فاروق يوسف يكتب:

لمَ لا تحكم النساء تونس؟

لا اقترح عالما لا معقولا بل أقر حقيقة تاريخية واقعة. المرأة ليست هامشا في الحياة السياسية بتونس وإن اراد الاسلامويون ذلك وفشلوا.

من المؤكد أن لا مشروع اسلاموي في تونس من غير أن يتحقق ذلك الهدف. وهو هدف يخفي بين ثنياه عداء مبيتا لا إلى الحقبة البورقيبية وحدها بل وأيضا إلى تاريخ تونس الحديث كله.

المرأة في تونس هي واحدة من أهم علامات انتقال تونس إلى العصر الحديث.

الحبيب بورقيبة وهو رائد نهضة لم يكن في حقيقته إلا استجابة لنداء تاريخي، كانت المرأة التونسية قد صاغته بكلمات امتزجت من خلالها الحرية الشخصية باستقلال الوطن.

فضيلة بورقيبة تكمن في أنه أسس دولة تحترم المرأة. وهو ما دفع بتونس إلى أعلى سلم الدول المتحضرة التي ترى في احترام المرأة مقياسا لتحضرها. وهو المقياس المعمول به في عالمنا المعاصر.

بعد الربيع العربي الذي أشعلت شرارته تونس كان يمكن أن يصعد حملة السيوف إلى السلطة لولا المرأة. لقد استسلم التونسيون لحكم حركة النهضة ثلاث سنوات من أجل أن يتفادوا الوقوع في الأسوأ.

غير أن المرأة التونسية وهي بوصلة حقيقية أدركت أن ثلاث سنوات من الحكم الاسلاموي (المعتدل نفاقا) ستكون كافية من أجل أن يشبع الاسلامويون نزعتهم إلى السلطة، لتبدأ تونس الحقيقية. الدولة المدنية التي لا تزال قائمة بغض النظر عما حمله بن علي بهروبه من أسرارها.

تونس لا تزال بفضل المرأة خيار شعبها.

إرادة النساء في ذلك البلد الصغير لا يمكن كسرها أو تضليلها أو اللعب بعواطفها. فالمرأة التونسية ناضجة أكثر مما نتوقع.

تعرفت على نساء تونسيات قهرهن الفقر من خلال اخلاصهن للتعليم الذي كان خشبة الخلاص بالنسبة لهن. كل واحدة منهن تصلح أن تكون رئيسة أو وزيرة أو نائبة في البرلمان.

وقد يكون نوعا من المفارقة المؤلمة أن دعاة الدولة المدنية الذين سلمتهم المرأة بشجاعة وقفتها ضد الاسلامويين الحكم لم ينتبهوا إلى دور المرأة في ما حصلوا عليه. ولو أنهم فعلوا ذلك من موقع الاعتراف بالفضل على الأقل لكانوا قد تحالفوا مع النساء التقدميات بطبعهن بدلا من التحالف مع حركة النهضة المتخلفة بطبيعتها.

ما فعلوه أنهم أهملوا المرأة فخسروا الجزء المتفجر من حيوية المجتمع.

لقد تغلب الفكر والسلوك الذكوريين على الخبرة السياسية والمعرفة بتحولات المجتمع التي لا تبقي كل شيء على حاله.

ما لم يتفهمه المدنيون الذين توهمنا أنهم ورثة بورقيبة أن النساء هن مَن صنع قرار وجودهم في الحكم وهن مَن في إمكانه أن ينزع عنهم الشرعية في أي وقت يشاء.  

صناعة القرار السياسي ليست حكرا على الرجال.

تلك حقيقة لم تخترق جسد الحكم لتصل إلى جوهر تفكيره.

طوال السنوات الماضية كانت الذكورة تشرف على صراع مخجل بين رموزها وهو ما جعلها في وضع أضعف في مواجهة انوثة لا تزال تملك من الأسلحة ما يؤهلها لقلب المعادلات السائدة وصناعة حياة سياسية جديدة.

لا أعتقد أن في تنازل الرجال عن الحياة السياسية للنساء شيء من المغامرة غير المحسوبة.

سواء في حزب نداء تونس أو في حركة النهضة أو في الأحزاب والكتل السياسية الأخرى هناك نساء في إمكانهن أن يدرن دفة الحكم أفضل من الرجال بما يخرج تونس من أزمة الحكم التي تكاد تدمر آخر مكتسبات ثورة الياسمين.

أن تحكم النساء تونس فهو ما يمكن اعتباره تحولا جذريا في المنطق الذي يحكم الحياة السياسية، لا في تونس وحدها بل في العالم العربي كله.

لقد كان التركيز على الفشل السياسي في العالم العربي جزءا من مكيدة تم من خلالها إخفاء حقيقة الفشل الذي انتهى إليه الرجال وهم يديرون مجتمعا تم استبعاد نصفه الحيوي فيما نصفه الآخر يعاني من الإحباط بسبب هزيمته.