فاروق يوسف يكتب:
المقاومة هي أمل بولادة إيران جديدة
حضرتُ في باريس المؤتمر السنوي للمقاومة الإيرانية. لطالما سمعتُ عن مجاهدي خلق، المقاتلون من أجل حرية بلادهم وشعبهم والذين الصقت بهم الولايات المتحدة تهمة الإرهاب لسنوات عديدة.
لقد حذت بريطانيا حذو الولايات المتحدة في تعاملها مع المنظمة الإيرانية المعارضة التي كان وجودها يشكل مصدر قلق لنظام آيات الله الذي لم يتعامل الغرب معه إلا باعتباره نظاما مارقا استحق عقوبة النبذ والاستبعاد والعزل.
أليس من المستغرب أن لا يحظى معارضو ذلك النظام الشمولي، بكل ما يشير إليه تاريخه من قمع واضطهاد واستهانة بحقوق الإنسان، بمباركة الغرب الديمقراطي؟
المنافقون بالنسبة لنظام الولي الفقيه كانوا بالنسبة للغرب في وقت ما ارهابيين. وهو تصنيف يمكن اعتباره نوعا من الهدية لنظام استبدادي لم يكن يظهر اكتراثا يُذكر بموقف الغرب من وضع حقوق الإنسان في إيران.
ما لا نعرفه عن معارضي النظام الإيراني أنهم كانوا إلى وقت قريب ضحايا العنف الديمقراطي الذي وضعهم ضمن قبائل الإرهاب لسبب غير معلوم. وهو ما استطاع أولئك المعارضون عن طريق القانون أن يفندوا أسبابه بشق الأنفس وبقدر عظيم من الصبر.
في إحدى ضواحي باريس انعقد المؤتمر المعارض الذي حضرته.
يوم إيراني كامل. ميزته أنه لم يكن فلكلوريا بالرغم من أن موهبة الاستعراض الشعبوي كانت واضحة. ذلك لأنه كان مؤتمرا للإعلان عن الاستمرار في النضال في هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به إيران.
عُقد المؤتمر في قاعة هي بسعة ملعب لكرة القدم وكانت غاصة بآلاف الإيرانيين الذين قدموا من مختلف أنحاء الأرض ليقفوا مع صوتهم الحر.
من نافذة السيارة التي أقلتنا رأيت طوابير شباب معاصرين وهي تتجه إلى المكان الذي عُقد فيه المؤتمر. وهو ما عزز فكرة الروح الحية التي أشاعتها منظمة مجاهدي خلق وهي تقاتل باسم العصر الحديث نظاما ينتمي بكل برامجه السياسية والثقافية إلى الماضي.
لقد فوجئت أن عددا من اصدقائي الإيرانيين هم اليوم بمثابة وزراء في حكومة السيدة مريم رجوي. "لقد كبرنا في السن" قال لي أحدهم وأضاف "غير أننا حرصنا على أن تظل المقاومة شابة. وهو ما نعتبره أعظم نجاح لنا". وفي هذا الجانب بالذات لم يكن هناك أي نوع من الاستعراض.
لا يزال مقاومو نظام آيات الله شبابا. لا بالمعنى المجازي بل بالمعنى الواقعي. وهو ما لم يكن ليحدث صدفة في ظل التعبئة العقائدية التي يقوم بها النظام الإيراني الذي لم تكن تلك التعبئة لتشكل عقبة تحول بينه وبين الحصول على رضا الغرب بالرغم من كل ما تنطوي عليه من قيم ظلامية.
كان مسموحا لنظام الولي الفقيه أن يختطف الشباب من حياتهم ليلقي بهم في متاهة الموت الأبدي لو لم تظهر المقاومة قدرتها على أن تصنع البديل الحيوي الذي يعلي من شأن قيم الحياة. وهي مهمة ليست باليسيرة في ظل معادلة لم تكن عادلة لا على المستوى المحلي ولا على المستوى العالمي.
فنظام آيات الله احتكر ثروة إيران لحساب نزعته في تطوير أسلحة الدمار الشامل والتمدد في المنطقة من خلال ميليشيات، كانت بمثابة ثقوب سوداء لاستنزاف إيران ماليا فيما كانت المقاومة ولا تزال فقيرة على المستوى المادي.
وعلى جانب آخر فإن رعاية نظام الملالي للإرهاب لم تكن مرئية بالطريقة التي تسمح بتصنيفه نظاما إرهابيا، في حين كان معارضوه يُطاردون باعتبارهم إرهابيين.
في الحالين لم يكن هناك انصاف. غير أن تلك المعادلة الظالمة لم تؤثر في شيء على إرادة المقاومة. ما رأيته من اقبال شبابي في مؤتمر المقاومة يؤكد أن المعارضة الإيرانية التي لم تراهن على التغيير من الخارج كانت تعمل على صنع آلية التغيير من الداخل من خلال بناء أجيال مقاومة.
لقد رأيت شبابا إيرانيين يتبنون فكر المعارضة.
وهو ما يعني أن حركة المقاومة الإيرانية قد نجحت في تجديد شبابها حين وضعت نصب عينيها حقيقة أن اسقاط النظام الظلامي لا يتم إلا من خلال عمليات التنوير التي تستند بالأساس على الشباب.
كانت إيران الشابة حاضرة في مؤتمر المقاومة بما يعزز الأمل بولادة إيران جديدة.