صراع النفوذ: قناة بنما في قلب التوترات الأمريكية-الصينية

منطق القوة أم الدبلوماسية؟ قناة بنما تكشف استراتيجية ترامب في أمريكا اللاتينية

تعد قناة بنما محوراً استراتيجياً يجذب اهتمام الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، الذي تعهد في 2025 بـ"استعادتها" من نفوذ صيني مزعوم. لكن نهجه الممزوج بالتهديد والضغط يثير تساؤلات حول فعاليته وحكمته. فهل ينجح في تعزيز المصالح الأمريكية، أم يعيد أخطاء الماضي؟

واشنطن

يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحاجة إلى إعادة قراءة حكايات "الفأر والأسد" لفهم الدروس المستفادة منها في التعامل مع المشهد الدولي، خاصة فيما يتعلق بقضية قناة بنما. فقد أثارت تصرفات إدارته حول هذا الملف جدلاً واسعاً، حيث تتجلى رغبة الولايات المتحدة في فرض هيمنتها تحت ستار حماية مصالحها الأمنية، وفقاً لما أشار إليه موقع "ناشيونال إنترست".

تدرك إدارة ترامب الأهمية الاستراتيجية لقناة بنما، التي تعد ممراً حيوياً للتجارة العالمية. لكن النهج الذي اتبعته الإدارة في التعامل مع هذه القضية أثار انتقادات واسعة. ففي خطاب تنصيبه في يناير 2025، تعهد ترامب بـ"استعادة" القناة، زاعماً أن الصين "تديرها". لكن على الرغم من هذه التصريحات، لا تسيطر الصين فعلياً على القناة، بل تسعى لتعزيز نفوذها الاقتصادي في أمريكا اللاتينية، وهو ما تعتبره واشنطن تهديداً محتملاً.

وبعد تعيينه وزيراً للخارجية، قام ماركو روبيو بزيارة بنما للقاء الرئيس خوسيه راؤول مولينو. وبعد الزيارة، أعلن الحساب الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية على منصة "إكس" أن السفن الحربية الأمريكية ستتمكن من استخدام القناة مجاناً، وهو ما نفاه مولينو بشدة، مؤكداً عدم وجود اتفاق جديد بهذا الشأن. وفيما أشار مكتب روبيو إلى ضغوط مارسها الوزير على مولينو لتقليص النفوذ الصيني، نفى رئيس بنما أن تكون الولايات المتحدة قد هددت بإلغاء معاهدة تشغيل القناة.

ويرى موقع "ناشيونال إنترست" أن هذا الملف يكشف عن نزعة إمبريالية أمريكية تتخفى وراء حماية المصالح الأمنية. في المقابل، اقترح أستاذا القانون جون يو وروبرت ديلاهونتي إحياء "مبدأ مونرو" لمنع نفوذ أي دولة خارجية في الأمريكتين، معتبرين القوة العسكرية خياراً متطرفاً لكنه ممكن. بينما يرى جيمس جاي كارافانو من مؤسسة "هيريتيج" أن المواجهة مع النفوذ الصيني لا تعني بالضرورة تأسيس إمبريالية أمريكية، بل حماية المصالح الاستراتيجية.

وأكد ماوريسيو كلافير كاروني، المبعوث الخاص لترامب إلى أمريكا اللاتينية، في مقابلة مع "بوليتيكو"، أن الإدارة تسعى لترسيخ "المصداقية" عبر الحديث العلني عن استعادة القناة، دون استبعاد استخدام القوة. ومع أن هذا النهج قد يؤدي إلى تنازلات قصيرة الأمد، حذر ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية، من أن الدبلوماسية القائمة على التهديد قد تدفع الدول الضعيفة، مثل بنما، للجوء إلى الصين، مما يعزز نفوذ الأخيرة على المدى البعيد.

ويشير التاريخ إلى أن التهديدات الأمريكية قد تؤدي إلى مقاومة عالمية أكبر، خاصة إذا شعرت دول مثل بنما بالضغط دون تقديم بدائل إيجابية. ويُعتقد أن فشل الإدارات الأمريكية السابقة في إدراك محدودية رأس مالها السياسي ساهم في تعزيز النفوذ الصيني بأمريكا اللاتينية.

بدلاً من التهديد، يُقترح أن تتبنى الولايات المتحدة نهجاً دبلوماسياً أكثر مرونة، يشمل تقديم دعم هندسي ومالي لتحديث القناة، مع الإشادة العلنية بتعاون بنما. هذا النهج لن يظهر الولايات المتحدة كطرف ضعيف، بل سيُظهرها كشريك موثوق، مما يقلل من حافز بنما للتقارب مع الصين.

وتُظهر قضية قناة بنما تعقيدات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب. فبينما قد يحقق النهج المتشدد مكاسب آنية، فإن الاستراتيجية طويلة الأمد تتطلب دبلوماسية ذكية تحافظ على النفوذ الأمريكي دون دفع الحلفاء المحتملين نحو منافسيها. وفي النهاية، قد تكون دروس "الفأر والأسد" هي المفتاح لفهم كيفية التعامل مع قوة عظمى مثل الولايات المتحدة في مواجهة خصم أضعف ظاهرياً.