د. موزة العبار يكتب:
على من انتصر الأسد؟
في عام 2011 الذي انطلقت فيه شرارة ما يسمى «الربيع العربي» بداية من تونس ومصر.. إلى ليبيا واليمن وسوريا.. منها: خرج إلى الميادين السورية شباب وفتيات ورجال وفنانون مشاهير وأطفال، مطالبين بالحرية والعيش والكرامة الإنسانية، في شكل بانورامي متحضر، لا يملكون إلا حناجرهم، حيث كانت احتجاجاتهم على شكل رقصات الدبكة الشامية الشهيرة، وهم يرددون متشابكين الأيدي «بدنا حرية»، لا يحملون سلاحاً ولا يرمون ملوتوفاً لإثارة الفوضى الخلاقة.!
وفي درعا أيضاً لن ينسى العالم الشهيد الأول للثورة السورية محمود قطيش الجوابرة، الذي قتلته بدم مثلج عناصر القمع الوحشي للنظام السوري في محافظة درعا، جنوبي البلاد، وبعده قتل ثلاثة من زملائه، الذين كانوا مشاركين في المظاهرة السلمية التي انطلقت من المسجد العمري في المدينة الشهيرة، التي بدأت منها الأحداث، بعد أن غير المتظاهرون اتجاههم إلى المحطة الشرقية، التي تقع إلى جانب حي الكرك. نعم هكذا هي كانت البدايات.
الشعب السوري الشقيق هو الأكثر احتياجاً للحرية من أولئك الذين طالبوا بها في بلدان أخرى، نعم يطالبون بالحرية والفكاك من عائلة حكمتهم خمس عقود بالحديد والنار، وزجت بمفكريهم وصحافييهم ومثقفيهم ورموزهم الوطنية الحرة وخيرة المبدعين منهم في الزنازين والتعذيب حتى يرحمهم الله برحمته.! حيث تحول نظام الحكم في سوريا من نظام جمهوري بالانتخاب، إلى نظام الحكم بالوراثة.!
ما يعد مخالفة صريحة ومرفوضة تخالف قوانين وأنظمة الأعراف والبروتوكولات الدولية المتعارف والمتفق عليها دولياً في أنظمة الحكم الجمهورية.! وشباب سوريا ورجالها وبناتها لهم كل الأحقية في المطالبة بالتغيير وأن ينتخبوا ويطالبوا بديمقراطية، كحق اختيار من له الأحقية في رئاسة وطنهم.
هذا هو حال الواقع في أنظمة الحكم الجمهوري المتعارف عليها رسمياً، ولكن طبيب العيون الذي سلمه والده مصير شعب ووطن له تاريخ وحضارة، ورموز وأحزاب فكرية وفنية وثقافية ودينية، يرى العكس تماماً؟!
الأسد لم يستمع لعين العقل في بداية الاحتجاجات، وقبل أن يخرج ولو إرهابي واحد على الأراضي السورية، عندما طالبه شعبه بتغيير وتداول سلمي للسلطة وحوار وطني يجمع كل الأطياف والأطراف، وفتح السجون لإخراج الأبرياء المعذبين الذين يموتون فيها تحت القمع والتعذيب بمجرد اختلافه واختلاف أجهزته الأمنية القمعية معهم في الرأي، إذاً.. إنها ساعة الكارثة الكبرى لوطن بأكمله، عندما قرر النظام في سوريا تحدي مطالب الاحتجاجات، وأنه هو ليس كغيره عندما قال مقولته الشهيرة «سوريا ليست مصر؟! بما معناه أنه لن يقتدي بمبارك..!»،
«نعم مبارك؛ مبارك الرجل المحارب العاقل» الذي جنب وطنه وشعبه كارثة الفتنة الكبرى، وحافظ على جيشه «قوياً متماسكاً» عار على الطبيب أن يترك كرسي الوراثة الذي أوصاه عليه والده!؟ لأنه هو محور الصمود والمقاومة والممانعة!؟ نعم هو الممانع والبطل والصامد عن تحرير أرضه المحتلة من خمس عقود مضت؟! هو الممانع والصامد والبطل عن إطلاق قذيفة أو رصاصة واحدة على العدو المحتل لأرضه؟! والذي يهاجمه جهاراً مراراً وتكراراً.. وهو ملتزم بالصمود والهدوء والسكينة..!!
«ما شاء الله تبارك الرحمن»، هو الممانع والبطل والصامد إلا عن قتل شعبه؟! يا للخزي والعار! إذاً الممانع المقاوم الصامد رفض الحوار والمطالب المشروعة للشعب وقرر الحرب على شعبه، وقال عنهم متآمرين على سوريا «الصمود والبطولة والمقاومة».!
وأمر بنزول قواته ودباباته وجلاديه ومرتزقته التي لا تعرف معنى الإنسانية والرحمة إلى الشوارع لمواجهة الشباب المحتج بصدور عارية، وأمر بقتل كل متظاهر يطلق كلمة حرية.!
ومن ينجى من القتل يزج به في السجون القمعية، ولم ينج من القتل والسجون والتنكيل والتعذيب.. لا طفل ولا امرأة ولا صحافي ولا فنان ولا كبير في السن، حتى اتسعت وانتشرت وبسرعة دائرة القتل ودماء الأبرياء، مما أدى إلى انشقاق العديد من ضباط الجيش، والذين أبت رجولة بعضهم وعقيدتهم المهنية أن يقتلوا الشعب السوري..
فكونوا جيشاً منفصلاً عن الجيش الأسدي القاتل للشعب السوري وأطلقوا عليه اسم «الجيش الحر» الذي ساهمت فصائل منه بدور بطولي فاعل في تحرير مناطق عديدة في سوريا من تنظيم داعش الإرهابي..
أما بالنسبة للكيماوي فهي ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها الأسد الغازات السامة والمحرمة دولياً في قتل شعبه، الأسد يرى في شعبه الذي خرج عن طوعه وطغيانه أنه لا يستحق الحياة والعيش.!! بل يستحق الإبادة الجماعية كما تباد الحشرات الضارة..!!
ولذلك ومنذ عام 2013 في مناطق وضواحي بحلب تم القتل عبر إبادة جماعية للمدنيين بالكيماوي.. وبعدها الغوطة.. وبلدة جوبر.. وسراقب.. كلها كانت هجمات متتالية على شعب أعزل لا حول له ولا قوة.
فرنسا اعترفت بأنها تملك أدلة حاسمة على استخدام قوات النظام للكيماوي في دوما، ولا ينسى العالم أجمع قصف خان شيخون، والذي تأكد منه في نتائج المحققين الدوليين التابعين للأمم المتحدة، الذين أثبتوا تورط قوات النظام السوري بارتكاب الجريمة البشعة والتي تقشعر لها الأبدان..!
ومن بعدها تعهد الأسد بالخلاص من الكيماوي السام القاتل المحرم دولياً.. الذي أخفى أكثر من ربعه تقريباً في منازل بعيدة عن الرقابة الدولية، بحسب التقارير الصادرة من المقربين منه والمنشقين العاملين في مجال السلاح الكيميائي وغيره من عتاد الحرب.. إن الذين يتباهون بنصر الأسد على شعبه، لم نراكم إذاً تتباكون على نصف مليون قتيل أبادتهم طائرات الطاغية.
بكل نوع من أنواع الدمار والقتل والتعذيب والتهجير.. أو تتباكون للتفريط فيها واحتلالها من قبل أربعة جيوش كبرى.. الجيش الروسي في الساحل والغرب.. والإيراني في وسطها ومحيط عاصمتها.. والتركي في شمالها.. والأميركي في شرقها.. هذه هي دولة الممانعة والصمود.. وما هي إلا دولة الاستسلام والخنوع لكل محتل وطامع.. دولة الانتصار على الشعب..!