سهام الغدر من كنانة بن دغر
كان لنا موقف معارض ومتوجس منذ الوهلة الأولى لتعيين بن دغر وعلي محسن الأحمر، فكلاهما وكما قال عنهما مدرسهما عفاش بانهما لا يتعديان عن كونهما مجرد أدوات بيديه ينفذون مشروعه قائلا ً(هؤلاء تربية عفاش وبضاعته) ولا زال يحركهما بالريموت كنترول كما يطيب له، بصرف النظر عن أن بن دغر وعلي محسن يتبعون عفاش أم لا، ولكن المؤكد هو أن كل أعمالهم في الشرعية ومع التحالف تبين انهم ينتمون إلى نفس المدرسة، كيف لا والمدعو بن دغر رئيس لحكومة تأمر بتوريد إيرادات شركات الإتصالات والضرائب إلى صنعاء، بدلاً من أن يتم إلزام صنعاء أو غيرها بتوريدها إلى البنك المركزي في عدن، وعلاوة على ذلك يتم إلزام فروع الإتصالات في العاصمة عدن وبقية المحافظات المحررة بإرسال مواردهم إلى خزائن حكومة الانقلاب بصنعاء (مجهود حربي)، وذلك بحجة الرضوخ لتهديدات الإنقلابيين بأن أي فرع يمتنع عن إرسال إيراداته إلى صنعاء سيتم إيقاف الخدمة عن المنطقة التي يغطيها ذلك الفرع .
وفي حين كان الأجدر بحكومة الشرعية أن تتخذ موقف حازم يغلق باب العبث الذي تمارسه حكومة الإنقلاب وينتزع هيمنتهم المركزية على قطاع الاتصالات، وذلك إما من خلال منح تصريح لشركة إتصالات جديدة تغطي المناطق المحررة، أو إنشاء خادم وغرفة تحكم في العاصمة عدن تنتزع من خلاله عن صنعاء احتكار التحكم المركزي بهذا القطاع الايرادي الهام.
لكن حكومة الغدر برئاسة بن دغر لم تفعل هذا ولا ذاك، بل ذهبت لإتخاذ عدد من الإجراءات التعسفية بحق أبناء المناطق الجنوبية؛ لتقوية مركزية صنعاء، ووضع أبناء الجنوب وبقية المناطق المحررة ، رهائن في قبضة السلطات الانقلابية، حيث تفيد الأخبار المتداولة، أن هناك مجموعة من رجال الأعمال الجنوبيين والمستثمرين الخليجيين، كانوا يعتزمون إنشاء شركة اتصالات جديدة، وكان من المتوقع أن تبدأ الإنطلاقة منذ أكثر من عام، بيد أن بن دغر تسبب بتعطيل المشروع لأنه رفض الترخيص للشركة، متذرعا بأن ذلك سيحرر قطاع الاتصالات في الجنوب من سطوة نظام صنعاء، وهذا ما لا يرضيه هو ولا يرضي أسياده في صنعاء.
وفيما يتم توريد عوائد الإتصالات بالمحافظات المحررة إلى صنعاء، فإن أي مشاريع في قطاع الإتصالات بالمناطق المحررة تقوم حكومة بن دغر بتمويلها من واردات العاصمة عدن المنهارة التي تفتقر لأبسط الخدمات، لكون حكومة الإنقلاب في صنعاء تأمره بإرسال كافة إيرادات قطاع الاتصالات إلى صنعاء وتمنع عنه صرف أي ريال منها لتغطية نفقات القطاع ذاته في عدن، ففيما تنهار كافة الخدمات في عدن يبشرنا بن دغر بأنه قد قام بصرف خمسة مليارات ونيف من ايراداتها لمصلحة تركيب كيبل إنترنت لا يزال تحت سيطرة غرفة التحكم القابعة في صنعاء.
هل وقف الأمر عند هذا الحد ؟ لا، بل إن الرجل سعى وبكل سفاهة إلى توجيه البنك المركزي في عدن بإرسال رواتب الموظفين وموازنات المحافظات الواقعة تحت الإنقلاب ولم يأمرهم بصرف الرواتب من إيرادات الاتصالات والضرائب الأخرى التي تحصلها صنعاء وأخواتها بمليارات الريالات شهريا.
هذا فيما يخص صنعاء والمحافظات الخاضعة لحكومة الإنقلاب، أما مأرب والمحافظات الشمالية الخاضعة للسلطات الشرعية، هذه الأخرى حكايتها حكاية، فإيرادات منفذ الوديعة الحدودي، والواقع في إطار أراضي محافظة حضرموت ، والذي تبلغ إيراداته لأكثر من 11 مليار ريال يمني شهريا، يتم إيداعها في البنك المركزي بمحافظة مأرب ويمنع تحويلها إلى الفرع الرئيسي بعدن رغم أن تلك الأموال كانت تحول إلى البنك المركزي عندما كان في صنعاء فلما تحول إلى عدن امتنعت حكومة الإصلاح عن توريدها إليه.
هذا بالإضافة إلى إيرادات الغاز التي تورد من جميع المحافظات إلى مأرب، وقبل نحو شهر طالعتنا إدارة شركة الغاز في صافر بإصدار تعميم يلزم جميع عملاء الشركة في العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية بإيداع قيمة مشترياتهم من الغاز لدى البنك المركزي بمأرب أو بأي محافظة شمالية أخرى، مؤكدة بأنه لن يتم تموين أي تاجر يودع قيمة مشترياته بعدن أو بغيرها من المحافظات الجنوبية .
حسنا ماذا بعد؟
حسنا أعزائي القراء سأكمل معكم، ذات مرة ذهب رئيس الحكومة إلى مأرب ليطلب من محافظ مأرب إرسال الأموال "الفائضة" لديهم إلى البنك المركزي في عدن - الفائضة ولم يقل الموارد المركزية - فرد عليه العرادة بأنهم لن يسمحوا بتوريد ريال واحد إلى عدن بل وطالب بن دغر بإرسال رواتب الموظفين والجيش والأمن في مأرب من عدن، ومرة أخرى اجتمع الرئيس هادي بمحافظي المحافظات الشمالية وطالبهم بتوريد إيرادات محافظاتهم إلى عدن إن أرادوا صرف رواتب واعتماد مشاريع لمحافظاتهم، لكن لا أحد منهم امتثل لتعليمات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وكذلك الأمر فيما يخص إيرادات منفذ الوديعة.
فبماذا ردت الحكومة على هذا التمرد من قبل العرادة ورفاقه هل تم إعلان الرجل متمرد ؟
لا لم يتم فعل ذلك، وإنما عادت الحكومة إلى حضرموت فباعت المخزون النفطي في الضبة ثم تحركت إلى عدن وسحبت إيراداتها المحلية، ووجهت بإرسال إيرادات عدن وحضرموت إلى صنعاء ومأرب لدفع رواتب الميليشيات الانقلابية، وحلفائها في تباب صرواح ونهم، فيما ترك موظفي الدولة في المحافظات الجنوبية بدون رواتب ولا كهرباء ولا مشتقات نفطية ولا حتى تكرموا عليها بإزالة أكوام القمامة وإصلاح مجاري الصرف الصحي.
ومع طباعة مئات المليارات من الريالات الجديدة بدون وجود أي احتياطي نقدي، وفيما كان الشارع مبتهج بأن تلك الأموال ستسخر لتنمية العاصمة والمحافظات المحررة مما قد يسهم في رفع معاناتهم، كان المختصون يطلقون صيحات الألم من أن طبع تلك الكميات الهائلة من الأموال ستتسبب بانهيار العملة وافتقار ملايين المواطنين، وبموازاة صيحات المختصين كانت الحكومة تمضي قدماً في طباعة الأموال دون وجود أي احتياطي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي كي يعمل على موازنة أسعار الريال مع العملات الأجنبية.
وعلاوة على ذلك تم توجيه الأموال القديمة والجديدة إلى نفس المصب في مأرب وصنعاء وأخواتهما في الشمال، فيما بقيت المحافظات الجنوبية مجرد - بقرة حلوب - تدر اللبن لغير أهلها وأهلها يشكون العطش والجوع ولا يجدون ما يسدون بهم جوعهم أو يزيل عطشهم.
وها نحن اليوم نقف على شرفة ربوة آيلة للسقوط، مما يضع المواطن الجنوبي أمام مهام جسيمة تلزمه بأن يلتقط أنفاسه ويجرع السم الزعاف لمن جرعوه إياه سنيناً طويلة، وإما أن ينتظر مزيداً من المهانة والألم والمعاناة.