وسط توترات إقليمية وتحديات الطاقة..
العراق بين أزمة الطاقة والبحث عن الاستقلال: بدائل الغاز في مواجهة التبعية الإيرانية
يواجه العراق تحديًا كبيرًا لتأمين طاقته مع اقتراب الصيف، حيث يبحث عن بدائل للغاز الإيراني، الذي يغطي ثلث احتياجاته، وسط ضغوط أمريكية لقطع الاعتماد على طهران. تتجه بغداد نحو دول الخليج، مثل قطر وعُمان، بينما تحافظ على توازن دبلوماسي مع إيران والولايات المتحدة. في ظل بنية تحتية متدهورة وانقطاعات كهربائية مستمرة.

يسعى العراق إلى إيجاد بدائل لاستيراد الغاز الإيراني قبل حلول فصل الصيف، بهدف تأمين احتياجاته من الكهرباء، في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العقوبات الأمريكية. وتتجه أنظار بغداد نحو دول الخليج، مثل قطر وعُمان، كخيارات استراتيجية لتقليص الاعتماد على طهران، التي تمثل حاليًا مصدرًا رئيسيًا لثلث احتياجات العراق من الطاقة.
خلفية الأزمة
لم تجدد إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الإعفاء الممنوح للعراق منذ 2018 لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، رغم العقوبات المفروضة على الأخيرة. وعلى الرغم من عدم تناول إدارة ترامب هذا الملف علنًا، أكد دبلوماسي أمريكي -طلب عدم الكشف عن هويته- أن واشنطن طالبت الحكومة العراقية بإحراز تقدم سريع لوقف مشتريات الغاز الإيراني بالكامل. وفي ظل هذا الضغط، يواجه العراق تحديًا مزدوجًا: تأمين الطاقة لمواطنيه والحفاظ على توازن دقيق في علاقاته مع إيران والولايات المتحدة.
البدائل المطروحة
أعلن سعد فريح جاسم، مدير عام قسم الوقود في وزارة الكهرباء العراقية، أن بغداد تدرس تركيب منصات عائمة للغاز الطبيعي في جنوب البلاد، مع التوجه نحو استيراد الغاز من قطر وعُمان. وأشار جاسم إلى أن هذه الخطوة تأتي ضمن توجيهات حكومية لتنويع مصادر الطاقة وتحقيق الاكتفاء الذاتي، مضيفًا: "هي بدائل لكي لا نعتمد على مصدر واحد. المصدر الوحيد كان المستورد من إيران".
من بين الخطط، تركيب منصتين عائمتين في ميناء خور الزبير، متصلتين بشبكة الكهرباء عبر خط أنابيب بطول 45 كيلومترًا، وصلت نسبة إنجازه إلى 95% بالتعاون مع وزارة النفط. ومن المتوقع تشغيل هذه المنشآت بحلول الأول من يونيو/حزيران، لمعالجة ما بين 500 و700 مليون قدم مكعب يوميًا (14-19 مليون متر مكعب)، مع أمل بإضافة وحدة ثالثة للوصول إلى 800-900 مليون قدم مكعب، مما قد يعوض النقص في الغاز الإيراني بالمنطقة الجنوبية.
التوجه نحو الخليج وتركمانستان
أكد جاسم أن قطر، أكبر منتج للغاز الطبيعي في المنطقة، أبدت استعدادها لدعم العراق بأسعار تفضيلية، إلى جانب عُمان التي تمتلك إنتاجًا يمكن الاستفادة منه. كما تجري مفاوضات لاستيراد 16-18 مليون متر مكعب يوميًا من تركمانستان عبر خطوط أنابيب تمر عبر إيران، التي ستحصل على نسبة من الغاز مقابل السماح بالعبور.
الوضع الحالي مع إيران
رغم البحث عن البدائل، لم يتوقف العراق عن استيراد الغاز من إيران حتى الآن. وفي 2024، جدد البلدان اتفاق استيراد الغاز لخمس سنوات بطاقة محتملة تصل إلى 50 مليون متر مكعب يوميًا. لكن الواقع يظهر أن بغداد تتلقى حاليًا 15 مليون متر مكعب فقط يوميًا من أصل 25 مليونًا متفقًا عليها لهذه الفترة، بسبب تأخر المدفوعات العراقية وزيادة الاستهلاك المحلي في إيران، مما يفاقم انقطاعات الكهرباء في العراق.
تحديات البنية التحتية والطاقة
يمتلك العراق ثروة نفطية هائلة، لكن عقودًا من الحروب والصراعات أدت إلى تدهور البنية التحتية، مما جعل البلاد تعاني من انقطاعات يومية في التيار الكهربائي. ويحتاج العراق إلى 55 ألف ميغاواط سنويًا لضمان استقرار الشبكة، بينما يبلغ الإنتاج الحالي نحو 16 ألف ميغاواط فقط، مع هدف للوصول إلى 27 ألف ميغاواط هذا الصيف.
رؤية المستقبل
تهدف حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى القضاء على حرق الغاز المصاحب بحلول 2028، لاستخدامه في تشغيل محطات الطاقة، مما قد يعزز الاكتفاء الذاتي. ويرى جاسم أن "مسألة الطاقة حيوية للمواطن"، محذرًا من أن قطع الغاز الإيراني قد يؤدي إلى انهيار كبير في إمدادات الكهرباء.
يواجه العراق معضلة معقدة في ظل ضغوط أمريكية للابتعاد عن إيران، وتحديات داخلية لتأمين الطاقة لـ46 مليون نسمة. ومع تصاعد الحاجة إلى حلول عاجلة قبل الصيف، يبدو أن التوجه نحو دول الخليج وتركمانستان، إلى جانب تطوير البنية التحتية المحلية، قد يكون السبيل لتحقيق استقرار نسبي في قطاع الطاقة، وسط توازن دبلوماسي دقيق بين واشنطن وطهران.