د. محمد علي السقاف يكتب:
مجلس الأمن في مواجهة الأزمتين السورية واليمنية
بمشاهدة النقاشات الحادة التي شهدتها اجتماعات مجلس الأمن الدولي حول الأزمة السورية على خلفية قرار الرئيس دونالد ترمب توجيه ضربة عسكرية لسوريا لتجاوزها الخطوط الحمراء، باتهام نظام الأسد باستخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين في بلاده، تساءلت بيني وبين نفسي: هل هناك أوجه للمقاربة والمقارنة مع الأزمة اليمنية؟ أم أن طبيعة الأزمتين مختلفتان كلية عن بعضهما؟ وما أسباب ومظاهر هذا الاختلاف؟ هل بسبب حجم المأساة الإنسانية في سوريا بهجرة الملايين من السوريين إلى أوروبا بشكل رئيسي وبعض المناطق الأخرى من العالم يجعل تداعياتها الإنسانية لا تقاس بحجم مأساة الحرب اليمنية من ناحية العدد ولأنها محصورة إقليمياً بحكم الجغرافيا في المنطقة العربية وتحديداً في الخليج والجزيرة العربية؟ أم أن طبيعة السلاح المستخدم من الكيماوي إلى البراميل المتفجرة والدمار الواسع الذي تحدثه الضربات الجوية تختلف في الحالتين السورية عن اليمنية؟
إذا نظر المراقب الآن عن قرب حول إمكانية وجود مقاربة أو اختلاف بين الأزمتين سيلاحظ منذ الوهلة الأولى نقاط الاختلاف الجوهرية بينهما، انطلاقاً من مشاهد اجتماعات مجلس الأمن الدولي الأخيرة وأهداف الأطراف المتصارعة في الأزمة السورية مقارنة بالأزمة اليمنية.
في الأزمة السورية جميع أطراف النزاع هي دول أعضاء في الأمم المتحدة، وبالتالي عضويتها في المنظمة مرتبطة باحترامها أو انتهاكها لميثاق الأمم المتحدة، بعكس الحالة في الأزمة اليمنية، حيث أحد الأطراف الرئيسية فيها الحوثيون وجماعة الرئيس السابق علي عبد الله صالح هي ميليشيات وقوات نظامية كانت جزءاً من القوات المسلحة اليمنية تمردت على الحكومة الشرعية بتحالفها مع الحوثيين، وبسبب ذلك عند بحث مجلس الأمن الدولي الأزمة اليمنية، فقط الحكومة اليمنية الشرعية ممثلة في مداولات المجلس الذي لا يكون مسرحاً لتبادل التهم، كما حدث أخيراً في جلسات مجلس الأمن حول سوريا في التراشق اللفظي بين المندوب الروسي والمندوبة الأميركية وإطلاق مندوب سوريا عبارات قاسية ضد الدول الغربية، ولا شك لو كان الحوثيون لهم حضور في مجلس الأمن لأطلقوا شعاراتهم المعتادة. والأهم من كل ذلك في الصراع في الأزمة السورية أن المواجهة كانت بين الدول الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الثلاثي المشارك في الضربة ضد سوريا في مواجهة روسيا ووقوف الصين معها في إدانة ما سمته «العدوان الثلاثي» على سوريا، ما يعيد الذاكرة إلى فترة الحرب الباردة وكان حضور الأمين العام مداولات مجلس الأمن الأخيرة وإلقاؤه كلمة باسم المنظمة الدولية وتذكيره بالتزام الدول الأعضاء، وخصوصاً كما أشار «عندما يتعلق الأمر بقضايا السلم والأمن يحتم التصرف بما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بشكل عام»، بمعنى آخر ضرورة الالتزام بحظر استخدام القوة من جانب واحد وضرورة احترام دور مجلس الأمن الدولي الذي أناط إليه الميثاق حل النزاعات بين الدول.
ولم يحدث في الأزمة اليمنية أن شارك الأمين العام للأمم المتحدة بمثل هذه المداخلات في جلسات مجلس الأمن الدولي ذات العلاقة بالصراع في اليمن، والسبب في ذلك حسب تعبيره، أن «الوضع في سوريا يمثل أخطر تهديد للسلم والأمن الدوليين، لما تشهده البلاد من مواجهات وحروب بالوكالة تنخرط فيها عدة جيوش وطنية وعدد من جماعات المعارضة المسلحة وكثير من الميليشيا الوطنية والدولية والمقاتلين الأجانب من كل مكان في العالم ومختلف الجماعات الإرهابية».
ولعله بسبب ذلك، شهد مجلس الأمن خمس جلسات وخمس مرات استخدم فيها حق الفيتو! ما يظهر بوضوح حدة الأزمة السورية بانخراط الدول دائمة العضوية مباشرة في الأزمة، في حين في الحالة اليمنية فقط في المرة الأخيرة لاجتماع مجلس الأمن في نهاية فبراير (شباط) الماضي، استخدمت روسيا الفيتو ضد مشروع القرار البريطاني المدعوم من قبل الولايات المتحدة وفرنسا، الذي يقضي بتجديد حظر نقل السلاح لليمن مع التنديد بتقاعس إيران عن منع وصول أسلحتها إلى الحوثيين، وبعد هذا الفيتو أقرت جميع الدول الأعضاء مشروع القرار الروسي بتجديد حظر السلاح من دون الإشارة إلى إيران.
كيف يمكن تفسير هذا الاختلاف بين الحالتين السورية واليمنية؟
أحد الأسباب الرئيسية في هذا الاختلاف يعود إلى أن استخدام القوة العسكرية في اليمن من قبل دول تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية جاء بطلب رسمي من الحكومة الشرعية في اليمن وبموافقة مجلس الأمن الدولي في مواجهة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية لدولة عضو في الأمم المتحدة، والمفارقة هنا أن روسيا وإيران تبرران وجودهما ودعمهما العسكري لنظام الأسد بموجب طلب رسمي من الحكومة الشرعية وتدينان تزويد السلاح للمعارضة السورية ضد الأسد! ولا ترى إيران غضاضة في موقفها المتناقض هذا أنها تدعم الحوثيين بالأسلحة المتطورة والأموال لتثبيت انقلابهم على السلطة الشرعية في اليمن من جهة، واستخدامهم تلك الأسلحة، خصوصاً الصواريخ الباليستية للاعتداء على المملكة العربية السعودية الدولة العضو في الأمم المتحدة.
السؤال الآن: هل ستعمد إيران بعد الضربات التي طالتها بسبب وجودها في سوريا من إسرائيل وأخيراً من قبل الولايات المتحدة إلى تكرار اعتداءاتها على المملكة العربية السعودية التي أيدت الضربة الثلاثية الأخيرة، وذلك عبر تكثيف إيران إمداد الحوثيين بالأسلحة؟ أم ستعيد النظر في دعمها للحوثيين بسبب تغير قواعد اللعبة الدولية؟
من المؤمل من انعقاد القمة العربية في الظهران بالسعودية أن يقوم الزعماء العرب باستشعار مخاطر المرحلة بوجود توجه نحو تقسيم مناطق النفوذ بين الدول الكبرى نوعاً من إحياء «سايكس بيكو» جديدة دون روسيا، لأن الضربة الثلاثية الأخيرة ضد سوريا تهدف كما أشار إليها بعض المراقبين إلى رغبة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في عدم ترك انفراد روسيا وإيران بسوريا وبضرورة المشاركة في الحل.
استشعار الخطر شيء والبناء عليه في توحيد الصف العربي في مواجهة المخاطر التي تحيط بالأمن القومي العربي مجرد أمنية، ومثل كل الأمنيات قد تتحقق أو لا تتحقق.