معادلات إقليمية معقدة..
الحوثيون وإسرائيل: مواجهة غير متكافئة تعيد تشكيل موازين المنطقة
برزت مواجهة غير متكافئة بين إسرائيل، القوة العسكرية المتقدمة والمدعومة دوليًا، وجماعة الحوثيين، هذه المواجهة، التي تعكس توازن قوى مختلًا، تثير تساؤلات حول الخيارات المتاحة للحوثيين ومستقبلهم في ظل الضغط المتزايد، وحول السيناريوهات المحتملة لليمن والمنطقة إذا دخل الصراع مرحلة "كسر العظام".
تشهد المواجهة بين إسرائيل والحوثيين تصعيدًا متواصلًا يتجاوز الحسابات التقليدية للحروب، حيث تتقابل واحدة من أقوى الدول عسكريًا في العالم مع جماعة مسلحة تعاني من محدودية الموارد والقدرات. هذه المواجهة تبدو للوهلة الأولى أشبه بانتحار سياسي من قبل الحوثيين، لكن التحليل الأعمق يكشف عن أبعاد معقدة تتجاوز إطار الصراع العسكري إلى رؤى سياسية وإقليمية ودولية.
وتمتلك إسرائيل جيشًا متطورًا مدعومًا بتكنولوجيا متقدمة ودعم غربي كبير، بما في ذلك الدعم الأمريكي والأوروبي. في المقابل، يعتمد الحوثيون على قدرات محدودة تشمل صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، إلى جانب خبرات تدريبية من إيران وحزب الله اللبناني. ومع تراجع نفوذ "محور المقاومة" المدعوم من إيران في المنطقة، يحاول الحوثيون ملء هذا الفراغ عبر تصعيد هجماتهم ضد إسرائيل وبعض الأهداف البحرية، رغم أن معظم هذه الهجمات تنتهي بالفشل بسبب اعتراضها أو عدم دقتها.
وفي الآونة الأخيرة، تجاوز الصراع مرحلة الفعل ورد الفعل ليصل إلى مرحلة "كسر العظام"، مع استهداف إسرائيل لمنشآت حيوية في مناطق سيطرة الحوثيين، بما في ذلك موانئ ومطارات ومحطات طاقة. بحسب صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، تنظر إسرائيل إلى الصراع مع الحوثيين كجزء من معركة أكبر مع إيران، مما يدفعها نحو التفكير في حصار بحري وخطط عسكرية حاسمة.
ويعتمد الحوثيون في استراتيجيتهم على رهانين رئيسيين، الأول هو البعد الجغرافي، حيث يفصل بين اليمن وإسرائيل أكثر من 2000 كيلومتر، لكن هذا الرهان يبدو ضعيفًا في ظل التفوق الإسرائيلي التقني والعسكري، إضافة إلى وجود قاعدة إسرائيلية في جزيرة دهلك الإريترية التي تسمح لها برصد وتعقب الحوثيين بدقة.
أما الرهان الثاني فيقوم على استنزاف إسرائيل ماليًا، إلا أن هذا الرهان أيضًا يبدو واهيًا، بالنظر إلى الدعم المالي والعسكري الكبير الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين.
ومع تصاعد التهديدات الإسرائيلية، يبدو أن الحوثيين دخلوا مرحلة اللاعودة، حيث لم يتركوا لأنفسهم مجالًا للتراجع أو التفاوض. إذا استمرت المواجهة بهذه الوتيرة، فإن الحوثيين قد يواجهون مصيرًا مشابهًا لحركات مثل "حماس" في غزة أو "حزب الله" في لبنان، مما يجعلهم عرضة للاستهداف ليس فقط من قبل إسرائيل، بل أيضًا من الداخل اليمني ودول الجوار.
ويطرح العديد من الخبراء السياسيين تساؤلات حول مستقبل اليمن في حال انهيار الحوثيين. يرى المحلل السياسي عبد الحفيظ النهاري أن مرحلة ما بعد الحوثي قد تشمل خارطة طريق أممية تعتمد على حوار سياسي وفترة انتقالية تهدف إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة واستعادة الاستقرار. ومع ذلك، يظل هذا السيناريو مثاليًا وغير جاهز للتنفيذ في ظل الأوضاع الحالية.
ويشير العديد من المحللين إلى أن الحوثيين باتوا يشكلون "مشكلة عالمية"، مما يستدعي تنسيقًا دوليًا لمعالجة الوضع. ومع ذلك، فإن انهيار الحوثيين بشكل درامي قد يؤدي إلى فراغ سياسي خطير في اليمن، وهو ما قد يفاقم الأوضاع الإنسانية والأمنية في بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 35 مليون نسمة ويمتد على مساحة استراتيجية تضم أحد أهم الممرات المائية في العالم.
بين المواجهة العسكرية والتحديات السياسية، يقف الحوثيون أمام معضلة وجودية في صراعهم مع إسرائيل. وعلى الرغم من الرهانات التي يعتمدون عليها، تبدو فرص نجاحهم محدودة في مواجهة قوة عسكرية وسياسية كإسرائيل. مع ذلك، فإن مستقبل اليمن ومصير الحوثيين يظلان مرهونين بتطورات المرحلة المقبلة، في ظل غياب رؤية دولية شاملة للتعامل مع هذه الأزمة.