د. ياسين سعيد نعمان يكتب:

نقطة نظام

هل يمكن إعادة قراءة المشهد بما يحقق تصحيح المسار ؟ هل يمكن البحث في أسباب هذا التخبط بعزل كل ما علق بالمشهد من زوائد وتراكمات؟ هل يمكن إعادة ترتيب الأوراق بهدوء وبعيداً عن حماقة ردود الأفعال ونزق وحماس التصريحات والتعليقات ؟؟ أعتقد أن الاجابة على هذه الاسئلة ستتوقف على الإجابة على ما يشغل الجميع من هم أساسي ، فإذا كانت المعركة من أجل استعادة الدولة من أيدي الانقلابيين لا زالت هي الهم الرئيسي فلاشك أن كل ما يعترض هذه القضية من مشكلات لن تكون أكثر من عوارض صغيرة يمكن تجاوزها بسهولة أمام التحدي الأكبر والتضحيات الجسيمة التي بذلت في سبيله .

لا يفتعل المعارك الجانبية في ظل المعارك المصيرية إلا المهزومون لتضليل الناس عما أصابهم من هزيمة ، ولا أعتقد أن الشرعية والتحالف الداعم لها مهزومون حتى يهربوا إلى هذه المعارك الجانبية التي قد تغرق الجميع في مستنقع مواجهة سينتهي بدون أدنى شك إلى خسائر لا يمكن تعويضها .

كما أنه لا يجد الوقت الاضافي لمثل هذه المعارك إلا المنتصرون الذين ينعمون بانتصاراتهم بتمضية وقت من ذلك النوع الذي تتسلى في الأجنحة المنتصرة بمناكفة بعضها . ولا أرى أن الشرعية والتحالف الداعم لها قد حققوا ذلك النصر ليخوضوا مثل هذه المناكفات ويجعلوا منها مناسبة للتلهي . تدخل الشرعية ، التي يقودها بصبر وحكمة الرئيس هادي ، والتحالف الداعم لها ، والذي تقوده المملكة العربية السعودية وإلى جانبها دولة الامارات العربية المتحدة ، مرحلة من المواجهة مع الانقلابيين الحوثيين هي من أهم وأخطر المراحل التي يتوقف عليها مستقبل اليمن ، ومعها كل التضحيات التي قدمها الجميع للوصول الى الهدف المنشود باستعادة الدولة وبناء اليمن الجديد.

ومع ذلك تجرهم أخطاء وفراغات إدارة علاقة التحالف ،التي سبق التنبيه لها منذ اليوم الأول ، إلى هذا الوضع الذي توسعت فيه دائرة الخلاف ليشمل ، فيما يشمل من أوراق الضغط المتبادل ، الجغرافيا والأرض في تطور أقرب إلى “الفنتازيا” منه إلى الواقع ، وهو ما لا نجد له تفسيراً ملائماً إلا حينما يحجم القادرون على الانتصار عن السير في المسار الذي يفضي إلى ذلك الانتصار ، ويختارون بدلاً منه الطريق المعاكس الذي يفضي إلى الهزيمة .. هنا تتضخم حماقة الفعل ورد الفعل .

هناك مشكلة تتعلق بإدارة التحالف يجب أن تحل بعيداً عن ضغوط الارض والجغرافيا .. الأرض هي أخطر الأدوات التي يمكن استخدامها في تدمير أنجح العلاقات وأشدها قوة ومتانة ، وغالباً ما تكون وسيلة للتعبئة وتشويه هذه العلاقة وتدميرها . ولذلك لا بد أن تحسب كل الأطراف حساب توظيف هذا العنصر بصورة خاطئة ، لأن التداعيات من هذه المسألة لن تسهم إلا في المزيد من تعقيد الأمور في وقت نحن في أشد الحاجة فيه للتفكير بمسئولية حول كيفية تصحيح العلاقة وإدارة التحالف .

تحدثنا عن العلاقة الاستراتيحية حينما اختلط الدم اليمني والسعودي والإماراتي دفاعاً عن الدولة اليمنية المصادرة بالانقلاب الحوثي المدعوم إيرانياً ، وعن شرعيتها، وعن مستقبل العلاقة في خلاصها من المشروع الطائفي التوسعي الذي يهدف إلى إغراق المنطقة في فوضى الانقسامات بتدمير الدولة الوطنية ، فإذا بهذا الخيار المنطقي والواقعي يرتبك في أول إختبار لدرجة كان لا بد معه من التنبيه إلى أن تأسيس هذه العلاقة الاستراتيجية يحتاج من الجميع إلى جهد جبار لفهم متطلبات هذه العلاقة حتى لا يغرق المشروع كله في “شبر ميه” بتعبير أشقاءنا المصريين .

لا أحد يتصور، بعد كل هذه التضحيات ، أن العودة إلى مربع التراجع عن هذا المشروع الاستراتيجي أصبح ممكناً ، يجب أن تكون هناك مراجعة بالمفهوم الإيجابي الذي يؤسس لانطلاقة أقوى في هذاالمسار بكل ما فيه من تعقيدات وصعوبات .. وكل الحسابات يجب أن تنطلق من المؤشر الذي ستستقر ، أو يجب أن تستقر عنده المعطيات التي سيتقرر في ضوئها مستقبل هذه المنطقة . حتى وإن بدا أن هذا المؤشر يتعثر بعدد من التباينات بين دول المنطقة ، إلا أنه سيفرض في نهاية المطاف خيار الرؤيا الاستراتيجية التي تضع المنطقة كلها بدولها وشعوبها في مواجهة التحديات الأساسية التي تأتيها من خارجها في صور مختلفة من الخديعة لتعميق الشقاق حتى يسهل ابتلاع المنطقة بأكملها.

بمراجعة بسيطة لما يراد لهذه المنطقة أن تبتلعه من سكاكين تنشر صحيفة أجنبية تقريراً لصحفي مغمور عن سقطرى ، وفي وقت قياسي يجري تفخيخ مشكلة أمام التحالف والشرعية بأسئلة من النوع الذي يجعل المسألة مفتوحة أمام قراءات توسع الخلاف ، وهو ما جعل المسألة تعرض على النحو الذي برزت فيه روابط التفاهم وقد تخلخلت على نحو صادم لدرجة صار من الممكن تمرير كثير من هواجس الشك من خلال أسلاكها المشوشة وفي كل اتجاه .

كل ما في الأمر هو أن غياب الإدارة الصحيحة لهذه العلاقة رافقتها تصرفات أدت الى تعميق عدم الثقة والتي انعكست بدورها في مزيد من التوظيف الذي أضعف بشدة قوة الدفع بهذه العلاقة إلى آفاقها الاستراتيجية . وبسببها فقد أنتجت أرضية خصبة لتكوين هواجس تفاعلت مع كثير من التصريحات المتبادلة التي أخذت تؤجج الخلاف على خلفية معلومات وتسريبات لا أحد يعرف مصدرها أو دوافعها. كان من الممكن إحتواء هذا التصعيد ، الذي أخذ طابعاً خطيراً يتعلق بالسيادة على الارض ويتداخل مع أكثر العوامل استقطاباً للخلاف في المنطقة ، من قبل الشرعية والتحالف باعتبار أن توسيع رقعة الخلاف إلى هذا الحد قد بات أمراً يستوجب توضيحه للناس بحجمه وشحمه ولحمه ، أياً كان ، حتى لا يترك فريسة لأي حسابات تذهب به بعيداً وبدون وازع من مسئولية أو تقدير لحجم الضرر الذي سيرتبه ذلك على انجاز المهمة المشتركة وما رافقها من تضحيات حتى الان .

فلا أدري مثلاً من الذي ينازع في يمنية سقطرى ، غير الأشقاء الصومال الذين يعملون الان بدون كلل على احتواء الجزيرة ضمن الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة للصومال بعد أن يئسوا من تغيير جغرافيتها السياسية ، وهي قضية مثارة على صعيد تحكيم دولي يشتغل فيه الصومال بهمة عالية منذ فترة طويلة حتى وهم غارقون في حروبهم الطويلة ، وللعلم فقد اختاروا لذلك شركة محاماة من أهم الشركات العالمية في هذا المجال ، ومن الخبل أن يدعي أحد أن هناك من يعتقد أن سقطرى جزيرة لا نسب لها في عرض المحيط الهندي ، لم نسمع هذا من دول التحالف ولا من الامارات ، وكان من الحكمة أن نبحث فيما وراء بواعث ودوافع اثارة موضوع بهذا الحجم الذي لن تتوقف تداعياته عند حد معين .

أما وقد أثير موضوع سقطرى بهذا المستوى فلا بد لوزارة المواصلات اليمنية أن تطلع الرأي العام اليمني بالمشكلة الحقيقية التي تتعرض لها الجزيرة ، فهناك قضية لا يجب أن تغفل ، فقد يفاجأ بها اليمن عما قريب . البيانان اللذان صدرا عن الحكومة اليمنية والخارجية الإمارتية وضعا من وجهة نظري حدود المشكلة في الإطار الذي طالما تكلم عنه الجميع ، وهو ضعف ادارة العلاقة بين أطراف التحالف وما أصابها من تصدع .. فبيان مجلس الوزراء ربط المشكلة بواقع العلاقة المشوبة بكثير من التحفظات التي كانت سبباً في نشوء عدم الثقة ودعا إلى ضرورة معالجة الوضع في اطار أشمل من المعالجات ، وبيان الخارجية الاماراتية أكد على إلتزام الامارات ، في إطار التحالف الذي تقوده المملكة، بمواصلة دعم اليمن في جهودها من أجل استعادة دولتها المغتصبة من قبل الانقلابيين الحوثيين وعودة الشرعية نافياً أي أطماع لها في الارض اليمنية .

في البيانين هناك ما يمكن أن يسهم في إعادة بناء الثقة بين أطراف التحالف ، ولا يضير شيئاً أن تكون هناك مكاشفة لبدء مرحلة من استعادة الثقة تغلق فيها أهم المنافذ التي تتسرب منها عوامل الخلاف . وفي الإجابة على الأسئلة التي وردت في البداية يمكن القول أن الإشارات الإيجابية التي وردت في البيانين تحمل دعوات متبادلة لتصحيح مسار العلاقة . ومن هنا نبدأ التصحيح .