فاروق يوسف يكتب:

رئيس كردي ليس قدرا عراقيا

منصب رئيس الجمهورية الذي صار شرفيا في العراق الجديد هو من حصة العراقيين كلهم. لا فرق في ذلك بين مسلم ومسيحي، كردي وعربي.

“تلك قسمة ضيزى” في استعارة من القرآن الكريم. يمكنني القبول برئيس للعراق يكون من أصول كردية، بشرط أن يتسلم ذلك المنصب باعتباره عراقيا لا باعتباره كرديا.

أن يكون كردي رئيسا للعراق فهو أمر لا ضير ولا خطأ فيه. لكن أن يكون الرئيس كرديا دائما فتلك قسمة ضيزى، ينبغي الوقوف ضدها والتنديد بها والعمل على تصحيحها.

الأكراد مواطنون عراقيون وإن كان الاستفتاء الذي أجري عام 2017 في شمال العراق يقول غير ذلك. لقد أعلن الأكراد يومها عن رغبتهم في الانفصال عن العراق بالرغم من أن رئيس جمهورية العراق كان كرديا.

يومها لم يعلن ذلك الرئيس عن موقف مضاد لأحلام شعبه الصغير التي عبر عنها الاستفتاء، ولم يلتزم بشروط المنصب أمام شعبه الكبير.

في حدود العاطفة الإنسانية يمكن القول إن الرجل كان محقا، غير أن العرف السياسي لا يقول ذلك بالتأكيد بل يقف ضده. وهنا تقع الإشكالية التي يجب أن تُرى من مختلف أبعادها.

فرئيس لدولة مثل العراق تتميز بتعدد وتنوع طوائفها وأعراقها ينبغي في سياق النظرية الديمقراطية التي أوصلته إلى ذلك المنصب أن يكون رئيسا لكل العراقيين وأن يتخلى طالما كان في منصبه عن هويته الضيقة ويخلص إلى هويته الواسعة.

رئيسان كرديان لم يفعلا ذلك. قبل فؤاد معصوم وهو الرئيس الحالي والذي سيغادر منصبه بعد حوالي شهر إذا لم يكن قد غادره فعلا قاصدا وطنه البديل بريطانيا، كان هناك جلال الطالباني وهو زعيم حركة متمردة، عُرف بميوله اليسارية.

قبل سنوات ومن موقعه رئيسا للجمهورية أعلن جلال الطالباني أن كركوك هي قدس الأقداس بالنسبة للأكراد. وكان في ذلك التصريح منحازا لكرديته على حساب عراقيته. وهو خطأ كان من الممكن أن يحاسب عليه دستوريا إذ أنه يتناقض مع وظيفته.

لم يقم مجلس النواب بمساءلة الرئيس الظريف على تجاوزاته، فأعضاء ذلك المجلس هم الآخرون موزعون بين انتماءاتهم الطائفية والعرقية وليس هناك ما يشدهم إلى مرجعية عراقية ثابتة وواضحة المعالم.

من هذا المنطلق يمكن اعتبار العرف الذي يقضي بموجب نظام المحاصصة الرث في أن يكون منصب الرئاسة دائما من حصة الأكراد وهو ما صارت الأحزاب الكردية تصر عليه، هو بمثابة إهانة للوطنية العراقية. فقياسا إلى التجربتين السابقتين (الطالباني ومعصوم) فإن وجود كردي في منصب الرئاسة يحرم العراقيين من وجود رئيس جمهورية يثقون به لا على مستوى تمثيلهم في المحافل العربية والدولية فحسب، بل أيضا على مستوى موقفه من خلافاتهم الداخلية.

ولأكون أكثر صراحة، أقول إن الرغبة الأميركية والإيرانية كانت تقف وراء اختيار وجه كردي لتمثيل العراق عربيا ودوليا، وذلك من أجل طمس هوية العراق العربي. وهي الرغبة ذاتها التي أفضت إلى أن يكون هوشيار زيباري وزيرا للخارجية وهو الرجل الذي عُرف بميوله العرقية التي انعكست على تمثيل العراق دوليا حين امتلأت السفارات العراقية بموظفين أميين، لا يملكون من المؤهلات سوى أنهم أكراد. أعتقد أن تلك القسمة غير العادلة يجب أن لا تستمر في ظل الاعتدال الوطني الذي أعاد المزاج الوطني العراقي إلى الصدارة.

يستحق الأكراد حقوق المواطنة وواجباتها. حالهم في ذلك من حال جميع العراقيين، غير أن تكون الرئاسة حصتهم الدائمة فذلك وضع غير سوي ينبغي التراجع عنه. لوثة طارئة صنعها المحتل وينبغي البراء منها.

فمنصب رئيس الجمهورية الذي صار شرفيا في العراق الجديد هو من حصة العراقيين كلهم. لا فرق في ذلك بين مسلم ومسيحي، كردي وعربي.

ما يهم في الأمر أن يكون ذلك الرئيس عراقيا. أن يكون أبا عادلا في نظرته إلى الجميع. من السذاجة اعتبار ذلك المنصب الشرفي أمرا لا يستحق النقاش. الأكراد يعرفون قيمة ذلك المنصب لذلك يصرون على الاحتفاظ به، فيما يتعامل معه العرب بخفة تكشف جهلهم بالسياسة الدولية.

فالأكراد يقدمون أنفسهم إلى العالم من خلال رئيس كردي فيما يحرم العرب أنفسهم من تلك الفرصة التي هي حقهم الطبيعي. تلك مهزلة يجب أن تنتهي.

العرب