مواجهة التصعيد الأميركي..
خامنئي في مواجهة الفراغ: هل يستطيع ملء مكانة نصر الله في "محور المقاومة"؟
كان حسن نصرالله ليس مجرد قائد ميداني، بل رمزًا سياسيًا وروحيًا استطاع أن يوحّد حلفاء طهران تحت راية خطاباته الرنانة، التي كانت تُترجم إلى معنويات مرتفعة وتأثير إقليمي واسع.

حسن نصر الله
أصبح المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، الواجهة الرئيسية للتعبير عن مواقف بلاده تجاه الاستهدافات التي تطال حلفاءها في المنطقة، وهي مهمة كان يتولاها سابقًا الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، قبل اغتياله في 27 سبتمبر 2024.
هذا التحول جاء نتيجة عجز إيران عن إيجاد شخصية تملأ الفراغ الذي تركه نصرالله، الذي كان صوتًا قويًا ينقل رؤية المرشد بكاريزما وتأثير واسعين، دون الحاجة إلى ظهور خامنئي المتكرر الذي يُضعف من هالة القائد الروحي التي يحيط بها أتباعه.
تصريحات خامنئي: ردود فعل رمزية دون تأثير عملي
في رسالة مصورة بمناسبة العام الجديد الإيراني، أدان خامنئي العدوان على الشعب اليمني، واصفًا إياه بـ"جريمة ينبغي التصدي لها"، كما وصف الغارات الإسرائيلية على غزة بأنها "جريمة كارثية"، محملاً الولايات المتحدة المسؤولية.
لكن هذه التصريحات، التي تتكرر بصيغ فضفاضة، لم ترقَ إلى مستوى التوقعات العملية لحلفاء إيران، خاصة في ظل تصاعد الضربات الأمريكية والإسرائيلية على الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان. هذا الواقع يزيد من إحراج إيران، التي تبدو عاجزة عن تقديم دعم ملموس، مكتفية ببيانات شجب لا تترجم إلى أفعال.
فقدان كاريزما نصرالله: ضربة لـ"محور المقاومة"
كان نصرالله، بخطاباته الرنانة وقدرته على التواصل مع الجمهور العربي، ركيزة أساسية في "محور المقاومة". خطبه كانت تحظى بمتابعة واسعة من الأنصار والخصوم على حد سواء، وتتميز بقدرتها على شحن المعنويات وتحويل الهزائم إلى انتصارات رمزية. بعد اغتياله، ازدادت وتيرة ظهور خامنئي، لكن خطاباته الجافة والمقتضبة، التي تفتقر إلى الجاذبية وتأثير نصرالله، فشلت في ملء هذا الفراغ. عائق اللغة يفاقم المشكلة، إذ يوجه خامنئي خطابه أساسًا للداخل الإيراني، دون مراعاة المتلقي العربي، على عكس نصرالله الذي كان يتقن التواصل عابر الحدود.
غياب بديل يملأ الفراغ
لم تنجح إيران في تقديم شخصية بديلة تحمل الثقل السياسي والروحي لنصرالله. في لبنان، يفتقر نعيم قاسم، الأمين العام الجديد لحزب الله، إلى الكاريزما والجاذبية، مما يجعله قائدًا إداريًا أكثر منه زعيمًا ملهمًا.
أما في اليمن، فإن عبدالملك الحوثي، زعيم الحوثيين، لا يملك القدرة على تقديم خطابات مؤثرة أو بناء علاقات واسعة كما فعل نصرالله، حيث يظل خطابه محصورًا في شعارات متكررة وبيئة محلية بعيدة عن ديناميكيات المنطقة الأوسع.
ضغوط أمريكية وإسرائيلية تكشف ضعف إيران
تصاعدت الضغوط على إيران مع الغارات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين، التي أسفرت عن مقتل 53 شخصًا وإصابة 98 آخرين، وفق إحصاءات المتمردين، إلى جانب تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"القضاء التام" على الحوثيين وتحميل إيران المسؤولية عن أي هجمات مستقبلية. في المقابل، اكتفت إيران بإدانة الغارات ووصفها بـ"جرائم حرب"، بينما أكد الحرس الثوري أن الحوثيين يتخذون قراراتهم بشكل مستقل، وهو موقف يعكس تراجع الدور الإيراني العملي.
يُظهر الوضع الحالي أن "محور المقاومة" بات بلا صوت قوي يوحده أو يرفع معنوياته. خسارة نصرالله لم تكن مجرد خسارة شخصية، بل ضربة لاستراتيجية إيران في المنطقة، التي تعاني الآن من فراغ قيادي وعجز عن مواجهة التحديات المتزايدة. مع استمرار الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، يبقى السؤال: كيف ستتعامل إيران مع هذا المأزق في ظل غياب صوت يعيد لها هيبتها الإقليمية؟