أحمد كرامة يكتب:
الجنوبيون .. وفرصتهم الذهبية الأخيرة
البعض قد يندفع أكثر من اللازم وبدون ضوابط ويرى بأنه قد آن الأوان لنعلن فك الإرتباط من جانب واحد وأن هذه الفرصة لن تتكرر أبدآ , يغلب علينا دائما صوت العاطفة على صوت العقل , والبعض الآخر يظن بأننا قد وصلنا لنهاية طريق تقرير المصير ولم يتبقى سوى إعلان الدولة الجنوبية , مستدلون بسيطرة الجنوبيون على أراضيهم وبحدودها السابقة أي ما قبل الوحدة اليمنية وبما يمتلكونه من قوات . اليوم نمتلك نواة لجيشنا الوطني من الحزام الأمني و النخبة وغيرها من التشكيلات الأمنية والعسكرية , ولكننا لا نمتلك بعد قوت يومنا أو ثمن البندقية والذخيرة ووقود السيارات والمعدات المدنية والعسكرية , نعم هذه هي الحقيقة رغم مرارتها . تحالفنا مع دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وخصوصا دولة الإمارات العربية المتحدة تحالف إستراتيجي مصيري , نحن في الجنوب دولة غير صناعية أو إنتاجية وإنما إتكالية إلى وقتنا الحاضر , التعويل على النفط سريع النضوب أو الغاز أو إيرادات الموانئ يعتبر مشروع إستثماري فاشل وخاسر وهروب من الواقع المرير . يجب علينا التعلم من تجارب الآخرين الناجحة وتجاوز الاخطاء الفادحة , ولنبدأ من حيث ما توقفوا وليس من نقطة الصفر , كبرى الدول الصناعية هي فقيرة بالموارد الطبيعية كاليابان والصين وألمانيا وغيرها , ولكنهم أغنياء بالإنسان مقارنة بما نمتلكه من موارد طبيعية ورغم شحتها نعتبر أغنى من اليابان , والسبب الرئيس لنهضة تلك الدول الصناعية هو الإستثمار بالإنسان علميا وأخلاقيا وإجتماعيا . رغم أن السعودية من أغنى أغنياء دول العالم والحليف التأريخي للولايات المتحدة الأمريكية إلا أن أنها فضلت دائما الاستثمار بالنفط وتركت الإنسان وأصبحت دولة تستورد حتى طعامها وملبسها ومشربها , صدمني الرئيس الأمريكي ترامب عندما أعلن اليوم وبحضور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان أن السعودية دولة ثرية ويجب أن تعطي لأمريكا جزء من ثروتها , هكذا قال وبكل وقاحة وأمام مختلف وسائل الإعلام العالمية , هكذا ينظر العالم إلينا كعرب , نظرة دونية فوقية , نظرة المتعلم للمتخلف , نظرة صاحب الحاجة للمحتاج , إذن لا صديق دائم ولا حليف دائم بل هناك مصالح مشتركة تحدد مدى ونوعية التحالف أو الشراكة المبنية على مصالح الطرفين . ما تحقق لنا كجنوبيين أكثر مما كنا نتوقعه وبكثير , والحفاظ على هذه المكتسبات وحمايتها أصعب من نيلها , و دولة الإمارات العربية المتحدة أتت لليمن عسكريا للدفاع عن السعودية أولا وأخيرا , والسعودية تدخلت عسكريا بإسم حماية الرئيس الشرعي هادي وحكومته حتى أصبح الرئيس الشرعي وحكومته جزء من المشكلة لا من الحل . متغيرات المعارك على الأرض والتحالفات وإنتصار فريق على حساب أخر في الجبهة المعادية , وضعف وخذلان الشرعية هو من جعل من الإمارات تبحث عن حليف جنوبي قوي يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة ليحمي ظهرها ويشاركها القتال على الأرض اليمنية الوعرة والخطرة جدآ , من أجل الوصول للنصر وبأقل الخسائر , فعلا نجحت القوات الإماراتية على الأرض اليمنية بسبب مرونتها بالبحث الدائم عن مخارج ناجحة لبعض المعضلات الطارئة في الحرب اليمنية , والتي صنفتها وكالات الإستخبارات العالمية بأخطر بقاع الأرض على الإطلاق وخصوصا جنوب اليمن , وفعلا وجدت تلك الصفات بالمقاومة السلفية والحراك الجنوبي الوطني وصولا للمجلس الإنتقالي الجنوبي . لتكسب الإمارات ثقة الجنوبيين وحبهم لها تبنت قضيتهم العادلة , والتي تبنتها سابقا قبل حرب صيف 94م , والتي أهملتها السعودية ودول العالم أجمع رغم عدالة المطالب ومظلومية الشعب الجنوبي . وفاء الإمارات في جنوب اليمن رفع سقف مصداقيتها عاليا جدآ بين الجنوبيين وكثير من الشماليين على حد سواء , وكانت الإمارات هي من فتحت لنا نافذة العالم وجعلت الدول العظمى تنظر إلينا وإلى قضيتنا بإهتمام بالغ وتسمعنا هذه المرة بآذان صاغية , من راتب الجندي وحتى سفرات وزيارات ولقاءات وإجتماعات أغلب القادة الجنوبيين كانت بتمويل ودعم سياسي ودبلوماسي إماراتي وستستمر بذلك الدعم ولفترات زمنية طويلة جدآ . أستغرب من بعض المتهورين من الأصدقاء الذين يقولون يجب على الإمارات أن تتخذ موقف سياسي واضح من القضية الجنوبية , وهل كل ذلك الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي والمادي العلني يعتبر غير كافي , لن تخسر الإمارات شيء إذا أعلنت علنيا دعمها للانفصال , من سيخسر من ذلك الإعلان المتسرع هو نحن فقط , فالعالم والإقليم يرفض وبصورة جماعية مثل تلك الدعوات حاليآ , وأول خسائرنا ستكون خسارة دولة الإمارات العربية المتحدة الحليف والشريك والممول الأوحد لقضيتنا ولنا كجنوبيون . لن تغامر الإمارات بإسمها وبتأريخها وبعلاقاتها وبتحالفها مع دول العالم من أجل الجنوب وقضيته , ولا نريد أن نحشرها بهذه الزاوية وبهذا الخيار الصعب عليها وعلينا أولا وأخيرا , ولننطلق بشراكتنا وتحالفنا مع الإمارات من القاعدة الشرعية المشهورة : لا ضرر ولا ضرار . إذا فرطنا بتحالفنا مع الإمارات سنعود إلى مستوى ما تحت الصفر , ولن تستطيع أي دولة دعم حركة أو جيش إنفصالي إلا إذا قدمنا صكوك الولاء والسمع والطاعة لتلك الدول الداعمة , وأصبحنا نسخة طبق الأصل من حزب الله اللبناني أو العراقي أو مليشيات أنصار الحوثي , ناهيك عن تربص أعدائنا المحليين والخارجيين بنا للقضاء علينا نهائيا . نمتلك موقع لميناء عالمي وقليل من الثروات النفطية وصفر من الزراعة واليد العاملة الحرفية , وإذا قمنا بجمع مداخيل الميناء وقليل النفط فلن تغطي موازنات مشاريع البنية التحتية المتهالكة أو شراء الغذاء أو الوقود أو دفع الرواتب بصورة منتظمة , سنظل دولة فقيرة ليست بالموارد ولكن بالإنسان الوطني الذي يصنع المعجزات من العدم .