د. علوي عمر بن فريد يكتب:
اليمن ذاكرة الموت المستمر (الحلقة الثانية )
مائة عام متواصلة من الحروب الطاحنة والفتن بين أهل اليمن حكاما ومحكومين طاشت فيها العقول وغابت فيها الحكمة بحيث لم يبق لأهله منها إلا سطور باهتة في صفحات التاريخ !!
وعندما نتأمل الأحداث الجسام والحروب المريرة التي عصفت بشعوب العالم الثالث من حولنا وخاصة في قارتي آسيا وأفريقيا ..نجد العديد من البلدان المتخلفة التي ليس لها إرث حضاري أو ديني نجدها اليوم قد نهضت من سباتها ونفضت الغبار عن نفسها وهي لم تكن حتى معروفة حضاريا أو مذكورة في سجلات التاريخ .. وأصبح العالم اليوم يشير إليها بالبنان وهي تخطو خطوات جريئة وثابتة في عالم السباق الحضاري متجاوزة صراعاتها وحروبها وتتطلع لمستقبل مشرق .. ولنضرب بعض الأمثلة للقارئ الكريم من واقع اليوم .
أولا : رواندا : ( الماضي القريب ) :
- هي الدولة الإفريقية التي يبلغ عدد سكانها اليوم 12 مليون نسمة 58% منهم في سن الشباب .
- هذه البلاد الإفريقية دمرتها الحرب الأهلية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي للصراع على السلطة وراح ضحيتها مليون إنسان في الفترة بين عامي 1991 و 1992 م .
- رواندا تنتقل اليوم من المجاعة والحروب إلى الريادة و لديها مشروعا للقضاء على الفقر بدأته عام 2000م – 2020م
- رئيسها لبول كا غا مي وجد نفسه أمام ارث صعب وبلد محاط بدول افريقية فاشلة وادر ك أن الإنسان هو إكسير النجاح .
- رواندا تخصص اليوم 44% من ميزانيتها للتعليم والصحة .
- أصبحت الزراعة والسياحة تشكلان 70% من دخلها القومي الذي تضاعف وكل فرد فيها تضاعف دخله 3 مرات .
- حققت السياحة فيها 43%، ومنذ العام 2016م أصبحت رواندا في طليعة إفريقيا السمراء جذبا لرجال الأعمال وفقا لتقرير السوق الأوربية المشتركة .
- كيجالي العاصمة صنفتها الأمم المتحدة كأجمل مدينة افريقية عام 2015م .
ثانيا : إثيوبيا : ( الموطن لثمانين مجموعة عرقية )
- رغم تعدد المجموعات العرقية في إثيوبيا إلا أنها تغلبت على هذه المعضلة الكبرى وأصبحت واحدة من أسرع الاقتصاديات نموا في العالم حيث بلغ متوسط النمو نحو 10% خلال العقد الماضي وتضاعف دخل الفرد 3 مرات خلال السنوات الثماني الماضية .
- يقول رجل الأعمال الإثيوبي زيمير يني :
( إن السياسات التي تتبعها إثيوبيا تطويرية وليست ثورية إنهم يستفيدون من أفضل العناصر في الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة بنكهة إثيوبية وإذا فعلوا ذلك بشكل صحيح هناك احتمال كبير بأن يتمكنوا من إيجاد اقتصاد شبيه بالنمور الآسيوية في إفريقيا )
- إثيوبيا استطاعت أن تصبح مثلا في التنمية الاقتصادية ونجحت في جذب استثمارات الدول الكبرى وعلى رأسها الصين وكوريا الجنوبية ودول الخليج مثل السعودية .
ثالثا : ( نيجيريا الماضي والحاضر والمستقبل ) – الأفق المسدود
- يبلغ سكان نيجيريا 170 مليون نسمة وتتكون من 278 مجموعة عرقية مختلفة وهذا يجعل المجتمع يعاني الكثير من المشاكل العنصرية والإثنية والحروب الأهلية .
- نيجيريا من أكثر الدول الغنية في الثروات والمعادن ومن اكبر الدول المصدرة للبترول ولكنها مازالت متخلفة بائسة لان وضع الإنسان فيها مشبع بالأحقاد العرقية والكراهية والعنصرية .
- يعيش ثلثي سكانها بأقل من 8.5 درهم باليوم اقل من دولار في اليوم .
- الناتج المحلي الخام اقل بتسع مرات من المعدل العالمي .
- نيجيريا اكبر دول إفريقيا ومن أغنى الدول في الموارد الطبيعية فهي تحتل المركز السادس في إنتاج النفط العالمي والرابع في إنتاج الكاكاو والسادس في إنتاج الموز والثامن في إنتاج الخشب كذلك تنتج الغاز الطبيعي .
- تعاني نيجيريا من ضعف الانصهار القومي حيث عاشت أقاليمها الثلاث الكبرى تاريخيا في كيانات منفصلة ولم تتوحد إلا في ظل الاستعمار البريطاني عام 1914م .
- اقترنت نيجيريا بفشل الاندماج القومي والفشل في عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية والفساد السياسي والمالي وتفشي الفقر والبطالة 24%
- رابعا : الوضع في اليمن
أما اليمن فقد سيطرت عليه عصابة : (عسكرية – قبلية ) 33 عاما بالقوة وهيمنت على مقدراته وخيراته وباعت كل شيء فوق الأرض وتحتها بل وما في البحار ، كما باعت مؤسسات الدولة والمصانع والطائرات المدنية والأراضي الزراعية وأملاك الدولة مع عقارات المواطنين التي اغتصبتها وحولت ممتلكات الشعب اليمني العامة إلى مستعمرات خاصة لها !!
نهبت النفط والغاز وتاجرت في الممنوعات وتهريب البشر إلى دول الجوار بالإضافة إلى هذا الفساد والنهب أشعلت الصراعات السياسية وأوقدت جذوتها في اليمن كله ولو تأملنا الوضع سياسيا فانه يتحرك تحت عناوين طائفية ومذهبية وأحقادا عنصرية ومذهبية حتى أصبح البعد الطائفي حاضرا حتى في استراتيجيات الدول الكبرى في اليمن ودول الجوار!!
والبعد الطائفي يظهر واضحا من قبل الحوثيين كحركة تدافع عن المذهب الزيدي وتجمع النخب الهاشمية التي تسعى لاستعادة سلطتها التي فقدتها بعد ثورة 26 سبتمبر عام 1962م . ويتمحور فكر الحركة حول ولاية آل البيت والاصطفاء الإلهي للسلالة الهاشمية التي تعتبر أن الحكم والاجتهاد هو حق حصري لها وحدها دون سائر الشعب اليمني !!
وبعد الغزو الحوثي للجنوب وسقوط مئات القتلى من أبناء الجنوب أصبح أهل الشمال غير مرحب بهم وتتعزز نبرة الانفصال حتى أصبحت مطلبا شعبيا يحظى بدعم وتأييد غالبية سكان الجنوب .
وكذلك الحال بدأ يتشكل شيء مشابه لذلك في اليمن الأسفل وتهامه نتيجة حروب الحوثي على تلك المناطق وبدأ أهلها عازمون على تكوين هوية مستقلة لهم من حكم ( شمال الشمال ) وتتقاطع تلك المناطق مع الإسلاميين من قاعدة وسلفيين وإصلاح موجودون بكثرة في اليمن الأسفل مما يغذي الصبغة الطائفية وكل من تلك الأحزاب له أجنداته الخاصة وارتباطاته المشبوهة والوطن هو من يدفع كلفة الأثمان . ولا اعتقد أننا سنخرج من هذه الأزمات والحروب قريبا وقد تظل الحروب تطحننا لعدة عقود قادمة خاصة والدول الكبرى تؤجج الحرب في اليمن كلما خمدت جذوتها لتشغيل مصانع السلاح فيها واستنزاف ثروات الدول الخليجية..فهل لدى الحوثيين وأتباعهم القناديل ذرة من ضمير لإخراج اليمن من دوامة الصراع ..وهو الوطن الذي آواهم عندما كانوا مطاردين وجاء أجدادهم حفاة عراة لا يملكون قوت يومهم وما يستر عوراتهم وتتخطفهم سيوف بني أمية وحتى إخوتهم في النسب من بني العباس فوجدوا في اليمن الكرم والشهامة العربية وكان لهم ملجأ ومأوى يحتمون فيه ويدافع عنهم أهل اليمن حتى عجز عن الوصول إليهم الخلفاء والملوك !!