إسماعيل ولد الشيخ هو ذاته علي البخيتي

عمالة البخيتي على طاولة اللعب!

بعيدا عن مبادرته، لا يخفي علي البخيتي، المقرب من دوائر صناعة القرار في صنعاء، كراهيته لهادي المقرب - حتى وقت قريب - للسعودية قرب الكوع للكرسوع! الكره الذي لم يمنع الرياض من إستدعاء البخيتي، لغرض مناقشة مبادرته حول اليمن، حسب ما هو معلن، المبادرة التي تنسف شرعية هادي، الرئيس الغير مرن مع بنود الخطة "الرباعية" الأممية التي تضع حدا للصراع اليمني-اليمني حول السلطة، وبالتالي، وقف الحرب السعودية على اليمن، ووقف التوغل اليمني داخل الأراضي السعودية، بمقذوفاته وباليستياته وبابا غنوجه.

هذا هو الموقف الذي قامت الرباعية الدولية بنقله صراحة على لسان "إسماعيل الشيخ" حاف بدون "ولد" لأنها إضافة لإسم الرجل، ليس إلا، الأمر الذي لا يعرفه كثير من اليمنيين، وذلك لا يعني أن شيء قد تغير بإسماعيل، بالنسبة له ولنا، ولكنه يدل على تغير النظرة السعودية تجاه صاحب (البلاد المفكوكة) من خلال وصف إسماعيل له بأنه مستمر في التحفظ على أسس الحل المطروحة دون تقديم بدائل بالإمكان التوافق عليها، ويصر على ضرورة توافق الحل المطروح مع المرجعيات الثلاث التي جرى تجاوزها بواسطة القرار (2216) الصادر عن مجلس الأمن كمدخل رئيسي لحل الأزمة اليمنية، ما دفع السعودية للجوء أخيرا إلى مبعوثها الغير معلن للسلام "علي ولد البخيتي" أو علي البخيتي كما أتفقنا، من غير ولد، للقيام بالمهمة التي لا يستطيع إسماعيل القيام بها.

إسماعيل ولد الشيخ هو ذاته علي البخيتي، وكلاهما ينفذان الرؤية السعودية، أو لنقل، يقدمان أفكارهما بما يتناسب مع الأسهم السعودية الصاعدة في المنطقة عموما، واليمن بصفة خاصة، قبل سنتين؛ الهابطة في العالم ككل، وليس باليمن فحسب، اليوم.

يعرف السعوديون بأنهم تورطوا في حرب يمنية لا طائل منها ولها، أو هكذا عرفوا متأخرين، وهو الأمر الذي لم ولن يعرفه هادي، ولا إسماعيل، ولا الرويشان، بقدر ما يعرفه البخيتي الذي يلعب أدوارا متعددة، منذ سنوات، ويمتلك قنوات تواصل على مستوى عال من الأهمية تتيح له التواصل مباشرة بأطراف الصراع اليمني-اليمني و اليمني-السعودي واليمني-الإقليمي وأخيرا اليمني-الدولي وتمكنه من اللقاء بسفير الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن، بشكل لا يتوافر لدى أهم مسئولي شرعية هادي ربما، وعليه يقاس ما تبقى من أدوار تقدم بوضوح صورة البخيتي الذي أثارت مبادرته للسلام في اليمن، وهي المبادرة التي تبنت فصل الشمال عن الجنوب، ردود أفعال متباينة بين مؤيد ومعارض ومخون ومقلل من قيمة المبادرة وصاحبها.

لكن، وبغض النظر عن مدى إهتمام المجتمع الدولي بهذه المبادرة من عدمه، يقفز سؤال مهم للواجهة وهو: ما الذي دفع علي البخيتي للظهور بمبادرته في هذا التوقيت بالذات، وبهذا الزخم، وبهذه الطريقة التي أثارت رجالات السلطة الشرعية دون غيرهم، قياسا برد فعل سلطات صنعاء التي استقبلت مبادرته ببرود غريب؟

يؤكد "الكاتب الصحفي" علي البخيتي، بغير مكان وزمان، بأنه يقدم مبادراته لإحلال السلام في بلده اليمن بصفته الشخصية، ووفق رؤيته الخاصة للحالة اليمنية، بعيدا عن أي تفويض أو رعاية إقليمية ودولية، وهو ما يشكك بصحته مسئولو سلطة هادي، ومؤيديها، متهمين البخيتي بأنه ليس سوى عميل للرئيس السابق علي عبدالله صالح، ومحلل لحلفه مع الحوثيين، في الوقت الذي تصف فيه، سلطات صنعاء، ومؤيديها، جهود إسماعيل الشيخ بالجهود المبنية على العمالة للنظام السعودي، وهو النظام الذي يقدم نفسه كنظام "حرب وسلام" في ذات اللحظة عبر المبعوث الأممي، الذي يؤكد، هو الآخر، بأنه ليس سوى وسيط أممي يقدم الحلول وفق الرؤية الدولية للحالة اليمنية!

يجري تقديم البخيتي، من الرياض، كمبعوث بإمكانه معادلة كفة ميزان التحالف السعودي المعتمد على "الشيخ"، الغير مرحب بدوره في صنعاء، ومعززا لدوره، في ذات الوقت، للتلويح بورقة إثارة الرأي العام اليمني الذي لم يعد يكترث للمبعوث الأممي ولخططه الهادفة لإنهاء الحرب، كما يصفها، لكنه ما يزال مكترثا بقضيته الأخطر: الوحدة والإنفصال.

ما أثارته "مبادرة البخيتي" من ردود أفعال كشفت بوضوح تعثر كافة الحلول المطروحة في اليمن، وخيبتها، حربا وسلاما، من خلال وضعية المتحاربين المبددين لكل فرص التوافق على حل دائم ينهي الصراع، وبالتالي، يوقف الحرب السعودية على اليمن، ناهيك عن كونها قد ساهمت، بالنسبة لبعض المتابعين، في كشف بعض خيوط "اللعبة اليمنية" التي كانت، وماتزال، لعبة قمار مربحة، لكنها بدت، وتبدو، في نفس الوقت، معقدة لمن تحمس لها وخاض فيها دون مراجعة لقواعدها التي وضعتها، وتضعها، أطراف إقليمية ودولية فاعلة، تحاول جاهدة بأن لا تترك أثرا ليديها على الطاولة، وعوضا عنه، تلعب بأياد يمنية تضمن تحقيق أقصى الفوائد، بإستغلالها لعوزها وحاجتها وإندفاعها بحماس، لتحقيق طموحاتها التي تتفق مع الشرعية أسما، وتختلف بالمضمون، شمالا وجنوب، ومن قبل ذلك كله، عدم فهمهم، كيمنيين، لقواعدها كلعبة تحركها خيوط متشابكة ومعقدة.

لا تبدو اللعبة اليمنية صعبة بالنسبة لكثير ممن فضلوا، منذ البداية، عدم دخولها كلاعبين، وكانوا، عوضا عن دخولهم فيها، حريصون على متابعة وفهم حركات وأدوار اللاعبين لجني أكبر الفوائد الممكن جمعها من على طاولة القمار اليمنية في حال قرروا المشاركة؛ هذا ما صنعه البخيتي حينما دخل على طاولة كل من فيها قد تعب وخسر معظم ما بيده، لكنه ما يزال يرغب باللعب لتعويض خسارته، ويحاول التظاهر بأنه لم ينتهي بعد، هنا يقدم البخيتي عرضه الذهبي: يمنحهم ما خسروه مقابل منحهم له ما بقي في أيديهم!

اللاعبون المحليون/الإقليميون/الدوليون يدعمون البخيتي والشيخ في مسارين متوازيين يتقاطعان ليلتقيان عند الرغبة السعودية بإزالة الثقل اليمني من على كاهلها، الثقل المتمثل بالحرب التي أرهقتها، وهي تعرف الآن بأنها قادرة، بتكلفة أقل من تكاليف حربها، على الإحتفاظ بموطىء قدم لها في اليمن، سلميا، بعد أن ذاقت طعم الحرب في ظل ظروف إقتصادية صعبة يمر بها الإقليم والعالم.
لذلك تفكر السعودية بالحلول الممكنة بصوت مرتفع، بالوقت الذي يرغب فيه هادي الذهاب بالحرب إلى مالا نهاية، كما قال، فيما تزداد جبهة صالح-الحوثي تماسكا وتهديدا، وإن اختلفت داخليا، لكنها تبدو متماسكة في حربها ضد السعودية.

حرصت السعودية على تأخير توحيد صف الشرعية بالحراك الجنوبي الذي يستمد سلطاته حاليا من سلطات شرعية هادي، المدعومة من الإمارات أيضا، وإن أظهرت الأحداث خلاف ذلك، وصولا للحظات حاضرة الآن، بينما تتكفل الإمارات بمهمة وضع اللجام المناسب لقوى الحراك الحليفة المتواجدة على الأرض، بعيدا عن تلك القيادات الحراكية التقليدية التي تتقاسمها الرياض وأبوظبي وطهران ولندن وواشنطن، وهي قيادات تعيش في الخارج، وتجري عملية التحفظ عليها وعلى أنشطتها وحضورها لتطويعها قبل إستخدامها حسب تطورات الداخل، وتعاطيه مع الأجندة الإقليمية والدولية، ومواكبته لها.

تعرف الإمارات العربية المتحدة كيفية الحفاظ على مصالحها في كل الظروف، ولا ترغب، في الطريق نحو ذلك، إلا بإزاحة إخوان تركيا وقطر عن طريقها، لعداءهما المعروف، ولأسباب أخرى تتعلق بتأمين وتوسعة نفوذها سياسيا وإقتصاديا، ومن هنا تأتي دعواتها المتوافقة مع دعوة الخارجية الأمريكية والسعودية لحل سياسي يضمن تنفيذ القرارات الأممية دون الدخول في معمعة البخيتي، الذي يعرف، كما يعرف الإماراتيون والسعوديون، بأن مبادرته الأخيرة ليست سوى "فزاعة" لتخويف الوحدوي على مصير وحدته في الشمال، وليست أكثر ولا أكبر من قطعة حلوى يفرح بها الأنفصالي في الجنوب، بينما تدعم السعودية البخيتي في إثارة خوف وفرحة الشمال والجنوب للضغط على الواقف بينهما "هادي" واجباره على التعاطي مع رغبتها في التخلص من الصداع اليمني داخل حدودها، ورغبة الإمارات في التخلص من عناصر حزب الإصلاح بشكل كلي.

تحت تأثير الخوف من إنتهاء دوره بصورة مهينة، سيصبح هادي، وهو المتوقع والمفترض، أكثر مرونة، فالسعودية تعلم تمام العلم، أن إيران، التي شنت ضد نفوذها في اليمن حربا لسنتين، بلغت كلفتها أكثر من (60) مليار دولار، لإنهاء تهديدها وتواجدها، دون طائل، هي في الأساس "مقامر" شاطر ومتمرس، سيبقى كذلك، طالما والطاولة اليمنية مفتوحة، واللعب فيها مستمر، شمالا وجنوبا.

آزال مجاهد