في ذكرى 11 فبراير

فبراير واليمنيون المخيفون!

كان بإمكان ذكرى 11 فبراير 2011 أن تغير اليمن إلى الأفضل، بدلا من تغييرها لوجوه جلادي هذا الشعب وأسمائهم، دون تغيير لعناوينهم.

كان في متناول فبراير أن يمنحنا وطنا خال من الدهون والأجساد المترهلة والوجوه المجعدة التي يتطلب إزالتها اليوم جهودا خارقة، وزمنا أطول مما كان عليه الوضع منذ ما قبل العام 2011 إذا ما كان فبراير صادقا مع نفسه، قبل صدقه مع من صدقوه!

أثناء وخلال وبعد فبراير، تابعت كثير من الوجوه التي كان لها حضور لافت ضمن مختلف القطاعات الشبابية الناشطة، وأحتفظت ذاكرتي، التي ما تزال قادرة على العمل بشكل جيد، بكثير من الوجوه التي كان يتقدمها الوجه النسائي توكل كرمان، والمحامي خالد الآنسي، وشاب لا أتذكر أسمه الأول، لكني أعرف كيف كان، وأسأل كيف هو الآن؟

حقيقة، لا أعرف عنه سوى لقبه "المقبلي". ربما كان أسمه أحمد أو محمد المقبلي.

قبل 2012، كان بإمكانك أن تعتبر المذكور أعلاه عينة عشوائية لشباب حركة فبراير الذي تم تدجينهم وتأطيرهم لاحقا ضمن ما يسمى "المجلس الأعلى لشباب الثورة".

منذ يومين وصور توكل كرمان تطاردني على وسائل التواصل الإجتماعي.

سأقدم إعترافا تاريخيا؛ تغيرت توكل كثيرا، صارت أبهى وأجمل، وأكثر شبابا من أي وقت مضى، لكنها لم تعد تشبه هذا البلد.

مثلها ظهر المحامي السابق، خالد الآنسي، أصغر سنا، وهو الذي ترك مهنة المتاعب، وعاد كلاعب أساسي لا يعرف النوم في العالم الإفتراضي، لكنه الآخر لم يعد يشبه اليمن، ولا اليمن تشبهه في شيء.

وفيما أصبحت توكل، والآنسي معا، لا يشبهون اليمن، أمسينا نحن كيمنيين لا نشبه حتى أنفسنا، بعد مضي ست سنوات على حركة فبراير، وليس ثورة فبراير، التي لم تصمد ثوريا، من خلال بلورتها لأبرز أهدافها كواقع تفرضه بناء على أداءها الثوري الذي تم نقضه.

وأنا أطالع صور توكل والآنسي تذكرت وجه الشاب المقبلي الشاحب، وجسده الهزيل، وكيف كان يبدو في 2011، وتساءلت بعفوية: يا ترى كيف أصبح المقبلي بعد ست سنوات؟ أين أختفى وزملاءه عشاق الأرز وربع الحبه الدجاج والعصيد والمرق الحامض؟ وعما إذا ما كان قد أصبح يمتلك أقصى ما تمناه في أعوام مضت؟

هل أمتلك المقبلي أخيرا الوجنتين والكرش الذي حلم بإمتلاكهما طويلا؟

قدم فبراير لهذا الوطن كنتاج لتشوهه مجلسا ثوريا ارستقراطيا أعلى بعد 2011، ولجنة ثورية ارستقراطية عليا، أواخر 2014، وأخرى ارستقراطية، سابقة ولاحقة، جمهورية وثورية، لمكافحة الفساد، ومجلسا رئاسيا ارستقراطيا، وأخيرا مجلسا أعلى للمقاومة الأرستقراطية.

منح فبراير هذا الوطن قلة قليلة، ما تتمناه، في حين حرم نفسه، وحرمنا ومعنا الكثيرون، مما نتمنى:
وطن يمتلك قراره ويتطلع للمستقبل بعين قيادة وطنية تمتلك مفاعيل أداءها المبنية على أهداف يأتي كأساس لها وفي مقدمتها الوطن الذي يتسع لنا جميعا بعيدا عن التخوين والاستعباد والتبعية.

بالتعريج على ثورات هذا الوطن يلاحظ المتابع البسيط أنها قامت على أهداف نبيلة لا يمكن التشكيك بمدى صدقيتها، إلا من خلال مراقبة تحولها كأهداف إلى واقع معاش، وهو المقياس الحقيقي للثورات في كل بقاع الأرض.

خلافا لذلك، فالتشكيك بالحركات الوطنية، والثورات إجمالا، عمل صحي، أكثر من كونه عمل غير وطني، يسعى لإفراغ مسمى الثورة النبيل من محتواه، ويعمد للتقليل من جسامة التضحيات التي بذلت لتحقيقها.

في الشمال والجنوب، ومنذ ما بعد نجاح ثورة الشطر الأول، وإتمام خطوات إستقلال الشطر الثاني، تم التعامل مع الثورات وأهدافها التي وضعت جميعها كإسقاط واجب، ربما، والإكتفاء بتطبيق بعضا منها، كأقصى طموح كان بالمتناول الوصول إليه، فكان أن تم التعامل مع خطوات تعزيز وتصحيح مسارات العمل السياسي من قبل بعض القيادات الوطنية بالقتل.

كان الحمدي وقحطان وسالمين خير أمثلة لذلك، وربما كان العمل المزمن وفق أجندة وطنية خالصة هي أبرز المعوقات التي عجلت برحيلهم جميعا بذات الطريقة: قتلا بالرصاص.

كان المتهم معروف، بغض النظر عن الأدوات التي أستخدمها في تنفيذه لجرائمه بحق الثورة والشعب، وأحلام البسطاء؛ كان ذلك قبل أن يتحول المتهم إلى قاض يتلهف الشعب اليوم لسماع منطوق حكمه على الوطن ومواطنيه وقرارهم السيادي كيمنيين تجمعهم الدماء والأرض!

باتت العينة التي تمثل الطبقة المخملية لحركة فبراير هي المتحكمة بمصطلح الثورة إجمالا، في اليمن، وبلغ الشطط الوطني الذي تمت عملية تغذيته "خارجيا" بعد نجاح تجربة الحركة حدا وصل بأنصار الحركة أن اختزلوا كل الثورات الوطنية السابقة واللاحقة فيهم، كممثلين دائمين لمجالسها، بل ولأهدافها، وحتى دوافعها.

إحتفت حركة فبراير، وما تزال، للعام السادس على التوالي، بتحويلها لبعض أبناء الطبقة الكادحة، إلى الطبقة المخملية، وإحتفاظها بهم للذكرى، وللجعجعة، التي لم يعد بمقدورها أن تنتج طحينا، منذ سنوات ست، حتى اليوم.

ليس هناك ثمة ثورات وطنية ناجحة يرعاها الخارج، على طريقة الثورة الإسلامية في إيران، وبالذات بعد إنحسار المد القومي العربي.

كانت إيران إبان حكم الشاه أقل خطرا على المنطقة والعالم، مما يسوق له ترامب والإقليم اليوم، لكنها، حينئذ، لم تكن تستوفي شروط المستقبل الذي كانت بعض القوى العالمية المؤثرة تبحث فيه عن دور لهذا البلد يساهم في تأجيج المنطقة بصورة أكثر كثافة، فكان أن تمت عملية تصدير للثورة إليها بغض النظر عن دوافعها التي كانت حاضرة.

منذ ست سنوات يحتفل ارستقراطيو حركة فبراير بأقصى طموحاتهم: إزاحة الرئيس السابق عن المشهد السياسي من خلال إسقاط نظام حكمه الذي أثبتت السنوات بأنه إزداد قوة وسطوة وجنون من خلال كل الفاعلين والمحكمين على مقاليد الحكم اليوم، وهم شركاء وحلفاء الأمس، والأهم، أدوات النظام، حتى اللحظة.

غيرت هذه الحركة اليمن للأسوأ، وحينما لم يكن بالإمكان الدفع بواقع هذا الوطن نحو الأفضل، صدرت لنا وجوها باتت تمثل الطبقة المخملية للحركة، وأظهرت عليها مدى التغير الكبير التي استطاعت أن تقدمه من خلال وجوه "شاحبة" كانت تشبه اليمن في كل شيء، وأصبحت ممتلئة ونظرة، حاليا، خلافا لما هو عليه وضع اليمن.

بعد مضي ست سنوات، بات العالم أخيرا يتمتلك دولة مخيفة بمعنى الكلمة أسمها اليمن، وهذا الأمر مهدت له حركة فبراير كما يجب.

نجحت حركة فبراير في تحقيق أقصى طموحاتها المتمثلة بالمساواة بين أفراد الشعب، بإنهاكه حتى الموت، وتقسيم وطنه حد التفتت، وتوزيع ثرواته لدرجة الضياع، فأصبح حالنا يشبهنا تماما.

وسط كل هذا التيه، تسعى حركة فبراير للحفاظ على الطبقة الأرستقراطية المخملية التي أصبحت تمثل الحركة لأطول فترة بالإمكان الوصول إليها، على حساب الكثير من أبناء هذا الشعب الذين إعتادوا على منح أنفسهم للوهم، رفقة ثوراتهم، وحركاتهم الوطنية المختلفة، على مدار تاريخهم المعاصر، فكان أن ساهم هذا الشعب بمشاركة قياداته المختلفة، بطريقة أو بأخرى، أن يصبحوا مخيفين أكثر من أي وقت مضى.

مخيفين تماما، كما هو وطنهم.