معوقات أمام التحولات الأوروبية..
قطر تهدد بسحب الغاز من أوروبا: خطوة استراتيجية أم تصعيد سياسي؟
بين الضغوط الأميركية والخلافات الأوروبية الداخلية، تتجه أسواق الطاقة نحو مرحلة جديدة من التوترات، مع احتمالات إعادة تشكيل ديناميكيات العرض والطلب في واحدة من أكبر الأسواق العالمية.
استبقت قطر احتكاكًا متوقعًا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تزامنًا مع اقتراب تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب السلطة. في خطوة وصفت بأنها استراتيجية، لوّحت الدوحة بسحب مبيعاتها من الغاز إلى أوروبا، مبررة ذلك بقانون جديد فرضه الاتحاد الأوروبي يتعلق بالعمالة والضرر البيئي، مما أثار جدلًا واسعًا في أسواق الطاقة العالمية.
جاءت الخطوة القطرية بعد يومين فقط من تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على السلع الأوروبية إذا لم يزد الاتحاد وارداته من الغاز الأميركي المسال. هذا التصعيد الأميركي يهدف إلى تعزيز صادرات الغاز الأميركية وزيادة حصتها في الأسواق الأوروبية، على حساب الغاز القطري والروسي.
وتُعدّ قطر خامس أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا وإيران والصين. في عام 2023، استقبلت أوروبا نحو 15% من صادرات الغاز القطري، أبرزها 4.85 مليون طن لإيطاليا و3.2 مليون طن لبلجيكا. انسحاب قطر المحتمل من السوق الأوروبية سيوفر فرصة كبيرة للغاز الأميركي لتعويض نقص الإمدادات القطرية والروسية.
وأكد وزير الطاقة القطري سعد الكعبي، في مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز"، أن بلاده ستوقف صادرات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي إذا طبقت الدول الأعضاء قانونًا جديدًا بصرامة. ويُلزم القانون الشركات الكبرى بالتحقق من سلاسل الإمداد لضمان عدم استخدام العمالة القسرية أو التسبب في أضرار بيئية، مع فرض غرامات تصل إلى 5% من الإيرادات العالمية على المخالفين.
وقال الكعبي: "إذا كان هذا القانون يعني خسارة 5% من الإيرادات، فلن أبيع الغاز لأوروبا. هذه أموال الشعب القطري، ولا يمكنني تعريضها للخطر." وأشار إلى ضرورة مراجعة الاتحاد الأوروبي لهذا القانون بشكل شامل.
في 20 ديسمبر، كتب ترامب على منصته "تروث سوشيال" مهددًا بفرض رسوم جمركية على الواردات الأوروبية إذا لم يلتزم الاتحاد بزيادة وارداته من الغاز والنفط الأميركيين. يأتي ذلك في ظل جهود واشنطن لتقليل عجزها التجاري مع الاتحاد الأوروبي.
وعلى الجانب الآخر، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين استعداد الاتحاد لزيادة مشترياته من الغاز الأميركي لتقليل اعتماده على الغاز الروسي، تماشيًا مع خطط بروكسل للتخلص التدريجي من واردات الطاقة الروسية بحلول عام 2027.
رغم استعداد بعض الدول الأوروبية لتقييد واردات الغاز الروسي، تواجه بروكسل تحديات كبيرة بسبب الانقسامات بين الدول الأعضاء وضغوط تأمين إمدادات الطاقة بأسعار معقولة. ويقول مراقبون إن تأثير بروكسل على الدول الأعضاء يبقى محدودًا، خاصةً فيما يتعلق باستراتيجيات الشركات الخاصة لشراء الطاقة.
وتشير تقارير إلى أن المشترين الأوروبيين قد يتجهون نحو تنويع مصادرهم بالتعاقد مع دول الشرق الأوسط، مثل قطر والإمارات، مع دخول إمدادات جديدة إلى السوق بحلول عام 2026. ومع ذلك، من المتوقع أن تواجه إدارة ترامب القادمة صعوبة في تأمين التزامات كافية من المشترين الأوروبيين لتلبية زيادة صادرات الغاز الأميركي.
وتعتبر الخطوة القطرية ذات أهمية استراتيجية، حيث قد تقلص خيارات الدول الأوروبية والشركات الخاصة، مما يعقد الجهود الأميركية لزيادة صادراتها من الغاز إلى أوروبا. إذا نفذت قطر تهديدها، فإن ذلك سيترك فراغًا في سوق الغاز الأوروبية، ويزيد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي ظل التوترات السياسية والتجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تلقي خطوة قطر بسحب الغاز من أوروبا بظلالها على أسواق الطاقة العالمية. القرار القطري المحتمل يمثل ورقة ضغط قوية قد تعيد تشكيل ديناميكيات سوق الغاز، بينما تبقى تداعياته على العلاقات الدولية وتوازنات القوى مفتوحة على احتمالات متعددة.