من الفتور إلى التقارب..

صفقة الأسلحة الأمريكية السعودية ترسم ملامح تحالف جديد في مواجهة التحديات الإقليمية

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية موافقة وزارة الخارجية على بيع أسلحة دقيقة التوجيه للسعودية بقيمة 100 مليون دولار، في خطوة تعكس جهود إدارة ترامب لتعزيز التحالف مع الرياض بعد فتور في عهد بايدن.

الولايات المتحدة توافق على صفقة أسلحة دقيقة للسعودية لتعزيز الاستقرار الإقليمي

الرياض

في خطوة تعكس عودة الدفء إلى العلاقات الأمريكية السعودية، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) يوم الخميس، 20 مارس 2025، موافقة وزارة الخارجية على صفقة محتملة لبيع أنظمة أسلحة دقيقة التوجيه للمملكة العربية السعودية بقيمة تصل إلى 100 مليون دولار. 

تأتي هذه الصفقة في إطار جهود إدارة الرئيس دونالد ترامب لتعزيز التعاون مع الرياض، بعد فترة من الفتور شهدتها العلاقات في عهد الإدارة الديمقراطية السابقة بقيادة جو بايدن. ومع تصاعد التحديات الإقليمية، خاصة تهديدات إيران وحلفائها مثل الحوثيين في اليمن، تبرز هذه الخطوة كجزء من استراتيجية أوسع لدعم الاستقرار في الشرق الأوسط ومواجهة النفوذ الإيراني.

تفاصيل الصفقة: أسلحة دقيقة لمواجهة تهديدات متطورة

تشمل الصفقة المحتملة بيع 2000 قذيفة موجهة بالليزر من طراز متقدم، قادرة على استهداف الأهداف الجوية والأرضية بدقة عالية. يبلغ سعر الوحدة حوالي 22 ألف دولار، مما يجعلها حلاً اقتصاديًا لمواجهة الطائرات المسيرة المفخخة منخفضة التكلفة التي يستخدمها الحوثيون، والتي أثرت سلبًا على حركة الملاحة في البحر الأحمر. وتتضمن الصفقة أيضًا معدات دعم وتدريب، بإشراف شركة "بي.إيه.إي سيستمز" كمقاول رئيسي. وقد أخطرت وكالة التعاون الأمني الدفاعي الكونغرس بهذه الخطوة، مع الإشارة إلى أن المفاوضات لم تنته بعد ولم يتم توقيع العقود رسميًا.

ووفقًا لبيان البنتاغون، تدعم هذه الصفقة السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة من خلال تعزيز قدرات حليف استراتيجي يُعدّ قوة أساسية للاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة. وتأتي هذه الخطوة بعد موافقة مماثلة في أكتوبر 2024 على بيع صواريخ "تاو" للسعودية بقيمة 440 مليون دولار، مما يعكس تسارع وتيرة التعاون العسكري بين البلدين.

السياق الإقليمي: تصعيد أمريكي ضد الحوثيين وقلق من إيران

تتزامن الصفقة مع حملة جوية أمريكية مكثفة ضد الحوثيين في اليمن، بدأت يوم السبت الماضي، وأسفرت عن مقتل 31 شخصًا على الأقل، وفقًا لتقارير الجماعة. تعد هذه الحملة الأكبر منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، وتهدف إلى ردع التهديدات التي تشكلها الجماعة المدعومة من إيران على الملاحة البحرية والأمن الإقليمي. 

ومنذ استيلاء الحوثيين على صنعاء في 2014، قادت السعودية تحالفًا مدعومًا غربيًا لدعم الحكومة الشرعية، في ظل مخاوف من تنامي النفوذ الإيراني على حدودها الجنوبية. ورغم هدوء نسبي منذ هدنة 2022، فإن استمرار هجمات الحوثيين ورفضهم لجهود السلام السعودية يعززان الحاجة إلى تعزيز القدرات الدفاعية للمملكة.

تجديد التحالف: من الفتور إلى التقارب

شهدت العلاقات الأمريكية السعودية توترًا ملحوظًا في عهد بايدن، بسبب قضايا مثل حقوق الإنسان، وأبرزها مقتل الصحفي جمال خاشقجي، حيث أشار تقرير استخباراتي أمريكي إلى تورط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مما أدى إلى تصدع في العلاقات. 

كما اختلف الطرفان حول التعامل مع إيران، إذ رأت السعودية أن الاتفاق النووي لم يعالج تهديدات الصواريخ الباليستية الإيرانية أو دعم طهران للميليشيات. وفي المقابل، ضغطت إدارة بايدن على الرياض لإنهاء حرب اليمن، التي تسببت في كارثة إنسانية، مما زاد من شعور دول الخليج بتراجع الالتزام الأمريكي تجاه أمنها.

على النقيض، تعتمد إدارة ترامب على نهج مختلف، يركز على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع السعودية والإمارات كجزء من الأمن القومي الأمريكي. وتتجلى هذه الرؤية في زيارة ترامب الأولى كرئيس إلى الرياض في 2017، وفي انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران في 2018، وفرض عقوبات صارمة عليها. كما يدعم ترامب طموحات السعودية الاقتصادية، حيث أعرب ولي العهد عن خطط لرفع الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة إلى 600 مليار دولار، مما يعزز البعد الاقتصادي للتحالف.

أبعاد استراتيجية: مواجهة إيران واستقرار المنطقة

تتجاوز الصفقة مجرد تعاون عسكري، إذ تعكس توافقًا بين واشنطن والرياض على ضرورة مواجهة النفوذ الإيراني، الذي يتجلى في دعم طهران للحوثيين والميليشيات العراقية، وتهديدات قادتها العسكريين باستهداف المصالح الأمريكية. 

وفي ظل سياسة السعودية لـ"تصفير المشاكل" ودفعها نحو السلام في اليمن، تواجه الرياض تحديات معقدة بسبب تعنت الحوثيين، مما يجعل تعزيز قدراتها الدفاعية ضرورة ملحة. كما تمنح هذه الأسلحة الدقيقة السعودية أداة فعالة لمواجهة التهديدات غير التقليدية، مثل المسيرات، التي أصبحت أحد أبرز أدوات الصراع في المنطقة.

تمثل صفقة الأسلحة المحتملة بين الولايات المتحدة والسعودية خطوة محورية لإعادة ترسيخ التحالف بين البلدين، في وقت تتصاعد فيه التحديات الأمنية والإقليمية. من خلال دعم السعودية عسكريًا واقتصاديًا، تسعى إدارة ترامب إلى تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط ومواجهة النفوذ الإيراني، مستفيدة من تقارب شخصي واستراتيجي مع ولي العهد السعودي. ومع استمرار التصعيد ضد الحوثيين والتوترات مع إيران، تؤكد هذه الشراكة أهميتها كركيزة للسياسة الأمريكية في المنطقة، لكن نجاحها يبقى مرهونًا بتطورات المفاوضات واستقرار الوضع الإقليمي.