ريم الكمالي يكتب:

امرأة «فرانكنشتاين»

ربما لم تتعدَّ «ماري» سن الواحد والعشرين بعد، وهي متجهة إلى دار النشر، تحمل مخطوطتها المذهلة، بالطبع لم يوافق الناشر على النشر، مُشككاً في إبداعها الخيالي العميق وهي في هذا العمر، ورغم أن خطيبها شاعر رومانتيكي وغنائي، توهم الناشر أنه من ساعدها على إنجاز روايتها العلمية والمبتكرة، فاشترط عليها إن أرادت النشر، فعلى رفيقها المشهور كتابة مقدمة لروايتها، وتتبرأ من اسمها، وتبقى الرواية بلا اسم.

متناسياً الناشر أنها وليدة أسرة مثقفة ثقافة عالية، تربت في بيتها المجاور لمكتبة والدها المفكر والكاتب، لتقرأ طوال يومها، ومنذ طفولتها، كتباً مميزة، نتيجتها صُنع عقل من ذهب، وبلا شك أنها كانت تشتاق لوالدتها الراحلة، لتتصفح كل حين كتابها المتعلق بحقوق المرأة.

المرأة المبدعة حكايتها طويلة، يتواطأ الكثيرون عليها، ليقفوا أمامها في مواقف أخلاقية مختلفة، ينازعونها تارة، ويحاكمونها تارة أخرى، ومن زمن إلى زمن، حتى أخذت تشق طريقها الإبداعي والسياسي والعلمي...

ويبقى مشهد رفض الناشر نشر رواية «فرانكنشتاين» للروائية الإنجليزية ماري شيلي عام 1818م، مؤثراً، وذا أبعاد موجعة لكل امرأة مبدعة، لتبقى المرأة برأي الآخرين في أرجاء هذا العالم، أقل ذكاءً وقُدرة، كما هي «ماري» مبتكرة الشخصية المرعبة لـ «فرانكنشتاين» الشهيرة، ومستوى هضمها آنذاك سر الصعقة الكهربائية، وفكرة إعادة الحياة لميت.

فيلم مميز بعنوان «ماري شيلي»، يُعرض الآن في دور السينما بالإمارات، من إخراج المبدعة السعودية هيفاء المنصور، التي أنصفتها لنا خلال تلك المواقف المؤلمة في وجه الإبداع، موضحة لنا حياة الكاتبة بعمق في هذا الفيلم، الذي يهدف إلى اختراق سيرتها الخاصة، وكيف أنشبت الشدة أظفارها في حياتها، من أحداث لا يتصورها عقل، وخلال ثلاث سنوات فقط، من عشق وموت طفلتها، وكآبة شديدة وخيانة وصدام، وانتقال وأسفار وعزلة وجدل، ومسرح، والتعرف إلى أصدقاء وأفراد مبدعين ومجانين... لتتمخض بعد كل هذه التجارب الكثيرة، وفي مدة قليلة، رواية «فرانكنشتاين».

امرأة تسلحت بالحب والثقافة العالية والصبر، لتنتج رواية تحولت إلى أفلام سينمائية وكرتونية وأبحاث ودراسات... ورغم أنها حين كتبتها، كان الشاعر «بيرسي شيلي»، قد هجرها مدة أشهر، ليصر النقاد في التشكيك حتى هذه الألفية التي نعيشها، آخرها كان عام 2004م، بعد أن أشار أستاذ الأدب الإنجليزي «تشارلز روبنسون»، في مقدمة إصدار جديد لرواية «فرانكنشتاين» إن زوجها كان مؤلفًا معاونًا ومشاركًا لها، وعلينا أن نكتب اسم المؤلفين معًا: ماري شيلي مع بيرسي شيلي.

موضوع جدير بالاهتمام، ونحن نرى المرأة المبدعة وعبر التاريخ إلى يومنا هذا، ما زالت بين الرفض والقبول.