هاني مسهور يكتب:

المطامع التركية في اليمن

في الخامس من يونيو 2017م أعلنت دول (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) مقاطعة دولة قطر على خلفية دعم الدوحة للتنظيمات الإرهابية ووقوفها مع القوى الإقليمية التي تتدخل في الشؤون الداخلية العربية، وكشفت الأحداث صحة الاتهامات التي واجهت بها الدول الربع قطر، فقد منحت الدوحة الأتراك والإيرانيين قواعد عسكرية على أرضها، فيما بدا واضحا التنامي غير المسبوق للتدخلات التركية في العالم العربي.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في كلمته التي ألقاها في قمة القدس (أبريل 2018م) التي جاءت نصاً «هناك دول إقليمية، تهدر حقوق الجوار، وتعمل بدأب على إنشاء مناطق نفوذ داخل الدول العربية، وعلى حساب مؤسسات الدولة الوطنية بها.. إننا نجتمع اليوم، وجيش إحدى الدول الإقليمية متواجد على أرض دولتين عربيتين، في حالة احتلال صريح لأراضي دولتين عربيتين شقيقتين»ـ انتهى الاقتباس.

ما ذكره الرئيس السيسي هو أكثر ما يجب النظر إليه فهو يُعيدنا إلى تحذيرات ملك الأردن عبدالله الثاني في 2003م عندما تحدث عن خطر (الهلال الشيعي) الذي يُمثّل المطامع الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان.

وإذا كان الرئيس السيسي قد أشار للتدخل التركي في سوريا والعراق واصفاً ذلك بـ (الاحتلال) فهي إشارة قوية لما يَحمله المشروع التركي في المنطقة العربية، فبعد أن أقامت تركيا قاعدتها العسكرية الأولى في قطر، أقامت قاعدتها الثانية في الأراضي العربية في الصومال (أكتوبر 2017م)، وليس من المستغرب اليوم التصعيد تجاه الدور الإماراتي في القرن الأفريقي سواء في جيبوتي أو الصومال فالنفوذ التُركي في هذا الجزء يزداد قوة ويحمل مؤشرات سلبية تجاه الأمن القومي العربي.

في (ديسمبر 2017م) وقع السودان مع تركيا عقداً لتطوير ميناء سواكن على البحر الأحمر، وعلى رغم أن الرئيس التركي اردوغان تحدث عن المشروع في الميناء السوداني على اعتباره مشروعاً مدنياً إلا أنه لم يتورع عن التذكير بأن ميناء سواكن كان جزءاً من التراب العُثماني، وهو الحُلم المسكون بإعادة الخلافة العُثمانية أي بسط النفوذ التركي على البلدان العربية مُجدداً.

كما تمكنّ أردوغان من زرع مخالبه في الصومال والسودان عبر نفوذ التنظيم الدولي لجماعة الإخوان فلقد استعان بذات الأدوات في اليمن، فالتنظيم النافذ في اليمن ومنذ أن انطلقت عمليات عاصفة الحزم (مارس 2015م) لعب إخوان اليمن أدواراً هامة بداية من إسقاطهم لعاصمة محافظة حضرموت المُكلا بيد تنظيم القاعدة ثم تجميد جبهات الجوف ومأرب والأهم كانت استنزاف التحالف العربي في محافظة تعز استنزافاً عسكرياً وإغاثياً وإعلامياً في منهجية بعيدة المدى تهدف لتحقيق الإستراتيجية الأساسية للتنظيم الدولي وهي تسليم تعز والحديدة للرئيس التركي أردوغان في خطة بديلة بعد أن فشلت محاولة إخوان اليمن في الانقلاب على السلطة في (فبراير 2011م).

ترغب تركيا في الحصول على ميناء الحُديدة غرب اليمن وهذا يعني استراتيجياً أنها تمتلك مثلثاً في البحر الأحمر بين (السودان والصومال واليمن) وهذا يعني أن تركيا وضعت قدماً على مقربة من مضيق باب المندب، وهو اختراق صريح للأمن القومي العربي، كما أنه يرسم شريطاً بين القاعدة التركية في قطر وحتى اليمن.

اعتمد الأتراك على مدار عام كامل على التأثير الإعلامي كجزء من إدارة الصراع عبر (جناح إخوان اليمن القطري) الذي عملت فيه توكل كرمان دوراً فاعلاً من خلال أدواتها الإعلامية المأجورة عبر الهجوم المستمر على السعودية والإمارات واستخدمت كافة الأدوات الممكنة في هذا السبيل.

لم تكن المظاهرات التي عمت شوارع مدينة تعز في 13 أبريل 2018م سوى تأكيد أن هناك عملية تصعيد بالانتقال من الضغط الإعلامي الذي تقوده توكل كرمان وقناة الجزيرة القطرية إلى الشوارع والميادين في محافظة تعز، فهناك شعور واضح بالقلق تجاه تحركات ألوية الحرس الجمهوري في الساحل الغربي واحتمالية تحرير ميناء الحُديدة ما يعني إفشالاً للمشروع التركي كاملاً وتحييد نفوذ أنقرة على هذه المنطقة.

المطامع التركية في اليمن حقيقية وعلى الصعيدين السياسي والاستراتيجي، تقود هذه الأحداث والآراء، للتساؤل حول ملامح الدور التركي القادم في العالم العربي، الذي يبدو دوراً قطبياً، داعماً لحركة الإخوان، وداعماً لكل من يؤويها، محاولاً وضع قواعد اقتصادية وعسكرية، تؤمن له دوراً سلطانياً بائداً، إن صح التعبير، يضرب عرض الحائط بمصالح الدول العربية، في منافسةٍ ربما تكون مع دولٍ أخرى، غير أن تركيا لا يهمها أن يقود العرب مصالحهم في أراضيهم، كما لا تهتم الأجندة الأردوغانية بالتجريف والحروب والفوضى، إن هي حققت مصالحها المبنية على استحضار أحلام السلاطين والنماذج الدينية التي تهدف للحكم فقط، من مقبرةِ التاريخ.