مروان هائل يكتب لـ(اليوم الثامن):
كفاية تخلف ..عدن مدينة كوزموبوليتانية
من المعروف منذ العصور القديمة أن الاسم له تأثير كبير وأحيانا خطير على شخصية ومصير وقدر مالكه , وقد كانت هناك دراسة لقيمة اسم الشخص من قبل المنجمين وعلماء النفس والاجتماع , الذين أضافوا إلى دراسة اسم الشخص اللقب العائلي أو الاجتماعي, و استخدموا في هذا الجانب مجموعة متنوعة من النظريات والدراسات , للكشف عن أهمية الاسم واللقب حتى ينجح مصير الطفل في المستقبل .
في معظم الأحيان اللقب يؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على شخصية وقدرة الشخص و لكل شخص له أصل ولقب معين , إذ يرتبط تاريخ اللقب بمنطقة أو مصير أو شخصية أو ألأفعال أو ألأسلاف , ولكن بعض الألقاب في الجنوب أصبحت منفرةوليست مصدر فخر كما في السابق وفي عدن بالذات , التي احتوت كل ألقاب وأسماء العائلات من الداخل الجنوبي ومن الخارج دون أي مشاكل , لكن هناك البعض الغير مطلع على خصوصية المجتمع في عدن يبحث عن البلبلة والفوضى و لا يريد أن يفهم طبيعة المدينة وسكانها وخاصة تلك الفئة من البشر أصحاب العقول الضيقة في عدن , الذين لا يعرفون أن هذه المدينة كوزموبوليتانية , وهذه الكلمة كان بعض الانجليز يطلقوها على عدن و أصلها يوناني ومكونه من شقين " كوزموس" التي تعني العالم وكلمة " بوليس" التي تعني مدينة , والانجليز لم يطلقوا هذه ألكلمه اعتباطاً على عدن , وإنما بسبب أن مدينة عدن حينها كانت جنة تعايش حقيقي بين الأديان والأقوام و تحمل صفة المدينة المسالمة المتعددة الثقافات والمنفتحة على العالم تنافس إزمير ونيسا و بيروت, و لإنفرادها في التعامل الراقي مع مسائلة المواطنة و قوة الترابط الاجتماعي والتسامح الديني والاحترام المتبادل بين مكونات المجتمع في هذه المدينة الساحرة , تناولها وكتب عنها عدة كتاب وشعراء وفنانين عرب وأجانب عبر الزمان .
الذي لا اقدر أفهمه ولا استوعبه هو استخدام وتعاطي البعض بشكل مفرط للألقاب المناطقية الضيقة , التي تراها على واجهات المحلات والمعارض والسيارات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وكأنها ماركة تجارية , البعض يستخدمها كنوع من التقليد والأعراف وهذا لا غبار عليه , و لكن المشكلة في البعض الأخر , الذي يتبجح بها عليك وكأنه من سلالة الأنبياء , الغريب أن أبطال هذه الألقاب هم من خارج جغرافية عدن , الأمر الذي يكشف عن ميراث وعي متخلف و سلوك صبياني لا مسئول ومسحة نفسية مختلة وعدم الثقة في النفس , وحركة تثير الاشمئزاز والغثيان من اجل تلميع الصورة المناطقية المتخلفة في عدن , وهذا التلميع سيؤثر مع الوقت على طبيعة العلاقات والنسيج الاجتماعي في عدن الكوزموبوليتانية , التي سيعود موقعها العالمي عاجلا أم أجلا كجزء مهم من حركة الاقتصاد العالمي .
تصوروا أن تصل ألحاله , بأن الشخص منا لم يعد بإمكانه أن يخاطب أحد أصدقائه المخلصين دون مناداة بلقبه المناطقي ,لا احد ينكر الأصول والألقاب ولا يمكن التشكيك في مصداقيتها , لكن حينما يتحول اللقب إلى ظاهرة مرضيه وتعامل يومي يحمل في طياته التكبر والتعالي على بقية مكونات مجتمع مختلط و متعدد الأعراق والأصول هنا تكمن الخطورة , وهذه الظاهرة المرضية الخطيرة زادت بعد الحرب الأخيرة وتحرير عدن , التي أفرزت نوع جديد لم تعرفه المدينة من نسخ رامبو وترميناتور وشمشون , تتباهى باللقب المناطقي و حمل السلاح في شوارع و أسواق ومحلات عدن , وهي مناسبة لتوجيه كلمتين لهؤلاء أللاهثين وراء التعامل بلغة الألقاب المناطقية والقبلية , كلمتين فقط ( كفاية تخلف ) , فقد طفح الكيل من هذه الممارسات البدائية , خاصة وأن البعض يمارسها وهو في مناصب كبيرة في الدولة ولا يجد حرجاً في التعامل المفتوح مع أبناء منطقته بالذات , الذين يحملون نفس اللقب , فتجد الحارس والسائق والبواب والسكرتير والفراش يحمل نفس اللقب المناطقي , وإن دخلت أنت وعرفت بنفسك ينظرون إليك بسخرية وكأنك قادم من كوكب أخر .
لم يتعرض سكان عدن ومدينتهم للإذلال والاستغلال والعنف والقمع , غير من النخب الحاكمة ومن بعض أبناء المناطق , التي ينتمون لها من حملة الشعارات المناطقية والطائفية والقبلية وتجار الدين , الذين وصلوا إلى عدن ليس حباً فيها ولا رغبة في إثرائها و وتنميتها وأعمارها ولا حباً في التنوع والتعدد ولا في معرفة الآخر والتعايش معه , بل جاءوا بسبب الامتيازات التي حصلوا عليها أسلافهم عن طريق الحروب والعنف والانقلابات , التي مكنتهم من الثراء السريع على حساب أبناء المدينة نفسها , ولهذا نجد اليوم الكثير من أبناء عدن الشرفاء يحن إلى الحقبة الكوزموبوليتانية ويتذكرون العدل والاحترام , وزيارات جيرانهم أيا كانت طائفتهم أو دينهم والأكل معهم وتبادل التهاني والحلويات في الأعياد معهم ويتقاسمون الفرحة والذهاب في رحلات أسرية مع بعض .
المناطقية و القبلية أشكال اجتماعية تقليدية تجاوزها الزمن , معيقة للتطور والديمقراطية والتنمية وأداة للاسترقاق , وبناء الدولة الحديثة يتم دائما على أنقاض المناطقية و القبيلة وليس عبرهما , وما تشهده عدن اليوم من هبة مناطقية مريضة ليس إلا مجرد مظهر من مظاهر ضعف الدولة وضعف الشعور الوطني , ويا ليت ظاهرة المناطقية هذه تكون مجرد موضة عابرة لمن فقدوا الثقة و المصداقية في أنفسهم وأمام الرأي العام الجنوبي , لأن المناطقية ليست أداة سياسية وليست وسيلة تجمع ولا يجب أن تكون أداة دمار و تفرقة .