أحمد كرامة يكتب لـ(اليوم الثامن):

الجنوبيون.. الحليف الإستراتيجي للخليج

بعد كل حرب في شتى بقاع الدنيا تتغير موازين القوى رأسا على عقب وتصعد قوى جديدة منتصرة على حساب قوى قديمة منهزمة , وتتغير حتى التحالفات القديمة وقد يصبح الحليف السابق عدوا والعدوا السابق حليف وشريك أساسي لا يمكن التفريط به .

كان شمال اليمن سابقا هو الحليف والشريك لدول الخليج العربي وخصوصا الجارة الكبرى المملكة العربية السعودية , التركيبة القبلية والمناطقية والنظام الحاكم بالشمال كانت الأقرب للسعودية , بينما كان جنوب اليمن ونظامه الشمولي السابق من ألد أعداء كثير من الدول العربية وفي مقدمتها السعودية .

مشكلة المملكة العربية السعودية أنها تعاملت مع شخصيات قبلية شمالية ومدتها بالنقود والنفوذ على حساب تنمية المجتمع اليمني الشمالي , أرادت السعودية أن يبقى اليمن بشطريه ضعيفا سياسيا وإقتصاديا وعسكريا, وكان هذا الخطأ الفادح من قبل الساسة والحكام السعوديون , والذي إستغلته إيران لصالحها وكاد أن يشكل خطرا حقيقيا على وجود المملكة العربية السعودية كنظام ملكي عائلي .

أعتقد بأن النظام السعودي الجديد ممثلا بولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان سيراجع كثير من تلك التحالفات القديمة وتغيير كثير من السياسات العقيمة .

فشل تلك القبائل الشمالية اليمنية الكبرى في حماية نفسها ومنازلها من يد مليشيات الحوثي سبب للسعودية إنتكاسة كبرى وحرج شديد أمام الرأي العام المحلي السعودي والإقليمي والدولي , وكان دليلا قاطعا على هشاشة تلك الزعامات وضعفها الكبير أمام أول تحدي يهدد وجودها , هزموا وهربوا عند أول طلقة رصاص تاركين شعبهم ووطنهم وحتى منازلهم وبعض من أسرهم لمصيرهم المجهول .

حاولت السعودية لملمة شعث الزعامات ورجالها الهاربين وفتحت السعودية أراضيها وقصورها لهم , وجعلت من مأرب عاصمة لهم ومدتهم بالسلاح والعتاد والآليات الحديثة , وبإسناد جوي بأحدث الطائرات الحربية المقاتلة , أحدثت السعودية الفارق الكمي والنوعي للجيش الوطني , وأصبحت المليشيات الحوثية صفر تسليح وعتاد وعدد أمام الجيش الوطني في مأرب ومع هذا خذل الجيش الوطني السعودية ولم يحرز أي تقدم في جبهاته منذ عامين تقريبا .

مالم تدركه السعودية هو أن ذلك الجيش الوطني مهزوم معنويا وصفر شجاعة ومرؤة , وعند التحدي الكبير ودخول السعودية لأول مرة في حرب هددت وتهدد وجودها كنظام ملكي , لم تجد بجانبها على أرض المعركة وفي حدودها الجنوبية غير القوات المسلحة الإماراتية و اليمنيون الجنوبيون والسودانيون ووحدات رمزية من بقية الدول المشاركة بعاصفتي الحزم والأمل وقلة قليلة من المنتفعين الشماليين فقط , أولئك هم من يقاتل ويحرر ويحمي ويحرس حدود المملكة , أما أولئك من مشائخ القبائل وزعماء الأحزاب والتيارات السياسية والقادة العسكريين الذين كانت تتبناهم المملكة وتغدق عليهم خذلوها , فعقيدتهم القتالية كانت تنصب على قتال دول الجوار واليمن الجنوبي من أجل الاسترزاق ونهب الثروات فقط لا غير .

على السعودية والإمارات وبقية دول المنطقة والعالم أن يصلوا لقناعة تامة , بأنه لا إستقرار في اليمن والإقليم ومضيق باب المندب بغير جنوب يمني قويا عسكريا وإقتصاديا وسياسيا , حينها فقط سيكون هناك توازن نوعي جنوبي يقابله كثافة سكانية كبيرة في شمال اليمن والمحصلة أمن وإستقرار دائمين .

غيرت هذه الحرب تلك المفاهيم الخاطئة والأكاذيب المغرضة والاشاعات المفبركة والتي كانت تصور ذلك الجنوبي بأنه خائن وجبان ومتآمر ومتخاذل , تلك المفاهيم من روج لها وبثها هي قوى الشمال الانتهازية لاستنزاف السعودية لأجل غير مسمى .

* كاتب ومحلل سياسي