بين عائلتين، كما أنه أيضًا ذو أهمية بالغة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية؛ بحيث إنه يمتد أحيانًا إلى أبعد من مصلحة الزوجية، فأقارب الزوج لهم اعتبار في اختيار العروس، وفي حالات كثيرة تنتظم عملية الزواج بين الأسرتين، فليس التفضيل الشخصي بالشيء الذي يُعمَل له حساب، ولكن مصلحة الجماعة فوق ذلك الاعتبار. ومن هنا يُعَدّ الزواج شأنًا عائليًا مجتمعيًا؛ أكثر من كونه شأنًا فرديًا. تُرتِّب العائلة الزواج وليس الفرد كعنصر فحسب، في ضوء مصالحها وطموحاتها ومفاهيمها حول الجمال والمال والأخلاق؛ مسترشدة بالتقاليد الموروثة. على الصعيد الرسمي؛ على أن التقاليد تنظر إلى الزواج على أنه وسيلة لإنجاب الجنس البشري، وتأمين التكامل، وتقريب الروابط بين أعضاء الأسرة، وخطط الملكية الخاصة بالتوارث.

والتنشئة الاجتماعية في الصومال، تم تعديلها بعد ظهور وسائل التنشئة الحديثة (الإعلام- المدارس- المجتمع الحضري)؛ حيث كانت من قبل فلسفة قائمة بأساليب تقليدية، ورغم أن وسائل التنشئة التقليدية(الأسرة- كُتَّاب تحفيظ القرآن الكريم - المجتمع القبلي- البيئة الصحراوية – الطريقة) قائمة حتى الآن؛ إلا أنها تأخذ شكل الحداثة؛ وخاصة في المدن.

المجتمع الصومال مجتمع رعوي، تأخذ تنشئة البادية دورًا مهمًا في أطوار التنشئة الاجتماعية، والأم الصومالية حيث تربي أطفالها؛ تربي بالنمط الذي تلقت تربيتها به، وتنشئة البادية هي الركيزة الأولى للتنشئة الاجتماعية في الصومال.

الفرد الصومالي يخضع لتعاليم الدين الإسلامي عند الزواج، ويرجو أن يبارك الله بيته، وعند ولادة المولود؛ يتقرب إلى الله ويدعو المشايخ والعلماء، ويفضِّل أن يسمي المشايخ مولوده باسم ديني يوافق الإسلام، ويقدَّم إلى الكُتَّاب لتحفيظ القرآن الكريم في سنه الخامس أو السابع، ولذلك؛ فإن شعور تعاليم الإسلام ودورها في تعديل سلوك الفرد في البادية والمدن تتقارب.

وللقبيلة مكانة خاصة ومرموقة في نفوس الصوماليين؛ حيث إنها تُعدُّ من المقدسات التي لا يجوز المساس بها، وتتكون القبيلة من مجموعة من القِيَم والمُثُل العليا؛ بوصفها إطارًا عامًّا يحكمها، ويسير أفرادها على نهجها.

وعند ولادة طفل ذكر؛ يحتفلون بإطلاق الزغاريد وبالغناء والرقص، ويُربَط حبله السري (عند الولادة) بشعر من ذيل حيوان حلوب، قد يكون ناقة أو بقرة أو ماعز، وأول ما يفعل والد الطفل ساعة ولادته، أن يوزِّع على الفقراء ما يُسمَّى(بشارو) من الكلمة العربية (بشارة)، وفي سنواته الأولى تحمل الأم وليدها على الظهر، وترضعه وتداعبه، وتوفر له كل سبل الرعاية والرحمة، وبعدها يُسمَح للجميع أن يداعبوه ويحملوه، ويُفطَم الطفل في سن الثانية في المعتاد، وتحمل الأم طفلها على ظهرها داخل شريط عريض من القماش؛ تربطه إلى وسطها. وفي السنة الثالثة يُسمَح له أن يتشارك مع الأطفال اللعب، وتختلف تنشئة البنات والبنين في البادية الصومالية؛ فتتلقى الفتاة تربية خاصة في الصغر، تتعلم الحشمة والاستحياء وملازمة اللبس والتستر.

وتتعلم البنت الصومالية قِيَم امرأة البادية في سن الصغر؛ مثل غطاء شعرها وعورتها، وعدم مخالطة الرجال واللعب مع الأطفال، وعدم تناول الطعام أمام الرجال، وتكون مرادفة لوالدتها، أما الطفل فيتعلم أن يرفع صوته، وأن يكون شجاعًا، والوالد يتولى مسؤولية تنشئة الولد أكثر من البنت. ولا بد أن تبرُز منه بوادر الرجولة في سنواته الأولى من العمر، وحتى يصل إلى سن الخامسة لا يفلت من يد والدته، وتشارك رعايته الجدة والأخوات والخالات. وبعدها يُكلَّف بمسؤولية ما؛ مثل أن يتولى رعي الغنم وتعلُّم القرآن الكريم وممارسة الألعاب التي يمارسها أطفال البادية، وأهم الواجبات المُكلَّفة على طفل البادية؛ هي أن يذهب إلى الكُتَّاب لتحفيظ القرآن الكريم، ويحرص أهل البادية على تعليم الأطفال القرآن الكريم.

والفتاة في البادية إذا بلغت السادسة؛ تُكلَّف بأن ترعى الغنم مع أخواتها، وإذا بلغت العاشرة تتولى مسؤولية رعي الغنم. وأعمال المرأة والرجل مُقسَّمة في البادية؛ حيث تتعلم وتتولى المرأة رعي الغنم ورعايتها، وجمع الحليب وتحويله إلى رائب، وإخراج الجبن وعملية الغزل والنسيج؛ مثل صناعة الحصر من الأعشاب والحشائش، أما الطفل فعليه أن يتعلم مسؤولية رجل البادية، منها رعي الإبل والدفاع عن الأسرة والإبل، وتولِّي مسؤولية عيش الأسرة والإبل؛ مثل اكتشاف مناطق الكلأ والعشب التي توفر العشب والماء، ويتعلم الأمثال والحِكَم، ويشارك اجتماعات الأسرة والعائلة.

إذا بلغت البنت السنة الثانية، تخدم والدها وتأخذ له الحذاء، وتخدم والدتها، وتقول الوالدة لابنتها في هذه المرحلة: تعالى يا ابنتي أعطني هذه - هذا وذاك، وتطيع البنت والدتها، وتأخذ لها كل شيء من خدمات المنزل، وتهيئتها للأمومة؛ لتكون نموذجًا لمنزلها في المستقبل، إذا لم تنجح الفتاة بتدبير منزلها بعد الزواج؛ العيب والعار على أمها التي لم تربها على تحمُّل مسؤولية المرأة.

المجتمع الصومالي وأهمية الكُتاب(الخلاوي) الدكسي

إن كلمة الدكسي - كلمة صومالية معنى واستعمالًا، ولها معانٍ عدة، ولكن المقصود بها هنا هو المكان المخصوص الذي يتعلم فيه الأطفال عادة القرآن الكريم، وهي في هذا المعنى تقابل الكلمة العربية - الكُتَّاب - التي تستعمل للدلالة على هذا المعنى نفسه. ويُعَدّ الدكسي؛ المرحلة التعليمية الأولى للطفل الصومالي. في المدن والبادية. ويراعي الصوماليون إلحاق أبنائهم بالكُتَّاب لتحفيظ القرآن الكريم، قبل إلحاقه بأي جهة تعليمية أخرى. والوالد الصومالي يرى أن تربية أولاده تربية إسلامية؛ فريضة عليه، وأنه يُسأل يوم القيامة إذا تخلى عن تربية أولاده؛ فأصبح الدكسي أهم مركز لتنشئة الأجيال. إن المجتمع الصومالي من أهم المجتمعات الإسلامية لحفظ القرآن الكريم، ويشاركون في المسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم.

في سن السابعة أو الثامنة، يُرسَل الطفل إلى كُتَّاب تحفيظ القرآن الكريم(دكسي)؛ حيث يتعلم على يد فقيه، ويبدأ الطفل في الدكسي بتعلُّم الحروف الهجائية العربية، ويُعَدّ إتقانها بنُطْق بعض الكلمات، ثم يبدأ بتعلُّم القرآن الكريم.

ويذهب الصبيان إلى الدكسي مرتين في اليوم، إحداهما في الفجر، ويبقون حتى الظهر. والثانية في العصر؛ وينصرفون عند الغروب. وعند انتهاء التلاميذ من دروسهم اليومية في الصباح والمساء؛ ينشدون نشيدًا دينيًا.

وغالبًا يتعلم الصوماليون في الكُتَّاب تحت الأشجار المظللة وأكواخ واسعة، ويتعلم الطفل صناعة المِداد من الصمغ العربي، ويستعمل ألواحًا خشبية من الأشجار الصومالية ليتعلم بها القرآن الكريم.

ويُعَدّ الدكسي؛ المرحلة الاجتماعية أو المجتمع الثاني الذي يتفاعل به الطفل، ويتعلم فيه المعاملات الاجتماعية والاندماج به، ويتم في الكُتَّاب التكوين الشخصي والتفكير للطفل.

المساجد وتربية المجتمع الصومالي

دور العبادة لها أثر بالغ في التنشئة الاجتماعية وتربية الأولاد في الإسلام، ويتمُّ فيها الشحن الروحي وتنمية السلوك الأخلاقي للفرد المسلم.

وبعد إتمام الدراسة في الكُتَّاب، ينتقل التلميذ الذي يرغب في مواصلة الدراسة إلى المسجد؛ حيث يجري التعليم على هيئة حلقات دراسية، كما كان الحال في الأزهر، وليس له حدّ معين ينتهي عنده، فالتلميذ يجلس إلى أحد الشيوخ النابغين في المواد التي يفضِّل التخصص فيها، ويستمع إليه ويسأله ويدرس عليه؛ حتى إذا رأى أنه تعلَّم القدر المناسب، اكتفى بذلك، بعد أن يجيزه الشيخ، ثم ينتقل إلى غيره من المشايخ المتخصصين في علم آخر من علوم الدين(الفقه- الحديث- التفسير- التوحيد- الشريعة)، أو علوم اللغة العربية(النحو- الصرف- البلاغة- العروض).

ولا تزال حتى الآن المساجد تضم بين جنباتها طلابًا نذروا أنفسهم لتعلُّم العلم، ويُسمَّون طلاب المساجد، وأكثر المثقفين في الصومال قد درسوا في هذه المساجد.

تبدأ الدراسة في المساجد الصومالية من الأسهل إلى الأصعب، يتعلم الفرد الأربعين النووية، وكتبًا موجزة من الأحاديث النبوية، وكتاب سفينة النجاة، من الأحكام، والتفسير يبدأ من جزء عم، وكتاب الأجرومية من النحو، وكتاب لامية الأفعال، من الصرف. ومن كل فنون العلم. يتلقى الطالب بدايتها وأسهلها؛ حتى يصل إلى درجة التمكن وعمق دراسته.

الفصل الثاني: الانتماء العربي في الصومال

الانتماء حاجة إنسانية فطرية، يرغبها الإنسان في مسيرة حياته؛ لتوفير طمأنينة حاجاته النفسية والاجتماعية. ويبين الانتماء في بلاد الصومال إلى الإسلام بصورة تامة، وكذلك الانتماء إلى العرب، كما أن العروبة ليست نمطًا ثقافيًا فحسب؛ بل هناك جماعات عربية النسب والسلالة، وبانتسابها العربي؛ ظلت ثقافتهم عربية، وأسهموا في بسط ثقافتهم وتعريبها، وهذه الجماعات؛ مثل جماعات الجزيرة العربية- مصر- الشام- الصومال.

وقد جعل دعاة العروبة وفلاسفتها؛ أسس ومقومات الوحدة العربية تتحدد في اللغة العربية وفي التاريخ المشترك، وفي الدين ووحدة الأرض. ويُلاحَظ أن انتشار الإسلام كان عاملًا أساسيًا في انتشار التعريب في الصومال، والعلاقة التبادلية بين الإسلام والعروبة واضحة، لا تحتاج إلى بيان، كما أنها تجعل منهما وجهين لعملة واحدة، ترتكز على أن الإسلام هو رسالة السماء إلى نبي عربي، كما أن القرآن الكريم هو قاموس العربية الأول، قبل أن يكون كتابًا مقدسًا بمكانته الروحية(القرآن الكريم هو دستور الأمة الإسلامية، ومصدرها ومرجعها الأول، أنزله الله على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالعرب يقعون في قلب الإسلام).

لقد نشأ الإسلام عربيًا، ووصل إلى الأمم عن طريق العرب، وجاء كتابه بلسان عربي مبين، وتوحَّدت الأمم باسمه على هذا اللسان، فالعرب هم أمة الإسلام الأولى وشعبه المتميز، ولم ينهض الإسلام بغير اجتماع كلمة العرب ونهضتها، وليس في الدنيا جامعة أقوى وأقرب من جامعة تجمع العرب بالعرب، فاللغة واحدة، والأرض واحدة، والآمال واحدة، والتاريخ واحد... 

والانتماء القومي العربي في الصومال وديناميات المجتمع الصومالي، لها دوائر انتماء، فهو ينتمي إلى الدين الإسلامي، إلى الأمة الصومالية، إلى الأمة العربية، إلى أفريقيا، إلى الإقليم الجغرافي... إلخ. وتشارك مع هذه الدوائر جماعات مختلفة، وكل الانتماءات لها مستوياتها ومقاييسها حسب ترتيب الانتماءات للفرد الصومالي. يزيد بعضها وينقص بعضها، ترتفع وتنخفض - لازمة وغير لازمة، فالانتماء الإسلامي في الصومال؛ يأخذ المرتبة الأولى، وهو لازم ما دام الشعب الصومالي شعبًا مسلمًا 100%. والانتماء العربي مرتبط بالانتماء الإسلامي، فإذا كانت اللغة العربية لغة القرآن الكريم، ومصادر الدين الإسلامي؛ فالشعب الصومالي اتخذ اللغة العربية لغته القومية، ويجتهد لحفظها وحمايتها؛ بل تعطى التقديس والتقدير، تصل أحيانًا إلى حد التبرك.

أما الانتماء الأفريقي، فالصوماليون غير متحمسين له لغويًا ولا ثقافيًا، فهم غير متوجهين نحو أفريقيا الثقافة، وتماسك الجماعة بينهم وبين المجتمع الأفريقي(جنوب الصحراء)، ولا يتشاركون مع المجتمع الأفريقي في عاداته وتقاليده، فليس هناك تشابه بين الصومالي والإثيوبي، أو الصومالي والكيني في الحياة الاجتماعية، الصومالي يأكل ويفضل لحوم الجِمال، بينما لا يأكل ولا يفضل المجتمع الإثيوبي لحوم الجِمال ولا تربيتها.

الانتماء القومي العربي في الصومال، يأتي من أوائل الانتماءات في الصومال، يأتي بعد الانتماء الإسلامي، والصومالي أحيانًا، رغم أن القبيلة هي الأول في الشخصية الصومالية، إلا أنهم لا يعلنون انتماءهم القبلي أثناء ترتيب الانتماءات؛ فالانتماء العربي قوي ولازم، ولا يقبل الضعف؛ نظرًا لدور اللغة العربية في المجتمع الصومالي. وأنه معتمد على الإسلام، وعن عامل اللغة؛ فهذا الشعب قدم للغة العربية تضحية وكفاحًا لحفظ هويته القومية والثقافية والحضارية، وهذا ما أعجز الاستعمار عن القضاء على ثقافته.

إن للشعب الصومالي جذورًا تاريخية ضاربة في القِدَم، تؤكد انتماءه للثقافة العربية، وتبدأ حركة أخرى تهدف إلى تحرير الإنسان العربي الصومالي من التبعية الثقافية، وإلى تأكيد انتمائه إلى الأمة العربية، وكان من آمال الشعب الصومالي في تاريخه الطويل، أن يعود إلى حظيرة العروبة، ويتبوأ مكانته اللائقة بين أشقائه، وبعد أن أصبح الصومال عضوًا في الجامعة العربية، كان لا بد من تصحيح الأوضاع لبعض التراث العربي.

يعتقد الصوماليون أنهم ينحدرون من جذور عربية أصيلة، ويؤكد بعض المؤرخين هذا الاعتقاد، إذ يشيرون إلى أن القبائل الصومالية نزحت من الجزيرة العربية على فترات متباعدة منذ الألفية الرابعة والخامسة قبل الميلاد.

 ويرى عبد الغني سعودي 1974م، أنه ليس هناك أدنى شك في الوجود العربي منذ تاريخ غاية في القدم على السواحل الصومالية، وهو بطبيعة الحال سابق الإسلام، وكوَّن العرب بعد ذلك مراكز ساحلية، وفي الحقيقة كان الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، مصدر هجرات عديدة إلى شرق أفريقيا، وبلغت حركة الهجرة ذروتها في القرن السادس إلى القرن التاسع، واستقر بعضهم في الإقليم.

وبالمجمل أن الضمان الاجتماعي والثقافي الذي شهدته الصومال خلال مسيرتها التاريخية، هو الوجود العربي، كعرف وعنصر وكثقافة لها جذورها التاريخية، ولم تدرك ثقافة أخرى إلا الثقافة العربية، وهي ثقافة موروثة، قامت بها أعماق إسلامية، ونشأت بها المدن الصومالية الحضارية المعروفة، ونشرت بها اللغة العربية، وظلت اللغة الإدارية للممالك والإمارات الإسلامية في القرن الأفريقي.

 والنزعة الاجتماعية في الصومال نزعة عربية، فهذا الشعب لا يتعلق ولا يندفع إلا إلى الثقافة والحضارة العربية التي شهدها.

وقد تتابعت الهجرات العربية إلى أفريقيا الشرقية بشكل كبير، ويمكن أن نبدأ الحديث عما وصل منها إلى منطقة القرن الأفريقي، والتي كانت تُعرَف قديمًا باسم بلاد الزيلع والحبشة، والواقع أن بعض الهجرات العربية إلى هذه البلاد، كانت سابقة على ظهور الإسلام، وكانت أولى الهجرات العربية في عهد النبي(صلى الله عليه وسلم) في العام

الخامس من البعثة؛ عندما هاجر بعض المسلمين إلى الحبشة.

ووهناك عدة هجرات عربية وصلت إلى بلاد الصومال، كان لها تأثيرها الكبير في المجتمع الصومالي؛ منها:

1. هجرة جماعة من بلاد الشام 76هـ _ 695م.

2. هجرة سليمان وسعيد بن عياد الجندي العماني 83هـ _ 702م.

3. هجرة الزيدية 122هـ _ 740م.

4. هجرة الإخوة السبعة من بني الحارث من الأحساء 295هـ _ 913م.

الفصل الثالث: آراء في عروبة الصومال

هناك نظريات تذهب إلى أن الصومال وشعبها من شعوب الحامية الشرقية، وخاصة في الحزام شمال شرقي أفريقيا، أو دول القرن الأفريقي، ولا شك أن هناك تشابهًا أنثروبولوجيًا بين الجماعات في الصومال وإثيوبيا والسودان(شمال)، حتى أقصى صعيد مصر(أسوان)، وتُعَدّ هذه الجماعات؛ جماعات الحاميين الشرقيين، وقامت حضارات في مناطقهم، وكان بينها اتصال تجاري وحضاري.

قضية أصول الصوماليين وتاريخهم شعبًا ووطنًا، لم تتضح حتى الآن، وفيها جدل كثير في نظريتين، نظرية يعتقدها الأنثروبولوجيون وعلماء الآثار واللغويون والمؤرخون، وهي أن الصوماليين أصولهم حامية، وأنهم كانوا يعيشون في شمال شرقي البلاد منذ 3600 ق.م، ويستدل لهذا بوجود آثار القرن 12 الميلادي، والعلاقة التاريخية بين بلاد بونت ومصر. ونظرية أخرى؛ هي نظرية يعتقدها بعض المؤرخين، وهي إن اسم

الصومال الذي يُعرَف اليوم بالشعب والبلد، ظهر في القرن العاشر الميلادي وبعده، وأن هذا الشعب تفرَّع وتكاثر من تزاوُج جرى بين السكان الأصليين وعرب هاجروا من الشرق الأوسط، وتعتمد هذه النظرية على:

أ. آثار وُجِدت في مدن زيلع وبنادر، وهما من المدن التي أسسها العرب.

ب. حكايات متنوعة ليس لها مراجع، أن أصول الصوماليين من العرب، وهي روايات وحكايات يرويها الصوماليون الذين يعتمدون بها عروبتهم، ورغم كل الروايات التي يرويها الصوماليون، تدور حول عروبة الصومال وأصولها العربية؛ إلا أن كل المؤشرات التي قدَّمها المؤرخون واللغويون والأنثروبولوجيون، تصف أن الصومال من أصول حامية، ولاشك أن منذ زمن بعيد، كانت هناك علاقة بين العرب وسكان بلاد الصومال، وازدادت في القرن العاشر، وأثَّرت في الحركة.

والصوماليون بالمجمل العام يمتازون بطول القامة بوجه عام، ونحافة الجسم، مع تناسب أجزائه، وبروز الجبهة مع استطالتها، والأنف مدبب مستقيم، ويتدرج لون بشرتهم من البني الفاتح إلى البني الغامق، وقد يميل إلى السواد قليًا، وليس بينهم ملامح زنجية، ويتصف الصومالي بشخصيته المرحة الباشَّة بوجه خاص، وطموحه، ولعل هذه الصفات جعلت من الصومالي جنديًا ممتازًا عندما يجد التوجيه الحسن، وتأثير الإسلام قوي في أخلاق الصوماليين وحياتهم، وتحديد أهدافهم وحماسهم لتحقيق هذه الأهداف.

وهو(الصومالي)، بصفة عامة فارع الطول، طول القامة بالبوصة نحو 68، حسن القوام، كامل النمو، ذو جبهة معتدلة مستديرة، كالعناصر الحاميِّة تمامًا، وذو عينين نجلاوين غائرتين، وأنف قوقازي مستقيم، وفم منتظم رقيق، وشفاه غير غليظة، وشعر مجعد قليًا، ويتدرج لون البشرة من السُمرة الفاتحة إلى البني الداكن نوعًا، وهو (الصومالي) سريع الحركة شديد البأس، قوي الشكيمة، كثير الشجاعة والإقدام والجود والكرم، وهو تقيّ ورِع، من أشد المسلمين استمساكًا بالعروة الوثقى، يأخذ بالإسلام ويهتدي بهديه، وهو رقيق الشعور شديد الحس، يتأثر بما يراه أو يسمعه تأثيرًا عميقًا، يحافظ على ما ورثه من آبائه وأجداده من عادات وتقاليد، ويُعنى بحفظ نسبه وبلغته في أبنائه ليباهي بها.

كل من تكلم اللغة العربية؛ فهو عربي، كل من قدم حضارته بالعربية، جزء خالد في العروبة، العروبة هي العوامل التي تشترك فيها الأمة العربية؛ مثل اللغة العربية، الثقافة العربية، التاريخ المشترَك، الآمال والآلام المشترَكة.

ولقد صنَّف عالم الاجتماع المصري سعد الدين إبراهيم، الجماعات في الوطن العربي، حسب بُعْدَين رئيسين، هما الشعور بالانتماء العربي، والتحدث باللغة العربية كلغة أم، فتوصل إلى أن هناك أربع مجموعات؛ هي:

 1_ الجماعة الرئيسة التي تمثل أكثر من مجموع سكان الوطن العربي، وهي التي يتكلم أفرادها اللغة العربية، ويشعرون بالانتماء إلى الجماعة العربية.

2_ جماعات تتعلم العربية، ولكنها لا تُشارِك العرب حسهم القومي، ومن الأمثلة التي ذكرها؛ الطائفة المارونية في لبنان.

3_ جماعات ذات انتماء عربي، لكنها لا تتكلم العربية، جماعات الصومال وغربي السودان وأقطار شمالي أفريقيا.

4_ جماعات لا تتكلم العربية ولا تُحِسّ بالانتماء العربي، وأبرزها - في رأيه - الأكراد في شمالي العراق، وقبائل جنوب السودان، وقبائل البربر في المغرب والجزائر.

الفصل الرابع: دعائم الانتماء القومي العربي في الصومال

الانتماء معناه إحساس الفرد أو المواطن؛ أنه جزء لا يتجزأ من هذه الأسرة، وهو جزء من نسيج ذلك الوطن، لا يُحِسّ فيه بالغربة، ويفرح لأفراحه، ويحزن لأحزانه، فالانتماء إحساس وإدراك نفسي اجتماعي، يُترجَم في شكل من أشكال السلوك الاجتماعي ودرجاته. ويمكن قياسه من خلال الأفعال والأقوال وردود الأفعال.

ويشير قدري حفني، إلى أن الانتماء يعني في أبسط صوَره، شعور الفرد بأنه جزء من مجموعة أشمل، وقد تكون أسرة أو قبيلة أو حزبًا أو أمة، إلى آخر تلك القائمة الا نهائية من أنواع الجماعات البشرية. 

والانتماء القومي العربي في الصومال، هو شعور بالانتماء إلى الأمة العربية والعالم العربي، والانتماء إلى ثقافة العربية ولغتها، وهذا الانتماء يشمل انتماء العربي نَسَبًا؛ حيث لا يُنكَر انتساب القبائل الصومالية إلى النسب العربي - إن صحَّ ما تعتقده القبائل الصومالية. وكذلك يشمل الانتماء الثقافي؛ الذي تعدُّه الضمان والعامل الأهم؛ الذي يعطينا مدخلًا للانتماء القومي العربي في الصومال، وأما سياسيًا؛ فهذا الانتماء معروف منذ زمن، لم يتغيب ولم يُخطِئ في مساره السياسي، وما زال واقفًا إلى جوار الأمة العربية.

ونلاحظ أن الشعب الصومالي يشارك مع أشقائه العرب كل المعايير الاجتماعية والثقافية والسياسية، والانتماء القومي العربي في الصومال، له دعائم وركائز، تلعب دورًا في تحديد معالمها، وتشكيل شخصيتها، ومن هذه الدعائم:

أولًا: اللغة العربية:

تُعَدّ الصومال من الجماعات العربية التي تُحِسّ بشعور انتمائها العربي، وتُقِّدم الولاء للغة العربية، رغم أن الناس لا يتحدثون بها، إلا أنها لها دورها في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في الصومال، ونصَّت جميع الدساتير الصومالية، أن اللغة العربية هي اللغة القومية للبلد، فهي اللغة القومية للتعليم والخطب الدينية، وفَهْم الدين الإسلامي، وجميع الكتب الدينية مكتوبة باللغة العربية، وغالبية الناس تتكلم العربية الفصحى وتفهمها.

واللغة العربية في الصومال؛ تمثِّل روح الانتماء القومي العربي، ومحور الثقافة الإسلامية، ولم يتلقَ الصوماليون على مراحل حياتهم الفكرية والاجتماعية والثقافية إلا العربية. وتلقَّوْا ضغوطًا من خمس دول استعمارية، حاولت إبعاد الصوماليين عن عروبتهم وإسلامهم، ولكن البدوي الصومالي كافح وتصدى وتحدى المؤامرة؛ حتى حفِظ جذور ثقافته وكيان عروبته.

ويتفق جميع منظِّري القومية العربية، على أن اللغة تُشكِّل العنصر الرئيس الأهم في تحديد الهوية العربية. واللغة الصومالية لغة لها أدبها وبلاغتها، وهي التي جعلت الصومال بلد الشعر والشعراء، ونبغ من الصومال شعراء، قدمَّوا إلى الشعب فصاحة اللغة وسجع الكلام. حين تقرأ شعرًا صوماليًا، أو تستمع إلى أغنية صومالية باللغة الصومالية، تجد لذة المعاني والبُعْد البلاغي، ووصف خبراء اللغة، أن الصومالية تشبه اللغة العربية في نهج البلاغة ورونقه البديع والأدب، وحاول الاستعمار كتابتها بالحروف اللاتينية، ولكن لم يقبل الشعب الصومالي، واكتفى بأن يستخدم الصومالية في مَلَكته الشعرية، وتحدثها كلهجة، واستخدم اللغة العربية لغته القومية؛ في التعليم والدين ودواوين الحكومة والمعاهدات والاتفاقيات، ويمكن أن نقول إن للصومال لغتين، كل منهما لها مكانتها؛ اللغة العربية والصومالية.

ثانيًا: الدين الإسلامي:

الانتماء الإسلامي يأتي في الصومال مرتبة أولى، وفق الترتيبات الأولية للانتماءات المتعددة التي يدركها الفرد الصومالي، وأوضحت جميع البيانات الإحصائية في الاستبيانات التي أعدَّها الباحث للعينة والدراسة. أن الانتماء الأول للشعب الصومالي، هو الانتماء الإسلامي، ويدرك الفرد الصومالي فطريًا؛ حيث تهتم الأسرة الصومالية بتعاليم الدين الإسلامي، ويتلقى الطفل تعلُّم الإسلام فور التحاقه بالكتاتيب..

ثالثًا: الثقافة العربية

تتمتع الصومال بثقافة عربية عريقة، ممتدة إلى زمن قديم، وعاش المجتمع الصومالي بهذه الثقافة في مراحل حياته الاجتماعية والثقافية والسياسية، وتنبثق الثقافة العربية الصومالية من تعاليم الدين الإسلامي، الذي اعتنقه هذا الشعب منذ ظهور شعاع الإسلام، وفي خلال التحولات الاجتماعية والحراك الاجتماعي الذي طرأ على المجتمع الصومالي، لم يتغير النمط الثقافي إلى حد كبير، حيث يعتمد الشعب دائمًا في حاجاته؛ على تعاليم دينه، ويبدو من المتغيرات الاجتماعية في الصومال، أن الإسلام أزال عادات وتقاليد كثيرة كانت موجودة في المنطقة، وزاد تقاليد وعادات كثيرة من شبه الجزيرة العربية، يحملها الدُعاة والتجار المسلمون؛ فإن عامل الدين كان يتحكم في الحياة الثقافية للشعب الصومالي، فالثقافة العربية هي الرائدة والأصيلة في المنطقة، وأن كل ما جاء من العرب؛ تفاعل مع المجتمع، أكان عادات أو تقاليد اجتماعية.