حده كان هناك

البروفيسور جمال الجعدني..مشروع نهضة

 زرته في نهاية العام 2015م بعد أن وضعت الحرب أوزارها ،يومها كانت جامعة عدن ،كامرأة عجوز تحتضر ، بفعل ما حل بها من خراب ،طال البشر والحجر.

في أرجاء كل تلك الجامعة التي شاخت في ريعان شبابها ، لم يكن هناك من صوت للحياة يقف في وجه دعوات الموت التي تطلقها تلك الأصوات التي خلفتها فترة ما بعد الحرب التي انشغلت بالتنديد بالاختلاط والتهديد ، بوقف التعليم سوى ذلكم الصوت الهادئ القادم من فناء كليته الفتية حديثة الإنشاء.

وحده كان هناك ، لم يكتف بالبقاء في فناء بيته كالآخرين ، ليلعن الظلام ، بل انطلق ليشعل شموع النور بهدوء وهو يبتسم بوقار وطيبة كعادته. من خلف مكتبه الأنيق بدا لي الرجل ورغم كل المخاطر وكأنه غير عابئ بكل ما يحيق به من هموم وتحديات ، فقد استأنف الدراسة وعاد جميع الطلاب إلى قاعة الدرس ،وبإمكانات كليته المتواضعة قام بتركيب مولدات كهرباء لإنارة القاعات وتشغيل الحواسيب والأجهزة الحديثة التي ادخلها ضمن وسائل التعليم.

أنني أتحدث هنا عن البروفسور جمال الجعدني ،عميد كليات اللغات إحدى كليات جامعة عدن. ويقينا فإن من يعرف البروفيسور جمال لن يكون في حاجة لقراءة ما سأكتب فكل ما يمكن قوله يظل دون ما يستحق هذا الرجل الشامخ عطاء وإبداعا وأخلاقا ،لكنني سأكتب إرضاء لرغبة تراودني منذ زمن للكتابة عن هذا العلم ،الذي يستثمر أقل الإمكانات ويصنع منها في زمن قصير وبصمت ما يعجز عن فعل القليل منه المهرجون الناهبون لمليارات البلد وصرفها في غير ما يفيد .

قد لا يعرف كثيرون كلية اللغات ، وقد لا يضطرون يوما لزيارتها ، لكنهم إن زاروها فإنها حتما ستدهشهم ، بكل تفاصيلها ،بأناقتها اللامتناهية ، ونظافتها التي لا تنتمي لوطن غارق في القمامة ،وبدبيب الحركة الهادئ في أقسامها وقاعاتها ،ومستوى ما تقدمه من معارف علمية مواكبة لكل حديث في مجال التعليم المتخصص،الذي يولد معرفة حقيقية يمكن ان يلمسها الملتحق بهذه الكلية في سنوات مبكرة من دراسته فيها. أكثر ما سيدهشك في كلية اللغات وبمساحتها الضيقة ،هي انك ستجد ذاتك في عالم آخر، لا ينتمي مطلقا لواقع عدن ولا لجامعة عدن ..انه واقع آخر .

للإنصاف يمكن القول إن البروفيسور جمال الجعدني استطاع بجهده وطاقمه التدريسي المؤلف من فريق من الشباب المقتدر والمتجانس وبإمكانات لا تكاد تحسب إن يؤسسوا وخلال سنوات قليلة لمؤسسة أكاديمية راقية ،يمكنها إذا ما واكبتها باقي كليات جامعة عدن ان تقود نهضة تنموية عملاقة ستنتقل بالبلاد نقلة جبارة سيدونها لها التاريخ .

إنني وفي حضرة الكتابة عن عطاء وتميز البروفيسور جمال الجعدني وفريق عمله ،أتساءل هل تستطيع باقي كليات جامعة عدن ذات الموارد الهائلة كالطب والصيدلة والهندسة والعلوم الإدارية إن تقدم مشاريع نهضة مماثلة كهذه تجبرنا يوما على إن نكتب عنها بفخر وحماس كما نفعل الآن مع البروفسور جمال وطاقمه المميز.