فاروق يوسف يكتب:

الأردن في أزمته العميقة

مدت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت يدا سمحاء إلى الأردن من أجل أن تخرجه من أزمته التي غلب عليها الجانب الاقتصادي، بالرغم من أن الجانب الاقتصادي لا يشكل إلا الجزء الظاهر من أزمة دولة غارقة في تناقضاتها.

الأردن لا يملك مقومات تؤهله أن يكون دولة ثرية، غير أن مظاهر الثراء في الأحياء الراقية لا يمكن أن تخطئها العين.

في الأردن شعب فقير يذهب الأثرياء فيه إلى أسواق المخيمات لشراء ما يحتاجونه من الفواكه والخضروات واللحوم.

متوسط دخل المواطن الأردني لا يعلو على خط الفقر كثيرا، ومع ذلك فإن العاصمة الأردنية بالنسبة لمَن يزورها هي واحدة من أكثر المدن غلاء في العالم. عمّان تنافس في ذلك لندن ونيويورك، وتتفوق على الكثير من العواصم الأوروبية. كثرة المجمّعات التسويقية في العاصمة الأردنية توحي برفاهية لا وجود لها في ستوكهولم وأمستردام وبرلين. حين يدخل المرء إلى واحد من تلك المجمّعات يشعر أنه صار في الدوحة أو أبوظبي أو دبي.

في تسعينات القرن الماضي كان هناك “مول” اسمه “سيف وي” كان بمثابة النقطة الوحيدة التي تلتقي فيها نخب عمّان المخملية. ذلك السوق فقد بريقه بعد أن وصل إليه الفقراء إثر هروب الأغنياء إلى دوارات جبل عمّان التي صارت تتزايد أرقامها. هناك انفتحت عمان على أسواق مخملية لن تطأها أقدام الفقراء. الأردن في حقيقته بلد يعيش على إيقاع ذعر طبقي مخيف.

وبسبب تناقضاته البنيوية فقد أنقذ فقراؤه أثرياءه من ضريبة الدخل لا بضربة حظ، بل بسبب غباء قانون ضريبة الدخل الذي تم سحبه وكان سببا في احتجاجات شعبية أدت إلى سقوط الحكومة.

لقد وضع ذلك القانون رقاب الفقراء تحت مقصلة ضريبة، كان في إمكانها لو أنها توجهت إلى هدفها الحقيقي أن تحقق شيئا من العدالة الاجتماعية.

ما تعاني منه الحكومات الأردنية أنها لا تنتمي إلى الواقع. تلك الحكومات معنية بإدارة دولة لا تعترف بفقر شعبها.

الفقراء وهم الأغلبية في واد، والحكومة الأردنية التي تنتمي إلى صف الأثرياء في واد آخر. فحين يصبح المرء من أصحاب المعالي والعطوفة فإنه ينقطع عن رؤية الحقيقة ليكون جزءا من واقع استهلاكي تدور محاوره بين أحدث ما يتم استيراده من مواد كمالية من مختلف أنحاء العالم.

في الدول التي هي أقل فقرا من الأردن لا يزال المواطنون يستعملون هواتف نوكيا النقالة. أما في الأردن فإن هاتفا من غير إنترنت يلحق بمستعمله عارا لا يمكن أن يُمحى.

هذه بلاد لا تريد أن تبني نفسها بناء على حقائقها الممكنة.

كان من الممكن أن لا تصل الأزمة في الأردن إلى طريق مسدودة لو أن الحكومات المتتالية كلفت نفسها قليلا في النظر إلى الحقائق على الأرض من أجل أن لا يصدم الشعب بفقره.

لم تفعل تلك الحكومات شيئا من أجل إنهاء الفقر حين اعتمدت سياسة استيراد مفتوح كان من شأنها أن تزيد من سعة الهوة التي تفصل بين الفقراء والأغنياء، وهو ما أعلى من شأن قيم الاستهلاك باعتبارها وسيلة للظهور.

مشكلة الأردن في ثقافة شعبه الخطأ. هناك استعراض مذل ومهين في طرفي المعادلة.

الفقر الواضح يزيده وضوحا ثراء فاضح. ما بينهما تكاد تكون الخطوط مقطوعة حيث الهوة واسعة وما من خطط حكومية لتجسير تلك الهوة. بل يحدث العكس حين ينجح أثرياء البلاد في الاستفادة من الدعم الحكومي، الذي يخطئ طريقه حين لا ينحصر في الفئات ذات الدخول المحدود.

مشكلات الأردن أكثر تعقيدا من أن تُحلّ عن طريق الدعم المالي الذي مهما كان سخيّا فإنه يظل بمثابة إجراء مؤقت.

ما لم يلتفت الأردن الرسمي على الأردن الشعبي بطريقة تكشف عن تفهمه لحقائق الواقع العملي، فإن الثقافة الاجتماعية السائدة ستبقيه عالقا بمشكلات تجدد نفسها بنفسها إلى الدرجة التي ستتعذر معها الإجابة على سؤال من نوع “مَن ينقذ مَن، الحكومة أم الشعب؟”.

نقلا عن العرب