مروان هائل يكتب لـ(اليوم الثامن)

دحباشي

في الوقت , الذي تسطر فيه المقاومة الجنوبية أروع ملاحم البطولة والعزة والشرف في جبهات الساحل الغربي وصعدة ومكيراس والشريجة , نجد هنا في عدن بعض الناس من لصوص الانتصارات تجلس في دواوين فخمه ورائحة العود الفاخر تتطاير من ملابسها والقات الغالي أمامها , ناس ليس لديها شغل ولا مشغلة سوى حذف فلان وتعين فلان على أسس مناطقية ومحسوبية والبسط على أراضي الناس والدولة و التنظير والفلسفة وتوزيع صكوك الوطنية والانتماء والأصول , ناس كلما حشت عود قات في الخد تزيد عندها أشكال الهلوسة وتتنوع نظرياتها وصكوكها الباهتة , هؤلاء ألجهله البعض منهم كان يحلم بشراء كأسه شاي واليوم يسوقون سيارات صالون مكيفة مع حراسة ومرافقين ,و للأسف البعض من هؤلاء هم من يعبث بشرف وأمانة المقاومة الجنوبية وبأخلاق أبناء الجنوب كافة , هؤلاء هم من يحاول تفكيك تماسك النسيج الاجتماعي الجنوبي وهذه الأشكال من الناس هي سبب نكسات الجنوب على مر التاريخ , لأن سلاحهم الفتن والتمييز العنصري والمناطقي , لدرجة أن البعض منهم تراه وكأنه نسخ مكررة لمن كان بالأمس يستخدم مصطلحات اليسار واليمين الانتهازي والطغمة والزمرة بدوي وجبلي وبعد 22 مايو أضافوا كلمة دحباشي .
اليوم هناك جماعات تعزف على هذه النغمات الخطيرة وتحاول جر البلاد والعباد إلى مربعات الأزمات الداخلية الخطيرة , فالملاحظ في الاونه الأخيرة أن النشاط الهدام لهذه الجماعات قد زاد وأصبح أكثر تنظيما وذكاء وخبث على الساحة الجنوبية وبقوة , حيث كثفت من حدة التعليقات والانتقادات و الممارسات العنصرية و المناطقية في الواقع و الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي , والهدف هو زرع الانقسامات و تفتيت أللحمه الداخلية الجنوبية وجعلها مشغولة بالترهات بعيدة عن القضية المصيرية , هذه الجماعات أصبحت توزع صكوك الخيانة عليه ختم مكتوب فيه دحباشي , مع إننا لا أرى في هذه الكلمة أي أهانه لأي شخص , لأنه وببساطة هو اسم مسلسل كوميدي تمحور حول شخصية اسمها دحباش , التي أدى دورها الممثل آدم سيف وعكس الصورة النمطية لحياة شخص عادي فوضوي في الشمال , مسلسل مثله مثل مسلسل بشبوش و ابو الريش للفنان الكبير ابوبكر القيسي و شعشبونه ورعشة بن مرعوش , ولكن هناك من يحاول بطريقة لئيمة الخروج عن الصفة الدرامية للمسلسل , وتحويله إلى دراما يومية يتميز فيها الجنوبيين بالعنصرية وبالذات أبناء عدن المسالمين ضد أبناء الشمال وإلصاق تهمة السقوط الإنساني والأخلاقي على الثقافة الجنوبية وهؤلاء الخبثاء يعرفون تمام المعرفة أن أبناء الشمال المتواجدين حاليا في الجنوب اغلبهم يعيشون ويعملون دون مشاكل أو تميز ويمارسون حياتهم وتجارتهم بشكل طبيعي , ولكنهم مكسورين النفس والخاطر , بسبب الحرب الدائرة في مدنهم وقراهم , أما الهوامير السوداء منهم فتجدهم لازالوا يستوردون ويصدرون البضائع بشكل اعتيادي منهم النظيف ومنهم من هو على ارتباط ببعض القيادات الجنوبية المنبطحة , التي تعمل كطابور خامس تابع لها, يعملون سوا ليل نهار على التخطيط لإثارة النعرات المناطقية والطائفية ويشرفون على عمليات التخريب للبنى التحتية و العبث بالأمن و بمشاعر الناس وخاصة البسطاء وتأليبهم على بعضهم البعض .
استطاع عفاش ونخبته القبلية والعسكرية من اجتياح الجنوب في حرب 1994 وارتكبوا فيه أبشع الجرائم والمجازر, وأعادوا الجنوب إلى القرون الوسطى بعد كان منارة علمية وثقافية , قهر الجنوبيين من هذا التخلف والدمار الشمالي جعلهم يبحثون عن رد يسكن الالالم النفسية في أعماقهم والتفوا واتفقوا جميعهم حول تسمية دحباش لأي شخص قادم من الشمال, كون شخصية دحباش في المسلسل الشمالي كانت ترمز لحالة التخلف و الفوضى والمهازل الجارية هناك , وكذلك في المجتمع الجنوبي لم تتعدى تسمية ومعنى دحباش سوى رمزية التخلف و الفوضى بعيدا عن الكراهية المناطقية ,إلا أن عفاش بمساعدة آمنه القومي والسياسي , استفاد من مصطلح دحباش وحوله إلى معنى أهانه و عداوة وتحقير من الجنوبيين للشماليين من اجل بقاء نظامه على حساب سياسة فرق تسد بين المواطنين .
أن تحويل مصطلح دحباش من قالبه الفني الكوميدي إلى مصطلح يراد به الإهانه للشماليين في اعتقادي هذا لا يدل إلا على نفسية مريضة لمن يفكر في ذلك , لأن الإهانة ليست من قيمنا في الجنوب المتعدد الأعراق والثقافات , وليست جزء من تراثنا وتقاليدنا ولا توجد لدينا مفاهيم الزنابيل والقناديل سادة وأتباع شيوخ و رعية , فنحن شعب لا نقبل بالاهانة ولا نرضاها لغيرنا , لأن الأهانه هي التحطيم والإذلال المتعمد لشرف وكرامة الشخص , وهو ما لا يمكن أن يكون حاضر في الثقافة الجنوبية المدنية , إلا في الاستثناءات النادرة جدا المتعمدة المدروسة والمنظمة , التي تحمل بصمات من خارج الساحة الوطنية والثقافية الجنوبية .
إذا كانت كلمة دحباشي تعني إنسان الفوضى والفساد العام , فهذا يعني إننا أمام تسمية ظاهرة حاضرة في كل دول العالم و الجنوب ليس استثناء ولدينا هذا من النوع من البشر ويمكن أن نطلق عليهم دحابشة جنوبيين و بحاجه إلى إعادة تأهيل , وهم على شكل السارق المبهرر والنصاب والأحمق واللص والمرتزق والمتسلق وفيلسوف قات ومثير العنصرية و صاحب السوابق والمحبب والمحشش وعتاولة نهب وفساد و واسطة ومحسوبية و بلطجة , فهذه الصفات السيئة مشتركة بين الناس جميعا ولا يمكن فصلها عن فئة وإلصاقها بفئة أخرى حسب المزاج , فالجنوبي الذي قبل الوحدة ليس كالجنوبي اليوم وصفات دحباش القرن العشرين ليس كدحباش القرن الواحد والعشرين و الأحداث والناس تتغير , لقد تغير شكل الدولة وأصبحت غير واضحة المعالم والمجال والاختيارات لازالت مفتوحة حتى ألان , و حتى عفاش تم تصفيته في وقت لم يتوقعه هو بنفسه وقبره مجهول , والحوثي الجاهل أبو الكهف خرج من مغارته وأصبح سيد بعد أن كان خائف مختبئ , والجنرال صاحب الدروع هرب كزوجة سفير , والزنداني فتح مقهى للشيشة في اسطنبول , وتوكل كرمان صاحبة جائزة نوبل تمارس السمسرة السياسية , وعدن بدون محافظ , وبين كل هذه الأوجاع والقصص المؤلمة هناك شيء جميل يلمع اسمه المقاومة الجنوبية ترفع الرأس و تقود عملية تحرير الإنسان والأرض في الشمال بكل شرف و شجاعة ولا تسمع بين رجالها أي مصطلح تحقير أو أهانه لأي حد , ليأتيك بعدها واحد قفز بعد انتهاء الحرب في الجنوب من البيت إلى الكرسي ليقولك أنت دحباشي ويقصد بها أهانتك أو تحقيرك وهو أصلا لا يعرف شيء عن مصدر واصل الكلمة ولا عن ماضية ولا حاضرة والجهل يغطيه من رأسه حتى أسفل قدميه. وعجبي !